أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - روشتة علاج الثورة المصرية















المزيد.....


روشتة علاج الثورة المصرية


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4029 - 2013 / 3 / 12 - 17:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فى كل الثورات الغضب وطنى والنظرية عالمية ... فى كل الثورات يحاول الذين صنعوها ان يجعلوها بيضاء واكثرهم لم يفلح !!.. ولذلك ادعوا انها بيضاء ... ولذلك اول ضحايا الثورات دائما هم رجالها وفلاسفتها الى جانب ملايين الابرياء من الشهداء !!! لكن الثورة الوحيدة فى التاريخ التى يمكن ان توصف بأنها ثورة وأنها بيضاء مائة فى المائة هى الثورة اليابانية ... هى ثورة بكل المقاييس والمعانى الى جانب انها ناصعة البياض !!...الثورة اليابانية أُطلق عليها اسم (إعادة الميجي) والميجي هو الجد الخامس لإمبراطور اليابان الحالي، لم تكن تشبه الثورات الكُبرى التي حدثت خلال القرون الثلاثة الماضية، حيث أن تلك الثورات قد قامت بحروبٍ قادها الثوَّار للإطاحة بالأنظمة التي قامت الثورات ضدها، فالثورة الأمريكية أو الفرنسية أو البلشفية أو الصينية خلعت الأنظمة بقوة السلاح غالباً، ومسحت كل آثار للنظام القديم....في حين أن الثورة اليابانية كانت عبارة عن مجموعة من الانتفاضات الشعبية استمرت حوالي 30 سنة، وكان القائمون عليها من مناطق مختلفة ونوعيات مختلفة ودوافع مختلفة، ولم تبعد النظام الإمبراطورى او الامبراطور بل أعادته طوعاً، ولكن بصلاحيات محدودة رسمها له الثوَّار واتفقوا على ضرورة وجوده كموّحدٍ رمزي لمختلف الفصائل.... ولم يكن هناك حزبٌ يقود تلك الانتفاضات كما كانت الحالة عليه في الثورتين الروسية والصينية، ولم يكن هناك جيوش تفاهمت مع الثوّار للتخلص من المُحتّل كما في الحالة الأمريكية....

حتى فوجئت القيادة السياسية في البلاد بالكومودور بيري الأمريكي يقود سفنه السوداء كما كانت تسمى ويمهل اليابان فرصة محدودة لفتح أسواقها للتجارة الأميركية ولاستيراد الفحم... وعند هذا الحد بدأت اليابان تدرك أنها خارج نطاق الزمن وعلى هامش القوى الدولية، بما بات يهدد النظام الإقطاعي الذي كان يسيطر على مقدرات البلاد، والذي بدأت أسسه تضعف تدريجيا أمام ضغوط التغيير الاقتصادي ونمو طبقة التجار التي بدأت تنافس القوى التقليدية في البلاد.... ومع ذلك فهذا التطور نما ولكن ببطء شديد، إلى أن جاء عام 1867 حيث اضطر الحاكم العسكري أو «الشوجان» لتسليم سلطاته بالكامل إلى الإمبراطور الياباني الذي كان يملك ولا يحكم... وفي العام التالي 1868 تم إعلان عودة السلطة إلى الإمبراطور بالكامل، ويصور بعض المؤرخين ما حدث في هذا العام على أنه الثورة التي أدخلت اليابان عصر الحداثة، بينما يصفه آخرون بأنه كان إعادة بعث لنظام حكم الإمبراطور في ما هو معروف باسم إعادة السلطات لـ«ميجي» (Meji)، والذي تجسد في تمركز قوة الدولة في أيدي الإمبراطور «موتسو هيتو»، فسقط نظام الشوجان (الحاكم العسكري) ومعه طبقة الساموراي العسكرية، وعلى أشلائه بدأت اليابان تستعد لثورة اقتصادية واجتماعية وسياسية مكتملة المعالم وقوية الطابع، لكن ليس قبل مرحلة توتر وشد وجذب مع بقايا الطبقة العسكرية في البلاد والتي لم تستسلم بسهولة، فدارت مناوشات وحروب مصغرة، وآخرها معركة «هاكوداتي» التي انتهت بهزيمة ساحقة لفلول الساموراي الساعين للاستقلال بجزء من اليابان على أيدي الجيش الياباني الجديد....

