أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل حبه - كيف نغيّر العالم أحاديث عن ماركس والماركسية















المزيد.....


كيف نغيّر العالم أحاديث عن ماركس والماركسية


عادل حبه

الحوار المتمدن-العدد: 4116 - 2013 / 6 / 7 - 13:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قراءة في كتاب

كيف نغيّر العالم
أحاديث عن ماركس والماركسية
بين عام 1840-2011
تأليف أريك هوبسباوم
عرض عادل حبه
إن آخر ما نشره المؤرخ والباحث الماركسي أريك هوبسباوم قبل رحيله في عام 2012 هو كتاب " كيف نُغيّر العالم ، أحاديث عن ماركس والماركسية خلال أعوام 1840 – 2011"، والذي نشر باللغة الانجليزية في العاصمة البريطانية لندن. ويقدم أريك هوبسباوم في هذا المؤلف القيم عرضاً شيقاً وعميقاً ونقدياً للماركسية، ويبحث في تأثيرها على العالم على شاكلة ما تركته حركة "الكواكرز"* والميكافيلية وأصولهما من آثار على الثورة الفرنسية والفلسفة الألمانية. كما يتناول هوبسباوم في هذا المؤلف آراء المفكرين الماركسيين ويعرج على النصوص الأساسية لمؤلف فرديك أنجلز " أحوال الطبقة العاملة" ونصوص من مؤلف انطونيو غرامشي "الرسائل السجنية" والبيان الشيوعي، ويحلل التأثير المذهل للماركسية خلال العقود الثلاث الماضية.

غلاف الكتاب
إن كتاب " كيف نغير العالم" لا يترك لنا أي مجال للشك بأن كارل ماركس هو مفكر قرننا بقدر ما كان أيضاً مفكر القرنين الماضيين.

كارل ماركس أريك هوبسباوم
1917-2012 1818- 1883

في مقدمة الكتاب، يشير الكاتب إلى أن مؤلَفه عبارة عن مجموعة كثيرة من المؤلفات التي كتبت بين عام 1956 وعام 2009، والتي تمثل بدرجة أساسية التطورات وتأثير كارل ماركس بعد وفاته. وهذا المؤلف لا يعد تاريخ الماركسية بمعناه التقليدي، رغم أن جوهره يشكل ستة فصول كتبها المؤلف باللغة الإيطالية بعنوان " Storia del Marxismo"، الذي نشر في أعوام 1978 – 1982. وقد أضيف إلى ذلك فصل خاص حول ركود الماركسية منذ عام 1983، والذي يمثل نصف الكتاب. كما يحتوي المؤلَف على دراسات جديدة والتي يصفها هوبسباوم برطانة الباحثين بـ"استقبال" ماركس والماركسية. ويناقش المؤلِف موضوع فريد حول فترة ما بعد ماركس والخاصة بالموضوعات التي طرحها انطونيو غرامشي زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي (1891-1037). ويشير الكاتب في مقدمة كتابه إن الماركسية كانت مثار جدل لمدة 130 عاماً، وأضحت الموضوع الرئيسي في نقاش المثقفين في العالم المعاصر حول مدى قدرتها على تعبئة القوى الاجتماعية. كما كانت الماركسية في مرحلة معينة من القرن العشرين العامل الحاسم في التطورات الفكرية والاجتماعية والسياسية.
