أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك بارودي - الموضوع الذي يخشى شيوخ السلفية الخوض فيه: لماذا قتل عثمان بن عفان؟













المزيد.....

الموضوع الذي يخشى شيوخ السلفية الخوض فيه: لماذا قتل عثمان بن عفان؟


مالك بارودي

الحوار المتمدن-العدد: 3825 - 2012 / 8 / 20 - 09:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يقدّم الوعى الإسلامي (هذا إذا صحّت تسميته بالوعي) اليوم، وخاصّة منذ بداية الثورات العربية، فترة الخلافة الرّاشدة في صورة مقدّسة متغافلا عن جملة الصّراعات السّياسيّة التي هزت كيان الأمّة الإسلاميّة خلالها. صراعات وصلت إلى حدّ سفك المسلمين لدماء بعضهم البعض لا في سبيل نشر الدّين بل في سبيل السّياسية والإستحواذ على السلطة.
نسمع و نقرأ كثيرا عن مقولة "السّلف الصّالح" فقد دأب شيوخ السّلفية على تصوير الصّحابة تصويرا تحيط به هالة من القداسة، إلى درجة أنه يخيّل إليك وأنت تستمع إلى حديثهم أنهم يتحدّثون عن أناس فوق كل الشبهات، نظيفي السيرة، معتدلي السلوك، لكأنّهم ملائكة (بالمفهوم الديني الذي يضع الملاك في مرتبة تحت الإله مباشرة وما ينجرّ عن ذلك من تنزيه وغيره من الأمور). كما دأبوا على عدم تناول كلّ ما من شأنه أن يشوه هذه القداسة. وقد نجحوا في ذلك إلى حدّ كبير من خلال حضورهم الإعلامي الكبير سواء كان ذلك على القنوات الفضائية أو على الشبكة العنكبوتيّة أو من خلال الزيارات والمحاضرات التي أقاموها في تونس بمباركة حزب حركة النهضة وجمعيات دينية كثيرة لدعم ما سمّوه "الصحوة الإسلاميّة" بدعم مالي من أكبر دولتين منافقتين على وجه الأرض: دولة الشيخة موزة، أعني قطر، والمملكة العربية السعودية، الرّاعي الرسمي للإرهاب الإسلامي في العالم. حضور يبرزه عدد المقالات التي تحاول، بكل الطّرق، ستر الحقيقة التاريخية بفيض من النصوص التي تشتّت تفكير القارئ غير المتبصّر بحقيقة ما وقع.
فقد شهد عصر عمر بن الخطّاب مثلا إيثارا للقرشيّين في تعيينهم بالمناصب السّياسيّة مقابل إقصاء الأنصار رغم مؤهلاتهم الدّينية والسّياسيّة المشهود بها، في شبه إنكار للدّور الأساسي الذي لعبوه في دعم الدّين الجديد من جهة، ورجوع بني عبد مناف للسّيطرة على مقاليد الدّولة بعد أن تمّ إقصاؤهم عن الواجهة السّياسيّة إبّان فتح مكّة فيما يشبه إعترافا بالمكانة الإقتصاديّة التي كانوا يتمتّعون بها منذ الجاهليّة. ولم يتأخر هذا الوضع عن التّفجر وقد كان له ذلك في خلافة عثمان التي انقسمت إلى قسمين وفترتين، أولهما دامت ستّ سنوات وتميزت بالهدوء والسّكون، والثانية مضطربة ومتوتّرة. لقد كان من أهم مميزات عصر عثمان تكديس الثروات، فهو عصر راحة كانت الأموال متداولة فيه بكثافة وكان المال المكدّس يجري إنفاقه أو تخزينه، وقد كان عثمان في وقت مبكر من خلافته يأخذ من بيت المال لأجل حاجاته وقد كان لا يرى حرجا في محاباة أفراد عائلته المقرّبين بالمناصب السّياسية والهبات الماليّة التي كان يقتطعها مباشرة من بيت مال المسلمين اقتطاعا قد يكون على سبيل الإقراض. هذه السّلوكيات أدّت إلى ترسيخ بنية مزدوجة ومتناقضة: من جهة نجد مكابرة الخليفة في محاباته لعائلته وإفراطه في عطاياه للأمويّين، ومن جهة أخرى نرى انتهاجه سياسة ملكية وعائلية غالبا ما تتعارض مع السّنة التي رسّخها نبي المسلمين والخليفتان الأول والثاني. وبوجه عام يمكن إرجاع القضية إلى صراع بين تجديد لنشاط عائلي ولروابط الدم، وعودة إلى أعراف الجاهلية وتقاليدها.
