المغاربة - قرايا

مسعد خلد

الحوار المتمدن-العدد: 4113 - 2013 / 6 / 4 - 17:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

المغاربة في الأصل جزائريون (من شمال أفريقيا)، رافقوا المناضل عبد القادر الجزائري، وكان لهم في بلادنا ثلاثة عشر موقعا، أعطتهم اياها الدولة العثمانية، وبقي منهم بعد قيام الدولة حوالي الثلث على حين رحل الباقون الى الأردن وسوريا. ولعل جذور طبخة المغربية عندنا تنحدر منهم، وامتهن قسم منهم أعمال السحر والشعوذة وكتابة الحجب وغيرها. وقد ذكر الرحالة التركي (أوليا شلبي) الذي زار البلاد عام 1649 ثم عام 1670 في كتابه (سياحه ناما) ان صلاح الدين الأيوبي هو الذي بنى مقام النبي شعيب، عليه السلام، وانه عيّن شيخا مغربيا من الفاطميين حاجبا له. وفي عهد الثورة السورية الكبرى عام 1925 شارك جنود مغاربة في بعض المعارك، الى جانب القوات الفرنسية. ومما ذكره قائد الثورة، سلطان باشا الأطرش، أن فريقا من بين الجنود المغاربة، كانوا يتحاشون إطلاق النار على مواقع الثوار، حتى ان بعضهم قد جازف بحياته والتحق بالثورة، وعلى رأسهم ضابط كبير يدعى "عطـّاف الجزائري"، الذي كان يتصل بقيادة المجاهدين سرا، ويبعث اليهم بأخبار الحملات العسكرية المقرّر تسييرها، وكان يأمر جنوده، الذين ائتمنهم على سره، بترك الأسلحة، وصناديق الذخيرة، والقنابل اليدوية، تحت الأشجار، أو في الأقنية المائية الجافة، ليفيد منها الثوار، ويتقاسمونها فيما بينهم.
وحدث يوما، ان استدعى أهالي احدى قرى الشمال، أحد المغاربة، من المطلعين على علوم السحر والشعوذة، وحجب الرصَد، لكي (يفتح) لهم باب الوصول الى كنز دفين، في مغارة مهجورة، في نص البلد.
وكان زعيم القرية، الشيخ جابر على معرفة، ورثها من أجداده، الذين استقروا في القلعة، وتناقلوا سر الكنز، لكن لم يجرؤ أحد منهم على التنقيب عنه، خوفا مما قد يحصل. فالجميع يردد ما حدث لرجل من القرية يدعى علي، قرر في ليلة ظلماء ان يخاطر، ويذهب ليحفر وحده في تلك المغارة، ضاربا بعرض الحائط كل التحذيرات، بانها مرصودة من الجن. وفي صباح اليوم التالي، عاد علي الى القرية، يركب فوق عصا، عمل منها حصانا، ينتهره بينما ينادي حبيبته عبله، فأكد الجميع ان الجن قد لمسه، فطار عقله!
أما جابر الصنديد، فقد قرر، بعد التشاور مع أهل البلد، ان يكشف عن الخبايا، ويقسم اللقايا بين الجميع، مهما يكن. وتجمّع الرجال من كل حدب وصوب، وبعد ان تعاهدوا على قسمة الحق (على محبة الله).
تربّع المغربي فوق سطح المغارة، حيث توجد ثلاثة ثقوب، محفورة في الصخر. وهي إشارة صليبية قديمة، في تلك القلعة، لكن أهل القرية صمموا انها حفرت دلالة على وجود كنز مرصود، لا يفكه سوى رجل من ذرية الذين خبأوه. وعلى حسب اعتقاد أهل القرية، فان المغاربة الذين حضروا من آخر الدنيا، ليساندوا صلاح الدين، لكي يهزم جيوش الصليبيين، رصدوا الكنوز التي أعطاهم اياها، الى حين يرجعون مع عيالهم لأخذها، بينما بقي قسم منهم في البلاد لحماية الكنوز. ويثبتون هذا الادعاء بقولهم، أنهم كانوا يشاهدون كل عام، وفي نفس الموعد، أحد المغاربة، الذي كان يحضر ومعه بارود، يحرقه داخل تلك الثقوب، ويقرأ بعض العبارات فوق صحن فيه ماء، ثم يسكبه فوق سطح المغارة ويختفي دون ان يكلم أحدا، لكن منذ دخول الانكليز، الذين أحضروا معهم الخنازير، لم يعد يظهر أحد من حراس الكنز (والله أعلم)!
وبينما الرجال يستعدون لبدء عمل التنقيب، وفي يد كل منهم معول نقب ضخم، عاجلهم المغربي بأمر حازم، بالتزام الصمت، وان يسبلوا الأيدي على الجانبين، مستأنفا تمتماته الغريبة، فوق طبق نحاسي مملوء بماء، ملأه من قراب معلق بعنقه، ثم صار يدور رأسه، المغطى بقلنسوة مخروطية طويلة، مما زاده غرابة ومهابة، فظهر كسلطان زمانه، والرعية أمامه! وما أعطى الاذن، واذ معاول النقب، تنهال على الصخر الصمّ، فتفتته شظايا متطايرة، كأن بين هؤلاء وبينه ثأر قديم! وعلى حين غرة، علا الصراخ والتدافع، ثم التزاحم و(الدفاش)، كل يدفع الآخر ليحل محله، فيكون السابق الى أول حلية، أو سوار ذهبي! وفجأة دوت صرخة رهيبة من بين شفتي ذلك المغربي الغليظتين، بلهجته الغريبة قائلا:"لويش الدْفاش، يلعن أبوك وأبوه! بْعِد إنتي وياه،بْعـد!!" وكان لتلك الإهانة وقعها السحري عليهم، فجمدت عروقهم المتشنجة، وانطفئ هياجهم الثائر، فجاءهم أمره التالي، (بطمر) ما حفروه بسرعة البرق، قبل أن يلمسهم الرصد، حيث خرج التحكم بالجن عن سيطرته!
بعد ان تفرقت الجموع، كل الى بيته، عاد أبو جابر، يرافقه المغربي، الى مضافته. وسأله بعد ان تناولا العشاء عن سبب رد فعله الغريب، فأجابه:" لقد تحوّل الماء في الصحن الذي كان أمامي الى لون الدم، فهل تريد أن تذبح الناس بعضها من أجل كنز فانٍ ؟!" وعندها تنهّد شيخ القرية وقال:"صحيح بني آدم ما بيعبي عينو غير التراب!

#مسعد_خلد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات