أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي بندق - الخليفة القادر وتأسيسية الإرهاب الفكري














المزيد.....

الخليفة القادر وتأسيسية الإرهاب الفكري


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 3856 - 2012 / 9 / 20 - 17:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تتأسس ثقافة الإرهاب على نزعة أصولية قوامها التعامل مع الوجود من منطلق التمركز حول شخص أو حدث – واقعيّ أو مُتخيّـل- ُيتخذ معياراً للمعرفة، ودليلاً وحيداً للحقيقة. ومن ثم فلا مجال لاختبار صواب أو خطأ المعتقد ، وإنما المطلوب – حسب ُ - العملُ على تثبيته بكل الوسائل بما فيها استخدام القوة أو التهديد بها ماديا ً أو التلويح بمخرجاتها معنويا ً .
محاكم التفتيش في القرون الوسطي الأوربية نموذج للنوع الأول ، و"ماكارثية" القرن العشرين نموذجها الثاني ، أما النوع الثالث [ التهديد المعنوي ] فمشترك بين العقائد التي تنذر بعذاب ما بعد الموت لمن يفكر ، مجرد تفكير ، في الخروج على نصوصها حسبما يفسرها الكهنوت السائد .
وفي تاريخنا العربي الإسلامي مثال على الجمع بين تلك النماذج الثلاثة في وثيقة واحدة . . تلك هي الوثيقة التي أصدرها الخليفة ُ القائم العباسي ّ (1040 ميلادي = 433 هـ) بتقنينه ما أسماه أبوه الخليفة ُ القادر "العقيدة َ الصحيحة " في بنود محددة : 1- تكفير كل من لا يُسلـّم بأن كلام الله قديم وأن أفعال الإنسان مُـقدرة ٌ سلفاً، وأن المؤمن ليس له أن يسأل عن أسباب الله حتى وإن عاقب المحسن َ ونـّعم المسيء [ أنظر شرح العقيدة للإمام السنوسي . ت 895 هـ ] َ 2- تكفير من يُقـَـِّدم الإمام عليّ بن أبي طالب على الشيخين 3- إخراج من ينتقد عائشة من الملة 4- نفي صفة المسلم عمن يجحد معاوية ، 5- تارك الصلاة لا ُيصلى عليه ، و ُيحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون .
الاعتقاد القادري إذن حزمة ٌ مترابطة من المقولات الفكرية والدينية والسياسية غايتها توطيد دعائم السلطة ، والعصف بمعارضيها أيا كانت انتماءاتهم أو مشاربهم ، بجانب ترويع البسطاء ممن لا يعرفون الفروق بين الملل والنحل، ولا بين النصوص ومقاصدها ، فيسلمون أدمغتهم لفقهاء السلطان دون تدبر .
وبهذا "الديكرتو" السلطويّ أمست الشيعة والمعتزلة والمتصوفة والفلاسفة مارقين بنظر الدولة، يحق لها قتلهم وتعذيبهم ونفيهم ، وصار مألوفا ً التهديدُ بتطبيق العقوبات على المراوحين بين الطاعة والعصيان ، وأضحى واجباً أن تروِّع شيوخ ُ السلطة العامة َ بتفاصيل ما ينتظرهم من عذاب جهنم إن راودهم الشك في هذا الاعتقاد القادريّ ، ذلك الذي سوف يمتدحه فيما بعد كثر ٌ من الأئمة في مقدمتهم الحافظ الذهبي، وابن القيم الجوزيّ ، وابن كثير، والسيوطي ، وابن الصلاح .
ولك أن تتصور كيف مضت حياة الناس العلمية والثقافية بالتوازي مع حياتهم السياسية والاقتصادية لمائتي عام ونيف في ظل هذا الحال إلى أن سقط ذلك الديكرتو الرهيب بسقوط الخلافة العباسية ذاتها عام 1258 ميلادي.
فهل انتهى بذلك عصر الإرهاب الفكري ؟ كلا ، وآية ذلك أن الأصولية ما لبثت حتى وجدت نصيرا ً لها في فكر الفقيه تقي الدين بن تيمية (ت 1328م) وكان من الحنابلة المتأخرين، فشدد النكير على الشيعة وعلماء الكلام والمتصوفة، وعارض ما أسماه "البدع" في كل أمر من أمور الدين والدنيا، ودعا إلى الأخذ بمرجعية واحدة هي القرآن والسنة حسبُ.. دون التفات منه إلى المتغيرات الحياتية المطردة ، والتي تتطلب الاجتهاد للموائمة بين النص وهو إلهي مطلق ، وبين أنسقة العلم ومذاهب التفسير ومناهج العمل ، وجميعها إنسانية نسبية .