ويعود اليوم كارل ماركس من جديد، حسب اعتقاد المؤلف، ليصبح أيضاً مفكر القرن الواحد والعشرين وعلى نطاق واسع. ففي استفتاء أجرته هيئة الاذاعة البريطانية لمستمعيها تربع كارل ماركس على قمة سلم أبرز كبار الفلاسفة والمفكرين في العالم. وهناك سببان يوردهما المؤلف لذلك وهما أن نهاية الماركسية الرسمية في الاتحاد السوفييتي قد حررت ماركس من القيود والهوية المرتبطة باللينينية نظرياً ومع الأنظمة اللينينية في التطبيق. فقد أصبح من الواضح أن هناك الكثير من المسببات التي تدفعنا إلى مراجعة ما خلفه ماركس لنا في البحث في عالمنا. أما السبب الثاني فهو أن العولمة التي سادت العالم الرأسمالي في عقد التسعينيات حوّلت العالم بشكل غريب وحاسم إلى عالم أقرب للشبه بذلك العالم الذي تم وصفه في البيان الشيوعي. وغدا ذلك واضحاً اثناء الاحتفال في الذكرة 150 لصدور البيان الشيوعي في عام 1998، وهي السنة التي شهدت انعطافة درامية في الاقتصاد العالمي. ومن المثير هنا أن الرأسماليين وليس الاشتراكيين هم من أعاد اكتشاف كارل ماركس في هذه المناسبة. ففي صدر الصفحة الأولى من صحيفة الفايننشال تايمز اللندنية الصادرة في اكتوبر عام 2008، نُشرت مقالة بالبنط العريض تحت عنوان " الرأسمالية في مأزق". وقد جاء فيها" ليس هناك أدنى شك بعودة كارل ماركس إلى الميدان. ففي الوقت الذي تمر فيها الرأسمالية بأشد أزماتها منذ الخلل الذي لحق بها في ثلاثينيات القرن الماضي، فإن ماركس يعود من رحم هذه الأزمة. وبالطبع سيكون كارل ماركس القرن الواحد والعشرين مختلفاً تمام الاختلاف عن ماركس القرن العشرين".
لقد تحددت أفكار الناس حول ماركس بالحقائق التالية. أولاً الانقسام بين البلدان التي كانت الثورة هي المطروحة فيها على جدول العمل بين بلدان الرأسمالية المتطورة في شمال الأطلسي ومنطقة المحيط الهادىء. ثانياً تجزء تراث ماركس بين تراث اشتراكي ديمقراطي وتراث إصلاحي وبين تراث ثوري هيمن بشكل عام على الثورة الروسية. وغدا هذا الانقسام واضحاً بعد عام 1917 نتيجة للحقيقة الثالثة وهي انهيار رأسمالية القرن التاسع عشر ومجتمع القرن التاسع عشر البرجوازي بين عام 1914 وعام 1940، والتي أطلق عليها المؤلف "عصر الكارثة". فقد ظن الكثير أن الرأسمالية قد انتهت وستحل الاشتراكية محلها، ولكن الرأسمالية تعافت واستطاعت أن تجدد نفسها، ولكن ليس بشكلها السابق. كما إن الكثير قد ظن بين عام 1929 وحتى عام 1962 إن النظام السوفييتي راسخ ولا يمكن عودة الرأسمالية إلى روسيا، وهو يقين قد تلاشى في بداية العقد التاسع من القرن العشرين.
إن هذه الأحداث وآثارها على السياسة والنظرية تعود إلى الحقبة التي تلت وفاة ماركس وأنجلز. ولذا فهي تقع خارج نطاق تجربة ماركس وتقديراته. إن أحكامنا على ماركسية القرن الواحد والعشرين لا تستند على أفكار ماركس نفسه، بل على تفسير ومراجعة لكتاباته. وأغلب الظن أنه في العقد التاسع من القرن الثامن عشر، وخلال الأزمة الفكرية الأولى للماركسية، فإن الجيل الأول من الماركسيين، أي أولئك الذين كانوا على تماس مباشر مع كارل ماركس وبشكل أكثر مع فردريك أنجلز قد شرعوا في مناقشة بعض المواضيع التي برزت في القرن العشرين وذات الصلة بالتحريفية والأمبريالية والقومية. إن الكثير من هذه المواضيع التي برزت في بداية القرن العشرين لم يكن لها مكان في ذهن كارل ماركس، خاصة النقاش حول موضوعة الاقتصاد الاشتراكي. فلم يتطرق كارل ماركس إلى موضوعة أفضلية الاشتراكية على الرأسمالية كطريق لتأمين وتائر أسرع لنمو قوى الانتاج. فقد طرحت هذه الموضوعة أثناء الازمة الاقتصادية