أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - ديوان - تَأطيرُ الهَذَيانْ - كتاب شعري















المزيد.....



ديوان - تَأطيرُ الهَذَيانْ - كتاب شعري


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 3872 - 2012 / 10 / 6 - 19:23
المحور: الادب والفن
    


ديوان " تَأطيرُ الهَذَيانْ " كتاب شعري من تأليف / مؤمن سمير

صدر عن دارالتلاقي للكتاب . مصر2009
رابط تحميل الديوان بي دي إف : http://www.4shared.com/office/fOeUotaN/__-__.html



إليه ...
المُبجّل " كمال "
الذي نسى رأسي تحتَ
شلالٍ ونجح في توثيقي
أمام الصورة المكسورةِ
ثلاثة أيامٍ بحالها ....
ثم اخترق جهاز التسجيل
ليطلُع من قلبِ المرآةِ
هراءٌ واسعٌ .. كأنهُ سحابةْ
........................
ثم إليهِ ........ هذا الهراءُ الطيب
رَضىَ بشجاعةٍ
أن يختنقَ في أوراقٍ وأرقامٍ وتقسيماتٍ نسبيةٍ
.... وهو المُطْلقُ الحقيقيّْ ...



الأربعــــــــاء
( 6 أغسطـــــس )

* نهـــــــــاراً *
أيها التاريخيُّ
أُترك حنجرتي لأصرخَ أو حتى أتنفسْ
الحبلُ قاسٍ ولا يردُ علىَّ لُهاثي ...
و ( العُفار) يرسمُ السهمَ إلى ذراعي
المختفيةِ من الصورة .... كـأنما .......
أنا
هنا
يا "كمال" ........
قميصي ضيّقٌ لأنهُ ملوثٌ بالظلِ
بقعةُ الدم في عيني ... وفي أذني
أبعدهم يا "كمال"... صدقوني... يا نذلُ ..
يا أنا ....

* المســـــاء *
كنتُ حبةً واحدة
وكان الحَجَرُ صغيراً
لا يصلُ إلى الكتف.
الجارة
بذكائها الِفطْرِيّْ
رَبَطت بيننا سريعاً
بعد أن رَكّبَتْ القساوة
في ضلوع الألياف
ثم من عند الغيمة
نزل الماءُ الساخن علىّ
فصنع مسافات في اللحم
وضاعَفَ
قُطْر المسام .

الحَجَرُ
وكان قد قارب النضوج
أخذ يُوسّعُ لنفسهِ
قليلاً قليلاً .
برأسهِ المدببةِ
بدأ
ثم الحافة اليمنى
بعدها أعمى العرقُ عيناهُ
فدخلَ بقدميه الطويلتين
واختنقتُ أنا
وصار لوني
قاتماً
يستقبل الأزرقَ
فاتحاً القلبْ.

الجارةُ
في جهازها (المشوّن) في صندوق
كانت تحتفظ بابتسامةٍ
تكوّنها عبر السنين
لترسم على مقاسها
زوجاً
وبيتاً
ولما يئست
قررت الاستعانةَ
بحالتي
تحت لسانها.
استحلبت
من عمقها
ليمتلئ ريقها بالمشاعر
والحجرُ يُمسِكُ أنفاسهُ
حتى تَملّكَ من فمها
وانطلق.

الحجرُ
: بصقتي المهووسةُ
في قلب الطريق
ساعة تلتقطني حواّمةٌ
وتعيدني ضاحكاً
إلى إنائي المحروق
النائم كالملاك
في أعلى
الجبل ....

حَجَري الرائعْ.



إنما إطار الصورةِ كبيرٌ عليك ؟
تعومُ فيهِ
كأنك بندول
وعكازك خارج الإطار.
بلهفة المحابيس
تنظرُ لهُ
فيقفز جذلاناً
ويحمل عن ظلالكَ
حقائب الهدايا
والجبال والقنابل والراقصات
المجانين.
الصورةُ المشنوقة
في الفنار السمين..

تصطادُ من البياض المُشرَّبْ بالبقع
ساعاتٍ مائيةٍ
وترفعُ أذنابَ البنات إلى الرف
وتلحُ على أي حصانَ
أي واحدٍ مارٍ بالصدفة -
أن يُقسّم نفسهُ بالسكّين
عشرين جزءاً على الأقل
لتتعلمَ أنتَ
يا خائب
وتوزع حزنكَ
على
كل
الأركان .....

أحدّدُ أبعادَ الجثةِ
الطول والعرض والأقدار
جثة "كمال"-
ثم أنظرُ هنا وهناك.
الوضعُ أمان وهدوء
الهواء ساكن
والفيروسات تخشى (الفورمالين)..
إذن
سوف يتوقف رقص الفأس
في جَيْبي الصغير.
حان العمل المؤجل
حانت المتعةُ
الصافيةُ ......
أمسحُ اللهاثَ
وبريقَ العينيْن..
لن ترتعشي الآن
يدي يا يدي
و إلا
بدون أن أقصد
سيُقبّلكِ النصلُ
وأرتاحُ من هذه الفضيحةِ
المتنقلة.

لحمُ الكتف
غالباً (مُشفّى) من الدهون
أقضمُ
وأغمض عينيّ
وأبكي.
لحمُ الفخذِ ....
أنهشُ
....وأبكي.

أزدردُ الساقَ
والضلوع...
يا آه
كل هذا الضيق
تخزّنهُ في صدرك
ولو ...
أُحاصرُ النظرات
هَربَت من أركان الجثةُ
واختفت
في
الدولاب .
بخشبةٍ آخرها مسمار
أضربًُ القلبَ
قلب الدولاب المراوغ
لتئنُ نظراتُ "كمال" لحبيباته
وضربةٌ أخرى مُحكمةْ
تجعلُ عتابهُ المتكرر
للمرآة ِ
يملأ العمارات بالأشباحْ...
..........................
في النهاية
أصبح شكلي مزرياً
الدماء متناثرة على وجهي، والأحلامُ عالقةٌ بأقدامي
حتى الشَبعْ لم يعد متألقاً . أنا فاقدٌ لانتصاراتي ...
لكن مهما جرى، لن أخيط الجثةَ، فتعودَ للقفزِ
والثرثرة ......


لن أبتسمَ
للسماءِ المخفية
بين الزجاج المُسَنّنْ....



فتى الأرجوحة
يجلسُ في المنتصف
الهواءُ يشيلنا
لندخلَ قاربهُ
وندركْ .....
الأرجوحةُ مكتنزةٌ
من حبس صرخات الخوفِ
داخلها على مر السنين
وهو يمتلك رأساً
فيها ندوبٌ وعساكر ومطر
قد تقف في وسط الكلام.
(الصواميل)
التي نعبثٌ فيها كل مساء
بعد أن يستلقى إلى الوراء كصخرة -

تنتظر قرارنا
لتطيرَ وتنتظم مع الطيور
ونحنُ نأبى
كي نجرّب حماستنا
في الإمساكِ بتلابيبها
فينا...
رأسُ الفتى
مزرعةٌ للصقور
والدموع
نخزن ألعابنا الخشبيةَّ
في كوابيسها
وينسى "كمال"
كراسة الرسم ....

الملابس الداخليةُ
المسروقةُ من غسيل الجيران
أنا الذي أنساها
والفتى الخبيث
أبي مدفونٌ في رأسه.
لم يعمل حساب الزمن
ولا فكر مرة
في تسهيل الأمر على نفسه
: أن يطير بإزاء الأرجوحة
ويقابلني هناك
بدلاً من هذا العَناءْ.......

زيدوا من قوتكم

اللفة القادمة
سنعبرْ.

زيدوا لهاثكم
لفة أخرى
ونحتل روح الفتى
ونؤجر الابتسامات
للحي
القريب ....




البلكونات
منها نوعٌ منقوشٌ بالطيور
يسكر مثل بطل الفيلم
بمجرد الرائحة
رائحة الصفير...
ونوعٌ أوراق المذكرات
تسنده بهمسها المعتق
كلما ترنح.

هكذا قال السائق الساحرْ...
البلكونات
لا ترون غطيانها الشفافة ..
لأنكم عميان.
مثلاً :
غطاؤها مزركش
عندما تحبنا أشياؤنا
القديمة
وغطاءٌ مقلّم
عندما نمسك طبلة الأذن
ونكبُ فيها بكاء الغرف
المتأخرة عن أقدارها.

الولد الصغير
يفرح بنسيانهم له
بحجة أنه يلعب
ويقترب من الصغيرة
ودون أن يدري لمَ
يقبّلها
ويتعجبُ من سعادته
ثم يتحسسها
وهي ساكنة
تتعجب من سعادتها.

البلاطات
حقودٌ
ونفوسها ليست صافية
تخبئ كل واحدة عن الأخرى
مقداراً من الخطوات
على أمل
أن تجلبَ الأنظار
وتتسبب كل يوم
في تمثيلية
الوقوع
المحببة للجميع...

يا "كمال"
لا تصدق كلام المدرس
الهواءُ حبيبنا.
قف معي على السور
وأنا أجعلك تسمع بنفسك
ضحكات
و دعوات فخمة
وألعاباً كلها حديثة
لم يجربها
الأولادُ
الأغنياءْ......

من عندها
سنمسك بالعام القادم
ونقبّل قلبهُ
حتى يلينْ.....

فقط
أمسك ذراعي
وسُدَّ أنفك
لتحتفظ بالفرحة في رئتك
وأغمض عنا
الأسلاف كلهم
كلهم.........



الخميــــــــــس
( 7 أغسطس )

* نهــــــــاراً *
إنهُ يقترب
أعلمُ رائحته السميكةَ
..... يقتربْ
فأغيثوني .....

أغيثوا "كمال" الطيب ، وسيبوني أنا

يا "كمال..لو أخذوك خذني..أخذكَ الشبحُ ولا ترجع يا أخي !! .. الدم بقعتان .. واحدة لنا وواحدة لي ......

اقفز هناك فيَّ
المهم خلصّني منه
الآنَ الآنَ ... أرجوكْ ...

* المســــــــاء *
المرأةُ الشجرة
تصطاد ورقاً مفضضاً
من دفترها
وتستفُ في النهر
نظرةَّ عطشى
للقتلْ .......
.......



الوجوهُ في (الفاترينةُ )
تُكِنُّ للأمطار
نفس خوفنا
وأولاً بأول
تمسحُ على جذعها
كي لا يلمعَ الحنينُ
في الرقصةُ ....



شظيةٌ
تطلُعُ من العين
لأنها تنقادُ لي
وتصدق
أننا
جدران .....



الساعةُ تنده للأمير
: الثانية عشرة تماماً
والمُغنيّ
يبكي على فردةِ الحظِ
الأخير ........



إذاً
نفسُ الإناء
والنباتُ
يشم صيفهُ
من ملابسنا ....



الجيبُ العلويّْ
هو الذي يُخفي الحلوى
والشياطين ...
والأمُ
تقضي صلواتها
في مصالحة القسوة...