وقد ظل فكرُ ابن تيميه هذا كامنا ً لدى المريدين والأتباع إلى أن وجد جماعة ً سياسية ً تروج له، وسلطة ً تتبناه ، وقد وقع ذلك يوم تحالف محمد بن عبد الوهاب من شيوخ نجد، مع زعيم من وسط الجزيرة العربية: محمد بن سعود (ت 1845 م) فكان أن ظهر التيار الوهابي، وظل قائماً رغم انكسار شوكته العسكرية أمام الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي الكبير.
كان لابد أن يمر قرن ونصف قرن من الزمان، قبل أن يجد التيار الوهابي فرصته للثأر [ثقافيا ً] من المصريين. وقد وجدها في كارثة حزيران 1967 حيث ضربت مصرَ الأزماتُ السياسية ُ والاقتصادية ُ، ما اضطرها للاعتماد على معونات دول الخليج لإعادة بناء قواتها المسلحة، وما اضطر فقراء شعبها للزحف بحثاً عن العمل هناك- خاصة المملكة- تحت وطأة الحاجة الشديدة، فكان شرط قبولهم وبقائهم في أعمالهم أن يلتحفوا بثقافة الوهابيين البدوية المتزمتة، وأن يندمجوا معها إلى درجة التماهي. وحال عودة العائدين منهم إلى الوطن، لم يكن أمامهم من بديل للانسلاخ عن هذه الثقافة في ظل تراخي الدولة "الجريحة" عن حماية ثقافتها الاجتماعية العصرية ، وهكذا انفتحت النوافذ أمام رياح العنف المادي والفكري كي ُتقتلع "السنبلة" المصرية ُ من تربتها الطيبة، ولـُتغرس بدلاً منها ثقافة ُ "البلطة" التي تبحث عن رأس تشجه.
كان الرأس المطلوب شجه هو الاتجاه الرامي لتحديث العقل المصري بمبادرات تستهدف التطبيق العملي لرؤية العصر، وهو اتجاه لم يكن مرضياً طبعاً للتيار الأصولي، بل على العكس كان حافزاً على أن يتوحش إزاء كل من يبدى رأياً في مسألة- أية مسألة - حتى ولو لم تكن ركناً من أركان الدين الخمسة، أو حتى محل إجماع !
[ وبالمناسبة فإن الإجماع لم يعد حجة في أصول الفقه منذ رفضه الإمام "الباقلاني" كمسلك ٍ للعلة - كتاب التمهيد- وأيده في ذلك "الشوكاني" قائلاً: إن المخالفين في القياس هم بعض الأمة فلا تتم دعوى الإجماع بدونهم - كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول ]
لكن ثقافة الإرهاب الفكري الأصولي الوهابي لا يعنيها من ذلك كله إلا تجريح الإنجازات علميةّ كانت أو فكرية أو أدبية ، بحسبانها بدعا ً مآلها النار! ولأن الإرهاب الفكري لا يملك الآليات " التقنية "القادرة علي مواجهة هذه الإنجازات على أرض الفكر، فإنه يلجأ إلى الالتفاف حولها، والاندفاع إلى تصفية رموزها جسدياً وسياسياً واجتماعيا ً: فرج فودة ، نجيب محفوظ ، نصر حامد أبو زيد...الخ بدعوى أنهم أبدوا آراء مخالفة في قضايا أراد لها الإرهاب أن ترتدي مسوح الدين، بينما هي قضايا محض اجتماعية.
وما زالت المعركة مستمرة.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعي في أقصى درجات الاحتمال
- هل يبقى الأخوان المسلمون أخوانا مسلمين ؟
- الإيمان لا يحتاج إلى إعلان (2)
- الإيمان لا يحتاج إلى إعلان
- تجديد الخطاب الديني على خلفية الفيزياء الحديثة
- الجيش المصري ليس فيلقا ً إيرانيا ً أو كتيبة أمريكية
- مصر بين سكة السلامة وسكة الندامة
- هل تطلب حماس سيناء كوطن بديل ؟
- أنور عبد الملك وتغيير العالم
- لماذا تجنبت ثورة يناير كلمة الاشتراكية ؟
- أيام البين السبعة
- أشباح الميلشيات بين القاهرة وبيروت
- الجذور المعرفية للفكر الفاشي
- ديمقراطية بلا ديمقراطيين
- إلى متى نتقبل ثقافة الأساطير ؟
- مصطلح الثورة مغترب في اللغة العربية
- المتحذلقون ونظرية المؤامرة التاريخية
- احذروا النموذج الباكستاني في مصر
- ازالة اسرائيل على الفيس بوك
- رسيالة من البرزخ


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي بندق - الخليفة القادر وتأسيسية الإرهاب الفكري