أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عائشة خليل - النساء والطعام














المزيد.....

النساء والطعام


عائشة خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 18:52
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يشكل الطعام جزءا حيويًا من حياتنا اليومية ومن مناسباتنا الاجتماعية والدينية ومع ذلك لم ينتبه علماء الاجتماع لدراسته إلا في العقود القليلة الماضية. ومازال الحديث عن الطعام في الدوائر الأكاديمية يرسم ابتسامة ساخرة على وجوه البعض. ونحن لا نتحدث هنا على ما قد يطلق عليه في بعض الدول "الأمن الغذائي" والذي يعني بتوفير محاصيل معينة داخل الحدود الجغرافية كجزء من الأمن القومي؛ وإنما نعني الطعام كممارسة يومية واحتفالية لدى الأفراد والشعوب المختلفة.

ينتظم إيقاع اليوم على الوجبات اليومية التي تجتمع حولها الأسرة. فندعو الأصدقاء لتناول كوب من الشاي أو القهوة والتي خصصت لها دور معينة لتناولها: المقاهي، أو ندعوهم إلى مطاعم صار بعضها وجهة لما تقدمه من "فنون". وتتمحور احتفالاتنا الدينية والقومية حول الطعام: فمن شهر رمضان إلى عيدي الفطر والأضحى، إلى شم النسيم يكون الطعام الخاص بتلك المناسبة بعينيها محور الاحتفالية. فيتم الإعداد المسبق لها: بدءا من توفير المال اللازم، وشراء المستلزمات الخاصة بأعدادها، مرورًا بعملية الإعداد، وتبادل الأطباق مع الأهل والجيران، ثم تقديم الوجبة الاحتفالية وتناولها، وانتهاء بالنظافة والترتيب فيما بعد الاحتفال. كما أن مناسباتنا الاجتماعية مثل الخطوبة والزواج والولادة تنتظم أيضًا حول الطعام.

وتقول النظريات الأولية (انظر مثلا كتابات عالمة الأنثروبولوجيا الأميركية مارجريت ميد) التي تمخضت عن دراسة الطعام في حياة الشعوب، إن الظروف الموضوعية التي عاشت في ظلها الشعوب كانت تتميز بالفقر النسبي: فالوجبات اليومية لم تكد تختلف عن بعضها البعض، وما ساعد على تحمل الرتابة والتكرار، ناهيك عن الفقر، هو انتظار الأعياد والمناسبات المختلفة التي يبذل خلالها الغالي والثمين من أجل إيجاد بعض التوازن في حياة الشعوب. وبمعنى آخر: كانت هناك دورات يومية لوجبات فقيرة مملة وممتدة، ودورات موسمية لوجبات غنية نادرة وقصيرة. ولكن الظروف الموضوعية للحياة في العصر الحديث غيرت كل ذلك، فلم يعد الاستهلاك من الإنتاج المحلي (الذي مهما تنوع فهو فقير نسبيًا) وإنما أصبح الاستهلاك من الإنتاج العالمي بتنوعه اللا محدود. وهكذا صارت الوجبات اليومية احتفالات دائمة وخاصة في المدن. كما انفصل المنتج عن المستهلك، فلم يعد لدينا علاقة وطيدة بما تنتجه الأرض، وتطور الأمر بحيث انفصل الأمر في مخيلة الأطفال انفصالا تامًا، فمثلا إذا سألت طفلا من أين يأتي القمح؟ لرد قائلا: من السوبر ماركت!

وللطعام دور محوري في حياة النساء خاصة، ذلك أن المجتمع البطريركي قد أوكل إليهن المهمة الشاقة والرتيبة والمتكررة لإعداد الطعام. وهكذا تنخرط الفتيات منذ نعومة أظافرهن في مهام الإعداد، وتتعلمن من خلال مراقبة النساء الأكبر سنًا وهن يقمن بالمهام العديدة من إعداد وتقديم - فلكل مجتمع أصول مرعية في تقديم الأطباق المختلفة على التوالي - ويتدربن على المسموح والممنوع وعلى المسكوت عنه. وهكذا تشب الفتاة متقنة لبعض الأطباق المتوارثة عن الجدات، كما تتعلم أصول التقديم، و"فنون" النظافة. وقد لاحظ عالم الاجتماع الفرنسي بيار بوردو أن الرجال يقومون بذبح الخرفان في عملية احتفالية لا تستغرق الكثير، ثم يمضون بقية النهار في التدخين وتجاذب أطراف الحديث، بينما تكدح النساء في المطبخ لإعداد وجبات يتناول معظمها الرجال، فهناك بعض الأطعمة التي تعد رجالية وأخرى تعد نسائية. واللحوم من الأطعمة الرجالية التي يكثر منها الرجال، وتقلل منها النساء. كما لاحظ بوردو أن الاحتفال ببلوغ الشاب يعني التدريب على مضاعفة مقدار ما يتناوله من طعام، بينما الاحتفال ببلوغ الفتاة يعني التدريب على الحرمان والامتناع.