بين الحربين العالميتين وفي أثناء أول خطة خمسية سوفييتية. كما لم يشر ماركس إلى أن قدرة الرأسمالية قد بلغت نهايتها في زيادة قوى الانتاج، واكتفى في الاشارة إلى الأزمات الدورية لفائض الانتاج وما تؤدي إلى عدم القدرة على ادارة الاقتصاد وما يرافقها من صراع اجتماعي. ولذا فليس من باب الصدفة أن تكون الاشتراكية في صلب النقاشات والتقديرات الماركسية في القرن العشرين. وهذا لا يعود إلى أن مشروع الاقتصاد الاشتراكي هو مشروع ماركسي، فهو لم يكن كذلك، بل يعود إلى أن جميع الأحزاب التي استلهمت الاشتراكية قد تبنت هذا المشروع، وقامت الأحزاب الشيوعية بشرعنته. وقد تلاشى هذا المشروع في النصف الثاني من القرن العشرين لأن "الاشتراكية" التي طبقت في الاتحاد السوفييتي ودول الاقتصاد المخطط هو اقتصاد قائم على ملكية الدولة وعلى درجة أقل من اقتصاد السوق من الناحية النظرية. وقد ذهب هذا المشروع وبدون رجعة. كما أن تطلعات الاشتراكية الديمقراطية لبناء اقتصاد اشتراكي لم يكن سوى مجرد مُثُل توقف الاستلهام بها عند نهاية القرن العشرين.
ويطرح هوبسباوم السؤال التالي : إلى أي حد يمكن اعتبار النموذج الاشتراكي للأحزاب الاشتراكية الديمقراطية أو نموذج الأحزاب الشيوعية هي نماذج ماركسية؟. هنا لابد من الاشارة إلى أن كارل ماركس نفسه امتنع متعمداً عن بيان موقف محدد من اقتصاد الاشتراكية ومن المؤسسات الاقتصادية للاشتراكية، ولم يتحدث بأي شيء عن الشكل الملموس للمجتمع الشيوعي. واقتصر ماركس في هذا الإطار على ملاحظات عامة أدرجها في مؤلفه "نقد برنامج غوته". ومن المفارقة أن أول نظرية حول الاقتصاد الاشتراكي المركزي قد وردت على لسان الاقتصادي الايطالي انريكو بارون في عام 1908 والذي لم يكن من أنصار الاشتراكية. ولم يتم الحديث عن تأميم المؤسسات الخاصة إلاّ في نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث أصبح التأميم مثار اهتمام ونقاش بين الإشتراكيين. كما إن ماركس لم يتحدث بالملموس في مؤلفاته عن "التخطيط" الاقتصادي الذي طبق بشكل مرتجل في العهد السوفييتي، وتم تطبيقه على نطاق واسع في الاقتصاديات غير الاشتراكية.
لقد حاولت الاشتراكية الديمقراطية ادخال تعديلات على الماركسية، أما عن طريق تأجيل بناء الاقتصاد الاشتراكي، أو بشكل أكثر إيجابية عن طريق ابتكار أشكال مختلفة من الاقتصاد المختلط. ومما يثر الانتباه هو ما طرحه مفكرون غير ماركسيين مثل فابيان سدني وبياتريس ويب اللذان بلورا فكرة تحويل الرأسمالية تدريجياً إلى الاشتراكية عن طريق سلسلة من الاصلاحات التراكمية من شأنها أن تصوغ بعض الافكار السياسية عن الشكل المؤسساتي للاشتراكية. كما طرح المحرف الماركسي ادوارد برنشتاين فكرة أن الحركة الاصلاحية هي كل شيء وهي الهدف النهائي وليس هناك واقع تجريبي. وفي الحقيقة أن غالبية الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي استلمت الحكم بعد الحرب العالمية الأولى انتهجت سياسة تحريفية قائمة على فسح المجال لفعل الاقتصاد الرأسمالي ضمن الاستجابة لبعض مطاليب العمال. وقد قدم انطوني كروسلاند في كتابه "مستقبل الاشتراكية" الذي صدر عام 1956 فكرة مفادها أن رأسمالية ما بعد عام 1945 قد حلت مسألة قيام مجتمع الوفرة ، وإن القطاع العام (في صيغته الكلاسيكية القائمة على التأميم وغيره) لم يعد ضرورياً. وإن مهمة الاشتراكيين تتحدد في تأمين توزيع متساو للثروة القومية. إن كل تلك الأفكار هي بعيدة في الواقع عن ماركس وأفكاره، وبالتالي عن النظرة الاشتراكية التقليدية وعن المجتمع الخالي من اقتصاد السوق كما تصوره كارل ماركس.
