أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - ازدواج الشخصية العراقية – تصحيح مفهوم















المزيد.....

ازدواج الشخصية العراقية – تصحيح مفهوم


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 3765 - 2012 / 6 / 21 - 08:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعدّ الدكتور علي الوردي هو الذي ألصق صفة " ازدواج الشخصية " بالفرد العراقي . ومع أن الرجل أشار في محاضرته التي ألقاها في بداية الخمسينيات ، أنه لا يدعي " بأن هذه الماحضرة بحث قد استوفى شروطه العلمية " إلا أن عددا من الباحثين والناس بشكل عام عدّوا ما قاله حكما قطعيا ، واستلطفوه .
ومع أن الوردي قال في سياق محاضرته :" لقد لاحظت بعد دراسة طويلة بأن شخصية الفرد العراقي فيها شيء من الازدواج " فانه استدرك قائلا :" واني وان كنت غير واثق من نتيجة هذه الدراسة " ثم عاد ليوحي ضمنا بأن حكمه هذا عن يقين بقوله :" ولكني أجد كثيرا من القرائن تؤيد فيما أذهب إليه " . ومن القرائن التي يذكرها عن ازدواج شخصية العراقي : " أن المسلم العراقي من أشد الناس غضبا على من يفطر علنا وهو من أكثرهم إفطارا " ، و " أن الفرد العراقي من أكثر الناس حبا للوطن وتحمسا لخدمة العلم(الألزامية العسكرية) بينما هو في الواقع مستعد للتملص من خدمة العلم اذا آن الأوان ". ويؤكد بأن " الفرد العراقي – في هذا – ليس منافقا أو مرائيا كما يحب البعض أن يسميه ، بل هو في الواقع ذو شخصيتين "*.

توضيح مفهوم

في خمسينيات القرن الماضي شاع في الولايات المتحدة مفهوم ( ازدواج الشخصية ) وكان المثال الكلاسيكي لها هو رواية ستيفنسن الموسومة :" دكتور جيكل ومستر هايد Dr.Jekyll and Mr. Hyde" التي جرى تحويلها الى فلم سينمائي جذب الملايين من المشاهدين.
وحدث أن ظهرت – في الخمسينيات أيضا – حالة واقعية في أمريكا لفتاة أسمها "Sybil"كانت لها ثلاث شخصيات : شخصية عادية ، موظفة تمارس عملها حسب الأصول ، وشخصية متدينة تذهب الى الكنيسة في أيام الآحاد ، وشخصية مستهترة ترتاد نوادي الرقص والقمار في الليل . وكان لكل شخصية أسم خاص بها ولا تعرف إحداهن الأخرى . ولأن الحالة مثيرة كسابقتها فقد التقطتها السينما وحولتها الى فلم بعنوان " ثلاثة وجوه لحواء ، Three Faces of Eve"
عرض عام 1957وقامت ببطولته الممثلة Joanne Woodward فظهر مفهوم جديد بعد " ازدواج الشخصية " هو " تعدد الشخصية Multiple Personality " . وحدث أن أشاعت السينما والصحافة الفنية بين الملايين الذين أدهشهم الفلم أن البطلة مصابة بمرض " الشيزوفرينيا " وكان هذا خطئا علميا ومفاهيميا شاع بين الناس وبين أوساط علمية أيضا ، وروجت له السينما والتلفزيون وبخاصة أفلام " هتشكوك " ، الأمر الذي اضطر عددا من الأطباء النفسيين الى التنويه ، في السبعينيات ، بأن ما يسمى بـ"ازدواج الشخصية أو تعددها " ينضوي تحت العصاب وليس الذهان ، لأن المصاب بهذا الاضطراب يتقمص أدوارا مختلفة ولو أنها متناقضة ، ولكنه يقوم بكل منها بطريقة منطقية ومتماسكة ومتلائمة مع المتطلبات الاجتماعية للدور ، بعكس ما يحدث في الشيزوفرينيا إذ يعبر الاضطراب عن انفصال الشخصية عن متطلبات الواقع فيتصرف الشخص بطريقة تبدو للآخرين مضطربة ولا تتلاءم مع المعايير الخارجية .
ولقد جرى حديثا ( أدبيات عام ألفين وما بعده ) إسقاط مصطلحي " ازدواج الشخصية وتعدد الشخصية " واستبدالهما بمصطلح " اضطراب الهوية الانشطاري Dissociative Identity Disorder " وحدد عرضه الرئيس بأن الفرد " يعيش بشخصيتين أو أكثر ، وأن هذه الشخصيات قد تكون على دراية ببعضها البعض أو قد تكون في حالة فقدان الذاكرة النفسي ".
هذا يعني أن مفهوم " ازدواج الشخصية " – وهو مفهوم طبي نفسي لا علاقة له بعلم الاجتماع – لم يعد متداولا في الطب النفسي وأنه استبدل بمفهوم " اضطراب الهوية الانشطاري " الذي يعني ان المصاب به يملك هويتين أو شخصيتين – وقد يصل العدد الى العشرات !- لكل واحدة أسلوبها الخاص بها في السلوك والإدراك والتفكير والتاريخ الشخصي والعلاقة بالآخرين .
وللإيضاح فان ما يحدث في هذا الاضطراب " الفانتازي " ، الذي ما يزال يثير الجدل، أن الشخصية الأصلية أو المضيفة يحل أو ينزل عندها ضيوف هي الشخصيات البديلة . فإذا كانت هنالك شخصيتان في الفرد ( الأصلية والضيفة ) فانهما تتناوبان السيطرة ، والمثال الكلاسيكي هو " دكتور جيكل ومستر هايد " حيث يمارس الدكتور جيكل في النهار عمله الاعتيادي كطبيب فيما يتحول في الليل الى مجرم سفّاح باسم هايد .

