أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فاهم - إغتيال عائلة .. قصة قصيرة















المزيد.....

إغتيال عائلة .. قصة قصيرة


علي فاهم

الحوار المتمدن-العدد: 3990 - 2013 / 2 / 1 - 19:23
المحور: الادب والفن
    


إغتيال عائلة .. قصة قصيرة
علي فاهم
تعالت أصوات اصطكاك الأسنان ممتزجةً بنوبات الارتجاف و السعال المتكرر و تكورت الأجساد الضئيلة و تقلصت تحت الأغطية المتهرئة , كانت تحاول النوم في الغرفة الطينية الوحيدة التي تسكنها عائلة ( خلف ) ... الفلاح في أرض صغيرة تابعة لأحد الملاكين الصغار و هم بقايا الإقطاعيين الذين ورثوا هذه الأراضي الموهوبة لأجداده من قبل الانكليز بلا مقابل و رغم إن الانكليز وهبوا ما لا يملكون فان هولاء المالكين يشاركون الفلاحين بنصف ما ينتجون بلا أي تعب أو جهد ,
تلك الليلة كانت شديدة البرودة إلى درجة الانجماد و كأن الشتاء الذي كان ينتظره أبو أحمد ليخلصه من حر الصيف اللاهب يريد أن ينتقم من هذه العائلة لثأر لا يعرفوه ,
سألت أم عباس زوجها و هي تكسّر تلك الأخشاب و الأغصان المبللة بسبب الأمطار التي هطلت ليومين متتاليين لتجعل كل شيء رطب و هي تحاول وضعها في الطشت الكبير الذي باتت له وظائف عديدة فأضيفت له مهنةٌ جديدة لم يعهدها من قبل ليمارس دور المدفأة ...
- لماذا يا خلف لم تجلب قليلاً من النفط لنملأ المدفأة ..؟ ألم تر كيف أننا لم ننم البارحة من شدة البرد و الرطوبة و أنت ترى أطفالك أصابهم المرض كلهم حتى أن أجسادهم صارت زرقاء و طفلتك الصغيرة درجة حرارتها مرتفعة و تأخذ النفس بصعوبة و هي تسعل باستمرار...
- خففي لومك علي يا أم عباس فأنا لم أدع باباً يطرق لم اسكب في عتبته ما تبقى من ماء وجهي , و أنت تعلمين عزة نفسي التي لم يتبق منها ما افتخر به أمام أولادي أو أورثه إياهم حتى لا يقولوا لم يترك أبانا لنا شيء ...
- أعلم .. أعلم يا أبا عباس مدى عزة نفسك .. و لكن الشتاء قاسِ و البرد ليس في ساحته رحمة. .. و أنت بعت حصتنا من النفط بدنانير معدودة لنستجدي النفط من هذا وذاك. ... و أطفالك رغم سكوتهم فهم يعانون فماذا نفعل لهم ..؟
أطلقت تلك الكلمات و عيونها الحمراء تحتضن أطفالها و تقلبهم و تتمنى أن ترجعهم إلى بطنها حتى يشعروا بالدفء و يا ليتها تخرج قلبها المحترق لتضعه مع تلك العيدان المبللة لتزيد من حرارة غرفتها الطينية و لينام أطفالها بدفء افتقدوه الليلة الفائتة .0
- أنتِ تعرفين إني بعت النفط لاشتري الأسمدة للزرع الذي كنا ننتظر حصاده لنوفي ما بذمتنا للناس و لكن البرد قتل زرعنا فاغتال معه كل أحلامنا .. و تركني ذليلاً لا أعرف أين أخفي وجهي من ذل الديون... قيل لنا أننا نقف على بحر من النفط فلماذا لا أجد بضع لترات أتدفأ بها من النفط الذي تحت أقدامنا ؟ و( غيرنا عايش بخيرنا ...)
وضع خلف رأسه المثقل بالهموم بين رجليه و لفه بذراعيه و ضغط عليه بقوة محاولاً أخراج الألم الشديد منه و الذي عشش فيه منذ أيام.
- أمازال الألم يطرق في رأسك ..؟ سألته زوجته محاولة التعاطف معه و التخفيف عنه ..
صمت برهة مستمراً بالضغط على رأسه ليخفف من ألمه دون جدوى ...
- أتعلمين أني اليوم و بينما كنت انتقل من باب إلى باب أبحث عن بضعة لترات من النفط الذي بات أغلى موجود في البيوت حتى أصبح يساوي حياة الناس و كرامتهم , بينما أنا كذلك صادفت السيد مهودر (الملّاك ) صاحب الأرض ... و قال لي أنه وكل محاميا ليرفع دعوى ضدي حتى يخرجنا من الأرض.. و يأتي بفلاح أخر بدلاً عني... فهو يحملني مسؤولية تلف الزرع الذي تجمد بسبب البرد رغم محاولاتي العديدة لإنقاذه ..
