أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - استعراض السادية















المزيد.....

استعراض السادية


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 18:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الهمجية صناعة إنسانية يتقنها البشر بأهوائهم ومطامعهم وجشعهم. والوحشية ليست حيوانية، وإنما هي أيضا صفة إنسانية بامتياز، إذ الحيوان يقتل وفقا لقانون الطبيعة، وأما الإنسان يقتل بحسب مقتضيات الثقافة
¤ علي حرب

كبداية نستشهد بقصة ذكرها غوسطاف لوبون في كتابه الشهير، فهي قد تساعدنا على توضيح الكثير من الأمور. وتبدأ القصة عندما يحكي الكاتب عن جماعة قامت بالاستيلاء على سجن الباستيل والإمساك بمديره دولوني، فبدأت تتشوار حول العقاب الممنوح أو المُستحق، وبينما هو "يتخبط بين أيديهم لبط(رفس) أحد الحضور عن غير قصد. وعندئذ اقترح أحدهم أن يقوم هذا الرجل الذي أصابته اللبطة بقطع رأس المدير بيده". فيترك الكاتب هنا الكلمة ل" أحد الشهود راوياً القصة : وكان هذا الرجل طباخاً متجولاً ونصف متسكع. وقد ذهب إلى الباستيل لكي يرى ماذا يحصل هناك، ولما رأى أن الجميع متفقون على قيامه بهذه المهمة وأنه يؤدي عملاً وطنياً إذ ينجزها فإنه وافق على الفور. بل واعتقد بأنه يستحق ميدالية تكريم عن طريق قتله لهذا الوحش. وقد أعاروه سيفاً فضرب عنقه. ولكن السيف لم يكن مشحوذاً جيداً فلم يفلح في ضربته. وعندئذٍ أخرج من جيبه سكيناً صغيرة بمقبض أسود كان يستخدمها في قطع اللحم كطباخ وأكمل قطع رأسه بنجاح لحسن الحظ"(1).
الغريب في القصة أن الطباخ هنا شخص عادي ذهب للباستيل فقط لمشاهدة الحدث، إما ليجعل منه حكاية يرويها لأصدقاءه أو لأحفاده(فيما بعد)، حسب وجهة نظر ديدرو فالناس تترفع عن وضاعتها أي تُحس بقيمة عند لفت انتباه الآخرين في الحديث. أو فقط لأن(الحدث) يجعل يومه يختلف ويكسر به روتينه الحياتي. وهذا ما يدفع أغلب الناس للتجمع والتفرج "فلا شي في الواقع يسترعي الاهتمام البشري أكثر من المأساة الإنسانية"(2)، أو كما يشير كويهلو إلى أنهم يتمتعون بإيجاد أنفسهم في وضع المشاهد أي الوضع الأفضل. لكن ما لم يتوقعه هذا الطباخ أنه صار نجم الحدث باختياره الجلاد أو مُنفذ العقوبة، وهنا باعتبار أنه شخص "عادي" صار في برهة الشخصية الأكثر لفتا للإنتباه. فمن غير المعقول أن يضيع هذه الفرصة ويستغني عما يمثل سبب تركيز الأنظار عليه وهو "العقوبة"، فكلنا لدينا أمنية بأننا سنصبح مشاهير في يوم ما كما يقول بولانيك لكن مع الزمن ندرك أننا لسنا كذلك. لدى نرى اجتهاده في استخراج سكينه وتحقيق المطلب الجماهيري، كما يحقق الفنان مطلب الجمهور بإنتاج أغنية معينة أو الأديب المعروف بكتابة رواية. فالتأثير الجماعي على الفرد قد يشل أي شجاعة في رفض الطلب، فكما يقول المثل "الكثرة تغلب الشجاعة" بالنسبة للقوة العضلية فإنها كذلك تغلب الشجاعة الفكرية واتخاد القرار، لكنها لاتغلب العقل والذكاء. فلو طلب خمسون مليون شخص طلبا أحمق فإنه يظل طلبا أحمق، بتعبير مستعار من أناتول فرانس.