من صعيد آخر، وبالرغم أن ثورة اليابان قد أُعلن عن انتهائها في عام 1868، إلا أن كتابات اليابانيين وحتى الآن تصف تلك الثورة بأنها (ثورة غير مكتملة). في حين أن الثورات الأخرى والتي أُعلن عن انتهائها قد انتهت الى انحراف كبير عن أهدافها الأساسية مما استدعى تغييرات واسعة لم تمت لها بصلة (الثورة الفرنسية، والتي تم الارتداد عليها بعد نفي نابليون)، والثورة الأمريكية، التي أعلن عنها في 1776، وتبعها محاولات للانفصال وقيام الحرب الأهلية 1860 والتي قُتل في نهايتها (إبراهام لنكولن)، والثورة البلشفية وما آلت إليه في انهيار الاتحاد السوفييتي، وقد تكون الثورة الصينية استثناءاً غير واضحاً، حيث تغير شكل أداء الدولة مما كان عليه مع (ماو سي تونغ)....كان اليابانيون يفخرون قبل ثورتهم (1868) بأن بلادهم لم تطأ أرضها أقدام غزاة أو محتلين مُنذ نشوء الإمبراطورية اليابانية منذ القرن الخامس قبل الميلاد.... في حين حفلت المنطقة العربية منذ تلك الفترة وحتى الآن بأشكال كثيرة من المُحتلين، من روم وفرس وأحباش و تتار وصليبيين وغيرهم....لذلك يظن المراقب البعيد أن العرق الياباني عرق صافٍ، ليس فيه من الإثنيات كما في (المنطقة العربية)، وطبعاً هذا كلامٌ مبالغٌ فيه فالأعراق بالهند والصين واليابان أعراقٌ كثيرة تصل أعدادها الى المئات.... وعلماء الأجناس البشرية يرجعون المجموعات التي سكنت في اليابان الى الصين وسيبيريا وكوريا، وأوروبا (عرق آينو) المحصور حتى الآن في شمال اليابان.... ولكن ظهورها في المنطقة العربية لم يختفِ من المشهد السياسي، عبر التاريخ...وقد يكون للاختلاف الجغرافي بين اليابان والأقطار العربية (سواء مجتمعة أو منفصلة) دورٌ وشأن سيؤثر في السلوك.... فمساحة اليابان (378 ألف كم2) تشكل الجبال فيها 73% من المساحة الكلية، وجزرها تزيد عن ثلاثة آلاف جزيرة.... في حين تشكل الصحراء في الأقطار العربية (منفصلة أو مجتمعة) نسبة تزيد عن تلك التي للجبال في اليابان...إن موقع اليابان عالمياً يبدو وكأنه خارج نطاق التداول القديم، وحتى اسم البلاد (اليابان) تعني المكان التي تشرق منه الشمس.... في حين تتوسط المنطقة العربية العالم في حركاته العسكرية والسياسية والاقتصادية، فكان أي حلم عسكري أو اقتصادي قديم، لا يستطيع تجاهل المنطقة العربية... وتفصل اليابان عن العالم منطقة بحرية لم يستطع أي حالم قديم اختراقها، وعندما حاول هولاكو اجتيازها رُدَّ على أعقابه، ولم يعد جيش يفكر بذلك قبل اختراع تكنولوجيا الطائرات والغواصات...لقد كان التفكير بالثورة اليابانية مزيجاً بين الشعور بالأنفة والرفعة واللحاق بالعالم المتقدم، من دون التنازل عن شيء يُذكر، وكان الاستشعار بالخطر آتٍ بعد احتلال الهند والسواحل الصينية (وحرب الأفيون بالصين) الخ.... في حين التفكير بالثورات العربية، جاء بعد انتزاع الحكم من العرب زهاء ألف سنة أو يزيد، والشعور بانعدام الوزن عالمياً....



لو أردنا لفت النظر الى اوجه التشابه والاختلاف بين الثورة اليابانية (إعادة الميجي) وبين الثورة المصرية ، لبرز إلينا أهمها وهو مراودة إعادة الميجي المصرى ، أي انشغال قسم من العقول المصرية النخبوية أو الشعبية، بإبقاء الحالة على ما هي عليها مع تحسينات أو إصلاحات هامة، ويستطيع من يريد أن يمتحن وجود تلك الظاهرة أن يتصفح مواقع الإنترنت أويشاهد قنوات الفضائيات، ليرى ما هو أشبه بالذُعر من الكثير من أبناء مصر من إمكانية التغيير الجذري، وتتجلى تلك المظاهر حيث يتوزّع أصحاب تلك الآراء الى مجموعات حسب قراءاتها لمصالحها..فمثلا هناك اولا : مجموعة المصالح الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالأنظمة القائمة وهى المجموعة التى تكونت بمحاذاة تكون الأنظمة، واحتلت مواقعها ومراتبها الاقتصادية والسياسية بتفاهمٍ مكشوف أو مُبطن مع الأنظمة القائمة، وتدرك إدراكاً كاملاً أن أي تغيير بنيوي للأنظمة سيؤثر بشكل مباشر على مصالحها ومواقعها... لذلك فإنها تعارض التغيير الذي يطال مصالحها، وتسفه من فكرة المطالبة به في بلدانها أو حتى في بلدانٍ عربية أخرى، وكانت ترغب أن تفشل الثورة في مصر وفي تونس، ولا تزال ترغب في فشلها في ليبيا، رغم استهزائها العلني بالنظام الليبي.... وتسوق تلك المجموعة حججها بارتباط تلك التغييرات بأجندة خارجية، وكأنها تتمتع بطهرية وطنية كاملة!... ثانيا :مجموعة المعارضة الكلاسيكية بمختلف مشاربها..وتكونت تلك المجموعة تاريخياً، مع تكون الدولة المصرية الحديثة، وتكيف أداؤها مع إجراءات الأنظمة القائمة، فمنها من ترك البلاد وهاجر، وأخذ يصوغ خطاباً لا يمكن تنفيذه عن بُعد إلا بمعجزات منها العدوان الخارجي، أو المراهنة على تبني من بقي في الداخل على تنفيذه.... أما من بقي في الداخل منها، فقد أعاد صياغة خطابه بما تسمح به قوانين البلاد، ففقد الكثير من رونقه الجاذب، هذا إذا كان له رونق في الأصل !!...ويُدرك هؤلاء الباقون في الداخل، أو حتى من هم في الخارج، أن مطالباتهم للنظام بالحوار والإصلاح قد باءت بالفشل.... كما يدرك هؤلاء أن المعادلات الدولية والتي تغيرت بعد انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة العالم، تؤيد بقاء مثل تلك الأنظمة لضمان مصالحها.... فكانت مغازلتهم للولايات المتحدة والدول الغربية واضحة، وهذا كان ظاهراً مع المعارضة العراقية قبل غزو العراق، والمعارضة السورية والليبية وغيرها...كما يُدرك هؤلاء بأن إمكانياتهم في الجذب الجماهيري ضعيفة !!..ثالثا : المجموعة البشرية الواسعة التي يتسم نشاطها بالعفوية وقلة التنظير، والتي قدحت الشرارة في مصر، ابتكر أصحابها طريقتهم في التعبير بعيداً عن مراقبة الأجهزة الأمنية وملاحقتها، وهي ترتقي بأدائها أولاً بأول، حسب تطور الأحداث، ولا تزعم تلك المجموعة أن لديها وصفة كاملة، لكنها تراهن بأن حركتها ستكسر طابع الصمت والخوف، وهو بحد ذاته يعتبر إنجازاً ليس بقليل....وبالمقابل، فإن هناك قسما ليس بالقليل من هؤلاء الناس يخشون التغيير لأن فهمهم للتغيير هو أنه طريقٌ مجهول قد يحرمهم من حالة الاستقرار النسبي الذي رضوا به!!...لذلك تجد هؤلاء لايهتمون بالثورة والتغيير وتداول السلطة بل كل همه وشغله الشاغل هو حياته اليومية ولقمة عيشه فقط !!.. فهو مع من سيزيد راتبه !!..