على المقعدِ
فستانٌ
يزهو لأنهُ
حَكَّ فتيلاً لساقيها
واستقبلَ
فاكهةً كانت تغمزُ
بين خط الذكرى
والحروب......



الصندوقُ ضيّقٌ علىَّ يا "كمال"..

لذلكَ أدوسُ على الإطارِ
بريشتي....

صوتُ الحُطام
سيزعجُ عشاق
الدور الأخير......



فرعٌ طويل
كطول شَعر الساحرة
به تخطيطٌ أصيلٌ لمعركةٍ
الخوذات لن تسع رسائل جنودها
ولا خصلاتهم المنقوشة
بطوّافاتِ الشارع ...

المركز المرصود
جنب الحصان ....



الطائرةُ الورقية
ثم الزَخَمُ الناطق في ثديها
والأسوَدُ القديم على الصليب...

لا تُعوَّلوا عليهم كثيراً ..

الآن على الأقل ...



تنطفئ الشعلةُ أسرع
وأولاد النار
الأوفياء
باهرون لهذا الحد ....

في كل حفرةٍ
ولسانٍ
و"كمال" ........




استقرْ يا منظر البنت
ولا تهتزً بكل هذه الرعونة...
اجعل مخك على دفترها
تلك الشجرةُ
وانتظر رأسي
على منضدة....

هكذا
أصيرُ قطةً سوداءَ
يبرقُ صوتها وعينُها
خشنة.........
تنطُ على الخيال
وتسب النوافذ
ولا تسيب ظلاً..

واحداً لكم.....



لك الشريحةُ الكبيرةُ
من الألياف ...

اعتبرها منحةً لقاء موتك في الحوض ..

الصمغ في لمساتكْ .....



شمسياتٌ تحجزُ أولاد الحرب
وعندها ضجةٌ
في المظروف
الضئيل...



جيتارٌ مؤجرٌ من الفرع الرئيسيّْ..
وحافظةٌ من جِلد الطبلة..

ولأن التصفيق طال
دخلوا في زجاجة الجنىّْ
واستقبلوا
أولادهم
من الخوفِ
الأصيل ....



تنميلٌ في الذراع الوسطى..

أجل ...

في علبةٍ هذا الضوء ........



أنامُ في قبلتين
وأنحنى للجمهور .......



السيقان
بصدرها العريض
ناوشت هذا الاتساع ...

الاتساع المجرم
الساقط في الطبق..



السببُ في انكماش أحمرَ شفاهكِ
أن البرجَ كان تحت الضآلة
ولم يقتنص للآن
آخرة الممر
و فاتحة الخشية......



بدايةُ السجاد
(تكشيرتان) من تحتِ ضرسها
وحفنةُ شهقاتٍ
وبحيرة ....



ترجمةُ الأرقام
تستدعى وجودنا الكثيف
وليس في حوزتي
إلا أمي التي قتلت أبي ونامت...

لا تغضبوا من بكائي .....

"كمال" يضحك جوار الساعة ..



الأمرُ الأول
كالسلالم
التي عليها الترابُ والشهقاتْ ..
ثم إنَّ الظمأ
في رقبة المدرس ...

لا عزيزَ في معاداة الموسيقى ....



لجعل الرمل ثلجاً
ترفُّ فتاةٌ
أبهى
قرب سِكّين "كمال" .....



لا يسدُّ السطحَ إلا الأعداءْ
المندّسون في البياض.....



الجمعــــــــــــة
(8 أغسطس )

* نهـــــــــاراً *
توفى إلى رحمة مولاه :
-الطفل "كمال"، صديق الطفل"مؤمن" ،بعد أن
قرصه العقربُ الطائرُ في السعودية.
-الأستاذ "كمال الشريف"، مدرس اللغة العربية
في المدرسة البعيدة عن الطريق، وجار الطالب
"مؤمن"، أمين اتحاد الطلاب والأغاني والخيال.
-الحاج"كمال أبو يونس"،الضرير، والذي كان
يرّبت على كتف الشاب"مؤمن" ، تحت البيت،
كل جمعة.
-"كمال أفندي متولي"جد طالب ليسانس الحقوق..
-السيد"كمال " والد الأستاذ "مؤمن"
المحامي ، عديم الذمة ...
-الآنسة "كمال" حبيبة.........
-...........................

يا "كمال" ... هنا هنا ...
قف فوق ظلي ...
سيهربُ يا "كمال"
ارحمني ... بقعةُ الدم الكبيرة ..
أرجوك
أيها الواقع في القيد
هَهْ
نسوكَ
لكني .. لكني أموت
.... فارحم يا أخي ..

* المســــــــاء *
وهل إذا صنعتُ قدراً ضئيلاً من الموسيقى
لأسُدَّ فتحةً في الباب الخلفيَّ ، كي لا تتسّربَ
الحلقة المنقوشة بالدم أكون فنانًا بقدر "سلفادور"
الساكن خلف بيتنا المتهّدم ؟،"دالي"يا رجل....
ثانيةً تقتربُ من سريري ثم تجري تاركاً السلالم
بسماواتها على عيني، تقترب، نشيد الصباح ،
العدو في المكان ، لن تقرأ جريدة اليوم
لأنك أعمى ،
ثم تغني وأكياس العيون جوارك .. أنا أسندُ
المرأة العجوز لتموت عندنا، واعدتُ ابنتها
وأمسكتُ عمقها
في حِجر القتيل ...........
.... نقطٌ حمراء وجروٌ وانغماسُ الرجل في قضم
ابنتي ثم ابتاعت من عظامها رطلاً ينفع في امتحانات
الحب، عينٌ وسقفٌ وكعبُ فتاةٍ فيه أربعة
سطورٍ غيرُ واضحة الحفر و إزميلٌ كانَ
التقصيرُ عليه ، إنها قصة الشخص ..
كادَ لا يتسع من فرط انتقالاتي المفاجئة للونٍ
ضعيفٍ أو حتى لقالبِ طوبٍ رمليّْ. كذا الأمور
والأخبارُ التي جاءت من عندً جارتنا . خلعت
ضحكاتها في النافذة وأخذت تشير بصدرها
الخلفي للغُصّة ولمكان البكاءٍ القديمْ ...
مثلي أنا "الغزالي" لا يعلم اليقظة من المنام .....
لكني ألمسني ..
أنا أعلم أنني كدتُ ........
إذن .............
شيخُ الجمعة لم يصدق أن الحيوان في عينيَّ
فقط وليس الخوار من رذاذ الذاكرة ..
وإذا شفتُ خيانات العائلة وارتعشت ؟
لكني تمنيتُ أن أساوم وأرتكب المحارم مع
أوراق أبي ، والمال المسروق القاطن درج المكتب
الرابع على اليسار، تحت ورقة الوصية ،
والله العظيم لم تكن البنت عذراء وقالت
"نزلت قطرات بعد أن مشيتَ " ، على العموم
هي الآن زوجة أخيك فابتسم، أخوك "كمال"..
الساعة المعطوبة، لماذا لم أبدّلها من وراءَ البائع ؟
لأني كنتُ أدّعي الحزن لتذهب لطبيب
الترقيع وحدها ..
الكتابُ يخرج ليفسد البهجة بالسكان العرايا ..
في الجِلد العتيق وفيَّ ...
الولدُ يُمسك بالخنجر ويغني "كوني مطاطةً
و إلا قتلتُ الحراس والجدران وكل لوحات الكهرباء" ..
في بورسعيد ماتت "ميديا" و" أنتيجون" في
بني سويف ، هل هذا كلام يا "كمال" ؟ طبعاً أنت
الذي تهذي وليس أنا ، هذيان مثقفين ، نحذف
منه الشتائم وأصوات البصق والروائح ،
عند القارب ستجد روايات "مصطفى" ،
"مصطفى ذكري" ، نعم ، انزل من فوق كتفي
يا ظالم ، انزل بالله عليك ، لم أقل يا كلب ،
والبس ضحكك كي لا تحس بالبرد وكُفَّ
عن استمناء الذكريات ، اللعبةُ خطرة ،
انزل ، وليس ما في جيبي هو ما أصالح الرب به ،
أنتم الذين تتركون ذراعي
حتى تطلع عليكم، أنتم وليس أنا ..
وليس "كمال"..
سأقلع عن استنشاق الأنقاض ثم أقتدي
بنخلة جدي زارع الأفيون والمحبة والقطط السوداء ،
وأكررُ أفعال الحرب ، ضربةً ، دقةً ... الخ
نسبتي غموض النبلاء ، إنه صديقي الحميم الذي نسى أن يموت في الكويت ، الوحيد وزوجته
فاضلة وأبوها صاحب البلدة، يخرج في
زينته والناس تقول لو أن لنا ما لقارون،
حتى بعد أن دلقت علىَّ كل (كولونيات) صديقي الرخيصة واستحمّت جهاتي ،
يا صديقي أنت
حجرٌ ثقيلٌ يفسد
إتمام الطريق
فاخلعني
يا عم "كمال"
من ثقب
الوسادة ...
التمثال يُفضل الغاز حتى يمتلئ ويعّوضَ الخفّة التي
كنا طماعين وأخذنا كل أولادها في معاطفنا الشتوية، عندي أملاح توجع جنبي وأنا أحضن صديقات أمي وأحاور أثداءهن المتهدلة ،
طبعاً عندك أملاحٌ توجع جنبك وأنت تُقبّل ظلّي فأتوجعْ .. ، لستَ أخي ولا صديقي ولا أبي ولا أنا ، ملصقات مليئة بأجولة العظم ، تحاور النيون كل يوم ،
فتصل إلى صيغة ترسمُ بها شاشةً أطلُ
منها على المُسّنات، سيكون لهنّ حفيدات
قريباً وسأرشح إحداهنّ لأخي قائلاً "لها
أخلاقٌ عالية وسماء " وأنا أعني الجسد
الذي يبرق في ليل ساقي المقطوعة .. المهم
يا عبيط ، أن المكيّفات ليست بالضرورة التي
تتخيلها .. كما تعودهن ،
يعتدنْ ..
إنه دورك في الشطرنج ...
فلا تسرح عند الشبح ....
سأقع منكَ ...... من نظراتكَ المرتابةِ
قبل الحركة القادمة ......
الجريدةُ تُوقعُ الحبر على الخيبة ، خيباتي سمينةٌ
يا ولد يا "كمال" وعُقَدي لست كفيلاً بهم
لأنك ورق ، هش ، ولأنك علمت أني
ضعيف، جبانٌ حقيقي يا "كمال"، شيطان بلا
ذيل ، أبني داخلي ثم ......
رقبتي انكسرت في أحضانهن ....
أبعدوهم .....
الذباب في صحني
وأنا أبتدئ من جدارٍ ، فقط ...
الخرابة مرة أخرى في اختبارات القضية ، القطط ،
السيجارة تتلو الأوراد لأنها محرومة مثلي
من الميراث المرسوم في الخريطة ، لم أقصد
إغضاب أبي وعلب الدواء من عند الدكتور "كمال" أرخص من كل الصيدليات ......