إن اختفاء اقتصاديات الدولة المخطط مركزياً والاختفاء الظاهري للمجتمعات المتحولة التي حلمت بها الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية قد أزال الكثير من نقاشات القرن العشرين حول الاشتراكية. فهذه النماذج كانت بعيدة عن تفكير كارل ماركس بالرغم من أنها استلهمت أفكاره لحد كبير واختارت اسمه. ولكن يبقى كارل ماركس قائماً كقوة هائلة، حسب اعتقاد هوبسباوم، في ثلاثة ميادين. أولاً باعتباره منظر اقتصادي ومفكر ومحلل تاريخي وأب معترف به ( مع أميل دوركين وماكس ويبر) للفكر الحديث حول المجتمع. وقد وصف أتالي كارل ماركس أبرز وصف في قوله" إن الفلاسفة الذين سبقوا ماركس فكروا بالإنسان ولكن كارل ماركس كان أول من تناول العالم ككل ومرة واحدة كعالم سياسي واقتصادي وعلمي وفلسفي.

ماكس ويبر أميل دوركين جاك أتللي
1864-1920 1858- 1917 1943- ......
وينتقل هوبسباوم في الحديث عن أهمية ماركس في القرن الواحد والعشرين ويقول إن النموذج السوفييتي كمحاولة لبناء الاشتراكية لم يعد له وجود. ومن ناحية أخرى يشهد العالم تقدماً هائلاً ومتسارعاً للعولمة وقدرة البشر على الانتاج الهائل للثروة. وهذا ما قلّص صلاحيات ونطاق الفعل الاقتصادي والاجتماعي للدولة القومية، وبالتالي السياسة الكلاسيكية للحركات الاشتراكية الديمقراطية التي اعتمدت بشكل رئيسي على تحقيق الاصلاحات ضمن إطار الدولة القومية. إن طغيان أصولية السوق قد ولّد اللامساواة الاقتصادية داخل كل بلد وبين مناطق العالم، وأعاد من جديد ظاهرة الكوارث إلى دورات الاقتصاد الرأسمالي، وبضمنها الأزمات العالمية الجدية التي عصفت بالعالم منذ الثلاثينيات، وآخرها الأزمة التي تعصف بالرأسمالية الآن. ومن الملاحظ أن الكثير من ما كتبه كارل ماركس أصبح قديماً، وان كتاباته لم تعد تلقى القبول. إن هذه الكتابات هي ليست كياناً متكاملاً جامداً ولكنها، شأنها في ذلك شأن أية فكرة، ما هي إلا عمل لا نهاية له في تقدمه ومتغيراته. والآن لم يعد بمستطاع أي شخص أن يحول هذه الأفكار إلى دوغما. ومن هنا فعلينا أن ندحض فكرة وجود اختلاف حاد بين " الصحيح" و "الخطأ" في الماركسية. إن أسلوب ماركس في البحث قد يؤدي إلى نتائج مختلفة وآفاق سياسية متفاوتة. فورثة كارل ماركس مثل كاوتسكي وبرنشتين وبليخانوف ولينين حملوا أفكاراً ورؤى متفاوتة. كما أن استنتاجات ماركس حول إمكانية الانتقال السلمي للاشتراكية في بريطانيا والارتقاء الممكن للمشاعية في القرية الروسية غير دقيقة. فالانتقال إلى الاشتراكية لا يمكن أن يتم على أساس المشاعة الروسية الريفية. فروسيا كانت على درجة من التخلف بحيث لا يمكن أن تبني إلاً كاريكاتير للأشتراكية، أو كما عبر عن ذلك بليخانوف في انتقاده للبلاشفة بأنها "أمبراطورية صينية برداء أحمر".
