أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - أنا والفئران جيران














المزيد.....

أنا والفئران جيران


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 23:34
المحور: الادب والفن
    



عندما بدأت العمل في ذلك المكتب الصغير الذي يبعد قليلا عن المكاتب الرئيسية في المصنع، كأنه ينفرد بنفسه، لم أكن أتصوّر المشكلة الكبرى التي ستواجهني في عملي الجديد: أنا والفئران جيران!
كان عملي كسكرتيرة لمدير الصيانة في مصنع لإنتاج الأغذية في المنطقة الصناعية التي لا تبعد كثيرا عن قريتي مريحا وغير معقّد. كنت أقضي معظم الوقت في ذلك المكتب الصغير لوحدي، أقوم بعملي دون تدخّل وإزعاج أحد، وكان مديري يأتي الى المكتب عدة مرات خلال اليوم، يجلس الى طاولته التي في الطرف البعيد من الغرفة، يستفسر مني عن شؤون العمل، ويقوم باتّصالاته الهاتفية وترتيباته وتجاربه من أجل التنمية في العمل.
وكنت أرى أحيانا تحت طاولتي شيئا ما غريبا لم أتبيّنه ولم أدرك كنهه، الى أن انتبه اليه أحد الأشخاص الذين نتعامل معهم، وسألني: "اهه، هذه مصيدة. هل لديكم فئران هنا؟"
"فئران؟؟" تعجّبت. "لا أدري."
"هناك مصيدة فئران تحت طاولتك، ألم ترَيها؟"
"بلى، رأيتها، ولكنني لم أعلم ما هذا." قلت، ثم استدركت تعقيد الأمر وقلت بقلق: "أتقصد أنه... ؟؟؟" ولم أكمل.
فأكمل من أجلي: "نعم. أنت والفئران جيران!"
فئران! عندي في المكتب؟! أنا مع الفئران وحدي في المكتب؟!
عندما رأيت مديري يدخل المكتب في المرة القادمة، سألته عن أمر تلك المصيدة التي تحت طاولتي، ففهمت منه أنه وضع مصيدتين في المكتب لصيد الفئران الدخيلة علينا والمزعجة لتجاربه، وفهمت لاحقا أن تجاربه لتصنيع الغذاء هي التي تجتذب فئران المصنع والمنطقة المجاورة الى مكتبنا الصغير الذي لا يرتفع عن الأرض الا قليلا.
بعد يومين، حين وصلت الى العمل قال لي: "إنتبهي جيدا من الفئران وافحصي المصيدتين من وقت الى آخر. يبدو لي كأنها تتكاثر هنا يوما بعد يوم. هذا الصباح وجدت فأرا صغيرا عالقا في المصيدة التي تحت طاولتك."
"ماذا؟؟" اقشعرّ بدني لسماع ذلك.
"لا تخافي." حاول أن يهدّئ من روعي. "تدبّرت الأمر قبل أن تصلي. لا يوجد الآن شيء هناك."
"وماذا فعلت بالفأر؟" سألته بتعجب.
"وماذا تظنين أنني فعلت؟ طبعا تخلّصت منه."
"كيف؟"
"أغرقته في الماء."
"ماذا؟؟ هكذا؟؟ ببساطة؟"
"وماذا توقعت أن أفعل يعني؟"
"لماذا لم تحرّره وتدعه يهرب؟"
"أحرّره حتى يعود الينا مرة أخرى؟"
"وهل تظنّ أنك لو قتلت فأرا واحدا مسكينا تكون قد تخلّصت من فئران المصنع كلها؟! حرام عليك!"
الفئران المتسلّلة الى المكتب باتت مبعث قلق وخوف لي. لا أذكر متى كانت آخر مرة رأيت فيها فأرا قبل ذلك. لا بد أنها كانت في الصف الحادي عشر حين ذهبنا في المدرسة، نحن طلاب تخصّص البيولوجيا، الى معهد وايزمان للعلوم، فوضعوا لنا على الطاولة أمام كل مجموعة منا فئران ميتة، بعضها بيضاء وبعضها الآخر سوداء، معلّقة على لوحات خشبية، كي نفتح بطونها ونتعلّم عن أعضاء الجسم.