فوحشية الطباخ هنا مُصوّغة بالجمهور الذي يتحمل مسؤولية الفعل، إنما هو مجرد أداة لتنفيد الطلب. وهذه هي تسويغات طياري الحرب والقناصين وما إلى ذلك من القتلة المأمورين والذين يُحوّلون مسؤولية فعل القتل للآمر، أما هم ففقط ينفذون لهذا قد لايشعرون بأي ذنب عند القيام بأبشع الجرائم، وهذا له علاقة بالنفسيات القابلة للخضوع(تتداخل عوامل التربية والضعف النفسي هنا)، بل حتى لدى المجرم إن لم يُسقط مسؤولية جرائمه على أوامر زعيمه، فإنه يلقيها على المجتمع الظالم الذي دفعه للقيام بذلك كرد فعل حماية لنفسه. لكن إن تم التأكيد لهذه النوعية بأن مسؤولية أفعالها(أو نسبة كبيرة منها) تقع على عاتقها، فإنها قد تصاب بانهيار عصبي أو تُجن، فعقدة الذنب المُحولّة هنا تعود لتنخر تفكير المعني. بل حتى لدى القتل الديني(باسم الدين) نرى مسؤلية السلوك تقع على الرب باعتباره الآمر لفعل ذلك، ويسري نفس الأمر أيضا على العقوبات الدينية والحد.

رغم أن الجرائم الوحشية ليست أمرا نادرا، فالتاريخ مليء بها إن لم نقل أنها تحدث حاليا في شوارع وأزقة بعض المدن، فالمجرم ليس شخصا غريبا إنما هو الإنسان إن توفرت له ظروف مواتية لإظهار غريزته العدوانية، فبتعبير يونغ كل شخص يحتوي مجرما وقديسا كما يحتوي على أنوثة وذكورة. وما يهمنا هنا هو استعراض الوحشية، من صلب الزنادقة وحرق الساحرات إلى رجم الزناة وبث شرائط وصور الذبح والتقتيل، وسواء كانت هذه الأخيرة واقعية أو مُلفقة، فالأهم هو معرفة الدافع للقيام باستعراض العقاب. مايأخدنا للحديث عن التهديد باعتباره لغة تخويف موجهة للكائن للحد من تصرفات معينة، وذلك بإخباره أو عرض العقوبة التي ستطاله. ولزيادة توضيح هذا الأمر فلنسترجع قصص الملوك(سواء الواقعية أو الخرافية)، عندما يزعج أحد الرعايا الملك أو يغضبه فإنه يأمر فورا بقتله دون تردد، لكنه يلتجىء للتهديد لدى دخوله في صراع مع ملك آخر بدل الأمر بالقتل فورا. فما السبب ؟ إنه العجز، فقتل الملك لن يتم بالنفس السهولة، زيادة على أن البدء بفعل عدواني إعلان عن حرب طرفين، وقد ينهزم الملك في الحرب(كاختبار) ويَظهر ضعفه حينذاك. لهذا يلتجأ الإنسان عند خوفه من المواجهة للتهديد كمحاولة لإخافة الخصم والسيطرة عليه، وبنفس الوقت إخفاء الخوف الداخلي. فالتهديد محاولة لكبح سلوك الآخر حتى لا يضعنا في موقف قد يكشف عن ضعفنا.

وبالعودة للاستعراض السادي الذي نتحدث عنه هنا، فإنا الدافع يتضح سواء لدى السلطة كالصلب والحرق والحد أو لدى الجماعات بنشر التعذيب. فالأولى تهدف لكبح الجماهير عن الثورة وقلب الأنظمة على رؤسها طالما أنها(السلطة) لاتمتلك طريقة فعّالة للسيطرة عليهم إن حدث ذلك، أما لدى الثانية فهي تهدف لتمرير رسالة بأن كل من سيحاول إيذاءها(أو إيذاء أحد أفرادها) فإنه سيتعرض لنفس المصير، فتحاول إبعاد الخطر عنها. فالتهديد (والسلوك العدواني بصفة عامة) تلجأ إليه الكائنات لدى الإحساس بالخطر، كما نرى لدى الحيوانات من ابراز الأنياب أو الانتفاخ (كتقوّس ظهر القط) وفرش الأجنحة الخ. أما بالنسبة للفرار فيتم اللجوء إليه في حالة ادراك أن الخطر أقوى من أن يتم صدّه. وهذا الأمر مشابه كذلك لعملية الانقلاب السادومازوخي وهي تحول السادي المُحدِث للألم إلى مازوخي مُتقبِّل للألم لدى مواجهته لسادي أو سادية أقوى، وقد نجد نفس الشخص يتعامل مع أحد بسادية(كزوجته) ومع أحد آخر بمازوخية(رئيسه)، وهي من طُرق المضطربين نفسيا للتكيف في المجتمع. وتصل لأغرب حالاتها لدى الجانح الذي يُرهب شارعا(بأفراده) ويصاب بالشلل أمام شُرطي! . بل تجد الشخص ينقلب في نفس اللحظة من الصراخ والشتم إلى تهدئة الوضع إن ادرك أنه سيحشر نفسه في موقف صعب.