ويستعرض هوبسباوم في فصول مؤلفه موضوعات مثل مواقف ماركس وانجلز ما قبل الاشتراكية الماركسية وكارل ماركس وأنجلز والسياسة وحول البيان الشيوعي وماركس والتشكيلات التي سبقت الرأسمالية ومصائر مؤلفات ماركس وانجلز وثأيرات الماركسية في أعوام 1880-1914، ووتأثيرها على العالم في مرحلة مقارعة الفاشية 1929-1945، وتأثير الماركسية في أعوام 1883- 1983، والماركسية في انحسار في أعوام 1945-2000. ومما يلفت الأنظار في الكتاب فصلان يتعلقان بتراث وأفكار زعيم الحزب الشيوعي الايطالي انطونيو غرامشي الذي قضى نحبه في سجون الفاشية عام 1937. ومن المعروف أنه قد تم تجاهل فكر وآراء ومكانة غرامشي في السابق، خاصة خارج حدود إيطاليا، لتعارض رؤيته لماركس وجانب من أفكاره مع النظرة والفكر الذي ساد في الحركة الشيوعية والعمالية العالمية في العهد الستاليني أو حتى قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. فلم يتم التعرف عليه في الخارج إلاّ في العقد السابع من القرن العشرين. وأصبحت أفكار غرامشي جزءاً من الفكر العالمي. ويعتقد هوبسباوم إن غرامشي هو أبرز مفكر ماركسي أصيل في الغرب بعد عام 1917. إن أفكار غرامشي ماركسية‘ إذا ما أعتبرت الماركسية أن المفكرين لا يخترعون أفكارهم من التجريد، حيث يمكن رصد أفكارهم ضمن السياق

انطونيو غرامشي
18891-1937
والمضمون التاريخي والسياسي لعصورهم. إن غرامشي لم يكتب الكثير في الشأن الاقتصادي بقدر ما ركز بشكل رئيسي على الشأن السياسي لحد كبير، حيث تناول أفكار منظرين في السياسة من أمثال كروسه وسورل وماكيافللي***.

بنيديتو كروسه جورجس ايوجين سورل نيكولو ماكيافللي
ولقد اختار هوبسباوم غرامشي لأنه كان على شاكلة "ماكيافللي" شخصية منظرة لكيفية تأسيس المجتمع أو كيفية تغييره. كما إن غرامشي كان الوحيد من بين المنظرين الماركسيين قد قيّم أهمية السياسة كبعد خاص للمجتمع، وأقر بأن هناك الكثير مما هو موجود في السياسة مقارنة بالسلطة. وبذلك أصبح غرامشي المفكر الماركسي الرئيسي الذي جعل السياسة محور تحليلاته مما يستدعي الآن المزيد من مطالعة آثاره والتعرف على أفكاره.
لقد تبلورت في إيطاليا بعد عام 1917 عدد من الشروط الموضوعية وحتى الذاتية لقيام ثورة اجتماعية. ولكن تلك الثورة لم تحدث، بل وبالعكس استلمت الفاشية السلطة. وفي ظل هذه التطورات أصبح من الطبيعي أن يبادر الماركسيون الايطاليون إلى تحليل ذلك والبحث عن سبب عدم انتقال عدوى الثورة الروسية إلى البلدان الغربية، وما هي التكتيكات والستراتيجيات البديلة للأنتقال إلى الاشتراكية في مثل هذه البلدان. وهذا ما اضطلع به انطونيو غرامشي. إن هذا التوجه وضع غرامشي في عداد من أسهموا ببلورة نظرية ماركسية حول السياسة. لقد كتب ماركس وانجلز الكثير حول السياسة، ولكنهما توجها بشكل خاص إلى بلورة نظرية عامة حول السياسة، وقاما بصياغة نظرية عامة في هذا الميدان. ولذا كانت مناقشتهما لموضوعات مثل طبيعة وتركيب الحكم والدستور وتنظيم الدولة وطبيعة وتنظيم الحركات السياسية في الغالب شكلاً من أشكال مراقبة الأحداث الجارية. وشكل ذلك نقطة ضعف في الحركات الاشتراكية، وتعاظمت نقطة الضعف هذه خاصة بعد استلام البلاشفة السلطة في اكتوبرعام 1917. ولقد سعى غرامشي إلى معالجة نظرية لهذه الفجوة. ويعتبر غرامشي منظر سياسي بقدر ما كان يعتبر أن السياسة هي "نشاط مستقل ذاتياً"( an autonomous activity) ضمن السياق والحدود التي فرضها التطور التاريخي. فالسياسة من وجهة نظر غرامشي لاتمثل ستراتيجية الظفر بالاشتراكية فحسب، بل هي الاشتراكية نفسها. وإن السياسة، حسب مفهوم غرامشي في مذكراته السجنية، "هي الفعل الانساني المركزي والوسيلة التي يتم بواسطتها ربط الوعي بالعالم الاجتماعي والطبيعي بكل أشكاله".
وفي جانب من أفكار غرامشي السياسية، يشير هوبسباوم إلى أبرز ما تضمنته نظرية غرامشي السياسية في رسالة له كتبها عام 1931 حيث يشير : " إن دراستي قد قادتني إلى تعريف الدولة. لقد فُهمت الدولة في العادة وكأنها مجتمعاً سياسياً، أي ديكتاتورية جهاز القسر الذي يجلب جمهرة الناس إلى ما يتناسب مع اسلوب الانتاج والاقتصاد المهيمن في فترة محددة، وليس كون الدولة هي التوازن بين المجتمع السياسي وبين المجتمع المدني، أي هيمنة مجموعة اجتماعية على كل المجتمع القومي عبر ما يسمى بالتنظيم الخاص مثل الكنيسة والنقابات والمدارس ألخ، حيث يكون المجتمع المدني الميدان الخاص لفعل المثقفين". فمن الواضح أن الطبقة الحاكمة لا تلجأ إلى جهاز القسر فقط، بل كما يسميها غرامشي إلى " القيادة الفكرية والأخلاقية". إن الجديد الذي طرحه غرامشي هو أن حتى هيمنة البرجوازية هي ليست عملية اتوماتيكية، بل يجري التوصل إليها عبر الفعل السياسي الواعي والتنظيم.
وفي جانب آخر من أفكار غرامشي السياسية يشير هوبسباوم إلى نظرة غرامشي للحزب، "الأمير الحديث" كما كان يطلق عليه غرامشي. ويطرح غرامشي أفكاراً نيّرة حول الحزب، فهو يعترف بأن الطبقة العاملة تطور وعيها وتصل إلى مرحلة "التعاونية الاقتصادية" والنقابية عبر حركتها وتنظيمها. ولكن، والحديث لهوبسباوم، حيثما استلم الاشتراكيون السلطة فإن الأحزاب تحولت إلى دول. إن غرامشي يتفق مع لينين في نظرته العامة حول دور الحزب، وليس بالضرورة أن يتفق معه حول تنظيم الحزب وطبيعة الحياة الحزبية. ولكن مناقشة غرامشي لطبيعة ووظائف الأحزاب قد تجاوزت ما طرحه لينين. وتستحق ملاحظات غرامشي حول المركزية البيروقراطية الدراسة الجدية. لقد كان غرامشي على وعي بخطر البيروقراطية، وسبب نقده للستالينية مشاكل كثيرة له حتى وهو في السجن.