إن ما كان يفعله عثمان في نظر بعض المسلمين أمر لا يمكن التسامح فيه، ولكن في الوقت نفسه كانت الأكثرية قد بقيت صامتة، وحتى أنها قد كانت عاتبة لأنه ما من شيء كان يسوغ انقطاع وحدة الأمة، ولأن الإمام الخليفة أمير المؤمنين كان يفترض فيه أن يكون غير قابل للمسّ والنّقد. لكن الأمور لن تستمر هكذا، فقد بدأ يظهر النقد لعثمان في وسط الصحابة أنفسهم إزاء تجاوزاته التي أصبحت كثيرة في نظرهم. ومن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الخليفة عثمان من وجهة نظر الصّحابة تعيين شقيقه من أمه، الوليد بن عقبة، عاملاً في الكوفة، بدلاً من سعد بن أبي وقاص، وتعيين عبد الله بن عامر، عاملاً على البصرة، بدلاً من الصحابي المشهور أبو موسى الأشعري. أفرط الخليفة عثمان في محاباته لعائلته وتسهيلاته للأمويين. وكان أبرز المعارضين له هم الثلاثي: أبو ذر الغفاري وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر، مما أدّى إلى بروز آراء أخرى أكثر تطرفا وهياجا ضدّ عثمان بدأت تتجرأ على شخصه وتهدّده في سلامته الجسديّة.
و قد كان لما يسمى "القرّاء" دور كبير في تجييش الناس ضدّ عثمان، متسلحين بنوع من المصداقية التي يتحلون بها لأنهم قارئو القرآن ومرتلوه. ونتيجة لهذا التجييش ضد عثمان وقعت عدة حوادث في الكوفة، لتتعاظم المطاعن الموجهة ضد عثمان. وقع مقتل عثمان بعد مرور أكثر من سنة على حوادث الكوفة، فكانت هذه الأحداث الثغرة للتّشنيع على عثمان ليزحف من بعد المصريّون. كانت عملية الزّحف على المدينة وقتل عثمان أبعد من انفجار فوضوي جماهيري مضطرب، فقد كانت مسيرة منظمة شبه احتجاجية ومسلحة، إذ كان الأمر يتعلق بمحاربين، وسيعملون بحذر على مراحل. ومن المؤكد تقريبا أن هدفهم لم يكن قتل عثمان ولا حتى خلعه، بل تقديم مطالبهم وعرض مطاعنهم والطلب إليه بحزم أن يعترف بها وأن يتقبّلها وأن يغيّر سياسته انطلاقا من ذلك، إذن فأكثرية المعترضين على عثمان كانت تتحرّك سعيا وراء العدالة.
والجدير بالملاحظة أن أحد المهاجرين الأكثر شهرة قام بمساعدة التمرّد الذي تمثل في محاصرة منزل عثمان شهرا كاملا وذلك بالمشاركة في الحصار أو بدفع أفراد عشيرته، والمقصود هو طلحة وكذلك الزبير بن العوّام الطامعين علنا في الخلافة. دون أن ندخل في جدل حول دور أم المؤمنين عائشة في السّكوت على ما يحدث أو التّحريض على قتل عثمان.
يعدّ مقتل عثمان حدثا كبيرا وخطيرا في تاريخ بدايات الإسلام، سيما وأن له عواقب لا تعدّ ولا تحصى، فهو الحدث المؤسّس لانشقاق الأمة وانقسامها النّهائي. لم يدم الهدوء بعد المقتل سوى مدة قليلة، فانتشر عنف واسع قارب حد الإنهدام والتحطيم الذاتي كان ذلك عبارة عن حرب أهلية. وسيبقى الإسلام قرابة ألف وخمسمائة سنة، مبهورا ومأخوذا بسحر مثالية السلطة الكاملة التي سيحدّدها الفقهاء المتأخّرون بوصفها الخلافة الحقّ مقابل الملوكية أو السلطانية اللاحقة.
تسبّب مقتل عثمان بن عفّان في سيل من الأفعال والأعمال المأساوية جدا في حدّ ذاتها في ذلك الزمن: الفتنة، الإنشقاق، الحروب الأهلية، العنف الفتاك داخل الأمة. لقد أثار فيما يتعدّاه، وبرد فعل تسلسلي، الانقسامات السياسية والمذهبية الكبرى التي ستنبثق من تلك الصراعات الأولى.
بعد اغتيال علي في رمضان سنة 40 للهجرة خلت الساحة لمعاوية وسيطر على الحكم، فعلي هو ثالث خليفة في الإسلام يموت قتلا، والحال أن هذا العصر سيطرحه الوعي الإسلامي بوصفه عصرا شبه مقدّس... عصر الخلفاء الأربعة الراشدين عند أهل السّنّة، وعصر الشيخين، بالإضافة إلى السنوات الست الأولى من عهد عثمان، ومرحلة علي التي امتدت حتى التحكيم في نظر الخوارج، عصر الخليفة علي وحده في نظر الشيعة الإثنى عشرية.
ينكر شيوخ السّلفية ما حصل في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الدّولة الإسلاميّة و يحاولون القفز عليها أو تشويهها بما يتماشى و رؤيتهم السّياسيّة التي تصوّر السّلف على صورة لم يكونوا عليها أصلا. السّلف من الصّحابة و التابعين لم يكونوا رجالا ونساء أوقفوا حياتهم على التقوى والورع والتّعبّد والتّزهد في الحياة الدّنيا، مثلما يريدون تصويرهم لنا، بل كانوا مثلنا يسعون وراء الدّنيا مجسّدة في السّياسة ويلهثون وراء مصالحهم الشخصية ومصالح أقاربهم. لقد كان الصّراع السّياسي زمن الفتنة الكبرى صراعا دنيويا سياسيًّا قبل أن يكون صراعًا دينيًّا.

