أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسن محسن رمضان - في مبدأ احترام النفس البشرية















المزيد.....

في مبدأ احترام النفس البشرية


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4201 - 2013 / 8 / 31 - 20:03
المحور: المجتمع المدني
    



الحياة الإنسانية، كقيمة في ذاتها، هي مدار التحضر ومادة القيم السامية. فالنفس البشرية محترَمة لذاتها بغض النظر تماماً عن مَنْ يحملها بين جنبيه. فحياة المُختلف لوناً أو عِرقاً أو ديناً أو رأياً وقناعة تتساوى في القيمة الإنسانية مع حياة الآخر الذي يقف على النقيض منه، بغض النظر تماماً عن محتوى ذلك الاختلاف ومادته. بل إن نَفَسُ المجرم تتساوى في القيمة الإنسانية مع نَفَسُ البريئ حتى وإن كان ذلك المجرم محكوماً بالقتل بسبب جرائمه، يُقتّصُ منه بحسب ذنبه وإنْ كان الإعدام، ولكن حياته لا تُهان كيفما اتفق وجسده لا يُدّنس كيفما كان، وإلا نزلت البشرية التي حكمت عليه إلى مستوى المجرم والسادي والشاذ وتساوت معه. فكل من أهان نفساً بشرية واستهان بقيمتها المجردة، حتى وإن كانت محكومة حُكماً عادلاً بإزهاقها قصاصاً على ما اقترفته، هو تصرف يخرج حتماً إلى نطاق الهمجية والسادية والتصرف الشاذ المثير للتقزز، فما بالك بمن يقتل النفس البريئة عمداً أو يُهينها أو يعذبها أو يبرر لمن يفعل بها ذلك؟ فالسلطة الأخلاقية التي يُفتَرَض بها أن تحكم على الآخر وتقتص منه يجب أن تكون أعلى منه درجة في سلم "الإنسانية الأخلاقية"، وإلا لحَكَمَ الساقط على الساقط وانتفت العدالة وسقطت.

كل الأديان التي أتت على هذه الأرض، على الأقل من وجهة نظر أنبيائها وفقهائها وقديسيها ومَنْ يتولى الدفاع عنها والترويج لها، كان هدفها الإنسان. وكل فلسفة تفتق عنها ذهن بشر، على الأقل من وجهة نظر مبدعها وشارحها، كان هدفها الإنسان. وكل قيمة أخلاقية مجردة تم تفصيلها في مبدأ أو قانون أو ممارسة، على الأقل من وجهة نظر من يؤمن في تعاليها، كان هدفها الإنسان. فالإنسان، وقبل كل شيء، هو "نفس" تسمو على كل ما عداها مطلقاً، بسبب وجودها ذاته ولا سبب غيره، تتردد بين أضلاع كائن حي لتُؤكد حرمته حياً وميتاً. النفس البشرية هي "كرامة" يجب أن تُحفظ لصاحبها بسبب حقيقة وجودها ككيان مادي، أو كما يؤكد أنصار الأديان والمؤمنون بها بسبب مصدرها الإلهي الأول الذي نبثقت منه، (فخلق اللهُ الإنسان على صورته. على صورة الله خَلَقَه) [تكوين 1: 27] (ونفختُ فيهِ من روحي) [سورة الحِجر: 29]. تلك "الكرامة" الأولى يجب أن تُحفظ لصاحبها في حياته، وفي تفاعلاته البشرية، وخلال نزعه الأخير وإن كان قصاصاً عادلاً. وكل ممارسة، أياً كانت هذه الممارسة، تُلغي كرامة الإنسان وحرمته، أو تُهمشهما، أو تنزل بهما في درجات الحُرمة، لأي سببٍ كانَ خارج إطار الدفاع الذاتي المباشر عن النفس، هي ممارسة همجية في ذاتها ومُجرّمة في كلياتها وتفاصيلها. ولا تنازل إطلاقاً عن هذا المبدأ إلا عند مَنْ فقد جزءاً أصيلاً من إنسانيته أو أضاع جزءاً أصيلاً من أخلاقياته أو هو يدّعي وطنيةً أو إيماناً مزورةً كاذبة خادعة.