فى الحالة اليابانية ظاهرة أشار لها البروفيسور (ساكوتا كييشي Sakuta Keiichi ) وهي (أن هناك تقليداً قديماً في المجتمع الياباني يقضي بقبول الظروف على أنها قدرٌ مكتوب وبالتكيف مع الأوضاع السائدة)... وهذه الحالة أعطت للطبقة الحاكمة في اليابان شعوراً بالرضا والقناعة من أنه لا خطورة من هذا الشعب...لذلك كان الخنوع لقرون طويلة، ليس للإمبراطور بشخصه وقوة عشيرته والمحيطين المقربين به فقط، بل لقوى مختلفة توزعت في 250 مقاطعة، يحكمها الإقطاع وقوى محيطة بها تستفيد من ذلك البنيان المُعقد، وكان هناك طبقة النبلاء وملاك الأراضي و (الساموراي) و الساموراي هؤلاء والذين قُدر عددهم في وقتها بما يقارب نصف مليون من المقاتلين الأشداء، الذين كانوا يُسخرون لخدمة أسيادهم مُقابل حياة تتفوق على حياة العامة، فكانوا يُكلفون بقمع أي تحرك، ويفلتون من أي محاكمة من أي نوع...

لو عُدنا للحالة المصرية الراهنة، فإن الوضع يكاد يكون متشابهاً، مع تغيير بسيط في بعض المسميات، فليس هناك إقطاع يتمثل في ملكية الأراضي وغيرها، بل هناك نظام خفي تشكل من خلال معايشة كبار الموظفين الذين دأبت الأنظمة على مبادلة أدوارهم داخل نظام الحكم، ويتم توزيع ثروة مصر المحروسة بين أفراد مجموعات منتقاة لتنفرد وحدها في التمتع بالثروات الريعية الطبيعية وتسخير قوانين الدولة لمصلحة تلك المجموعات.... وليس هذا فحسب، بل تتناقل السلطة والمواقع السيادية بين عدد محدود من عائلات تم اختبار ولاءها والتصاق مصلحتها بمصلحة النظام الحاكم.... أما الساموراي في اليابان فيُستعاض عنهم في الحالة المصرية بقوى أمنية، ظاهرها حفظ النظام بالوطن وحقيقتها حفظ نظام الحكم، وقد رأينا تلك النماذج واضحة بأعدادها وسطوتها في مصر وهو ما أطلق عليه إبان الثورة (البلطجية)....لقد أحس مبارك ونظامه كما نقلوا إحساسهم هذا الى الدول الغربية، بأن حالة التكيف لدى الشعب المصرى مع واقع الحكم تحول دون ظهور قوى تناهض ما يقرره مبارك او مرسى حاليا ...الجدير بالذكر أنه في الثورات التي حدثت في غير اليابان، كان يسبق الثورة نشاطات فلسفية وفكرية سياسية تملأ الفضاء الذهني بفكر تحريضي يهيئ للثورة، ففي فرنسا سبق ظهور الثورة كل من (مونتسكيو، وفولتير، وجان جاك روسو وغيرهم)، كما ظهر في الثورتين الروسية والصينية مفكرين ثوريين كتبوا وهيئوا المناخ العام للثورة...مما لاشك فيه انه عادة يسبق ظهور المصلح السياسي أو المصلح الاجتماعي، ظهور حالة الثورة بأيام أو أشهر أو سنين، وهو إن ظهر واكتشف ما يسود بالبلاد، فلا يعني أنه اخترع شيئاً لا يمكن اختراعه، بل سبق غيره من الناس للتأشير عليه وصياغته، ولو لم يظهر لظهر غيره، وهي مسألة طبيعية معروفة في الشأن السياسي والاجتماعي...