وقد بدأت بعض الدراسات في البحث عن أوضاع النساء وعلاقتهن بالطعام في العالم العربي. ومن أطرف ما قرأت في هذا المجال، دراسة للباحثة الغربية إيانثي ماكلاجن عن "الطعام والنوع الاجتماعي في اليمن". حيث تتحدث الباحثة عن التبادلية بين النساء في النهارات الطويلة في تلك القرية اليمنية النائية، فتتحدث عن أنواع الطعام الذي تتبادله النساء مع بعضهن البعض، وعن أنواع الطعام الذي يتبادله الرجال مع بعضهم البعض، وعن علاقات القوة بين الزوج والزوجة فيما يختص بالطعام. فتقول إنه بينما يختص الرجل بجلب الطعام إلى العائلة فإن الزوجة هي من تقوم بإعداده، ويمكن أن تضعه في مأزق بهذا الخصوص إن هي قررت العودة إلى بيت والديها، فبدون زوجة لا يمكن للزوج استضافة أصدقائه لتناول الطعام في منزله، مما يؤثر على مكانته الاجتماعية. فالرجل يأنف من إعداد الطعام، حتى وإن كان قد أتقنه خلال سنوات الغربة، كما يأنف العربي من الذبح ويوكله إلى فئة مهمشة تدعى: الجزارون. كما قارنت بين الزوجات وبين الجزارين في تلك المجتمع وهما الفئتان الأقل حظوة مجتمعيًا، ولكنهما يسديان خدمات جليلة يعتمد عليهما المجتمع الذكوري المسيطر، وانتهت إلى أن فئة الجزارين أصبحت أكثر ثراء - وبالتالي أكثر استقلالا اقتصاديا - من الفئات المسيطرة تقليدًا، تحديدًا لقيامها بالخدمات التي تأنف الفئات المسيطرة تقليدًا عن القيام بها؛ بينما لا تزال النساء معتمدات اقتصاديًا على المجتمع البطريركي.

وهكذا أخذت الدراسات عن الطعام طريقها إلى المجال الأكاديمي، وبدأت الدراسات عن الطعام في شتى أصقاع العالم تنتشر، فألفت عنها الأبحاث، ونشرت الدوريات، وعقدت المؤتمرات. كما بدأت النسويات في الدراسات المعمقة عن الأوضاع الموضوعية التي تحدد وضع النساء في المجتمعات البطريركية وربطت تلك الأبحاث بمجال الطعام على وجه التحديد.



#عائشة_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العُصبة الوردية
- الفطنة العاطفية
- كاتب نسوي من الصين: لي شو-شين
- فرنشسكا دينيز نسوية من البرازيل
- نسوية من الهند: شريفة حامد على
- النسوية اليابانية كشيدا توشيكو
- الأدوار المرسومة اجتماعيًا
- أوباما والناخبات
- المرأة في السينما المصرية: حريم سلطان بورنجا العظمى
- الجسد في الثقافة البطريركية
- عن التحرش. على المزمار. في أمريكا!!!
- تعليم المقهورين من فريري إلى بوال
- برنامج جالز: تجربة من أفريقيا
- مجلة -مز- في الفصل الدراسي
- الرعاية المجتمعية للأمهات
- التغيرات الإيجابية في حياة اليافعات: تجربة من الهند
- الإعلانات والمعايير البطريركية المستحيلة
- النساء والنفايات
- المجتمع الذكوري: مارينا نموذجًا
- الحركة النسوية والدراسات النسوية


المزيد.....




- -واحدة من أغلى الصفقات في لندن-.. شيخ قطري يبيع قصره لفرد من ...
- مصر.. فيديو اقتحام واعتداء على امرأة وزوجها والداخلية ترد
- دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالخرف والرجال أكثر عرضة للإ ...
- السويد- رجل وامرأة يحرقان نسخة من القرآن قبيل انطلاق -يوروفي ...
- اغتصاب واتجار وتخدير.. قصة اصطياد عصابة -تيك توك- للأطفال في ...
- استقبل الآن… أحدث تردد قنوات الاطفال 2024 على القمر الصناعي ...
- الأونروا: الحرب على غزة هي حرب على النساء
- “اجا الحلو يا لولو!!”.. تردد قناة وناسة 2024 WANASAH TV لمشا ...
- الأونروا: الحرب على غزة تستهدف النساء بشكل أساسي
- في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. ما هو حال الصحافيات/ين الفل ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عائشة خليل - النساء والطعام