تعاني الثقافة العربية بشكل عام من قصور في فهم "الإنسان" كقيمة مجردة في ذاته. وهذا ينعكس واضحاً جلياً في تصرفات أفراد تلك الشعوب وجماعاتها، وينعكس أيضاً في آرائها وقضاياها بل وحتى ثوراتها كما رأينا مؤخراً في مصر وسوريا ولبنان والعراق وليبيا وتونس. فلا يوجد وعي حقيقي، فردي أو جماعي، بالحصانة الأخلاقية التي تمنحها الحياة للإنسان كحق طبيعي له بمجرد ولادته. ولا يوجد فهم اضح وواعي في تلك الذهنية للحقوق الطبيعية للإنسان، الذي يُولد وهو يحملها معه بداهة بغضّ النظر عن جنسيته أو اعتقاده أو لونه، مثل حق الحياة والحرية والكرامة والاعتقاد. فالممارسات التي نراها في دول ما يسمى بالربيع العربي في طريقة التعامل مع المعارضين السياسيين أو المختلفين عقائدياً أو فكرياً هي طريقة يغلب عليها طابع العنف السادي والتشفي إلى حدود القتل والتحريض عليه مع ما يصاحبها من الاعتقالات العشوائية وتلفيق الاتهامات. هي ممارسات لا تحفظ تلك "الكرامة" الإنسانية البديهية المتحضرة، ولن نقول هنا التي نادت بها الأديان والفلسفات والقيم المجردة كما يحلو لتلك المجتمعات "المحافظة" أن تقول، ولكن التي نادت بها أصلاً تلك الثورات العربية "الربيعية" الأخيرة ونادى بها هؤلاء "الثوار"(!!) ضد ممارسات الحكام السابقين. وهذا يعكس بوضوح الرأي الذي يقول بأن الشعارات التي كانت تُرفع في تلك الثورات، مثل (الديموقراطية، الحرية، الكرامة، العدالة، رفض الاستبداد ...الخ)، لم تكن تعكس فهماً حقيقياً لمحتوى تلك الشعارات. بل حقيقة تلك الثورات برمتها هو اقتصادي بحت، أي ثورة فقراء ضد فقر، لا أكثر من هذا ولا أقل. إلا أن الملاحظة الصادمة في تلك الثورات الربيعية هي أن تلك الشعوب التي تقول بأنها ثارت ضد "الاستبداد" أصبحت اليوم تحرض عليه علناً ضد خصومها السياسيين إلى حدود التصفية والقتل كما يحدث الآن في مصر وسوريا، ومَنْ وقف رافضاً تدخل الدول الغربية وجمعيات حقوق الإنسان في أحداث ساحات مصر الدامية تحت حجة "السيادة"، هُم نفسهم الذين تحمسوا للتدخل الأمريكي – الأوروبي في سوريا. هذه الازدواجية المتناقضة في الموقف المبدئي تعكس الحالة الحقيقية للذهنية العربية المعاصرة بوجه عام، وهي أن الأفراد والجماعات لا يمكن أن يكونوا إلا نتاج أصيل لثقافتهم المنتجة لهم حتى وإنْ ادعوا عكس ذلك. والثقافة العامة العربية، المتأثرة بالدين بشكل رئيس، هي ثقافة بحاجة إلى "إصلاح" نقدي وجذري شامل وعميق [لاحظ التعصب الشديد المتطرف إلى حدود العدوانية اللفظية أو الجسدية لدى كل أتباع الديانات في الشرق الأوسط والشمال الأفريقي ومن دون استثناء، وهذا في ذاته ينفي أن يكون ديناً واحداً هو المسؤول عن هذه الذهنية الكارثية، وإنما هو سياق عام متشابه للدين في تلك الدول. فبينما هناك خطاب عدواني علني واضح ضد الأقليات كما هو في الخطاب الإسلامي، إلا أنه حتى الأديان التي تدّعي التسامح مثل المسيحية، لا يُمكن لها أن تُنكر بأنها تمارس ازدواجية في الخطاب. بمعنى أن هناك خطاب علني دعائي متسامح، ولكن هناك أيضاً، وفي نفس الوقت، خطاب آخر يدور خلف الأبواب المغلقة بين أتباعها ورجال دينها ويتميز بالعدوانية والتشفي وربما التحريض. هذا كله ذو أثر عميق في تشكيل الشخصية الفردية والجماعية في البلاد العربية ويمكن التدليل عليها من أحداث ساحات مصر الأخيرة].