لهذا، لم يكن في اليابان ما يمكن أن يُطلق عليه (قائد الثورة أو رمزها أو محركها) - وهو بعينه مايحدث فى مصر - بل انتشرت حالات الانتفاضة والحراك في مختلف مناطق اليابان ودونما تنسيق مُسبق فيما بينها، وكانت أعداد القتلى في بعض المناطق تصل الى الآلاف، فتخمد الانتفاضة، لتنطلق من منطقة أخرى، واستمر هذا الوضع أكثر من ثلاثين عاماً، حتى أيقن الجميع الحاكم والمحكوم أنه لا مجال إلا بالتغيير الذي يُرضي الجميع !!...هذا المشهد آل الى ثورة لم تُصادَر من القائمين عليها بحجة (حماية الثورة)، ففي النماذج السوفييتية والصينية وغيرها من الثورات القديمة، وحتى في العصر الراهن، فإن ثورات أو انقلابات حصلت في بلدان العالم الثالث ومنها بلداننا، تربع من قاموا بالثورة أو الانقلاب على سدة الحكم ومارسوا صنوفاً من القهر على مواطنيهم بحجة حماية الثورة وهذا مانراه اليوم من جماعة الاخوان ومرسيهم .... وهذا لم يجدى نفعا في اليابان، وباعتقادي لن يجدى نفعا ايضا في مصر حتى الآن...


لايختلف اثنان ان العامل الخارجي (القوى الاستعمارية المتربصة والمتهيئة للانقضاض على البلاد) يشكل مؤثراً قوياً وبوصلة تحرك بشكل عفوي التعاطف الجماهيري أو الوقوف ضد مشروع الثورة...في الحالة اليابانية، بعثت حالات النشاط الاستعماري في المحيط القريب من اليابان (إندونيسيا، الهند، الصين الخ) إشاراتٍ قوية لليابانيين للاستشعار بخطورة تربص المستعمرين في البلاد.... فكان نشاط الحراك الوطني مُنصباً على اتجاهين، الأول: التغيير الداخلي الذي يحارب الفساد والقهر والعوز والتخلف.... والثاني: سد الطريق أمام المتربصين الخارجيين، وهذا لم يتم إلا بالاتجاه الأول، أي رفع مستوى التعلم والمعرفة ونقل التكنولوجيا ونقل وسائل وطرائق إدارة الدولة، فتطوع اليابانيون الى السفر للخارج ونقل مختلف العلوم والمعارف وترجمتها والتطوير عليها وموائمتها مع الحال الياباني ، وهذا لم يكن بطلب من النظام القائم، بل كان شعوراً وطنياً يفهم العلاقة بين المعرفة والقوة....في الحالة المصرية، كَبُر حجم (المسكوت عنه) في جوانب كثيرة، منها ما يتعلق بالفساد ونهب خيرات الشعب، ورمي بعض الفتات تحت أسماء مُذّلة (شرهة، مَكرُمة، تَعطف الخ) وحتى هذه الحصص المتدنية لم تُعط إلا في حالات تيقن من في الحكم على أنها ذهبت في سبيل (نحت) شرعية مزعومة، ولأناسٍ يهللون ويطبلون ويسبحون بحمد الحاكم....


مما لاجدال فيه انه في أجواء الفساد تكثر الضغائن بين المواطنين وتنتشر (النعرات) الطائفية والعرقية والعشائرية والإقليمية، وينتشر معها فكرٌ ميتافيزيقي يسفه من أي تحديث !!...والحال في مصر لا يختلف، فهذا يميني وهذا يساري، وهذا سني وهذا شيعي وهذا نصراني وذاك مسلم.... وما أن دبت الثورة في عروق وجدان الجميع حتى انصهرت كل الخلافات لتصب في تيار واحد يبتعد عن كل نعرة...حتى أن الطائفية التي سادت ردحا طويلاً من الزمن تتلاشى، وتقفز معها المشاعر الجامعة ، ليراقب الثورى القبطى المصرى زميله الثورى المسلم المصرى ويحرسه وهو يصلى فى ميدان التحرير ويتحلق أبناء مصرمع بعضهم البعض ، وترتفع معها المطالبات في التغيير حتى تنحى الديكتاتور مبارك ....على الجانب الاخر
تيقن إمبراطور اليابان، كما تيقن الشعب أن بلدهم في خطر، فإن لم يحسموا أمرهم في التلاحم والتفكير الجدي، فإن مصيرهم الى الاحتلال والاصطدام مع مَن سيحتلهم، وفي تلك الحالة ستتعقد الأمور، وتتموه الخنادق، وتكثر التُهم بالخيانة وسيحرم الاحتلال اليابانيين من فرص التطور والنهوض...هناك، لم يتوسل الشعب الياباني من إمبراطوره أن يعيرهم اسمه (الرمزي)، بل اتفقوا ضمناً على أن يبقوه دون طلب استعارة، طالما أن بقاءه سيبقي الشعب متوحداً وسيفتح أمام اليابانيين التفكير السريع بترتيب بيتهم، ووضع الخطط للنمو في كل مجال (دستور جديد، نقل التكنولوجيا الحديثة، رفع الهمم بزيادة الإنتاج، والبحث العلمي، ترك تدخل الدين في السياسة الخ)...لم يرضخ الإمبراطور الياباني لأوامر الشعب، بل استحسنها وتماهى معها في دورٍ وطني رمم به صورة ماضيه الفاسد وتحالفه مع الفاسدين...لذلك هل يقبل الإمبراطور المصرى (مرسى او غيره )أن يعير اسمه لشعبه؟!!...