وتحتل قضية النضال لتحويل الطبقة العاملة إلى طبقة حاكمة محتملة والنضال من أجل السيادة hegemony)) حيزاً خاصاً، حيث يعتقد غرامشي أن ذلك يجب أن يسبق انتقال السلطة وخلالها وما بعدها. ولكن هذا النضال هو ليس مجرد "حرب مواقع"، بل هو جانب حاسم من ستراتيجية الثوريين في كل الظروف. إن المسألة الأساسية للسيادة في إطارها الستراتيجي لا تتحدد فقط في كيفية وصول الثوريين إلى السلطة، رغم كون ذلك ذي أهمية كبيرة. فالقضية المهمة هي كيف يتم القبول بهم كحكام سياسيين لا يمكن الاستغناء عنهم فحسب، بل كهداة وقادة. ويعنى أنه كيف يحوز الثوريون على القبول؟ وهل هم مستعدون لممارسة القيادة. ويسرد هوبسباوم بعض الأمثلة التاريخية على سبيل الأمثلة الملموسة حول ذلك، حيث لم يكن الشيوعيين البولونيين في عام 1945 قوة سيادية (hegemonic) بالرغم من أنهم كانوا على استعداد لذلك. فهم أرسوا سلطتهم بفعل العامل الدولي. كما تم القبول بالاشتراكيين الديمقراطيين الألمان في عام 1918 كقوة سيادية، ولكنهم رفضوا أن يلعبوا هذا الدور، وهذه هي التراجيديا الألمانية. ولربما كان الشيوعيين الجيكوسلوفاك محط قبول في المجتمع كقوة سيادية سواء في عام 1945 أو في عام 1968 وأن يلعبوا هذا الدور، ولكن لم يسمح لهم. ومن هنا فإن النضال من أجل السيادة قبل وأثناء وبعد الانتقال مرحلة الانتقال تبقى ذات أهمية حاسمة.
وفي الفصل السادس عشر والأخير، يتناول هوبسباوم موضوعة "ماركس والعمال". ويشير إلى العلاقة بين العمال والاشتراكية التي تبدو للوهلة الأولى متلازمة، ولكن الحركتان غير متشابهتان. فالحركة العمالية والوعي الطبقي ليسا بمشاريع، في حين أن الاشتراكية هي مشروع للاستعاضة عن الرأسمالية بنظام اقتصادي جديد ومجتمع جديد. إن ميليراند وبرنشتين شكلا أزمة الاشتراكية في زمنهما، ولكنها ليس أزمة الحركة العمالية. إن الحركات العمالية قد نشأت في كل البلدان التي يوجد فيها طبقة عاملة، باستثناء المجتمعات التي مورس فيها العسف والارهاب. ولعبت الحركة العمالية في الولايات المتحدة دوراً مهماً في تاريخ البلاد، ومازالت تقوم بهذا الدور ولكن ضمن إطار الحزب الديمقراطي. فلا يجري الحديث عن مشروع اشتراكي في الولايات المتحدة رغم الدور الذي تلعبه الحركة العمالية في هذا البلد. كما أن الحركة النقابية في بريطانيا كانت السند الرئيسي لحزب الأحرار حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما تحول دعم الحركة النقابية البريطانية لحزب العمال. وكان من الصعب على الشيوعيين والاشتراكيين في الأرجنتين استيعاب ذلك التطور الذي طرأ على الحركة العمالية الراديكالية والمستقلة سياسياً في الأرجنتين في الأربعينيات من القرن الماضي عندما تبنت الأيديولوجية "البيرونية" التي تتمحور حول الولاء لجنرال ديماغوغي؟. ويضاف إلى ذلك قيام حركة عمالية معادية للاشتراكية في بولونيا تتبنى أفكاراً قومية ودينية. كما أعلن العمال البروتستانت في ايرلندا الشمالية الاضراب العام احتجاجاً على محاولة الحكومة اشراك الكاثوليك في حكومة ايرلنده الشمالية. كل هذا يشكل دليلاً على أن الحركات العمالية والاشتراكية ليسا بالضرورة أمران متطابقان.