لذلك لا تمت..


هل نسيتَ أنك بالأمس
سكنتَ عند الله ؟!

بينَ القطط ، وبين نفسها ، تحددُ مستوى الصراخ
في الطبق ، إذا كان مالحاً ومليئاً بالجرذان المتسربة
من شقوق الزقاق ، أو كان مُسّكراً ينطُ من
الخزانة ... أنا متأكد أنه يقترب بأسرع
مما تحتمل ، موتي ، فلا تضحك علىّ ، أصحو
من عشر سنوات باكياً على أولادي رغم أني لن
أتزوج وأنت تعلم ، مَنْ سيشبهني بعد الآن ؟
هذا الولد سيحبُّ " جي دي موباسان"
وأقول "لماذا ؟" فيقول لأن "جي" مات
مجنوناً في الثالثة والأربعين ....
لا تكملوا الحياكة ، إنها فألٌ سئٌ في المساءْ ،
وكذلك تُذكر الجدّ بوزارة "نسيم باشا " التي
في مكان
والشعب في مكان ...
أنا أضحك الآن
يا ربطة الحبال الساقطة من السقف..

أنا أضحكُ الآن يا مشنقة الأم ....
خطّي سئ لأني لا أنسى جمال فتيات البورنو،"محمود حامد" يمتلك مكتبة كاملةً منها في رئتيه ، عندما يعطيني الحظ سأشتري بكل ما أحفظه من ورائكم في دفتر التوفير أسمنتاً لأسُدّ به رأسي،
تتغير درجة الإضاءة على وجهي وأصير أصفرَ
ثم برتقالياً ثم عديم اللون ثم مشجباً ، تنقطع
يدي إذا ضربتك مرة أخرى وأنا سكران
يا "كمال" ، ينقطع لساني إذا طالبت السرير
بأن يبتسم لي قبل النوم، المسرح يجلس
عليه ولدٌ صغيرٌ على رقبة بنت ثملة، الفرقة
ترمي علينا الدخان المشحون بالتوتيا الزرقاء ....
فمي محشوٌ لآخره ...
بالطلقات ..... مَنْ قال ذلك من قبل ؟
ومَنْ وصل قبلي للشهيق ؟

لم أكد آخذُ نَفَسي ..
حتى اقترفتُ الفرجة ...
أحتاجها بشدة ، قلبي يدق بسرعة كأنه قطار ..
الحقوا الرجل ...
الرجل الحقير ..
السارق ..
يشرب صورتي التي في الكأس ..
أنقذوني . أصبتُ بالشلل ..
الآثار السحيقة أنا أسندها منذ البداية ...
والآن أصابت مشاعري (التنميل) ....
الفيضان أو لا أتذكر اسمه ...
ماءٌ يُغرق سكون الحصن ...
ويرسم نفسه
على الورد كأنه المحبة ...

أنا القائد المُفدّى " شارل مارتل" ....
سأصحبكم إلى بلاد العسل ...
ثم سأعطي أولادي صكاً ....
ليشتروا الكاميرا الثرثارة ...
يا سيدي ، الحصان يتمرد علينا ...
إذن انحروه فوراً ...
لا عاصم اليوم مني ...
ثم لا تنسوا هذا الوغد " شكسبير" ..
يطلق اقتراحاتٍ حامضةٍ ، لا يزال ...
لا تصدقوا أنه عبقريّ ...
"هاملت" جاري أنا ...
أنا الذي رَتّبَ الأمور ...
أنا الفائز في كل مرة ....

ظهري يكاد ينفصم عن الذكرى ....
ويطير ..
ويكنس الغيمات ...
ويصفّق ..
ليفتحوا الطريق ....

رأسي ...
رأسي تتآكل ...
رأسي وقعت هنا ..
ثقيلةٌ على يديّ وساقي ..
أنا .. أموت ... أخيراً ..
أموت ..
أنقذوني يا أولاد جارنا الطيب ..
المخيف ..
القميص مُعلّق على الشرايين
البقعة ...
أنا لا أتنفس ...
هواء يا ناس ....
أقبّل قدميك " يا كمال " ........



( ...................... )

* نهـــــــــاراً *
.............................
.............................
.............................
لم
أمت
.............................
لكنني
خائف
.............................
.............................
.............................
.............................
خائف وبردان ...............



" عندما تبوح الذات ويحاصرها هذيانها "
قراءة في ديون (تأطير الهذيان) لمؤمن سمير
بقلم : مرفت محمديس
اللغة نوع من الجنون العذب ، فعند الحديث بها يرقص الإنسان فوق جميع الأشياء..
نيتشة(هكذا تكلم زرادشت )
في محاولة للتحدث عن الهذيان الذي هو ضرب من الجنون الذي لا يحدث إلا في عالم من صراع الأفكار، نجد قصائد الديوان تدور حول هذه الفكرة، واعية بهذا الضرب الواعي ، بداية من العنوان " تأطير الهذيان " (1) فالذات الشاعرة هنا ذاتٌ واعية متخمة بالأفكار والمعاناة في صورة موجة من الدفعات الجياشة التي يهتز لها الكون بأسره حولها، ولا يستقر للنفس المبدعة فيها قرار إلا بعد وصولها إلى حالة من النشوة الغامرة , الشحيحة الحدوث.
ولقد عرف الأدب القديم وخاصة اليوناني منه ضرباً من العلاقات اللاعقلانية التي تربط بين عمليتي الخلق الفني والإلهام ، ولم تبلغ هذه العلاقة عمقها المأساوي إلا من خلال كتابات بعض الأدباء والمفكرين الغربيين الذين استطاعوا أن يرتفعوا بمعاناتهم عبر كتاباتهم إلي مستويات تعبيرية متقدمة وحولوها إلي طاقة إبداعية هائلة وإن كان ذلك على حساب حياتهم ونظير معاناة وآلام لا قبل لشخص عادي بها .
ولقد تم تناول هذه المعاناة بأشكال مختلفة في أعمال كثير من كبار الكتاب العالميين بدءاً من " دون كيخوته " لسير فانتس وأعمال فرانز كافكا وديستوفسكي وفلوبير حتي فرجينيا وولف وجيمس جويس وناتالى ساروت ومارسيل بروست .
وأول ما تقع عليه عين القارئ هو عنوان الديوان " تأطير الهذيان " والذي يحمل دلالات قد تتعدد أو تستغلق على الفهم، وذلك باعتباره العتبة الرئيسية التي يدلف المتلقي منها إلى العمل حيث يقوم بدور المحفز للقارئ كي يبحث عن المعني المستتر وراء تلك اللافتة التي قصد بها " حصار الهذيان "، هذيان الذات المثقفة الواعية ، هذا الهذيان الذي يعاني منه الكثير من الشعراء ممن يزرحون تحت وطأة الأزمات النفسية نظراً لحساسيتهم المفرطة وعدم الاندماج مع الواقع المعيش : مما يولد الشعور الدائم بالاغتراب و رفض ذلك الواقع والدعوة إلى العودة للطبيعة الغفل كما نجد في ديوان " عواء " ( لآلن جينسبرج) مثلاً ، ذلك الديوان الذي كان علامة فارقة في مسيرة الشعر الأمريكي المعاصر وبعدها صار إنجيلاً للشباب المتمرد والغاضب بقصائده الهذيانية وتعامل مبدعه مع المخدرات لفتح أفق الخيال إلى ما لا نهاية ....
هذا الهذيان الموجه ضد الآلية تنعته الذات الشاعرة هنا " بالهراء الطيب " وهو أيضاً المطلق الحقيقي الذي يستحيل وجوده إلا من خلال الهذيان وهو ضرب من الجنون الذي هو نقطة الوصل بين الحلم oneiric والخطأ erroneous فهو يعكس في تنوعاته السطح الذين يتقابلان فيه والسطح الذي يربطهما ويفصلهما بالخطأ (2) .
ومن الحلم يستعير الجنون تدفق الخيالات والوجود الحسي للهذيان .
ويصل الهذيان لمقصوداته عبر أربع ثيمات ، يلعب معها، وبها:

أولاً : ثيمة الزمن :
يدور النص من خلال ثنائية ميقاتية تتحدد خلال النهار والمساء بذكر مفردتي "نهاراً" و"المساء" كعناوين يندرج تحتها الهذيان بتراكم الخيالات والصور، رابطاً أشكال المساء مع قوى النهار ، وأشكال التخيل بالأنشطة التي تتم في العقل اليقظ ، موصلاً المحتوي المظلم بأشكال النور المختلفة..
هذا النشاط الذي تشرك فيه الذات آخرين ، في أحداثه . بداية من الميلاد .. ووصولاً للموت .
ففي النهار الأول تخاطب الذات الماضي متمثلاً في دال التاريخ، هذا الماضي الذي يكبل عنق الذات وهو مصدر اختناقها.
كما في القول :
أيها التاريخي
أترك حنجرتي لأصرخ أو حتى أتنفس صـ 7
فالذات ليست وليدة لحظة بعينها إنما لحظات متباينة ومتعاقبة بداية من الميلاد الماضي ، إن وهم الذات واغترابها ليس منبعه الواقع المتمثل في الحاضر بل هو الواقع المتمثل في الماضي والتاريخ مروراً بالحاضر وبنظرة تشاؤمية وصولاً للمستقبل لأن الذات تستشرق المستقبل الذي لا يختلف ولن يختلف كثيراً عن قسوة الماضي والحاضر فهو امتداداً لهما .
وفي النهار الثاني تتحسس الذات اقتراب الموت، تلك النهاية المفجعة والأشد قسوة عندما تتوقعها وتتشمم رائحة الفناء مستغيثة كما في القول :
إنه يقترب
أعلم رائحته السميكة
.... يقترب
فأغيثوني ........ صــ 29
وعندما تعلن الذات بتقديرية عجيبة انسلاخ الآخرين الذين يمثلون انعكاسات لصورة الذات الشاعرة لا يتبق غير أن تستغيث مسترحمة ... لكن لا مفر :
لكني .... لكني
أموت ......
فارحم يا أخي ...... صــ 46
وعلى العكس من هذا نجد في مفردة " المساء " هذا التخصيص الذي خصت به الذات نفسها فنجد أن مساحة البوح زادت ومساحة الهذيان الليلي اتسعت مع ما يستحضر في الذاكرة من علاقة الشعراء بالمساء والهموم والآلام التي تتدفق في ظلام الليل ، وتنبثق من الوحدة والعزلة .
تستحضر الذات شخصيات كثيرة تستأنس بها وتقتلها في الآن ذاته، فتستحضر الذات مثلاً شخصية سلفادور دالي ثم الغزالي ، ميديا وأنتيجون ، شكسبير وهاملت وجي دي موباسان وكذلك شارل مارتل ..... الخ .
واستخدمت الذات الشاعرة أفعالاً في الماضي أيضاً مثل :
كنت .... كان ...... ربطت – نزل . ضاعف – اختنقت .... الخ
متحدثة عن بداية نمو الذات في الماضي بما يلائم تلك المرحلة من مفردات الحكي " القص" .
كما في القول :
كنت حبة واحدة
وكان الحجر صغيراً
لا يصل إلي الكتف صــ 8
تتحدث الذات الشاعرة عن بداية نمو الذات وهي صغيرة "كان الحجر صغيراً " بما يومئ ويشير للثقل والاختناق الحالي ، وكأن الهموم والأعباء كانت قليلة في الماضي وكلما نمت الذات أُثقل كاهلها وزادت همومها والآمها وصولاً إلى الاختناق وعدم القدرة على التنفس :
الحجر وكان قد قارب النضوج
أخذ يوسع لنفسه
قليللاً .... قليلاً .
برأسه المدببة
بدأ
ثم الحافة اليمني
بعدها أعمى العرق عيناه
فدخل بقدميه الطويلتين
واختنقت أنا صــ 9
هذا الاختناق الذي وصلت إليه الذات الشاعرة نابع من الغربة الشديدة التي تعاني منها الذات وتحاصرها وتجاهد للخلاص منها إلى أن تسيطر عليها تلك المعاناة وذلك القهر تماماً.
هذا الاختناق من ذلك الواقع المتوحش الذي يصل في النهاية بالذات إلى التقطع والتمزق الميتافيزيقي، ثم تكاد تموت فيزيقياً :
رأسي .
رأسي تتآكل .
رأسي وقعت هنا ...
ثقيلة على يدي وساقي .
أنا .. أموت ... أخيراً ...
أموت ..... صــ 58
إلى أن تفيق الذات مؤقتاً في زمن آخر، ضمني ، يتولد بإزاء الميقاتي السابق "نهاراً – المساء" ، زمن لا تتحدد نهايته أو بدايته فهو زمن يرتبط بالوعي، يبدأ معه وينتهي بانتهائه تعلن فيه الذات أنها لم تمت ومازالت حية .. إنبعاثة جديدة بعد الموت الأكبر الذي رصدته الذات في رحلتها بين النهار والمساء : الميلاد وصولاً للنهاية: الموت، وبعد الموت يأتي بعث جديد وميلاد جديد للذات التي تحلم أن يكون هذا الميلاد إنبعاثة جديدة بعيدة عن الواقع المرير الذي عايشته بالآمه وقسوته وتتغلب على الإحساس بالاغتراب الذي لاحقها منذ ميلادها.. لكن المفارقة الكبرى أن هذه الإنبعاثة الجديدة لا تختلف كثيراً ، فالذات تجد نفسها خائفة ووحيدة : كما في القول :
لم أمت
لكني خائف
خائف وبردان صــ 61