لم تكن مطالب الشعب المصرى في الإصلاح السياسي طارئة ومستجدة، بل بدأت منذ تكوين الدولة العربية الحديثة بعد الاستقلال... ولكن، وبدلاً من أن ترتقي عمليات التطور الإداري قُدُماً، رأيناها تتراجع من سيء الى أسوأ، فالحريات التي كانت متاحة في خمسينات وستينات القرن العشرين، تراجعت ليحترف النظام العسكرى عمليات التضييق على مواطنيه، وتختفي الطبقات المتوسطة ليصعد بدلاً منها جماعات استمرأت الفساد، فأصبح من يحكم مصر أكثر الفئات جهلاً وأكثرهم فساداً، ففوق أنهم غير مؤهلين، كانوا أكثر الناس فساداً، وحتى لو كان قسمٌ من (الزُمرة) الحاكمة يتمتع بقدرة علمية أو إدارية، فإن تلك القدرات ستوظف سريعاً لتخدم النظام بأهدافه التي أبسط ما يُقال فيها أنها لا تتوافق مع متطلبات المجتمع بالنهوض والتحرر....لقد زينت الجماعات المحيطة بالحاكم والمستفيدة من بقائه، الصورة له، وظهر من ينعته بأجمل الصفات، فهو الحاكم المُحنك والكريم، والمُخترع والمغوار والبطل، والذي لا ينطق عن الهوى. أما من ينتقده فكان يوصف بأنه واحد من شرذمة حسودة،ومكروهة جماهيرياً، وطريقة التعامل مع مثل هؤلاء إما بإغرائهم ببعض المكاسب السخيفة، وإن لم يقبل، فالتضييق عليه في رزقه وحركته، سيكون الحل المُعتمد...لذلك، فإن التفاهم مع المعارضة أو النزول عند رغبات الشعب، لم يكن من بين أولويات مبارك او مرسى حاليا ، وإن اضطر كلاهما الى إتباع وصفة مُعينة، فإنه يحسبها حساباً جيداً، وبمعاونة من يحيط به، فينقط تنازله تنقيطاً، فيغير وزارة أو أسماء من وزراءه بأسماءٍ سبق أن تعرف عليها الشعب، ولم يخرجها من دائرة الامتعاض التي تشمل كل أركان النظام، وإن أراد أن يشكل لجنة للحوار، فإنه يبحث عن أسماءٍ ممن تعرف عليها من خلال (المراقبة الطويلة)، ويأتي بأقلها أذىً، فيمجّها الناس منذ الوهلة الأولى....


