أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - إيمان أحمد ونوس - المجتمع السوري.. والحاجة إلى إعادة التأهيل















المزيد.....

المجتمع السوري.. والحاجة إلى إعادة التأهيل


إيمان أحمد ونوس

الحوار المتمدن-العدد: 4121 - 2013 / 6 / 12 - 11:31
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    




بعد أكثر من عامين، لاقى خلالهما السوريون على مختلف شرائحهم وأعمارهم ما لاقوه من أنواع متعددة من الأهوال والمصائب والأحزان والفواجع التي نهشت كيانهم النفسي والإنساني، حتى باتوا أشباه بشر يعبرون الحياة خاليي الوفاض من أدنى مقومات الإنسانية التي اتصفوا بها على الدوام، والتي هي زادٌ أساسي لكل كائن على وجه الأرض كي يعيش الانتماء بكل أبعاده ومقوماته بكثير من الأمان والكرامة والسلام الروحي. انتماءٌ يُشعِر الإنسان أنه مواطن في بلد هو قوامه وأساس وجوده المادي والمعنوي، بل هو أساس رفعته وتحضّره وتطوره بما يحمله من قيم إنسانية وأفكار خلاّقة تدفع بالمجتمع والحياة نحو مستقبل يليق بالوطن والمواطن.
فما عاشه عموم السوريين على مدى عمر الأزمة في البلاد أفقدهم إحساسهم بالتوازن النفسي والعاطفي نتيجة الضغوط المختلفة والخوف اليومي على مصير مجهول الأفق، فكانوا جميعاً فريسة الشدّات النفسية المختلفة التي أطاحت بالحياة الطبيعة، والشعور بالأمان والاستقرار، حتى لأولئك الذين يعيشون في مناطق تُعتبر آمنة أو شبه آمنة، فكيف بالذين فقدوا كل ما يملكون، ليس من المال والممتلكات فقط، وإنما كل مقومات الحياة الطبيعية للبشر جرّاء الموت والدمار والخراب الذي لحق بهم، والأحزان والهموم التي تشبثت بأيامهم فأحالتها ركاماً مدمّراً بعدما فقد الكثير منهم منازلهم التي هُجّروا منها طواعيةً أم قسراً أم دماراً، تلك المنازل التي عبقت بذكريات العمر وتعب سنين غير قليلة في التأسيس والتأثيث، فصارت اليوم ركاماً منثورا، أو هيكلاً خالياً من كل ما كان يشغله بالأمس من أثاث أو بشر إمّا بفعل الدمار والقتل، أو بفعل النهب والسرقة التي استشرت في المناطق التي وقعت تحت وطئ الأزمة، بحيث لم تُبقِ على شيء.
ولا ننسى أولئك النازحون أو المشردون الذين تاهت بهم سبل الحياة وجرفتهم إلى أماكن قصيّة عن حياتهم المألوفة داخل البلاد وخارجها، فذاقوا مرارة الغربة والوحشة إضافة إلى ذلّ السؤال من أجل الحصول على ما يسدُّ الرمق أو يستر الجسد المنهك، لاسيما أن أولئك النازحون خارج البلاد قد صاروا ورقة يتمُّ الضغط من خلالها للحصول على مكاسب مادية ومعنوية للدول التي وصلوها رغم أنهم لم يجدوا ما كانوا يأملون من حياة أكثر استقراراً وأماناً وبعض كرامة كانت قد وفرتها سوريا والسوريين لأشقائهم من هذه الدول في الماضي.
ناهيك عن عمليات القتل والخطف والاعتقال والتعذيب التي حوّلت الإنسان إلى مجرد سلعة تتم المقايضة بها رغبة في الحصول على المال أو السلاح أو ما شابه، دون إدراك لما تُخلّفه تلك الممارسات اللاإنسانية في النفس وإحساسها بالعدمية وعدم تقدير الذات. وكذلك عمليات الاغتصاب التي تعرّضت لها النساء والفتيات في تلك المناطق سواء انتقاماً، أو شهوة حيوانية دفعت صاحبها باتجاه نزوات غريزية أطاحت بكل القيم الأخلاقية وبحياة ومستقبل إنسانة ذنبها الوحيد أنها أنثى أولاً، وثانياً أنها تمثل شرف العائلة في منطقة معادية للمغتصب، ومعلوم تماماً ماهية الآثار النفسية والجسدية والاجتماعية التي يُخلّفها جرم الاغتصاب على النساء والفتيات. كذلك لم يسلم الأطفال والشبّان والرجال من شناعة الاغتصاب القائم هنا إما على انتهاك الطفولة وبراءتها من أجل تحويل الأطفال إلى شاذّين أو مجرمين أو مقاتلين، وإما على سحق الرجولة وإطفاء جذوتها انتقاماً بشعاً وفظيعاً بما يخلّفه من آثار نفسية عميقة تأخذ بصاحبها إلى مسارب بعيدة عن المشاعر الإنسانية والحياة بصورة سوية قد تحوّله في لحظة إلى مغتصبٍ أشدُّ فتكاً ممن اغتصبه انتقاماً لرجولة مسفوحة على أعتاب الحقد والكراهية.
وإذا ما بقينا في حالة الاغتصاب، فإن ما لاقته نساء سوريا وفتياتها النازحات خارج البلاد، يُعتبر إجراماً بكل الاتجاهات، بسبب تسليعهن والمتاجرة بهن عبر شبكات دولية تعمل بتجارة الرقيق، أو عبر أنواع مختلفة من مسميات الزواج الذي يخفي دعارة مشروعة ببعض مهر هو أدنى بكثير مما تحتاجه عائلات أولئك الفتيات الصغيرات، أو حالات العمالة النسائية السورية كخادمات في البيوت مقابل أجور زهيدة لا تكفي لسد احتياجات الأسرة. وهذا كله يجعل أولئك النسوة أسيرات ضغوط نفسية رهيبة تجعلهن فريسة ثورات غضب جامح ربما يُطيح بكل المشاعر والأحاسيس الإنسانية في الحياة ومتطلباتها.
ولا ننسى تشرد الأطفال وتسوّلهم ودخولهم مبكراً مجالات عمل لا تتلاءم وأعمارهم ونمو أجسادهم الغضة، مخلفين وراءهم عالم الدراسة بكل ما يحمله من متعة المعرفة وجمالية الحياة وشغبها وبراءتها، حتى بتنا نرى أفواجاً من الأطفال الصغار يعملون بمهنٍ لا تسد رمق جوعهم غير آبهين بمخاطر أماكن تواجدهم، ومع أناس ربما يشكلون خطراً داهماً عليهم.
وأيضاً، أولئك التجّار والصناعيين ممن فقدوا مصادر رزقهم وتجارتهم وصناعتهم جرّاء ما يجري، فباتوا بين ليلة وضُحاها يعملون في أفضل الأحوال عبر بسطات على الأرصفة يعرضون فيها بضائعهم، اتقاءً للحاجة وذُلّ السؤال، وآخرين لم تساعدهم الظروف فأصبحوا عاطلين عن العمل، وعالة على أسرهم التي لا تجد لها معيلاً.
إنّ ما لاقاه المجتمع السوري خلال عامين ونيّف يفوق قدرة أيّ مجتمع على تحمّله، لاسيما شرائح النساء اللواتي يحملن الوزر الأكبر في المجتمع لصلتهن الوثيقة بكل الاتجاهات(أم، أخت، ابنة، زوجة، عمّة، خالة... الخ) وكذلك لتعدد المهام المنوطة بهنّ على مختلف الأصعدة المادية- الاقتصادية، والمعنوية- النفسية والصحية. إضافة إلى أولئك الأطفال الذين فقدوا براءتهم ونقاءهم، وإحساسهم بالأمان المطلوب لحياتهم في ظل ما عايشوه من رعب وقتل وتهجير وخراب، ذلك أنهم عماد مستقبل البلاد وتطورها.
قد يطول الحديث إذا ما أردنا تناول كلّ شرائح المجتمع السوري، ولكن إذا ما نظرنا إلى الشرائح المذكورة أعلاه يمكننا تلمّس مقدار الضغوط والأزمات والهزّات التي عمّقت الخراب النفسي والتشوّه الذي لحق بهم، كما يمكننا معرفة مدى حاجة هؤلاء للدعم والعلاج النفسي الضروريان من أجل حياة أقل توتراً وأكثر توازناً. لذا على وزارة الصحة بالدرجة الأولى بالتعاون مع الجامعات السورية، وكذلك الجمعيات والمؤسسات المعنية بالصحة النفسية، وجميع المختصين بالعلاج النفسي والإرشاد الاجتماعي محاولة تكثيف الجهود، والوصول إلى أكبر عدد من أولئك المتضررين في محاولة لتقديم الدعم النفسي والمعنوي الإنساني، والإرشاد الاجتماعي كي يحافظوا على ما تبقى من رمق الحياة شبه الطبيعية، لأن عموم السوريين لا يتمتعون بالحياة الطبيعية ولن يتمتعوا بها لأمد غير قليل جرّاء استمرار الأزمة وما يتبعها من اهتزازات اجتماعية واقتصادية وسياسية تُلقي بظلالها الثقيلة على حياتهم على المدى البعيد.
فمنذ اليوم علينا جميعاً التعامل مع المقربين منّا، ومع شرائح المجتمع كافة معاملة فيها بعض الدعم المادي والمعنوي والاجتماعي، مفعماً بكل التسامح والتعاون من أجل النهوض من كابوس خيّم بثقله على حياتنا جميعاً.
فالسوريين على اختلاف مشاربهم وشرائحهم يحدوهم الأمل دوماً بغدٍ أفضل.



