أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الحمّار - تونس: اعتصام الرحيل وعربة بلا سبيل؟















المزيد.....

تونس: اعتصام الرحيل وعربة بلا سبيل؟


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 4170 - 2013 / 7 / 31 - 21:17
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


إنّ الثورة حراك يؤدي إلى التقدم. فهل الفرد والمجتمع في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي بلاد "الثورة" يتحركون؟ وإذا حصل ذلك فهل نجَم عن تحركهم أي تقدم أو أي تغيير نحو الأفضل؟

ما أعتقده هو أننا نتحرك وبصفة كبيرة جدا لكننا مع ذلك لا نغيّر الواقع نحو الأفضل. فهو حراك عقيم إن لم نقل خطير لأنه يوهم بحصول التغيير بينما يزيد الأوضاع تعقيدا ويتسبب في الإحباط.

لكي أفسر ذلك سوف الجأ إلى وضعية ميكانيكية عشتُها مؤخرا لمّا توقفَت عربتي عن السير في قلب العاصمة بينما كان محركها يشتغل بصفة عادية. بالرغم من بداهة المسالة في عيون مختص ميكانيكي أو أي شخص ينحصر انشغاله بالمسألة في الجانب الميكانيكي، إلا أنّ تشبيه العطب الذي يحصل لتونس بالعطب الذي حصل لعربتي نفعني كثيرا، إلى درجة أني أتخلى (مؤقتا) عن منهجيتي في الكتابة مع إبقائي على نفس المقاربة، مقاربة الربط بين اللغة والإسلام في مسار البحث عن سبل تحرر المجتمع المسلم.

نفعني التشبيه لمّا عُدت لمشاهدة التحاليل السياسية على بلاتوهات التلفزيون بمختلف قنواته لأعطي لنفسي فرصةً أكذّب من خلالها عقيدتي بشأن إفلاس التحليل والفكر والسياسة. نفعني التشبيه لمّا عاينت أنّ دسامة المادة الإخبارية وجودة تلكم التحاليل التي تثيرها لا يقابلها تغييرٌ يُذكر ولا تقدمٌ يثلج الصدر على صعيد الحياة العامة والخاصة. نفعني التشبيه لمّا تراءى لي الواقع التونسي (والواقع في كل بلد من بلدان "الربيع") لكأنه عربة (المجتمع) ذات محرك (الانتلجنسيا: النخب المفكرة والسياسية والإعلامية) يشتغل بكل سرعة وحماسة وشغف لكنه لا يقدر على دفع العربة لا إلى الأمام ولا إلى الخلف ولا يمنة ولا يسرة.

إنّ السبب في تعطل عربتي عن الانطلاق والسير هو ببساطة احتقان آلية "واصل الجذب"("اومبرياج"/"كلتش") بصفة مفاجئة و كلية. والمعروف عن هذه العدة أنها هي التي تسمح لصندوق الآليات المبدل للسرعة في العربة بأن يدفع المحرك إلى تحريك العجلات وانتقال العربة من مكان إلى آخر. إن تعطلت هي تعطل السير مع أنّ كل الآليات المتبقية للمحرك تشتغل بصفة عادية.

وغرض التشبيه والاستعارة يتطلب معرفة ما هو نظير آلية "واصل الجذب" للعربة في الانتليجنسيا، محرك المجتمع. حسب اعتقادي الراسخ لا يمكن أن يكون "واصل الجذب" للنخبة المثقفة شيئا آخر غير جهاز الكلام والتكلم. و تقديمنا لفرضية تعطل هذا الجهاز عند النخب المثقفة يتطلب بعض الشرح.

إنّ الوضع الخطابي لدى النخب، ومنه لدى الشعب كافة، وفي المجالات كلها، يعطي الانطباع بأنه جيد بل وفي تطور مطرد، مما يرسخ فكرة أنّ حرية التعبير أضحت أمرا مكتسبا وأنها ربما الحرية الوحيدة التي ربحناها من "الثورة". كم كان بودي أن أنضم إلى هذا الموقف الإيجابي لكني حاولت مرارا وتكرارا ولم أقدر. لم أقدر لأني لم أرَ تغييرا إيجابيا يذكر في حياة التونسيين. قد يقول قائل إنّ المتسبب في عدم التقدم ليس الفكر وآلياته وليست حرية التعبير وأساليب اشتغالها وإنما المتسبب هي السلطة الحاكمة، هي المجلس الوطني التأسيسي، هي الحكومة، هي لا أدري ماذا، وأقول ما ذنب مؤسسات الدولة لمّا يكون العقل المجتمعي، الممثل بواسطة نخبه، وآلية "واصل الجذب" فيه، وهي الجهاز اللغوي، غير قادر على بعث الحركة في تلكم الدواليب بما يضمن التغيير والسير إلى الأمام وبما يجسّم التطابق بين القول والفعل وبين حرية التعبير وتفعيل الإرادة ثم تجسيد الفعل المراد؟

طبعا سيقال لي إنّ تأثير النخب على المسار الانتقالي سيحصل لا محالة وإنّ الدليل على ذلك هو الحراك الحالي غير المسبوق والذي آل بالخصوص إلى التئام "اعتصام الرحيل" (خاصة على إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي ) أمام مبنى المجلس الوطني التأسيسي لإرغام هذا الأخير على أن يحل نفسه ومن ثمة أن يحل الحكومة ويدفع المجتمع السياسي على تشكيل حكومة إنقاذ وطني للمُضي قدما على درب التغيير. لكني سألاحظ أنّ العقل المجتمعي و"واصل الجذب" فيه، أي جهازه اللغوي، لم يستطع بعدُ تنظير الحرية اللغوية مع الحرية بعينها. فكانت النتيجة أن الكلام كثير والفعل قليل بل وهو على قلته ليس في محله. فكيف يتمّ الرحيل المطلوب لمّا يكون قادة العربة غير أكفاء لإيجاد السبيل من باب أولى؟