يمكننا ملاحظة الاختلاف في الثقافة العامة المكوّنة للشخصية العربية عن الثقافات الأخرى من خلال عدة ملاحظات في التصرفات الجماعية لهذه الشعوب مما يدلل على إشكاليتها الخطيرة. ففي كل دول العالم المتحضر تنفذ أحكام الإعدام والقتل والتعذيب بعيداً عن أعين الناس المتطفلة على مشاهد الموت والاحتضار لإنسان آخر مساو ٍ لهم في الإنسانية والكرامة، إلا في دولنا العربية، فإن مشاهد الإعدام والقتل والاحتضار إما تكون في الساحات العامة أو يُجرى تصويرها وتداولها بأشكال متعددة، وليكون مشاهديها بالملايين، يشاهدونها ويبررون لها ببرود مَرَضي، أو يعارضونها ويطالبون بدورهم بالقتل والتنكيل بخصومهم. في كل دول العالم المتحضر يُرفض رفضاً قاطعاً استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين أو المتهمين، ويتم تقديم المسؤول عنها من العسكريين للمحاكمة، إلا في دولنا العربية، كلما ازدادوا عنفاً وإجراماً وقتلاً ارتفعوا في سُلّم الأبطال. في كل دول العالم المتحضر لا يُسمح إطلاقاً باستعراض جثث أناس آخرين في الساحات العامة، لأنها نوع من أنواع السادية يتقزز منها كل صاحب نفس سوية، إلا في أوطاننا العربية الذي وصل الحد إلى سحل القتلى في الشوارع أو بقر بطونهم واستخراج أحشائهم كما يحدث في سوريا، أو جرف جثامين وجثث مخالفيهم بالجرافات في ساحات مصر بعد أن صفّها واستعرض بها المتظاهرين في وسط الساحات العامة. في كل دول العالم المتحضر يكون التحريض على القتل والاعتقال التعسفي جريمة يُعاقب عليها القانون، إلا في أوطاننا العربية، مثل الذي يحدث الآن في مصر، مَنْ لم يحرض الجيش على قتل المتظاهرين ويبرر لهم فهو (خائن – عميل)(!!!).

ارتفعوا بقيمة "الإنسان" في ممارساتكم، حتى تكونوا جديرين بما تدعونه من أنكم أصحاب "رسالة سامية". ارتفعوا بقيمة "الإنسان" في قناعاتكم، حتى تكونوا جديرين بما تدعونه من تحضر. ارتفعوا بقيمة "الإنسان" في تصوراتكم عن القصاص والعقوبة، حتى لا يتقزز منكم صاحب الحس الإنساني السوي. ارتفعوا بقيمة "الإنسان" في نظرتكم، حتى تسمو نظرتكم لأنفسكم وحتى نستحق لقب "إنسان".

اسم الـ "إنسان" هو قيمة متعالية في ذاته على مَنْ سواه، لا تحطوا من شأنه حتى لا تحطوا من أقداركم أنتم.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مشكلة الفشل الحضاري العربي
- إعادة اكتشاف الغباء الجماعي
- في الأزمة الأخلاقية العربية
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 6
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 5
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 4
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 3
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 2
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس - 1
- مشكلة نقد النصوص المقدسة
- مشكلة الآخر المختلف في الإسلام
- مصطلح الثوابت الإسلامية
- يسوع والمسيحية والمرأة – 2
- يسوع والمسيحية والمرأة - 1
- من تاريخ التوحش المسيحي – 2
- من تاريخ التوحش المسيحي
- الازدواجية في الذهنية الدينية ... الموقف من نوال السعداوي
- في الاستعباد كنزعة إنسانية متأصلة
- الأحاديث الموضوعة كأداة لتصحيح التاريخ
- مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا


المزيد.....




- الأمم المتحدة: مخزوننا من الوقود المخصص للعمليات الإنسانية ف ...
- شهيدان بطولكرم وحملة اعتقالات جديدة للاحتلال بالضفة
- الاحتلال الإسرائيلي يمنع الأمم المتحدة من الوصول لمعبر رفح ف ...
- الأمم المتحدة: إسرائيل تمنعنا من دخول معبر رفح
- الرئيس التونسي: تدفق غير طبيعي للمهاجرين على البلاد لا يمكن ...
- الأمم المتحدة: المساعدات -محجوبة- عن غزة مع إغلاق المعبرين ا ...
- تفاؤل بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة
- اعتقالات جديدة بأميركا والحراك الطلابي يتوسع بأوروبا
- نيويورك تايمز: اختلافات طفيفة بين مقترحي حماس وإسرائيل حول و ...
- مسؤولة إغاثة ترصد لـCNN صعوبات يواجهها الفلسطينيون للإجلاء م ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسن محسن رمضان - في مبدأ احترام النفس البشرية