الثيمة التانية : القرين :
الثيمة الثانية التي تطالعنا هي ثيمة الآخر: القرين، ولا بد من الإشارة إلىأن الشرط الذي لا بد منه لكي يوجد آخر حتى ولو لم يكن الشرط الوحيد هو وجود أنا (3) بالأساس ..
فالوعي بالذات يقتضي الوعي بالآخر الذي هو شرط لوجود هذه الذات .
وقد ميز الفلاسفة وعلماء النفس في دراستهم للشخصية بين الأنا والذات، وترك كل منهم بصمته الخاصة وتعريفة الخاص لهذين المفهومين ، فالبعض أشار إلى أنا ثانية متغيرة أو متحولة قابلة للتشكل في ضوء الخبرات الحياتية والمراحل العمرية والظروف المحيطة بالفرد . (4)
فالأنا يمكن أن تكون مُعادِلة تامة للذات ويشار إلى هذا عادة " بإنشطار الذات " إلى أنا متعدد ومختلف في سياقات متعددة ومختلفة .
كذلك فإن الوعي بالذات قد لا يكون إلا من خلال وسيط وهو الآخر ..
والآخر هنا هو "كمال" ، الآخر الصغير بمفهوم " لاكان " ، الآخر الذي لا يصدق عليه بالمرة أنه آخر ، ذلك أنه قسيم الأنا وقرينة بصورة جوهرية ويتشابك معه في علاقة هي دائماً علاقة مرآوية يمكن فيها أن يحل أحدهما محل الأخر .
فهي علاقة تبادلية دائماً ، وهي كذلك المرحلة التي تصبح فيها الذات قادرة للمرة الأولي على الشعور بالتعاطف مع آخر.
فتبكي لبكائه وتصرخ لصراخه ، وتكون إياه حين يصاب ذلك الآخر بأذى :
أنا
هنا
يا " كمال " .....
قميصي ضيق لأنه ملوث بالظل
بقعة الدم في عيني ..... وفي أذني
أبعدهم يا " كمال " .... صدقوني ....
يا نذل .
يا أنا ..... صــ 7
الآخر هنا هو قرين الذات ، هو انعكاس لصورته التامة في المرآة ، تلك المرآة التي تصور الطبيعة الصراعية التي تقوم عليها العلاقة الثنائية بين الأنا والآخر فهي المرحلة التي تتكون فيها الآنا عن طريق عملية "التوحد "، توحد المرء بصورته في المرآة وهذا التوحد ينشأ عنه الـ "Ego " أي توحد الذات التام بصورتها، " الآنا " بالآخر"، ويتكون هذا الـ" Ego " عند "لاكان" بالتوحد مع النظير المقابل وهذا ما أعلنته الذات بتقريرية مفترضة مثلما هي مُشعّرة ...
كما في القول:
الجارة
بذكائها الفطري
ربطت بيننا سريعاً صـ 8
فمرحلة المرآة هنا تبين أن الذات Ego تتمخض من سوء الفهم والالتباس ، فالذات ليست فقط تلك الصورة التي في المرآة وإنما هي لحظات متعاقبة أو في حقيقة الأمر "ذوات متغيرة" أي أن الذات تتقمص شخصيات كثيرة كما يتقمص الممثل شخصياته فهو كما تقول" إلمان" Ellmann Moud إن الخيالي أو التخيلي أو المتخيل مسرح تتقمص فيه الذات على نحو دائم أو تتوحد بأشخاص جدد جهاداً منها في سبيل التغلب على الانقسام والانعزال والاختلاف والموت.
وهنا نجد أن الآخر الصغير " كمال " تحول إلى آخر كبير بتعبير " لاكان " أيضاً والذي يتكون من القانون والمجتمع والآخرين .
هذا الآخر الكبير موقعه "في اللغة" لأنها الأساس المشترك الذي يمكن به أن تكون لنا صلة بهؤلاء ... أقصد القانون والمجتمع والآخرين .
فمن النظام الرمزي أو اللغة يستعير المرء هويتة أو بعبارة أخري تتسرب فيه هذه الهوية أو يتشربها من النظام الرمزي . وهي ليست في الحقيقة هويته وهذا قول "رامبو" : أنا آخر I is another وهذا ما تعلنه الذات الشاعرة بأن الآخر كمال ... هو آخرين في الحقيقة: هو الطفل " كمال " صديق الطفل " مؤمن "
هو الأستاذ " كمال " مدرس اللغة العربية
هو الحاج " كمال أبو يونس الضرير
والسيد " كمال " والد الأستاذ ..
هو الآنسة " كمال " حبيبة .......
وهذا النظام التخيلي Imaginary كما يقول" باوي" Malcolm Bowi هو المشهد الذي ينطوي على محاولة المرء محاولة مضللة ويائسة أن يكون – وأن يظل – ما هو إياه ، بأن يضم إلي نفسه علي نحو دائم مزيداً من أمثلة التماثل مع نفسه ....
إنه محل ميلاد الذات المثالية Ideal ego النرجسية إن الأنا يقاوم بهذا التوحد غربة الشيء الذي يتوحد به فيجعلة قريناً أو شريكاً فهو لا يريد أن يكون وحده بل أن يكون معه آخرون والحصيلة كما تقول إلمان ، غابة من المرايا كل منها يلقي بظله على الآخر (5).
وتتعدد صور الآخر في الديوان فالجارة هي آخر رمزي – الولد الصغير – فتى الأرجوحة فنحن بإزاء ذاتاً منقسمة Diviedd self ، فالكتابة الشعرية هنا لغم، بمعنى أنها زلزلة لكل مستقر وخلق لامكانيات جديدة في رؤية الأشياء وفي إقامة علاقات مختلفة بينها وبين الكلمات . إن الذات هنا واعية خبيثة ماكرة، كحال كل الذوات غير العادية، تصرح بأنها تهذي "هذيان المثقفين" و تصرح بأن الآخر كمال هو آخرين ... ثم إمعاناً في الزلزلة والمرواغة تعود مصرحة بأنه ليس آخرَ ولا واحداً من هؤلاء
الآخرين !!
".... لست أخي ، ولا صديقي ولا أبي ولا أنا" .

الثيمة الثالثة: لا مركزية الجسد :
إن هذه الكتابة وجدانية أيضاً بمعنى من المعاني، تحتل فيها الذات الشاعرة المأزومة إلى حد التفجر كل المساحة النصية ... إنها ذات، في سياق حركي، تعبر عنها بدقة ، فكرة الجسد الممزق التي ترتبط أيضاً بمرحلة المرآة، حينما تشعر الذات بالتهديد تنتج عبرها ذكرى الشعور بالتقطيع والتفرق والتمزق، هذه الفكرة التي ترتبط بخيال الـ أنا حيث ذلك الجسد الذي لا يساوق بعضه بعضاً، وتصدق هذه الفكرة، لا على الصورة الحسية للجسد فحسب ولكن على كل شئ يشير إلى التفتت والتمزق :
أحدد أبعاد الجثة ..
الطول والعرض والأقدار
جثة " كمال "
ثم أنظر هنا وهناك
الوضع أمان وهدوء
لحم الكتف
غالباً " مشفى " من الدهون "
أقضم
وأغمض عيني
وأبكي .
لحم الفخذ .....
أنهش
وأبكي
وأزدرد الساق
والضلوع ..... صـ 15 , 14
هنا استعرضت الذات صورة جسدها الممزق محددة أبعاده وأجزاءه وهذه الصورة الرمزية تجسيد لما تمر به الذات الشاعرة من تشتت وتبعثر وفقد للهوية ، وفقد الهوية هنا أوهام وخيالات وضلالات تقوم على إساءة فهم الذات لنفسها مما يحث الذات على البكاء ، الذي هو شعور حزين بالحنين حينما يعيد إلى الحياة صورة النفس الأولى، فهذا البكاء تعبير عن عدم وصول الذات إلى مرحلة السواء النفسي إذ أن الوصول له أمر مستحيل تحقيقه وبالتالي فلن تتوحد صورة الذات بصورتها المرآوية الممزقة إلى الأبد :
في النهاية ، أصبح شكلي مزرياً
الدماء متناثرة على وجهي ،
والأحلام عالقة بأقدامي ،
حتي الشبع لم يعد متألقاً
أنا فاقد لأنتصاراتي ....
لكن مهما جري لن أخيط الجثة ، فتعود للقفز
والثرثرة ..... صــ 17
شكل آخر من أشكال التمزق والتساقط وهو صوت الحطام وما يتبعه من انهيار للبناء .... أيْ بناء الذات المكتمله التي تتحطم وتسقط نتيجة ذلك الخواء الداخلي الذي يهدد استمراريتها في الحفاظ على هذا الشكل . يقول النص:
صوت الحطام
سيزعج عشاق
الدور الأخير .... صــ 34