وقد نرى بعض المناهج التربوية سواء لدى الأهل أو المؤسسة التعليمية، التي تلجأ للعنف أو التهديد كطريقة للسيطرة على تصرفات الأطفال، هذا لأن العقل لديهم مُعطّل. إن لم نقل أنها وسيلة لتفريغ العقد النفسية والضغط المجتمعي والاقتصادي على الصغار الذين لايقدرون على الرد.

وحتى لدى الفنون القتالية نجد استعراضها لتكسير وتحطيم الألواح تخدم نفس الغرض باعتبار أن هذه الفنون نتجت بسبب الحروب، رغم أنها صارت حاليا تعبيرا جماليا يكشف عن قوة الجسد البشري. وأيضا لدى استعراض قاطع الطريق لسلاحه الأبيض لتخويف الضحية وسهولة سلبه لأغراض هذا الأخير، وغالبا ما يتم تعزيز التخويف بزيادة العدد(عصابة) خوفا من انقلاب اللعبة على القاطع إن حدث والتقى "بضحية" جريئة. والطريقة نفسها يستعملها الناس خلال مشاجراتهم اليومية بإخافت كل طرف للخصم بحمل سكين أو حجر وما شابه ذلك بغرض تخويفه، هذا لأن الخوف يتملكه هو ولن يتخلص منه إلا إن رآه على وجه الآخر وعند ذاك قد يندفع لتدميره. وبقول اريك هوفر : فأنت تستطيع أن تكتشف أكثر ما يُخيف عدوّك، من خلال مراقبة الوسائل التي يستخدمها لإخافتك. فكلٌّ يلقي بخوفه على الآخر عند تخويفه، طالما أنهم لايشعرون بالأمان. والإنسان سواء شعر بالأمان أو بالخطر، كلما قلّ فهمه زادت بربريته.
لنيتشه قول في ماوراء الخير والشر قد يلخص لنا النقطة الأخيرة التي تحدثنا عنها وهو أن : من ينازع وحوشًا يجب أنْ ينتبه جيدًا ألا يتحول إلى وحش، فحين تطيل النظر إلى الهاوية تنظر الهاوية أيضًا لك وتنفذ فيك. وحقا فغالبا ما يرغب الشخص أن يتحول لوحش حتى يتوقف عن الخوف من الوحوش كما نجد في الأمثلة الشعبية (كن أسدا.. ذئبا حتى لاتأكلك..)، بدل أن يكون إنسان قادرا على ترويض الوحوش وجعلها ترقص كما يفعل مُروضوا السيرك، لدى التعامل مع الوحوش بالعقل وليس بالغريزة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1: غوسطاف لوبون - سيكولوجية الجماهير، ترجمة هشام صالح، دار الساقى ط1 1991م ـ ص161و162
2 : دان براون - ملائكة وشياطين، الدار العربية للعلوم ـ ص183



#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع الوجه مع البثور
- الطفل والعلاقات الغير شرعية
- تشريح الكراهية
- الحسد اللاشعوري
- التطرف كمرض نفسي
- التعري.. احتجاج أم دعوة جنسية ؟
- كشف حيلة المستغل
- الجنون الجماعي الحديث
- الحيض بين الطب والدين
- لما النساء تكره العاهرات ؟
- سيكولوجية الحب : الذل كشرط
- عقدة لوقيوس والنرجسية
- عقدة لوقيوس أو اللوقيوسية
- تحليل نفسي للصوص المقالات والنصوص
- سيكولوجية الخيانة : تحليل لدور الضحية
- سيكولوجية تدمير المرأة
- الكوتش أو المُخدر اللغوي العصبي
- سر العين الثالثة
- سيكولوجية البيدوفيلي أو المتحرش جنسيا بالأطفال
- الباراسيكولوجي أو الهلوسة باسم العلم


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة إسماعيلي - استعراض السادية