أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوال السعداوي - الطفلة والشيخ العجوز













المزيد.....

الطفلة والشيخ العجوز


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4230 - 2013 / 9 / 29 - 09:54
المحور: الادب والفن
    



صحيت مع صياح الديك فى عشة الفراخ ونهيق الحمارة فى الزريبة وصوت الشيخ العجوز يؤذن لصلاة الفجر فوق منارة الجامع، لا يعلو عليها إلا دار العمدة، لم يتغير صوته المشروخ منذ باعنى أبى له بألف جنيه مقدم المهر وألف جنيه المؤخر عند الطلاق، فالشيخ العجوز كان يتزوج ويطلق ويتزوج ويطلق كلما اشتهى إحدى البنات.

كنت فى التاسعة من عمرى أحب حصة الموسيقى وأتفوق فى كتابة الشعر، لكن أبى ضربنى وأخرجنى من المدرسة وزوَّجنى للشيخ العجوز فى سبتمبر عام ٢٠٠٣، كان من حق أى شيخ فى أى سن أن يتزوج طفلة فى التاسعة على سنة الله والرسول، الفلاحون المعدمون كانوا يبيعون بناتهم للشيوخ العجائز ذوى الأملاك، كان زوجى يملك مزرعة وزريبة فيها جاموسة وبقرة وعشة فراخ وحمارة يركبها بالإضافة إلى زوجاته، وهو أيضاً شيخ الجامع لا يعلو عليه إلا الله.

كرهته منذ ليلة الزفاف كالسم الزعاف، وكرهت أبى وتمنيت لهما الموت، استجاب الله لدعائى ومات أبى، لكن الشيخ كان محصناً ضد الموت لعلاقته الوثيقة بالله.

مضت عشر سنوات على زواجى حتى اليوم من آخر سبتمبر عام ٢٠١٣، أصبحت فتاة فى التاسعة عشرة أمشى محنية الظهر كالعجائز بوجه شاحب، وأصبح زوجى فى التسعين من عمره راقداً بالفراش عاجزاً عن المشى، أصحو قبل الفجر لأكنس الروث تحت البهائم فى الزريبة وأحلب البقرة والجاموسة، ثم أذهب إلى غرفته لأكنس الوسخ من تحته وأعطيه كوب اللبن مع رغيف خبزته بالفرن، فقدت عضلات فكيه القدرة على المضغ وأصبح اللبن يسيل من فمه فوق صدره المنحول الوبر، لم يعد قادراً على التحكم فى بوله وكان يتحكم فى جميع خلق الله، تفوح منه رائحة العفن فأملأ الطشت بالماء الساخن وأدلكه بالليفة والصابون، أغسل بطنه وظهره وإليتيه، يصرخ كالطفل إن حرقته سخونة الماء أو دخل الصابون فى عينيه، فى مرة وأنا أغسله انتصب الشىء بين فخذيه فشعرت بالغثيان وضربته بكوز الماء، لعنت اليوم الذى ولدته فيه أمه، كان فى قوة الثور قبل أن يمرض، وإن صعد فوقى كانت روحى تصعد لربها، وإن صفعنى بكفه مرة واحدة غبت عن الوعى يومين.

أتركه لعفنه من شدة الكره دون غسل، دون ماء يشربه، دون خبز يأكله، ولا أفتح نافذته لتدخل نقطة شمس أو ذرة هواء، تصورت أننى سأصحو بعد يومين أو ثلاثة فأجده ميتاً، لكنه أبداً لا يموت، أصبح نحيلاً كالعصا دون أن يموت، فاحت رائحته إلى الجيران دون أن يموت.

فى يوم وضعته فى كيس من الخيش، أصبح جسمه ضئيلاً مثل الجرو، حملته فوق ظهرى من غرفته حتى ظهر الحمارة فى الزريبة، سرت به إلى مزارع الذرة، كانت عيدانها طويلة أطول من قامتى تخبئنى، عند مقلب القمامة ألقيت به، لكنه مد ذراعه كالعصا الخشبية وأمسك بفتحة جلبابى عند عنقى، كاد يخنقنى وهو يلعن أبى الذى زوَّجنى له، ولولا الألف المؤخر لطلقنى منذ ليلة الزفاف، أصابعه مكرمشة مقوسة مشرشرة تشبه أرجل الصرصار أو العقرب، لكن أصابعى أصبحت أقوى، نزعت أصابعه عن عنقى، صببت اللعنات على رأس أمه وأبيه وألقيت به وسط القمامة، لكنى عدت إليه فى أول الليل قبل أن تأكله الذئاب، حملته فوق ظهرى كالقدر وهو يصب اللعنات فوق رأسى، قررت فى اليوم التالى أن أرميه للذئاب لكن الحمّى أصابتنى ولفظت أنفاسى الأخيرة وهو يرمقنى دون أن يموت.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون العيب المزدوج
- اقتلاع جذور التفرقة
- لجنة الخمسين والسقف المحرم!
- الجمال والإبداع والنرويج
- ذكرى ثورات كانت ولا تكون
- مكياج الوجوه القديمة
- إقناع أنفسنا قبل إقناع الآخرين
- بناء عقل مصر فى دستور جديد
- الثورة والحسم وسقوط الكذب
- هل تتشابه الملامح مع إدمان الكذب؟
- الصوت الباقى فى الوجدان
- ألم تستوعبى الدرس يا مصر؟
- أهناك علاقة بين السعادة والإرهاق؟
- الدولة الحرة. والمرأة الحرة
- وزارة النساء؟
- غياب العدل عن مؤتمر العدل
- الثورة وبناء عقل مصر المبدع
- ثورة شعبية وليست انقلاباً
- ميزان العدالة يا أمى هل يعتدل؟
- تمرد النساء المصريات والشباب


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوال السعداوي - الطفلة والشيخ العجوز