من يراقب ما يحدث مصر فإنه سيجد تلك الوصفات ماثلة بشكل جيد، أما رشوة المواطنين، بصرف بعض المخصصات والتخفيف عن كواهلهم، فإنه حلٌ يثير السخرية، أكثر مما لو تمسك الحاكم بموقفه والدفاع عن طبيعة نظام حكمه دون أن يتنازل عن شيء، فالمبالغ التي تصرف تحت تلك البنود لم يحصل عليها الحاكم من عرق جبينه وكَدّ ذراعه، بل هي أموالٌ، إما من ثروات الوطن المدفونة، والتي لا فضل لا للحاكم ولا حتى الشعب بها، أو من الضرائب المُبالغ بها التي كانت توضع بشكل متصاعد طالما أن الشعب ساكت، أو رشاوى ومعونات خارجية جاءت لتكييف مواقف الدولة مع ما يحيط بها من متغيرات خارجية كانت الرغبة في دفعها لتحييد الشعب عن قول كلمته فيها....وفي كل الأحوال، فإن المواطن الذي تُعرض عليه مثل تلك التنازلات، سيتيقن من أن الحكومة والنظام كانا فاسدين، وهذه التنازلات اعتراف واضح بذلك، فلماذا لم يتم تعاطيها سابقاً؟ وسيتعرف المواطن على أسلوبٍ قد يصبح مُضراً لا للنظام فحسب بل للدولة والوطن والمواطن، وهذا الأسلوب سيكون برفع سقف المطالبات، والتي لا لإمكانيات الدولة قدرة على إعطائها ولا يمكن حتى لو تنازل الحاكم عن كرسيه وأعطاه للمتظاهرين (أو الثوَّار) ليقوموا بإدارة البلاد، أن يلبي الحاكم الجديد تلك المطالب!!..


وحتى لا تكون الفوضى هي السمة العامة للحراك الذي دب في أرجاء مصر بعد الثورة وتنحرف المسارات لتلك الاحتجاجات والانتفاضات عن مسارها، ويحدث ما لا تحمد عقباه .. فعندما تسيل الدماء، فإنها كإشارة انطلاق قطارٍ في منحدر، لا يمكن إيقافه إلا بعد أن يصل الى أسفل المنحدر، وقد يتحطم ويتحطم من يستقله ومن يقطن على ضفاف سكته!!..فالمطلوب هو أن تعترف جماعة الاخوان ومندوبهم فى رئاسة الجمهورية مرسى أن حجم (المسكوت عنه) قد فاض وخرج من مخارج لم تكن في الحسبان، وإن الخوف من المطالبات قد انتهى، وأنه لا بُد من مناقشة أوضاع البلدٍ دون استخفاف بقدرات الشعب على مواصلة مطالباته... كما أنه مطلوب من قيادات المظاهرات والاحتجاجات والثورة أن تتنبه لما يلي:
1ـ إن الطرف الآخر الذي تحتج عليه، له أنصاره، وله مصالحه، وله من يؤيده في الخارج، وأنه ليس جبهة ضعيفة كما يتصور البعض، وأنه في النهاية شريك في المواطنة والوطن، وأن زيادة حجم المطالبات دون تصور ما سيؤول إليه الوضع، سيؤدي الى إراقة دماء كثيرة، سيصعب اجتثاث آثارها فيما بعد.....
2ـ إن إزاحة رأس نظام، ستقود لجولات من الصراع البيني بعد الانتهاء من إزاحة رأس النظام، والتجارب التي حدثت في مصر، رغم نقاء صورة أدائها الأولي، لكن لم نرَ ولن نرى بسرعة نتائجها، فعلى الناس أن ينتظموا في هيئات تناقش كل صغيرة وكبيرة، وكأنها كُلفت باستلام الحكم، عليها بحث المديونية وصرف الرواتب وعلاقاتها بمحيطها وتطوير الإنتاج.... فالنقاش السياسي لا يتوقف عند ذكر مساوئ من تثور عليه، بل يتفرع لآلاف المواضيع!!...
3ـ إن كان بالإمكان تحصيل مكاسب فتح الحريات، وتفجير مواطن الإبداع الإنتاجي والثقافي والفني، والكرامة السياسية، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس، بوجود نفس الحاكم (الميجي)، فلا بأس من ذلك، حتى لا تدور الثارات بين المواطنين. ولا أظن أن العشرة ملايين الذين خرجوا في مصر كانت تحركهم رغباتهم في الوصول الى سدة الحكم، بل كانت دوافعهم التي ذكرنا...

