بسام البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 3892 - 2012 / 10 / 26 - 19:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تم أستخدام المغالطات المنطقية وعلى مر التأريخ في محاولة أثبات وجود الله. وعلى مر التأريخ تم تفنيد كل هذه المغالطات واحدة بعد الاخرى لأنها لم تكن أكثر من العاب لفظية أو تحايل على الفكر و المنطق من أجل أثبات وجود غيبي نطلق عليه اسم الله. الطامة الكبرى أن كثرة ترديد هذه المغالطات جعلت البعض يعتقد بأنها حقيقية أو صحيحة وبأنها ليست مغالطات, رغم أنه منطقياً ترديد الخطأ عشرة مرات لايجعلهُ صحيحاً في المرة العاشرة أكثر من المرة الاولى. لكن في حالة الله فيتم أستغلال صيغة "الاقناع" بوجود الله من خلال غسيل مستمر للدماغ بترديد نفس المغالطة آلاف المرات حتى تصبح هذه المغالطة حقيقة في عقل المتلقي غير قابلة للنقاش.
لندخل في الموضوع مباشرة, ماهي المغالطة المنطقية؟ المنطق هو الوسيلة التي يستخدمها المتحدث من أجل أقناع المُستمع بفكرة ما, في أفضل الاحوال يتم ألاقناع بطرق موضوعية بحتة, لكن في حال غياب أي أساس علمي أو منطقي أو أخلاقي (أو الثلاثة سوية) للفكرة التي نحاول أقناع الآخرين بها يلجأ البعض الى أستخدام المغالطات المنطقية. المغالطات المنطقية وهو أسلوب للأستدلال يبدو للوهلة الاولى منطقياً وصحيحاً لكن بمجرد التعميق في الفكرة يبدو زيف المنطق الذي قام عليه الاستدلال. يتم أستغلال المغالطات المنطقية بشكل فاضح و مريع في الفضائيات العربية لدرجة أنني توقفت عن مشاهدة الكثير من البرامج الحوارية كونها لاتعدو أن تكون جدل عقيم وخوار غير مفيد بل ومرهق في الكثير من الاحيان. النجاح المنقطع النظير لأستخدام هذه المغالطات سببهُ بشكل واضح أستغلال جهل المشاهد بهذه المغالطات من جهة, وعدم قدرة المشاهد على التعمق في الافكار المطروحة من جهة أخرى بسبب سرعة تدفق المعلومات في وسائل التواصل الحديثة.
من هذه المغالطات على سبيل المثال لا الحصر مغالطة (هل ترى عقلك ياملحد؟) وهي مغالطة حديثة و كما تبدو إسلامية بحتة غير موجودة في أي لغة أخرى بأستثناء اللغة العربية. هذه المغالطة تقوم على مجموعة من المغالطات المتراكمة فوق بعضها البعض لدرجة يبدو السؤآل لأول وهلة منطقياً وبأن شئ مثل (العقل) رفيقنا الدائم شئ غير مادي ومع ذلك نؤمن بوجوده فلماذا لانؤمن بشئ غير مادي آخر كذلك مثل (الله, الجن الازرق, الشيطان, العفاريت)؟ فما هي المغالطات التي يقوم عليها هذا السؤآل؟
أولاً يقوم السؤآل على الخلط المقصود بين مصطلح عقل الذي نستخدمهُ في اللغة اليومية الدارجة و الذي نقصد فيه الدماغ (المخ) وبين العقل (الوعي) والذي يمثل النشاط العقلي الذي يحدث داخل الدماغ. مثل هذا الخلط قد يصعب كشفهُ لأول وهلة وخاصة في الحوار المباشر فيبدو التردد في الرد كأنهُ تفوق وحنكة للسؤآل في أثبات وجود أشياء غير مادية نؤمن بها, وبهذا, إذا كنا نؤمن بشئ غير مادي مثل "العقل" فلماذا لانكمل الطريق كلهُ و نؤمن بكل الاشياء الغير مادية الاخرى مثل "الله" وتوابعهُ؟ ينتج هذا الخلط تجاهل أو تناسي بأن العقل المقصود في هذه المغالطة هو الوعي الإنساني الموجود و المترابط بشكل مباشر مع الدماغ "المخ" ولايمكن فصلهُ عنه. بمجرد توقف الدماغ عن العمل فلن يكون هناك اي وعي "عقل". لهذا فمن العبث الفصل بين الاثنين و الحديث عنهما وكأنها شيئان قائمان مستقلان عن بعضهما البعض.