لو أردنا التمعن الآن في لب الحرية التي تخلصنا إلى الحكم أنّها لم يتم تنظيرها في جانبيها الاثنين (الحرية في المطلق وحرية الكلام) لكي نستقرأ بعض حلٍّ، فالأمر على غاية من البساطة: لننظر ما الذي تهمله النخب في خطاباتها ومحاضراتها وتحليلاتها وتعليقاتها بالرغم من خطورته وحيويته وتسببه في كل المشكلات الظاهرة للعيان، ألا وهو المسألة الدينية. إنّ النخب فقط تعطي الانطباع بأنها تخوض في هذا المجال الخطير رقم واحد، فتراها تتحدث في المواضيع ذات الصلة مثل الخلط بين الدين والسياسة و التشدد الديني و التعصب الديني و الإرهاب باسم الدين، إلا أنها، بما فيها النخبة المتخصصة في الدين وفي الحضارة الإسلامية، لا تتصرف من منطلق حرية دينية مكتسبة لديها تكون هي نفسها متطابقة مع الحرية بمعناها الكوني والمطلق، وبالتالي لا تعرب عن مواقف حقيقية تحظى بالمصداقية لدى الشعب ومنه تحظى بقبول مشروعيتها لدي السلطة.

إنّ الحرية من المنظور الديني هي في المجتمع المسلم العصب الرئيس في تعريف الحرية ككل. وإذا كانت ملكة الكلام غير مجدية كما شرحنا فذلك مرده عدم تطابقها مع الحرية كما يُعرفها الإسلام. لكن هذا لا يعني أنّ هنالك تعريف جاهز للحرية في الإسلام. بل إنّ ما نعنيه هو أنّ المشكلة موجودة، وأنها هي الأصلية، وأنّ في وجودها يكمن العائق الذي يحُول دون حرية الكلام وتوافقها مع الحرية المعرفة كونيا ومطلقا. وهذا هو الخلل الحاصل في "واصل الجذب" والذي يحرمه من أداء وظيفته الأساس في "محرك" المجتمع.

قد تكون النخب ممتنعة عن الخوض في مسألة الحريات عند المسلم من باب فاقد الشيء لا يعطيه، لكن هذا لا يمكن أن يكون مبررا لتهاونها في السعي إلى البحث عن الحقيقة وفي تسهيل الإسهام في بلورة تعريف للحرية من المنظور الإسلامي يكون استجابة لنداء المجتمع ذي جهاز "واصل الجذب" المعطب.

على أية حال يمكن حسب ما توصلنا إليه تعريف الحرية الأصلية للمسلم المعاصر في صيغة الأسئلة التالية: طالما أن الإنسان خُلق ناطقا لا للتخمين وإنما للفعل (نعوم تشومسكي ارتكازا على نظريات ديكارت وروسو وغيرهما) ولأنّ المجتمع المسلم اليوم غير قادر لا على حسن توظيف الإسلام لا على حسن توظيف الكلام من أجل الفعل المُبدّل للأحوال نحو الأفضل، ما الغرض من مواصلة التدين في واد والتكلم في واد؟ أليس جديرا بنا وبالحرية التي نتوق إليها كبشر كونيين أن نتعلم كيف نتديّن وكيف نتكلم على نفس المسافة من هذا وذاك إن لم نقل على نفس الوتيرة؟ أم أننا سنرضى لمجتمعنا بثورة الجمود وبأن يبقع متوقفا عن السير ومباهيا بعربة تخرخر ولا تحرك ساكنا، تهدر ولا تَعبُر به إلى حيث يشاء؟



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا هناك سلفيون وإخوان وما البديل؟
- الاغتيال السياسي في بلاد الإسلام والإسلام الموازي
- هل اغتيلت الديمقراطية باغتيال محمد براهمي؟
- هل من انقلاب علمي على الإسلام السياسي؟
- متى سيمرّ العرب من الديمقراطية التابعة إلى المصلحياتية؟
- تونس: باكالوريا أم امبريالية الرياضيات؟
- تونس: هل انقلبت علينا الديمقراطية؟
- تونس: هل التجديد التربوي مسألة مباهج أم مناهج؟
- من تحزب خان..
- تحكمت بنا كلمة فاستباحتنا موزة..
- تونس والسلفية: هل عُدنا إلى التعلل بدولة القانون؟
- ما البديل عن الديمقراطية الإرهابية؟
- المشروع العربي التونسي: -مدرسة ومجتمع الغد-
- تونس بين الإبهام والإرهاب
- ما -الإسلاميات اللغوية التطبيقية- وما -اليسار المؤمن-؟
- الجدلية المادية وتوحيد المسلمين
- فكرٌ بديل بلا بُدلاء، ومدرسة بلا علماء؟
- تونس: طبيعة الإصلاح التربوي وأجزاؤه
- إلى وزير التربية في تونس: كلا، يتوجب البدء في الإصلاح من الآ ...
- هل باستطاعتنا إنجاز الاختراق الحضاري؟


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الحمّار - تونس: اعتصام الرحيل وعربة بلا سبيل؟