إن هذا المؤلف القيم والشامل لأريك هبسباوم حول ماركس والماركسية يستحق أن يطلع عليه القارىء العربي ودراسته بامعان والتفكير في كيفية التحرر من الركود السائد في المجتمعات العربية وطغيان المواقف والآراء الجامدة التي لا تنظر إلى الحياة والمجتمعات والبشر والأفكار ككيانات متحركة ومتغيرة تتطلب باستمرار التدقيق بما يتناسب مع هذه المتغيرات، بل تنظر إلى هذه الكيانات كصخور جامدة غير قابلة للتغيير. وهذه مصيبة الانسان وقوة روح المحافظة فيه والعرف السائد المحافظ في الحركات الفكرية والسياسية التي يبرز فيها على الدوام عوامل التمسك بالقديم وعرقلة نهوض الجديد ومواجهته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*حركة الكواكرز "الجمعية الدينية للأصدقاء" هي حركة دينية بدأت في انكلتره في القرن السابع عشر. وأطلق على أتباعها أسم "الكواكرز"، وهي كلمة تعني " الارتجاف على طريق الرب". وتعرضت الحركة في أيامها الأولى إلى المعارضة والملاحقة، ولكنها استمرت في الانتشار في أنحاء العالم وخاصة في أمريكا وأفريقيا. وبالرغم من محدودية عضوية الحركة، إلاّ أنها أثّرت على تاريخ الأصلاح في العالم. فهذه الحركة كانت تمثل جزءاً من حركة إلغاء العبودية في أمريكا عندما انتشرت في ولاية بنسلفانيا على يد ويليام بن في عام 1682. كما كانت الحركة داعية للمساواة بين الرجل والمرأة وإلى السلام وإلى ترويج التعليم والتعامل الانساني مع السجناء ومع المصابين بالأمراض العقلية. ولعب أتباع الحركة دوراً نشيطاً في الثورة الصناعية وخاصة في انكلتره وبنسلفانيا.( ع. ح.)
** جاك أتالي اقتصادي فرنسي ومستشار سابق للرئيس فرانسوا ميتيران وأول رئيس للبنكالأوربي للبناء والاعمار، ويعتبر أحد أبرز 100 من قمة المفكرين في عالم اليوم. (ع. ح.).
*** بنيديتو كروسه فليسوف مثالي ايطالي (1866-1952) وناشط سياسي وكتب العديد من المؤلفات السياسية والتارسخية والفلسفية، ليبرالي النزعة. جورجس ايوجين سوريل (1847-1922) فليسوف فرنسي دي برناردو دي ماكيافللي (1527-1469) مؤرخ وسياسي ودبلوماسي وكاتب وفليسوف ايطالي خلال عصر التهضة. يعتبر مؤسس على السياسة الحديث وخاصة الأخلاق السياسية. وله مؤلفات كوميدية وأغاني وأشعار. (ع.ح.).
6/6/2013



#عادل_حبه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفط والغاز وراء العبث الطائفي السني الشيعي ونزيف الدم في ا ...
- أعداء سنة وشيعة...هذا الوطن حنبيعه!!
- نجمة حمراء في سماء العراق
- أريك جون آرنست هوبسباون في ذروة المجد
- حملة ايمانية من طراز جديد!!!
- على النخب القومية في إقليم كردستان العراق أخذ العبر من دروس ...
- على النخب القومية في إقليم كردستان العراق أخذ العبر من دروس ...
- على النخب القومية في إقليم كردستان العراق أخذ العبر من دروس ...
- وشهد شاهد من اهلها
- اضواء على وجهات نظر محسن كديور حول حقوق الانسان ولاسلام
- المرأة في الحياة الاجتماعية
- بماذا يطالب العرب في إيران
- لقاء مع الأمين العام للحزب الشيوعي الباكستاني
- وزارة لتقييد المرأة والنيل من حقوقها وليست للدفاع عنها
- حنين إلى ماض امبراطوري أكل الدهر عليه وشرب
- علام هذا الإصرار على الإساءة إلى هذه الملحمة التاريخية
- تصريحات وقحة تحتاج الى ادانة وطنية وليس الى ردود فعل طائفية
- مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وموقف النخب السياسية
- العراق بحاجة الى نهج علمي وكفاءات وخبرات استثنائية للخروج من ...
- ماذا وراء الهجوم على السفارة البريطانية في طهران


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل حبه - كيف نغيّر العالم أحاديث عن ماركس والماركسية