الثيمة الرابعة : مفهوم الإغتراب :
مصطلح الاغتراب alienation يستعمله "لاكان" بدلالاته في الطب النفسي والدراسات الفلسفية كذلك، حيث أنه ليس من بين المصطلحات التي استعملها " فرويد" في نظريته، إنما كانت الكلمة تستعمل في الطب النفسي الفرنسي في القرن التاسع عشر فالمرض العقلي يوصف بأنه اغتراب عقلي وكانت كلمة اغتراب alieine من الكلمات العامة التي تستعمل في الفرنسية للدلالة على الجنون، وقد ظهر المصطلح في التفكير الفلسفي عند كل من "هيجل" و"ماركس " غير أن مفهوم "لاكان" يختلف عنهما إلي حد بعيد فالاغتراب عنده ليس حادثة تعرض للذات أو تطرأ عليها ثم يمكن تجاوزها بل هي ملمح أساسي في تركيبة الذات بصفة أساسية منشق عنها ومغترب عنها ولا مهرب له من هذا الانقسام ولا معدى له عنه . ولا سبيل أمامه إلى الكلية أو التضام . فالذهان نفسه صورة من صور الاغتراب أشد حدة وتطرفاً (6).
إن الأنا هي دائماً آخر لأنها مؤسسة على ذلك التوحد بصورة بصرية واضحة حيث هي هي وليست إياها في الوقت نفسه .. قد تكون إنعكاساً في مرآة وقد تكون صورة دون كيشوتية (نسبة إلي دون كيشوت) والأمران سيان .. وتتمثل حالة الاغتراب هنا في ذلك الضيق والاختناق الذي يكبل الذات الشاعرة كما في القول
الصندوق ضيق علي يا كمال ....
لذلك أدوس على الإطار
بريشتي ..... صــ 34
فهذا العالم رغم اتساعه، تشعر الذات هنا بأنه ضيق لا يسعها لأنها تفتقد فيه هويتها وتشعر بعدم الانتماء والاغتراب وهذا المعني تؤكده الذات أيضاً فيالقول :
إنما إطار الصورة كبير عليك ؟
تعوم فيه
كأنك بندول
وعكازك خارج الإطار ..
بلهفة المحابيس
تنظر له
فيقفز جذلاناً
ويحمل عن ظلالك حقائب الهدايا ... صـــ 12
فإطار الصورة الكبير رمز الواقع الذي لا مكان للذات فيه .
إن القصائد تميل لأن تكون تمثيلاً لذات مقهورة ومغتربة تشعر بالفقد سواء فقد الحب أو فقد الصداقة أو فقد الإنتماء ومن ثم تسعى الذات لمجاوزة هذه المعاناة فتجنح للخيال من خلال صنع عوالم بديلة متخيلة تساعدها في تخطي هذه الآلام التي يفرضها الواقع بصفة عامة :
هكذا أصير قطة سوداء
يبرق صوتها وعينها
خشنة .............
تنط على الخيال
وتسب النوافذ
ولا تسيب ظلاً .....
واحداً لكم .. صــ 36
إن رؤية الذات المغتربة هنا للعالم رؤية إنهيار لليقين ليحل محله الضياع والشك، يقول النص :
لن تقرأ جريد اليوم
لأنك أعمى .
ثم تغني وأكياس العيون جوارك .. صــ 47
هذا الضياع والشك يؤدي بالذات إلى عدم التأقلم والإحساس بالخديعة والهزيمة التي هي النهاية المفجعة التي تصل إليها الذات هنا نتيجة لاغترابها :
الجريدة توقع الحبر علي الخيبة .
خيباتي سمينه .
يا ولد يا " كمال "
وعقدي لست كفيلاً بهم لأنك ورقٌ ، هش .. صـــ53
فالذات هنا رغم توحدها بالآخر " كمال " أعلنت اغترابها عنه فهو مجرد وهم متخيل أساسه الخداع وسوء الفهم وهذا التصور المغلوط للواقع هو مجرد ورق، هش اخترعته الذات لتعبر عن هذيانها واغترابها في الوقت نفسه، هذا الاغتراب الذي يؤدي بها في النهاية إلى الاصابة بالشلل، فتستغيث ..
انقذوني ... أصبت بالشلل ..... صــ 56
ومن صور الإغتراب داخل الديوان إستعارة الذات لشخصية هاملت الشكسبيرية وقضية الهوية التي عبر عنها "شكسبير" على لسان "هاملت" " أكون أو لا أكون" وهذه الفكرة هي الفكرة الرئيسية التي دارت حولها صورة الاغتراب داخل الديوان فالذات كانت في رحلة بحث عن هويتها محاولة الإندماج مع الواقع ثم انتهت بالتخاذل والرغبة في الموت أو أمنية الموت " السانتوس " بتعبير "فرويد" التي توصلت إليها الذات في النهاية بعد سلسلة من الصراع انتهت بالهزيمة كما عبر الشاعر عن ذلك في قول النص ..
أنا فاقد لانتصاراتي ... صــ 17
بقي أن أشير إلى أن حالة الهذيان التي قصدتها الذات الشاعرة هنا ورصدتها من خلال محاولة تأطيرها ليست مجرد مرض أو حالة من الجنون واتضح هذا من خلال قولها، مخاطبة الشخصية " كمال "، التي اخترعتها الذات في إطار مجازى.." لأنك ورق هش " أي أنه مجرد باعث لإثارة الهذيان .
ويشبه هذا شخصية " مالن جينيه " الشيطان المخادع ، تلك الشخصية التي اخترعها "ديكارت" وأصبحت هي الوسيلة التي من خلالها تتحامل الذات الشاعرة على الجنون والهذيان بالضبط كما تتحصن ضده .
وفي موضع آخر، سبق ذكره، نفت الذات كون هذه الشخصية الأخروية ذات الشاعر ولا صديقه .... ولا أخوه ولا أياً من هؤلاء، هي فقط رمز وتكأة .
وظهر نوع عنيف من الاغتراب عندما استغاثت الذات هنا بالآخر الذي اخترعته هي ، قائلة:
اقفز هناك فيَّ
المهم خلصني منه
الآن .... الآن ...... أرجوك ........ صــ 29
فالاغتراب لم يقتصر على كونه اغتراب عن واقع أو شعور بعدم الإنتماء والفقد بل تحول إلى اغتراب الذات عن نفسها وعن مثيلاتها المخترعة .. وهذا هو أشد أنواع الاغتراب حدة وقسوة ..
كما عبرت الذات أيضاً عن الألم الممزوج بالهذيان والتهكم الجارح والكشف بل والفضح أكثر من مرة ، سواء بذاتها أو بالإحالة إلى اللون الأحمر في شكله الجارح " الدم " ، حيث عبرت الذات الشاعرة عن هذا الحال باستخدام هذا الدال:
بقعة الدم الكبيرة .. ارحمني .. صــ 46
كي لا تتسرب الحقة المنقوشة بالدم ...... صــ 47
الدماء متناثرة علي وجهي ... صــ 17
بقعة الدم في عيني ... صــ 7
الدم بقعتان .... صــ 29
ثم عبرت بالمرادفة " حمراء " :
أحمر شفاهك .... نقط حمراء .... صــ 40
كما تتكرر لفظة الهواء أيضاً تكراراً يعبر عن حالة الاختناق الذي تعايشه الذات ورغبتها الدائمة في الخلاص :
الهواء ساكن صــ 14
الهواء يشيلنا صــ 18
الهواء حبيبنا صــ 20
هواء يا ناس صـــ 58
ويتكرر دال الموت والقتل إلى أن تنتهي الذات الشاعرة في صراعها مع الواقع ومع ذاتها بالاختناق ثم الموت .
كنهاية طبيعية لإيقاف هذا الصراع ...
أولاتخاذه شكلاً متجدداً .....
مرفت محمد يس
الهوامش

1- تأطير الهذيان، كتاب شعري ، مؤمن سمير، دار التلاقي للكتاب 2009.
2- ميشيل فوكو : الجنون والحضارة : تاريخ في عصر العقل 1997صـ 165.
3- جان فاروٌ : الآخر بما هو اختراع تاريخي : الطاهر لبيب (محرر) الآخر العربي ناظراً ومنظوراً إليه: مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1999 صـ45.
4- بول ريكور ، الذات عينها كآخر ، ترجمة جورج زيتاني ، المنظمة العربية للترجمة : بيروت 2005 صـ49.
5- المتخيل الثقافي : السيد إبراهيم: مركز الحضارة العربية
صـ57.
6- المرجع السابق صـ 36.



هذيان الذات ووحشتها
قراءة في ديوان " تأطير الهذيان " لمؤمن سمير"
بقلم/زينب الغازي
تدور القراءة حول ثلاث نقاط ، تتمحور حولها الزاوية التي اخترنا أن ندلف لهذا العمل الهام والممتع ، والمركّب والمجهد في الآن ذاته ، عن طريقها :
التعرف على عالم الذات ، كيف عبرت الكتابة عن الهذيان ، هل هو محض هذيان مرضي أم لا وكيف حسمت الكتابة الأمر .