أكنت خائفة في ذلك اليوم؟ ما زلت أذكر ذلك التقزّز الذي اجتاحني للوهلة الأولى، ولكن بعد ذلك مضى الأمر وانتهى على خير. ولكن تلك الفئران كانت ميتة. هنا توجد فئران حية، متحرّكة، تركض، تأكل وتشرب مثلي تماما! وهي قريبة جدا مني، ربما تراني، تطالعني من مخابئها الصغيرة، تتربّص بي... ولا أراها.
في اليوم التالي، عندما فتحت حقيبتي كي أخرج منها زوادتي، فجأة... لمحت شيئا غريبا يتحرّك في داخل الحقيبة! كان ذلك فأرا صغيرا. أطلّ برأسه الصغير من داخل الحقيبة، تفحّص الأرض للحظة، ثم نطّ برشاقة المحترفين ليركض ويختبئ بسرعة كبيرة تحت الرفوف المليئة بالملفات.
عجبت أمر ذلك الفأر الصغير. كيف استطاع أن يتسلّل الى داخل حقيبتي؟
باتت الفئران قضيتي الأساسية في المكتب. في كل صباح، كنت أفحص المصيدتين في المكتب إن كان ثمة فأر حقير (او ربما فقير) عالقا فيهما، وعندما أجد واحدا يتقزّز جسمي لرؤيته فأنادي مديري او أحد الشباب العاملين في المصنع كي يتخلّص منه... ويخلّصني! ولكن المشكلة أن الفئران العالقة لم تكن طوال الوقت ميتة. ففي صباح أحد الأيام، وجدت في المصيدة فأرا صغيرا، عيناه مفتوحتان ترسلان اليّ نظرة خوف وقلق، وكان يصدر صوتا أشبه بصوت طفل صغير يستجدي أمه، حتى ذاب قلبي واستمال عطفي. ولكن ماذا كان بوسعي أن أفعل؟ بتّ أكره فحص المصيدتين ورؤية الفئران العالقة.
تفاقمت مشكلة الفئران عندي في المكتب. وذات يوم، عندما فحصت المصيدة التي تحت طاولتي... لم أصدّق ما أرى! وقفت أبحلق بما في المصيدة ثواني طويلة حتى أدرك عقلي ما تراه عيناي!
دقّ قلبي بقوة، جفلت عيناي وأطبق الخوف على كل حواسي. فتحت الباب دون وعي واندفعت الى الخارج بسرعة جنونية.
"إلحقوني! حية عندي في المكتب! إلحقوني!" إنطلقت بالصراخ.
فركض اليّ شباب المصنع مسرعين، متعجّبين، مستفسرين عن الذي حدث، فأخبرتهم بمشقة عن الحية العالقة في المصيدة التي تحت طاولتي. وعندما وصلوا الى المكتب وفحصوا المصيدة، وجدوا الحية ميتة وفي حضنها فأر صغير ميت مثلها!
في نفس ذلك اليوم، أخبرت مديري أن أعصابي لم تعُد تحتمل الوضع أكثر من ذلك. لم أعُد أخاف الفئران! يجب التخلّص من المصيدتين! فهما تجلبان علينا المصائب أكثر من أي فائدة!! فليتدبّر أمر تجاربه كما يشاء. فلم يملك الا أن يمتثل لطلبي بعد حادث الحية.
وهكذا، تخلّصت من المصيدتين. لم تعُد الفئران تخوّفني، كأنني اعتدت عليها. وماذا بإمكانها أن تفعل بي؟؟ فكّرت بيني وبين نفسي. إنها تخاف مني أكثر مما أخافها. أراها أحيانا خلال عملي وهي تتحرك، تركض وتقطع الغرفة مسرعة الى مخابئها الصغيرة، وتختفي من أمام عينيّ بسرعة كبيرة. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت أنا والفئران أصدقاء!



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب والعاصفة 18
- ذكرى
- غش وفوضى وخلوها بيناتنا
- الحب والعاصفة 17
- الحب والعاصفة 16
- الحب والعاصفة 15
- الحب والعاصفة 14
- الحب والعاصفة 13
- الحب والعاصفة 12
- الحب والعاصفة 11
- وردة تستجدي الحياة
- الحب والعاصفة 10
- الحب والعاصفة 9
- الحب والعاصفة 8
- لماذا لا نقرأ مثلهم؟
- الحب والعاصفة 7
- لو كنت أما ليوم واحد
- الحب والعاصفة 6
- الحب والعاصفة 5
- الحب والعاصفة 4


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - أنا والفئران جيران