---------------
المراجع:
1- الحقيقة الغائبة، فرج فوده
2- الفتنة الكبرى، طه حسين



#مالك_بارودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول تواصل إعتداء المتديّنين المتطرّفين في تونس على الحرّيّات
- خواطر وأسئلة حول الحاضر المأساوي الهزلي للمسلمين
- تجربتي مع الدين - الجزء الثاني
- تجربتي مع الدين - الجزء الثالث
- تجربتي مع الدين - الجزء الأول
- لماذا لا أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك حوار مع مسلم حول موضوع ...
- رسالة إلى بلدان الثورات العربية حول الوهابية أو النازية الإس ...
- المعجزة الإسلامية التي أذهلت الغرب وأبكت الملايين
- حول زواج المسلم/ة من مسيحي أو يهودي ... الخ أو من لا ديني/ة
- هل كان بالإمكان تفادي وصول الحكم في دول الربيع العربي إلى مر ...
- كيف؟ كيف كانت بداية الإنهيار؟
- الواقع في تونس بعد الثورة: جري نحو الهاوية بمباركة حزب النكب ...
- نظرة على أخلاق رسول المسلمين وإدعاءاتهم بأنه خير الخلق
- نظرية التطور والإرتقاء: بعض الامثلة على حقيقة التطور في المس ...
- عودة إلى زعم المسلمين أن نظرية التطور الداروينية سقطت
- نظرة في تخاريف ومزاعم المسلمين: هل الشورى هي الديمقراطية؟
- رسالة إلى عبد الحكيم عثمان حول تهافت مقاله - ساعدوني حتى اصب ...
- تخاريف شيوخ الإسلام: داعية كويتي يقترح استبدال اسم أم كلثوم ...
- خواطر وأفكار حول سيطرة عقدة المؤامرة على نفسية المسلمين
- افكار على هامش مقال بصحيفة الوطن الكويتية عنوانه - فحص العذر ...


المزيد.....




- الجبهة اللبنانية واحتمالات الحرب الشاملة مع الاحتلال.. وقمة ...
- جامعة الدول العربية تشارك فى أعمال القمة الاسلامية بجامبيا
- البطريرك كيريل يهنئ المؤمنين الأرثوذكس بعيد قيامة المسيح
- اجعل أطفالك يمرحون… مع دخول الإجازة اضبط تردد قناة طيور الجن ...
- ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟ ...
- الرئيس الصيني يؤكد استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع الدول الإ ...
- الاحتلال يشدد إجراءات دخول المسيحيين إلى القدس لإحياء شعائر ...
- “أحلى أغاني البيبي الصغير” ضبط الآن تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- لماذا تحتفل الطوائف المسيحية بالفصح في تواريخ مختلفة؟
- هل يستفيد الإسلاميون من التجربة السنغالية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك بارودي - الموضوع الذي يخشى شيوخ السلفية الخوض فيه: لماذا قتل عثمان بن عفان؟