أولاً : التعرف على عالم الذات :
تقدم القصائد ذاتاً تدرك منذ عتبة العنوان أنها تهذي ، ولكنه ليس هذياناً مرضياً كلياً بل أنه أشبه بالفضفضة دون قامع أو رقيب عليها ، فالذات تفضفض بكل ما يؤلمها وتتحدث ، مع وعن ، كل الرموز التي سببت لها ذلك الألم ثم حالة الهذيان تلك . وإن كان من المعروف أن قصيدة النثر في الغالب تعتمد أنسنة الأشياء إلا أن الذات هنا تثبت على الدوام أنها تتحدث عن بشر ، فعلى سبيل المثال يقول الشاعر :-
المرأة الشجرة
تصطاد ورقاً مفضضاً
من دفترها صـ30
إذ كان من الممكن حذف كلمة " المرأة " وكان سيصل المعنى المراد وأن القصيدة تتحدث عن ذات مؤنثة أياً كانت طبيعتها ، ولكن الذات الشاعرة تصر أنها تتحدث عن أناس عاديين هم الذين يغلفون عالمها لكنهم على النقيض يتصفون بكل ما يتضاد مع الجوهر الإنساني النقي والطيب . ابتداء من "كمال" أيقونة الألم والتعذيب لهذه الذات والتي وصفته صراحة في أول قصيدة " بالنذل" :-
يا " كمال " ...
قميصي ضيق لأنه ملوث بالظل
بقعة الدم في عيني .. وفي أذني
أبعدهم يا "كمال" .. صدقوني .. يا نذل صـ7
ثم الجارة التي وصفت أيضاً بالقسوة المتشعبة ، حيث تعاملت مع الذات على أنها قطعة حجر تستطيع التلاعب بها كيفما ومتى تشاء فسلبتها بذلك قدرتها على الفعل. وهذا يتضح مثلاً من مشهد إمساك الجارة لهذه الذات وحصارها . يقول الشاعر:-
كنت حبة واحدة
وكان الحجر صغيراً
لا يصل إلى الكتف .
الجارة
بذكائها الفطري
ربطت بيننا سريعاً
بعد أن ركّبت القساوة
في ضلوع الألياف . صـ 8
ثم أخذت الذات تستعيد ذاكرتها عن الحجر الذي كان أحد المكونات التي كان البطل يتلاعب بها هو ذاته في الماضي عندما كان طفلاً يتوهم القدرة ، فتقول الذات :
الحجر
: بصقتي المهووسة
في قلب الطريق صـ11
وكأنه عندما كبر مُسخ حجراً قابلاً طول الوقت للركل والحصار .
وهناك فتى الأرجوحة الذي هو مصدر للخوف أيضاً والذي وصف وصفاً يشبه المجرم المحترف. والأب رمز التعذيب ، والذي وصف بالخبث ، والأم القريبة من مفردات الألم الخاصة بالذات فهي الموصوفة بنفس القسوة والقهر بل هي قاتلة الأب بلا مواربة . وكذلك الجد يعتبر من مصادر تعاسة هذه الذات ليؤكد هذا أن جميع مفردات عالم هذه الذات هي التي أدت إلى وصولها لمرحلة الانفجار أو الهذيان . فلم يتبقى للذات في النهاية سوى أن تقر بأنها تائهة ومغتربة عن نفسها وعالمها موحش وأقرب
للغرائبية .

ثانياً : كيف عبرت الكتابة عن الهذيان :
من الأمور التي تظهر حالة الهذيان داخل القصائد أن هناك مشاهد موحية ومعبرة تجسد حالة الخوف والهلع التي يكون عليها المريض النفسي ، والاستغاثة الدائمة بمن حوله حتى إن كانوا هم سبب المرض . مثال ذلك استغاثة الذات الدائمة " بكمال" رغم أنه رمز لكل من آلموا هذه الذات حيث يكون مصدر الألم هم أناس أحبتهم الذات ولكنها لم تجد نفس المشاعر بالمقابل فدارت حول نفسها بعنف حتى انفجرت في النهاية بذلك الهذيان ، وهذا ما تنجح الكتابة في ايهامنا به .
ومن الأمور أيضاً التي تؤكد ذلك : الانتقام الصوري الذي يحدث كنوع من الهذيان ابتداءاً "بكمال" الذي تم الاستمتاع بقتله وتمزيقه قطعة قطعة . وأيضاً هناك الرغبة احتلال الأرواح سواءاً كان فتى الأرجوحه أو الفتى الخبيث الذي قد يرمز لوجه من وجوه الأب .
تقول الكتابة في صـ 15 :
لحم الكتف
غالباً (مُشفّى) من الدهون
أقضم
وأغمض عيني
وأبكي
لحم الفخذ ...
أنهش
وأبكي .
ثم في صـ 21 : زيدوا لهاثكم
لفة أخرى
ونحتل روح الفتى
ونؤجر الابتسامات
للحي القريب ..

ثالثاً : هل هو هذيان مرضي أم لا وكيف حسمت الكتابة الأمر :-
لقد تم التأكيد عبر الفن على أنه ليس هذياناً مرضياً بل هو نتيجة منطقية للقهر والقتل الدائم ويظهر ذلك في الكتابة المحكمة التي ليس بها ذلك الاختلاط والتناثر الذي لابد وأن يصدر عن ذات تهذي . هي في الحقيقة ذات عاقلة تفضفض بحقيقة الأشياء من حولها وتسرد مفردات عالمها ويتفجر الشعر ساعتها ، ولذلك سمته الذات بوضوح : " هذيان مثقفين". فتكون التجربة: أن هناك ذاتاً مبدعة بالأساس وشكل ابداعها هو الشعر ، أو حتى مثقفة ، وهذه هي حالتها عندما تهذى . فيأتي الشعر من الوعي واللاوعي في الآن ذاته . ومن الأمور التي تؤكد أيضاً أنه هذيان معقلن ومشعرن : المواراة والمواربة ، فالجنس مثلاً وهو دال رئيس في رحلة الذات ، لم يتم تناوله بمباشرة تتوازى مع حالة الهذيان المرضي بل هو محكوم بعقل يختار أن يومئ بدلاً من أن يصرح ..
إن الذات هنا في منتهى الجرأة والثقة الفنية التي جعلتها ترسم للمتلقي ، بنجاح ، كونها ليست ذاتاً عادية بل هي ذات مميزة وتعرضت لقهر ليس كأي قهر ، إنه قهر يبدأ منها نفسها ويمتد لكل التاريخ والجغرافيا والروح ، فانفجرت تلك النفس بهذيان ، ليس كأي هذيان ، إنه الهذيان الذي يصنع الشعر ، ويكتشفه ، وإن من زوايا مبتكرة ، دخلت الذات الشاعرة هنا في مغامراتها الفنية وأختارت لها المداخل الأصعب ونجحت في إدخالنا معها تلك الوحشة المرعبة وتلك الدائرة الموارة التي تخلخل يقيننا
بالأشياء .
زينب الغازي



" الرؤية الحيوية " كمفجر لشعرية النص
في ديوان " تأطير الهذيان "
لمؤمن سمير
بقلم/ محمود أحمد عبد الله
يمثل ديوان " تأطير الهذيان " منعطفاًَ جديداً في تجربة مؤمن سمير الشعرية المتسعة . ففيه مما يجعله مختلفاً عما سبقه من أعمال ، الكثير .. حيث يعيد الشاعر توظيف تقليد "الرثاء" التراثي الشهير، ولكن على نحو ينطلق فيه من المعطيات الجمالية التي تحافظ عليها قصيدته لتصنع تمايزها واختلافها عن قصيدة الجيل الذي ينتمي إليه . إذ أنه بالإمكان أن نلتمس في القصيدة هنا عدداً من الملامح الأساسية المؤطرة لما يسمى " الرؤية الحيوية". وهذه الملامح هي : اللجوء للمرجعية الذاتية ، المرجعية الخارجية الزائفة ، الإيقاع الذاتي ، كسر التراتبية الأنطولوجية وتفكيك المركز .

أولاً : ذاتية الإشارة :-
حيث من المفترض أن تقوم القصيدة الشعرية، إما بالإحالة إلى نص آخر أياً كان أو إلى واقع "فوق نصي" كالوقائع السياسية أو الاجتماعية أو التاريخية . لكن قصيدتنا الحالية تتخذ من ذاتها مرجعاً للدلالة ، فالنص يفسر ذاته بذاته حيث أن ما يمكن أن نجده منشئاً لرمز شعري ، سرعان ما يقوم النص بتعريته فيما يعد نوعاً من صنع الصدمة ومراجعة القراءة وتحفيز عملية التعدد في الاستجابة والتأويل . ففي الديوان، مثلاً ، تأتي صورة الحجر ، لا بوصفه جماداً ، بل في صورة إنسانية ، مما يدعو للشك في شيئيته :
كنت حبة واحدة
وكان الحجر صغيراً
لا يصل إلى الكتف صـ8.
ويتدعم ذلك المعنى الذي يبدو فيه الحجر وكأنه رمز للمرثي عليه ، حين يقول النص :
الحجر
وكان قد قارب النضوج
أخذ يوسع لنفسه
قليلاً قليلاً ...
ثم ....
فدخل بقدميه الطويلتين
واختنقت أنا صـ9
ولا تتكشف هذه الموازاة إلا لاحقاً حين يتوجه الشاعر بالخطاب إلى "كمال" المرثي عليه /الأساس ، قائلاً :
يا صديقي أنت
حجر ثقيل يفسد إتمام الطريق
فاخلعني
من ثقب الوسادة صـ51
كذلك الحال بالنسبة للجارة التي بذكائها الفطري :
ربطت بيننا سريعاً
بعد أن ركّبت القساوة
في ضلوع الألياف صـ8
ثم إنها:
استحلبت
من عمقها
ليمتلأ ريقها بالمشاعر
والحجر يمسك أنفاسه
حتى تملّك من فمها
وانطلق صـ10
وكأن هذه الجارة تلد الحجر: " كمال"، وبذا يمكن أن تكون هي الأم التي :
تقضي صلواتها
في مصالحة القسوة صـ 33
فالقسوة التي هي علامة ظهور الجارة لأول مرة بالقصيدة ، هي علامة الاستدلال على هويتها كأم . وهكذا فإن هوية الذوات لا تتضح إلا من خلال المرجعية الذاتية ، الأعمق والأبعد ، وذلك بالأساس .

ثانياً : المرجعية الكوزموبوليتانية :-
في الكتابة ما بعد الكولوينالية ، غدت رموز الاستعمار محل سخرية ، والسخرية محملة بنوع من النرجسية الذاتية حيث تسقط الحدود بين الشرق والغرب وحيث تُنزع القداسة عن الرموز الثقافية الغربية على نحو ما نجد من وصف شيكسبير بالوغد وبافتقاد العبقرية :
ثم لا تنسوا هذا الوغد "شيكسبير "
يطلق اقتراحات حامضة ، لا يزال ..
لا تصدقوا أنه عبقري ....
" هاملت " جاري أنا .... صـ57
أو السخرية من شخصية "شارل مارتل" :
أنا القائد المفدى "شارل مارتل"
سأصحبكم إلى بلاد العسل
ثم سأعطي أولادي صكاً .. صـ57
"شارل مارتل" هو الحامل لصورة المستعمر الذي يحمل في ذهنيته عن الشرق صورة بلاد العسل الجاهزة للاستلاب .
أو أن يكون "سلفادور دالي " من أهل الجوار :
وهل إذا صنعت قدراً ضئيلاً من الموسيقى
لأسد فتحة في الباب الخلفي ، كي لا تتسرب
الحلقة المنقوشة بالدم أكون فناناً بقدر "سلفادور"
الساكن خلف بيتنا المتهدم؟ دالي يا رجل صـ47
وهكذا تتسع الرؤية ، بالتجاور والكونية ، وتصنع الشعرية حيويتها وتجاوزها .