أما الميجي العربي فإنه مُطالب بما يلي:
1ـ فتح باب الحوارات الجماهيرية، بحضور من يمثل النظام، في كل قرية ومدينة، والتعامل مع المواطنين كشركاء في الوطن، وكأنه اجتماع لجمعية عمومية لشركة مساهمة عامة، تختار ممثليها لإدارة القرى والمدن، وتبتعد عن التعامل مع المواطنين وكأنهم رعايا لا تفهم شيئاً بل تتلقى من رعاتها ما يرمونه لها....
2ـ دعوة الفعاليات الشعبية (النقابات والجمعيات والأندية والروابط والأحزاب) لعمل مثل تلك اللقاءات فيما بينها لمناقشة خصوصياتها (المهنية) وتدوين ما تراه ناقصاً في أدائها بفعل حزمة القوانين التي عطلت من إبداعها....
3ـ تشكيل هيئات إقليمية تضم ما أفرزته اللقاءات السابقة، وتكليف من يصوغ مطالبها ورؤاها بما يؤدي في النهاية لصياغة مطالب ورؤى مصر الثورة ....
قد تأخذ تلك الجولات أسابيع أو أشهر أو حتى سنين، ولكنها في النهاية سترتقي بكل بلدٍ الى أن يلحق بالركب العالمي في مناقشة شؤونه، دون أن يدخل في نفق مظلم لا يتوقع الخروج منه دون خسائر هائلة....عندها سيكون الميجي المصرى شبيه بالميجي الياباني....

حمدى السعيد سالم



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل سياسى للأزمة السورية
- فى دولة الدقون يسقط القانون
- القول باعتدال حركة الاخوان مجرد أسطورة ترمي إلى مخادعة الناخ ...
- العاهرة الاخوانية تضاجع الامريكان واليهود على فراش الخيانة
- لولا دى سيلفا كان اكثر عدلا ورحمة واحساسا بشعبه من مرسى المت ...
- العهر الاخوانى الزائف التمويهى
- اتلم المتعوس على خايب الرجا
- الشارع المصري لم يعد مراهقا وأصبح قادرا علي فرزالمواقف
- مرسى يحمل المعارضة فاتورة فشله السياسى (لقد فقدت شرعيتك)
- على مرسى وجماعته أن يتمصروا لأن مصر لن تتأخون
- الى حمد حاكم دولة قطرائيل لاتغتر بجزيرتك فيومك قريب
- الفوضى الخلاقة الاخوانية دفع ثمنها اولتراس الاهلي وجماهير بو ...
- حاكموا طنطاوى ومجلسه العسكرى على مذبحة بورسعيد يستقيم ميزان ...
- الاخوان المجرمون نكبة على أمننا القومى
- وداعا (عاصم عبدالعزيز حموده ) ورحمة الله عليك
- سليمان خاطر القديس الذى فتح أعيننا على أشياء كانت غائبة عنا ...
- سلاح الصحافي قلمه وعدسته... وحمايته تقع على عاتق الدولة
- امريكا تستخدم تفجير مقر جمعية -آميا- اليهودية الأرجنتينية لل ...
- الاخوان والامريكان تاريخ طويل من العمالة !! فلما الانكار؟؟
- جاسوسة عراقية هى السبب الرئيس لاقالة وزير داخلية مصر حسن الا ...


المزيد.....




- مصممة على غرار لعبة الأطفال الكلاسيكية.. سيارة تلفت الأنظار ...
- مشهد تاريخي لبحيرات تتشكل وسط كثبان رملية في الإمارات بعد حا ...
- حماس وبايدن وقلب أحمر.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار ...
- السيسي يحذر من الآثار الكارثية للعمليات الإسرائيلية في رفح
- الخصاونة: موقف مصر والأردن الرافض لتهجير الفلسطينيين ثابت
- بعد 12 يوما من زواجهما.. إندونيسي يكتشف أن زوجته مزورة!
- منتجات غذائية غير متوقعة تحتوي على الكحول!
- السنغال.. إصابة 11 شخصا إثر انحراف طائرة ركاب عن المدرج قبل ...
- نائب أوكراني: الحكومة الأوكرانية تعاني نقصا حادا في الكوادر ...
- السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق لمشروع ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - روشتة علاج الثورة المصرية