ثانياً صيغة السؤآل (هل ترى عقلك) تحتوي على كمية كبيرة من الشخصنة في الحوار, حيث لانستطيع هنا أن نناقش فكرة وجود الله بمعزل عن آراء و أفكار ومشاعر المتحاورين أنفسهم. فيصبح أنكار وجود العقل أنتحار للمحاور ويتم أتهامهُ بالجنون لهذا رأيهُ غير مهم في الموضوع. أما إذا رفض الرد شكاً منهُ بوجود فخ فسيتم أتهامهُ بأنهُ يتهرب من الحقيقة وبأنهُ ينكر وجود الله تكبراً فقط. والخيار الثالث وهو التسليم بوجود العقل "الشبحي" الذي يقصدهُ المؤمن يعتبر تسليم بأنتصار الخصم الذي يحاول أثبات وجود كيان وهمي بهذه المقارنة القائمة على مغالطات واضحة. السؤآل الذي يطرح نفسهُ هنا, هل وجود الله مرتبط بشكل من الاشكال بوجود "العقل" الذي يتحدث عنهُ المؤمن؟ الا يعني هذا بأن المؤمن يقوم بحفر قبر الله بيده في هذه المغالطة بجعل وجود الله مرتبطاً بأعترافنا بوجود العقل؟ وهل غياب العقل فرضاً يعني أن الله غير موجود حينها؟ أسئلة على المؤمن ان يطرحها على نفسهُ قبل أن يطرح هذا السؤآل.
ثالثاً وهذه النقطة الاهم, أن العقل في السؤآل المغلوط هذا حل محل الروح في فكر المؤمن عندما كان يسأل قبل عشرات السنين (هل ترى روحك؟). ولكن بدل من أن يسأل عن الروح, لانهُ يعرف أن الغير مؤمن سيقوم بأنكار الروح مباشرة وبدون تردد لانها خرافة أخرى من خرافات الاديان, لهذا يستعيض عن مصطلح الروح بالعقل (لغلق طريق الانكار). ثم يصبغ العقل بصفات تشبه الروح, بحيث لايمكن وصفه ولايمكن لمسه ولايمكن التأثير عليه أو تتبع آثاره أو قياسها. لكن, بسؤآل بسيط أسترجاعي حول ماهو العقل الذي يقصده المؤمن في هذا السؤآل, سنكتشف بأن السائل لايمتلك مفهوم حقيقي للعقل الذي يبحث عنه, حيث هو لايتحدث عن النشاط العقلي ولا عن الدماغ ولا عن أي شئ آخر يستطيع الاشارة اليه, بل يتحدث عن شئ بلا وزن ولا طعم ولارائحة ولاتأثير ولا تفسير هو أشبه بالروح التي يتجنب الحديث عنها, ولكن تم الصاق أسم العقل عليها عنوة وبدون فهم أو سبب.
أخيراً, إذا كان الله موجود فهو لايحتاج لي أو لك أو لأي شخص آخر لأثبات وجوده. لو كان موجوداً لكان وجوده أكثر الاشياء طبيعية في عالمنا مثل ضوء الشمس و سطوع البدر في ليلة صيف. أما إذا كان هذا الإله بحاجة خلائقه لإثبات وجوده فهو ليس أكثر من إله بلا قيمة ولا طعم ولا رائحة وإله بمثل هذه المواصفات لافائدة ترجى منهُ أساساً. وأستخدام المغالطات المنطقية لأثبات وجود الله لا يؤكد الا حقيقة أنك تؤمن بوهم كبير يسيطر على أفكارك لهذا تحتاج أن تخدع عقلك بمغالطات منطقية كي تقتنع بما لايقبل عقلك الاقتناع بهِ.
بسام البغدادي
#بسام_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