- ياإلهي ماالذي تقوله .. أين سنذهب و لا مكان لنا نلجأ إليه ؟؟ أليس في قلوبهم رحمة ؟؟ ألا يخافون الله ؟؟ أيقفون مع الزمن علينا ..
و انفجرت ببكاء صامت و كأنها كانت تنتظر من يهدم السد الذي بنته أمام دموعها المودعة في تلك العيون الجاحظة.. حاولت وقف سيول الدموع بكمها فلم تنجح .. تزاحمت في رأسها كل الصور .. أطفالها المرضى .. و البرد القارص.. و غرفتهم الطينية و زوجها المنهك من تعب السنين و زرعهما المحتضر الذي أكل معه ما ادخروه لباقي حياتهم ...
- مالذي ستفعله ..؟؟ سألت زوجها و هي أعلم بأنه لا يملك حيلة في أمره ..
- لا أدري .. لا أدري .. لا أدري .. قالها صارخاً و هو يصارع الالمّ في رأسه ..
أستيقظ أطفالهم من صراخ الأب الذي حاول أن يفرغ ما بجوفه من همّ ... ليجدوا أمهم تذرف الدموع .. فبدأ الصغار يبكون لبكاء أمهم و شاركهم الكبار و تصاعد العويل في الغرفة الطينية و لم يبق إلا خلف الذي كابر على جروحه النازفة ألماً و وجعاً و يأساً و شعر بمرارة وغصة في صدره و هو يرى ما تعانيه عائلته و لا يستطيع فعل شيء لهم.... فكر في كل الحلول نسيان ألمه لوهلة و شرد ذهنه مبحراً يقلب أسماء جيرانه و أقاربه فلان و فلان ... أنهم لم يعطوني بضعة لترات من النفط فهل يتحملوني و أطفالي... يا الهي مالذي أفعله سدت كل الأبواب في وجهي فلا زرع و لا مال و لا دفء و حتى بيتي سيخرجونني منه .... قطعت عليه سلسلة تفكيره رجفة بردٍ هزت جسمه بشدة من أطراف قدميه المتشققة و حتى رأسه الذي يكاد ينفجر من شدة الصداع ,,
- ألم توقدي تلك الأخشاب بعد ... ؟
- إني أبذل جهدي... إنها مبللة .. نعم هاهي تخرج الدخان منها .. الحمد لله ... إشتعلت .. أخيراً سنشعر بالدفء ...
توهجت النار في الطشت و اشتعلت الأخشاب المبللة بصعوبة و كادت تنطفئ أكثر من مرة و لكن الأم عالجتها بصعوبة لتبقيها مشتعلة و يستشعر الأطفال الدفء في غرفة الطين .. و لكن كثرة الثقوب و الفتحات في الغرفة كانت تعطي البرد فرصة كافية ليسرق الدفء منهم و يتسلل عبر الفتحات زاحفاً على الأجساد النحيلة الملتحفة ببعضها..
يالهذا الشتاء الذي لا يرضى أن يترك هذه العائلة لمعاناتها ..
- أبو عباس هلا أغلقت هذه الفتحات القاسية .. لنقطع الطريق على الهواء البارد الذي يسرق من أطفالنا الدفء الغالي .. كم أكرهك أيها البرد .. سرقت منا جهدنا لأشهر و سرقت منا طعامنا و الآن تسرق منا ما حصلنا عليه من دفء ماذا ستسرق منا أيضاً ..؟؟؟؟
تعاون الاثنان على سد كل الفتحات و الثقوب حتى الصغيرة منها بباقي الخرق البالية , لم يسمحوا لأي نسمة هواء باردٍ غادرة أن تخترق حصنهما الطيني , وضعوا الطشت الدافئ قرب أجساد أطفالهم لينعموا بدفء افتقدوه ليلة أمس و لا يريدوا أن يفتقدوه هذه الليلة .. فعلا أنتشر الدفء في أرجاء الغرفة الطينية .. ما ألذه من طعم افتقدوه ..
حشر خلف جسده تحت إحدى الأغطية ليستغل هذا الدفء و يحضى بنومة أفتقدها منذ يومين و عيناه تقلب أطفاله و تحتضنهم بحنان الأب .. و لكن عاودته نوبة اليقظة و تذكر كمية المشاكل التي حشر فيها و لا مخرج منها و عاود ذهنه الاستغراق فيها فجانبت عيناه النوم... انتبهت الزوجة المنكوبة لعينيه المعلقتان في سقف غرفتهم الطينية والتي تحكي مقدار بحر الهموم الذي يسبح فيه زوجها.. فبادرته لتخفف عنه قليلاً من الهموم
- لا تحزن يا طيب فالفرج قريب لا محالة .... صدقني غداً ستحل كل مشاكلنا ... في تلك اللحظات التي غفوت فيها ظهيرة اليوم أو ربما أغمي عليّ من شدة التعب , رأيت رؤيا عجيبة و تحمل فيها بشرى لنا ... لقد رأيت أننا و أطفالنا مسجونين في غرفتنا الطينية هذه و يحاصرنا الذئاب من كل جهة و هم ينبحون علينا و بعضهم يحاول الدخول إلى الغرفة ليلتهم أطفالنا و نحن نرتجف من الخوف أو من البرد أو منهما معاً و نحضن أطفالنا بأيدينا لنحميهم من الذئاب و رأيت أهل القرية يتفرجون علينا و لا يفعلون شيئاً لمساعدتنا حتى أن السيد كان يضحك على ما ألم بنا و أطلق ذئبين من ذئابه لتشارك في هجوم الذئاب علينا أما أنا و أنت فغلقنا كل الفتحات في الغرفة حتى لا تدخل الذئاب إليها ... كما فعلنا قبل قليل .... صمتت أم عباس ... فبادرها زوجها ..
- ثم ماذا حدث يا أم عباسس أكملي....
- نعم .. كانت الغرفة مظلمة و كل ما يحيط بنا مظلم ونحن جالسون في الغرفة نرتجف ... و فجأة فتحت كوة في جدار الغرفة انبثق منها ضوء أبيض شديد السطوع أنار الغرفة كلها و ظهر من خلاله رجل يرتدي البياض و يشع نوراً لم أر ملامح وجهه من شدة الضياء الذي تخلل إلى أجسادنا فشعرت بدفء لم أشعر به من قبل و سرت في أنفسنا طمأنينة عجيبة لم نشعر بها في حياتنا و توقف أطفالنا عن السعال و نهضوا من فراشهم .. فدعانا هذا الرجل إلى دخول الكوة المشعة بالضياء . و مغادرة غرفتنا الطينية و فعلاً مشينا نحو الضوء... و دخلنا النور و غادرنا غرفتنا الطينية و صعدنا الى السماء برفقة ذلك الرجل ... فصحوت من نومي .... و مازالت نفسي تستشعر ذلك الاطمئنان و كأنها أغتسلت في نهر جارٍ فنزعت عنها كل أوساخ الدنيا و همومها ...
- أنها رؤية رائعة تحمل الأمل و البشرى لنا... سكنت نفسه القلقة .. و هدأ الألم المزمن في رأسه بعد أن سمع هذا الحلم من زوجته ,
قاطع كلامهم نوبة السعال الشديدة لطفلتهم الصغيرة و لكنها سرعان ما هدأت لتخلد العائلة إلى نومةٍ هادئة حول طشتهم الذي تحترق فيه الأخشاب المبللة لينعموا بالدفء و النوم ...
في ظهيرة اليوم التالي جاء (الملّاك) و معه شرطيان يحملان بندقيتين و ورقة ,, طرقوا باب الغرفة الطينية و استمروا بالطرق كثيراً بلا جواب من ساكنيها...... أضطروا لكسر الباب ليدخل الملّاك و الشرطيان و الشتاء على جثث نائمة بهدوء ...
صدمت القرية على فاجعة مقتل عائلة (خلف ) و لم يعرف من هو القاتل لحد الآن و لكن سجل في وقوعات مركز الشرطة أنهم ماتوا خنقاً بسبب دخان أخشاب محترقة في طشت ...



#علي_فاهم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطوات نهمة
- أنا نهر مراهق الامواج
- سنة حلوة يا عراق
- راح أشتًم على سبونج بوب حتى ينتخبني الزعاطيط
- إبني المشاكس
- موكب عبر الطريق ... قصة قصيرة
- عاشوراء ليست عيشاً في الوراء
- بكلوريوس للبيع
- بركان في العراق
- لا تخافي ..
- كريم المضمد ( قصة قصيرة )
- كرة القدم و الاحتراب الوهمي
- أكتشاف خطير في منطقة النسيان
- حكومة موبايل ...
- المثقف بين الاصالة و التغريب
- هلهولة للشعب الصامت
- للصائم فرحتان .. و للعراقي عشرات الأفراح
- أول ناخب يختصر لكم قصتها
- أنكم في جيوبنا
- ظننت أني قبل أن ألقاك ..


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فاهم - إغتيال عائلة .. قصة قصيرة