ثالثاً : الإيقاع الذاتي :-
وهو ما يتولد عن بنية النص ذاته ، وليس خارجاً عليه كما نجد في إيقاع قصيدة التفعيلة أو القصيدة العمودية . مثال ذلك حركة الأرجوحة ذات الطرفين ، إذ يرد مشهد شعري كامل يدور حول الأرجوحة ويتحرك المشهد الذي يدور بين طرفين في العادة، في تتابع مدهش.. وهو ما يعني أن القصيدة تتحرك وفق الحركة المتأرجحة على النحو التالي :-
فتى الأرجوحة (وهو كمال على الأرجح) مقابل جماعة الرفاق :
فتى الأرجوحة
يجلس في المنتصف
الهواء يشيلنا
لندخل قاربه
وندرك صـ18
ثم الأرجوحة في مقابل الفتى :

الأرجوحة مكتنزة
......
وهو يمتلك رأساً
فيها ندوب وعساكر ومطر صـ18
وكذا صواميل الأرجوحة مقابل جماعة الرفاق :
الصواميل
التي نعبث فيها كل مساء
بعد أن يستلقي إلى الوراء كصخرة –
تنتظر قرارنا
لتطير وتنتظم مع الطيور
ونحن نأبى
كي نجرب حماستنا صـ 18-19
وهكذا يمضي الإيقاع بالتناوب إلى نهاية المشهد ، مدللاً على طبيعة الإيقاع الذاتي، الخاصة، في القصيدة .

رابعاً : كسر التراتبية الأنطولوجية :-
تُعرف الأنثربولوجيا مفهوم "الرؤية الحيوية "على أنها الرؤية الفكرية للمذهب الحيوي ، وفيها يؤمن البدائي بأن العالم واحد ولا فارق وجودياً يميز الإنسان عن غيره ، وفيما يبدو أن قصيدة النثر ، في هذا المثال الذي نحن بصدده ، تنحاز لتلك الرؤية ، وربما يرد ذلك لمناكفة الرؤية التنويرية القائلة بمركزية الإنسان وعلو كعبة على باقي الموجودات ، ووفق تلك الرؤية يفعل البشر أفعال الحيوان والأشياء ، والأشياء تمارس حياة البشر ، على أن ذلك ليس نوعاً من تقديس الأشياء (الفيتشية) ، وإنما بناء مساواة غير متحققة على أرض الواقع، لذلك ليس ثمة ما يدعو للدهشة في أن تأكل الذات لحم المرثي عليه ، الذي قد يكون في إحدى التجليات ، الذات نفسها :
لحم الكتف
غالباً (مشفّى) من الدهن
أقضم
وأُغمض عيني
وأبكي صـ 15
وهو ما نجده حيال البلاطات التي يمر عليها الطفلان مؤمن وكمال وأقرانهما ، حيث تشاركهما اللعب واصطناعه :
البلاطات
حقود
ونفوسها ليست صافية
تخبئ كل واحدة عن الأخرى
مقداراً من الخطوات
على أمل
أن تجلب الأنظار
وتتسبب كل يوم
في تمثيلية
الوقوع
المحببة للجميع صـ24
وكذلك دُمى المحلات التجارية ، لها نفس مشاعر الخوف التي نكنها للأمطار ، والفستان يزهو لأنه حك فتيلاً لساقي المرأة ، وتصير الذات الشاعرة قطة سوداء يبرق صوتها وعينها ، بل ويصل التجاوب بين الإنسان والأشياء حد أن عكاز المرثي عليه :
تنظر له
فيقفز جذلاناً
ويحمل عن ظلالك
حقائب الهدايا صـ12
فالعكاز الواقع خارج صورة الميت يحيي ذكراه ، بتصور أن ظلاله تحمل الحقائب الممتلئة بالهدايا التي يحتاج لمن يحملها عنه .. وهو الذي يتقدم ليفعل هذا ، بكل بساطة وطبيعية .

خامساً : تفكيك المركز :-
إن قصيدة النثر هنا ليست قصيدة الديالوج القائم على الحوار بين طرفين ، الحوار الموضوعي بين رؤى العالم ، لكنها تصطنع لوناً من المونولوج ، يصطبغ بطابع حواري مزيف بين الذات والآخر من أجل أن تتفكك المركزية . فالحوارية الزائفة هي نتاج علاقة ذات بآخر ، ليس بآخر بالضبط ، بل هو شبيه بالذات ، لأن القصيدة هنا لا تُعنى بالثنائيات الضدية ، ولذلك من الصعوبة بمكان رسم صورة للآخر المختلف ، بل هناك الذات، المركزية ، التي لها سماتها، وكونها محور العالم التخييلي للنص ومحله المختار .
إن الديوان يتخذ من "كمال" محوراً للرثاء . لكن "كمال" ليس بالفرد الذي له هوية محددة بل يبدو وكأنه حقيقة وجودية تتخذ كل الصور الممكنة ، البشرية والطبيعية . فهو في صيغته البشرية يمثل كل الأحباب والأعداء من الصديق والأستاذ والوالد إلى الحبيبة والجد والمرعب .. الخ ، وفي صورته الطبيعية حجر عثرة في الطريق إلى الحياة ، وتتبعثر هوياته المتعددة فوق مساحة الديوان ويتم استدعائها في أي وقت وفي كل حال وهكذا يتأتى مركز النص مفككاً أو ما قد يبدو تجسيداً لنقص ذلك الـ"كمال" : المفهوم ، الذي يلح النص عبر حيويته ودراميته وفرادته الفنية ، على كونه محض مفهوم وهمي خدعنا طويلاً..
محمودأحمدعبدالله


تأطير الهذيان وجدلية الزمن
في ديوان الشاعر مؤمن سمير
قراءة خالد محمد الصاوي

العنوان يؤطر الزمن لا الهذيان فقط :-
يعنون الشاعر ديوانه بـ " تأطير الهذيان " وهو تعبير مجازي يدل على تأطير ووضع سياج حول حالة الشاعر التي سيعبر عنها داخل ديوانه هذه الحالة التي اعتبرها هذيانا إنسانيا ورغم لا معقولية الهذيان فإنه يعطينا إحساسا بالجدلية بين مفردات عالم الشاعر ، والزمن داخل النص الشعري ومن خلال الديوان أصبح مؤطرا مع الهذيان في سياج واحد .

إهداء مفعم بالأسى :-
يبدو من الإهداء والذي لم يعنونه الشاعر بكلمة " إهداء" سيطرة حالة الحزن الشديدة المفروضة على شاعرنا والمفروض عليها وهو يهدي القصيدة إلى" كمال " والذي ترك الشاعر غارقا في كم هائل من التفكير والذكريات:
"إليه
المبجل كمال
والذي نسي رأسي تحت
شلال ونجح في توثيقي
أمام الصورة المكسورة "
"فرأسي تحت شلال" هذا ما يوحي بكثرة الأفكار التي تتوالى على الشاعر " أمام الصورة المكسورة " فالصورة استرجاع للحظة التصوير وهي لحظة الماضي فترميه في حضن الذكريات أما كمال فهو الشكل الإنساني المجرد الذي نراه في كل الأشكال الإنسانية .

جدلية الزمن التي تخترق قاموس الشاعر:-
يتمحور ديوان الشاعر مؤمن سمير حول فكرة الزمن ، فالزمن هو التكنيك الرئيسي الذي يلعب عليه الشاعر وهو الذي يفرض نفسه إجباريا على قاموسه الشعري ففي الإهداء السابق يقول " ثلاثة أيام بحالها " ثم يبدأ تقسيماته للديوان تقسيما زمنيا بناء على هذه الأيام الثلاثة اليوم الأول" الأربعاء 6 أغسطس" ويقسمه إلى نهارا – المساء ثم اليوم الثاني " الخميس 7 أغسطس " ويقسمه إلى نهارا – المساء ، ثم اليوم الثالث "الجمعة 8أغسطس " ويقسمه إلى نهارا – المساء..
وبجدلية الزمن التي طرحها الشاعر نجد بوحه نهارا مكثف وقليل أما المساء فهو وجود البوح والجدل وللتقسيمة الفرعية للأسماء "نهارا – المساء " إشكالية جدلية أخرى فلم يقل صباحا، لما يوحي الصباح بالإشراق وضيق وقت الاستمتاع بالحياة والطبيعة وهو لا يريد أن يدخلنا في عالم غير عالمه الذي يريده وكلمة نهارا توحي باتساع الوقت وما يرتبط من معاناة خارج الذات معاناة الحياة من أجل الاستمرار فيها ، وما يرتبط بذلك من كد وتعب ، وكذلك كلمة المساء أكثر اتساعا من كلمة الليل ، والليل توحي بالإظلام المطبق والذي يرتبط براحة الأجساد لكن المساء رغم المعاناة الفكرية التي تلاحقنا فيه بسبب الوحدة وبسبب تعاطي الذكريات والتأمل إلا إنها كلمة معبرة عن حالة الشاعر في تقسيماته ، ولي ملاحظ أخرى على استخدام كلمة نهارا والتي جاءت نكرة في الوقت الذي جاءت كلمة المساء معرفة وكأن ألفة الشاعر مع الحياة مرتبطة بهذا المساء وليس غيره .

