أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنين عمر - لماذا تركت كهرمانة وحيدة؟














المزيد.....

لماذا تركت كهرمانة وحيدة؟


حنين عمر

الحوار المتمدن-العدد: 4202 - 2013 / 9 / 1 - 22:18
المحور: الادب والفن
    




حصلت وأنا طفلة في العاشرة، على بطاقة معايدة قديمة جدا، وكان على وجهها صورة لنصب يمثل كهرمانة وهي تقف فوق الخوابي الأربعين، ولا ادري لماذا أحببتها من أول نظرة، مما جعل أمنية حياتي آنذاك أن ألتقط صورة بجانبها!
غير أن أمنيتي لم تتحقق كما تمنيتها تماما، فلم أتمكن أبدا من الاقتراب من النصب أو النزول من السيارة في المرات التي عبرت قربها وأنا في العراق، واكتفيت بالتقاط صور كثيرة للتمثال من الشباك.
مما جعلني من شدة القهر أكون مصرة على التقاط صور مع شهريار وشهرزاد قرب دجلة، إذ طلبت في آخر مرة إيقاف السيارة في منتصف الشارع، نزلت و ركضت نحوهما، ونسيت أمر الكاميرا... حينما أخذتني شهرزاد من يدي إلى عالمها يومها، وتحول كل شيء حولي إلى مشهد من ألف ليلة وليلة.
لكن في هذه الليلة...صحت بغداد على دمعات شهرزاد وحزن شهريار، فقد غادر النحات العراقي الذي خلدت أعماله تاريخا كاملا من الحكايات والشخصيات في كل أنحائها، و غادر "محمد غني حكمت" قبل أن أستطيع رؤيته كب أخبره عن مدى تعلقي بأعماله وشغفي برائحة الحديد المنبعثة منها.
مات هذا الرجل الذي ولد في بغداد عام 1929 داخل إطار أسرة محافظة جدا، لم تكن تشجع على الفن بل وتعتبره كفرا، لكنه تحدى التقاليد وكسر الحواجز وصمم على منح موهبته أجنحة ترفعها إلى السماء التي تتوق إليها، فقرر دخول معهد الفنون الجميلة ليتخرج منه عام 1953، ثم أكمل دراسته في روما، وبرع في التشكيل والنحت و صب البرونز ح، فنال جوائز كثيرة أهمها جائزة مؤسسة كولبنكيان عام 1964 كأفضل نحات في العالم.
من أشهر أعماله تمثال كهرمانة الذي يتوسط بغداد، وتمثال بساط الريح، وتمثال شهرزاد وشهريار قرب دجلة، و جدارية مدينة الطب، وتمثال أبو الطيب المتنبي ، أما خارج العراق فقد ترك أعمالا كثيرة أشهرها بوابة اليونسيف في باريس وثلاث بوابات خشبية لكنيسة "تيستا دي ليبرا" في روما، ليكون أول فنان مسلم أخدت أعماله لتزيين كنيسة، وهذا يعود لتميزه ولقدرته الفائقة على ترك بصمته بشكل واضح في كل الأعمال التي أنجزها، إذ أن دراسته في الخارج لم تستطع أن تطمس معالم روحه الشرقية التي تميزت بها تماثيلهُ و إبداعاته، فكانت شهرزاد واسعة العينين عراقية الملامح، وكانت أبوابه مزينة بزخارف من التراث العراقي، وكان من الواضح أن أسلوبه مرتبط جدا بعروبته وعراقيته وحتى بسومريته وبحضارة بلاد مابين النهرين القديمة من خلال إيحاءات النحت البابلي والآشوري، ومن خلال تشكيلات الحروف العربية التي استطاع بها أن يخرج من النمطية ليخلق فضاءً جديدا لـ" اللغة / الشكل" كأن المقصود خلق انعكاس الشعر الذي يمثل "الشكل/ اللغة".
يقول محمد غني حكمت عن نفسه : "من المحتمل أن أكون نسخة أخرى لروح نحات سومري أو بابلي أو آشوري أو عباسي كان يحب بلده"، ولعله بهذا يعلن عن سره ربما دون أن يقصد ذلك، السر الكبير الذي يجعلنا مبدعين ومميزين ومختلفين وعظماء...السر الذي يتكون من حرفين فقط، ولكنه كاف لجعل العالم أجمل وأرقى و أنقى وأصدق ...إنه الحب، الحب الذي جعل هذا الفنان يزين بغداد والعالم على طريقته، فيترك في العابرين على شط دجلة يوميا ساعة المغيب، رغبة في الجلوس قرب أحد تماثيله... والطيران نحو عوالم أخرى.
وأنا ...أريد أن أطير الليلة نحو العراق، لأكون موجودة حينما ستترك كل تماثيل محمد غني حكمت أماكنها وتسير لتتجمع معا قرب دجلة، من أجل أن تبكي رحيله بعد أن ينام كل الناس في المدينة....المدينة التي ستظل تسألهُ : لماذا تركت كهرمانة وحيدة؟
حنين//



#حنين_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دُمَى مِن وَرَق
- طريق الموتى
- سر باولو كويليو ...!
- لن اقرأ لك هذه القصيدة أبدا
- أفكارٌ بلون ٍ أحمر
- رسالة إلى مظفر النواب
- متى سنغيّر ما بأنفسنا؟
- أغنيات بتاريخ إنتهاء صلاحية
- العرب ... لديهم مواهب -أمريكية- !
- الحفاظ على الرأس المرتفع : دور الإعلام العربي في الثورات الش ...
- كل عام وأنت نزار قباني
- قبر الغريب
- اليوم العالمي للرجل
- المدن كالنساء
- فلسفة الكعب العالي
- سحر أبيض وأسود
- المصفقون
- هيباتيا: شهيدة النور
- أبطال من ورق
- لازاريوس بروجكت


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنين عمر - لماذا تركت كهرمانة وحيدة؟