#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نتصدى للأزمة والغلاء وجشع التجّار؟
- الحكومة تُدربنا على رفع الدعم..!!!!
- في عيد العمال العاملة السورية بين الواقع والتحديات
- الاغتصاب أحد أسلحة الحروب تداعياته.. وآلية التعامل مع الضحاي ...
- الأمم المتحدة تُقرُّ إعلاناً لإنهاء العنف ضدّ النساء والعنف ...
- قضايا المرأة في بوتقة الشأن العام فلتكن حاضرة في كل تحرّك وط ...
- أمهات سوريا.. وقفة خشوع لصبركن العظيم
- شروخ الأزمة السورية تنتهك كيان الأسرة
- في عيد المرأة.. نساء بلادي المعمّدة بالدم يتشحن بالذلّ والحز ...
- أخلاقيات مشوّهة في أزمات قاتلة
- الأنوثة بين سندان الحاجة ومطرقة القيم والقانون
- التحرّش الجنسي.. أخلاقيات شاذّة منحطّة
- إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة جريمة لا تُغتفر
- وللرجل- الحاضر الغائب- متاعبه وهمومه
- الراتب خلفنا، والغلاء أمامنا..فأين المفر؟
- في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة فليعلُ صوت النساء ع ...
- البطاقة العائلية... ومعضلة استحقاقات المرأة
- الآثار الاجتماعية والنفسية للنزاعات المسلحة على المرأة
- نظرية ما بعد البنيوية والنسوة في الشرق الأوسط، هل ندور في حل ...
- النسوية العربية: رؤية نقدية - ماذا تريد النساء.؟


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - إيمان أحمد ونوس - المجتمع السوري.. والحاجة إلى إعادة التأهيل