في القصيدة الأولى / اليوم الأول " الأربعاء 6أغسطس " تحت عنوانه المتكرر في الأيام الثلاثة "نهارا" يبدأ شاعرنا بعبارة "أيها التاريخي" فهي أيضا معبرة عن الزمن لأن التاريخ هو زمن الحياة المعاشة منذ أن وعي الإنسان بالحياة وهذا النداء ب " أيها" للاسم المعرف "بال "تعطي استطالة في النداء تتناسب مع طول التاريخ الإنساني ، ثم يبدأ شاعرنا بطرح إشكالياته التي هي عبارة عن صرخة استغاثة أكثر منها نداء ا
ثم يتبع النداء أسلوب إنشائي آخر وهو استخدام الفعل الطلبي " اترك" لتعلو نبرة الشاعر في الصرخة " لأصرخ " ويجد الشاعر في نفسه الذات التي لا تطاق بهذا الظل وهذا الدم ثم يقول
".....يا نذل
يا أنا "
فهنا الشاعر لا يتحمل ذاته بما هي عليها من أفكار ومتناقضات وذلك مرتبط بلحظات النهار ويبدأ في المساء لليوم الأول ساردا باستخدام الفعل "كنت" والذي يربطنا بزمن الماضي هذا الزمن الذي يلاحق الشاعر في آنيته وحاضره وهنا يتعامل داخل محور الزمن مع شخصيات ثلاث "حَبّة صغيرة / الشاعر/ السارد" والحجر " و " الجارة " ثلاثة من الموجودات التي لا علاقة بينهم قوية من الظاهر السطحي ولكن يخلقهم الشاعر في تضافر قوي ويخلق حالة من الجدلية بينهم فالجارة عنصر فاعل مع كينونة الزمن عند شاعرنا فهي " بذكائها الفطري" التي ربطت في الزمن الماضي بين الحبة / السارد وبين الحجر وركبت ذلك بينهما في قساوة شديدة ومن هنا تبدأ معاناة الشاعر وخاصة بعد نزول الماء الساخن الذي صنع مسافات في اللحم وذلك أيضا مرتبط بالزمن الماضي
" نزل الماء الساخن عليّ " .
ثم يسرد عن الحجر الذي كان صغيرا لكنه في الماضي أيضا "كان قد قارب النضوج"وتأتي المضارعات من الأفعال مرتبطة بالزمن الماضي أيضا لما يحكمه السياق المبدوء بالفعل الماضي مثل " أخذ يوسع لنفسه " وهذا التوسع الذي كان للحجر إنما كان بمثابة اختناق للسارد / الشاعر هنا
" فدخل بقدميه الطويلتين
واختنقت أنا "
ثم يعاود الحديث عن الجارة التي ربطت بينه وبين الحجر / القساوة فالجارة والحجر تمثلان القساوة في حياة الشاعر وهذه الجارة كانت تدخر ابتسامة عبر السنين – وهنا نجد الزمن فاعلا أيضا في الجدلية التي يقيمها الشاعر – وعلى مقاس هذه الابتسامة المدخرة تريد زوجا وبيتا على نفس المقاس، وندخل من هنا على جدلية غاية في العمق والبراعة فقد قررت أن تستعين بحالة الشاعر المختنق من الحجر واستحلبت من عمقها حتى يمتلأ ريقها بالمشاعر والحجر يتملك من فمها ثم انطلق ويتداعى الشاعر محاولا إيصال حالة هذيانه حتى يقول " كأنك بندول " والبندول مرتبط بالساعة والزمن و " ساعات مائية " الساعة عنصر زمني واضح الدلالة وخاصة أنه جاء بصيغة الجمع ويستمر في حالة الرثاء النفسي المرتبط بهذيانه
" لتتعلم أنت يا خائب
وتوزع حزنك على كل الأركان "
ثم يدخل في جدلية أخرى مع جثة كمال التي تقطع وتوزع ويقضمها ويزدرد منها الساق والضلوع ، ثم يشعر بنوع من الارتياح فيخفف نبرته العالية الحزينة بقوله
" كل هذا الضيق
تخزنه في صدرك "
ثم يعود لجدلية الزمن فيقول
" ( الصواميل )
التي نعبث فيها كل مساء "
ويقول أيضا
" لم يعمل حساب الزمن
ولا فكر مرة في تسهيل الأمر على نفسه "
ثم يدخل في جدلية مع الوجود والزمن في قوله
" ونكب فيها بكاء الغرف
المتأخرة عن أقدارها "
وكلمة " المتأخرة" هي أيضا إيحاء للزمن ثم يحدث كمال مخاطبا له أن يخرج خارج إطار صور المدرسة ليرى الحرية بما تحوي " المدرسة" أيضا من دلالات في سياقها ، وهذه الدعوة منه لكمال لا تبتعد عن لعبة الزمن
" ضحكات
ودعوات فخمة
وألعابا كلها حديثة "
ومفردة "حديثة" هي من المفردات الدالة على الزمن
" من عندها
سنمسك بالعام القادم"
حتى يصل إلى قوله
" وأغمض عنا الأسلاف كلهم "
فواضح في اليوم الأول/ القصيدة الأولى جدلية بين الماضي الذي ترك ظلاله القاسية على شاعرنا وبين المستقبل الذي يتركنا فيه السابقون نعيش حياة أخرى وهذا نستدل عليه من جملته الشعرية الأخيرة .

أما في "القصيدة الثانية / الخميس 7 أغسطس " ففي " نهارا " نجد الزمن أيضا في حالة جدل مستمر مع الشاعر " الآن الآن ...." فهو يطلب منه أن يتوحد فيه في اللحظة الآنية وكأن اللحظة الآنية هي التي ستحدد مصير شاعرنا ويتبعها بكلمة " أرجوك " ليبين أهمية الآنية هنا .
وفي " المساء " يدخل الزمن في جدلية أخرى مع المرأة الشجرة والأمير الذي يذكرنا بقصة سندرلا دون تلميح لها إلا بالزمن والأمير فلولا تحديد الساعة ما فهمنا هذا التلميح
" الساعة تنده للأمير
: الثانية عشرة تماما "
ويستمر الزمن مفردة هامة في جدلية الوجود عند شاعرنا ومفردة هامة من مفردات الديوان:
"الآن على الأقل ......"
" ولم يقتنص للآن
آخرة الممر "
"كمال يضحك بجوار الساعة " .

وفي "قصيدته الثالثة / الجمعة 8 أغسطس " : " نهارا" نجد أيضا الزمن فاعلا في القصيدة وله مدلولات مختلفة من سياق لآخر : الحاج كمال أبو يونس الضرير والذي كان يربت على كتف الشاب مؤمن تحت البيت كل جمعة " فكل جمعة ميعاد أسبوعي هو ميعاد اللقاء بالشيخ الضرير وهو يربت على كتفه وسط قساوة الحياة "نشيد الصباح ...... لن تقرأ جريدة اليوم "
الصباح واليوم مفردتان للدلالة على الزمن أيضا ويدلان على تكرار الحدث والرتابة .

وفي مساء اليوم الأخير يقول " شيخ الجمعة " فربط الشيخ بيوم واحد من أيام الأسبوع وكأنه في باقي الأسبوع يحترف حرفة أخرى غير المشيخة أو ليدلل على أن سطوة شيخ الجمعة أكثر من سطوة الشيخ في أي يوم آخر لما يحمل يوم الجمعة من دلالات روحية عند المسلمين .
ويدخل في جدلية الزمن مع الشخصيات: بإزاء الفتاة التي تدعي أنه أفقدها عذريتها فتتزوج أخاه كمال
" هي الآن زوجة أخيك فابتسم ، أخوك كمال
الساعة المعطوبة لماذا لم أبدلها من وراء البائع "
الآن – الساعة المعطوبة: بما تحمل من ثراء دلالي بعد قصة الفتاة المدعية بفقد عذريتها.
وكذلك نجد الوقت ظاهرا جليا ليدل على تجدد الحدث واستمراريته في نهاية سطور شعرية طويلة مكتنزة بالسرد فيقول
".... لست أخي ولا صديقي ولا أبي ولا أنا ، ملصقات
مليئة بأجولة العظم ، تحاور النيون كل يوم "
ونجد مفردة (ليل) تأتي في سياق مختلف عما اعتدنا من السياقات التقليدية فيقول:
"...........وأنا أعني الجسد
الذي يبرق في ليل ساقي المقطوعة "
ويدخل في جدلية وجودية أخرى يكون الزمن فاعلا فيها فيقول
" لذلك لا تمت
هل نسيت أنك بالأمس
سكنت عند الله ؟!"
وهنا التضاد الزمني واضح في جدليته الوجودية فهو يستخدم النهي بلا وهي تدل مع مضارعها على المستقبل " لاتمت : ثم يقول للدلالة على الماضي الواضح " هل نسيت أنك بالأمس سكنت عند الله "
" أصحو من عشر سنوات باكيا على أولادي ..........من سيشبهني بعد الآن "
فهو في حالة تضاد زمني أيضا فهو يستيقظ من عشر سنوات باكيا على أولاده الذين لم ينجبهم ولكنه يبحث في اللحظة الآنية على من يشبهه ومفردات الزمن تلاحق شاعرنا
حتى في سرده عن الأعلام:
" لأن" جي " مات مجنونا في الثالثة والأربعين .............
إنها فأل سئ في المساء" ثم يكرر كلمة الآن ثلاث مرات صفحة 54
وتستمر مفردة الزمن غالبة على المفردات الأخرى في الديوان ففي صفحة 55 يقول
"ينقطع لساني إذا طالبت السرير بأن يبتسم لي قبل النوم "
" ...........من قال ذلك من قبل "
" ومن وصل قبلي "
وفي صفحة " 57"
"إذن انحروه فورا "
" لا عاصم اليوم مني "
" أنا أموت أخيرا "
وهذه الجدلية التي كان الزمن محورا رئيسيا فيها هي جدلية الصراع مع الماضي بكل ما فيه من جماليات وقبح ومع اللحظة الراهنة والآنية .

الزمن يلعب دورا فاعلا في السرد الشعري في الديوان :-
لا يغفل على أي دارس أن الديوان يحفل بالمنحى السردي والذي كان واضحا من خلال تكنيكات مختلفة للسرد ولعب الزمان دورا فاعلا في المنحى السردي في الديوان من خلال جدليته مع الشاعر / السارد ومن خلال جدليته مع الشخوص المطروحة وخاصة كمال والجارة ومع الأشياء والموجودات التي تحرك من خلالها الزمن وشارك الشخصيات دور البطولة في السرد الشعري .
خالد محمد الصاوي

" المؤلــــف "
• مواليد : 15/11/1975
• عضو اتحاد كُتَّاب مصر.
• صـدر لـهُ:
1- بورتريه أخير، لكونشرتو العتمة.
شعر ، دار سوبرمان 1998.
2- هواء جاف يجرح الملامح.
شعر ، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000.
3- غاية النشوة.
شعر ، طبعة أولى : هيئة قصور الثقافة 2002.
طبعة ثانية : مكتبة الأسرة 2003.
4- بهجة الاحتضار.
شعر ، هيئة الكتاب 2003.
5- السِريُّونَ القدماء .
شعر، هيئة الكتاب 2003.
6- ممر عميان الحروب .
شعر، هيئة قصور الثقافة 2005.
7- تفكيك السعادة .
شعر ، دار هفن 2009.
8- تأطير الهذيان .
شعر ، دار التلاقي للكتاب 2009.
9- بقع الخلاص .
مونودراما ، هيئة قصور الثقافة ،
بيت ثقافة الفشن 2010.
10- إضاءة خافتة وموسيقى .
مجموعة مسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009 .
11- يطل على الحواس.
شعر ، كتاب اليوم ، دار أخبار اليوم , 2010.
12- الهاتف.
مسرحية للأطفال ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010.
13-أوراد النوستالجيا.
مقالات نقدية ، إقليم القاهرة الكبرى الثقافي 2011
* للتواصل : هاتف محمــول :01003815130 - 01116321147
بريد إلكتروني :
[email protected]

* الدليل*
- * إهداء * (3)
- الأربعاء. (30-5)
- الخميس. (60_31)
- الجمعة. (80-61)
- (..........). (84-81)
- المؤلف. (151)
- الدليل. (153)



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوان - يُطِلُّ على الحَوَاسْ -
- المجموعة المسرحية ( إضاءة خافتة وموسيقى - تجليات الوحيد - ) ...
- كتاب - أَوْرَادُ النوستالجيا وقراءات أخرى -
- مرفت يس تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
- زينب الغازي تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
- - المخبوءُ هُنَاكْ
- - نقوشُ السَطْوِ - شعر/ مؤمن سمير
- - رمل ..- شعر/ مؤمن سمير
- قصيدة وقراءة
- - حكايات شعبية من محافظة بني سويف - جمع / مؤمن سمير
- هل أفاد الفيسبوك والمدونات وما شاكلهم ..الابداع الأدبي والفن ...
- - أصواتٌ تحت الأظافر - شعر : مؤمن سمير
- - تحديات النص الراهن -


المزيد.....




- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة
- غزة في المتحف العربي للفن الحديث عبر معرض -شاهد- التفاعلي با ...
- بجودة عالية الدقة HD.. تردد قناة ماجد 2024 وشاهد الأفلام الك ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - ديوان - تَأطيرُ الهَذَيانْ - كتاب شعري