الخطأ العلمي في طروحات الوردي

أشاع الوردي مفهوم (ازدواج الشخصية ) في الفرد العراقي قبل نصف قرن ونيف متأثرا بشيوع هذا المفهوم عبر أفلام السينما والصحافة الفنية والقصص في خمسينيات القرن الماضي ، وسط استغراب الناس ودهشتهم .. أن يحصل مثل هذا للإنسان ، وربما خشيتهم على أنفسهم أن يصيب أحدهم ما أصاب الدكتور جيكل أو أن تصاب إحداهن ما أصاب الفتاة سيبل . وهو بذلك تحمّل الخطأ العلمي الخاص بمفهوم (ازدواج الشخصية )الذي أشرنا إليه آنفا . وبطبيعة الحال فان الوردي لم يكن مسؤولا عن ذلك الخطأ إنما خطؤه يتحدد بأنه قام بتحويل أو ترحيل مفهوم يتعلق بمرض نفسي يصيب أشخاصا معدودين الى مفهوم اجتماعي يصيب الملايين من الناس .ولا يصح أن يوصف هذا المصطلح بأنه " ابتكار " من الوردي كما يظن كثيرون.
وليته استخدم المفهوم مجازا أو استعارة إنما استخدمه بنفس المعنى الشائع لمرض ازدواج الشخصية في الخمسينيات . فهو يقول بالنص :" إن العراقي هو في الواقع ذو شخصيتين ، وهو إذ يعمل بإحدى شخصيتيه ينسى ما فعل آنفا بالشخصية الأخرى.. وانه اذا بدر منه بعدئذ عكس ذلك فمردّه الى ظهور نفوس أخرى فيه ( لاحظ هنا تعدد وليس ازدواج ) لا تدري ماذا قالت النفس الأولى وماذا فعلت ). وواضح لجنابك أن الوصف هذا ينطبق على حالة مرضية وليس على حالة سوية ، بمعنى أن المصاب به يعاني من اضطراب أو مرض ( ازدواج الشخصية ) بمفهومه الشائع في الخمسينيات ، و" اضطراب الهوية الانشطاري " بالمفهوم الحديث.. وليس من المعقول بطبيعة الحال أن يكون كل أو معظم العراقيين مصابين بهذا الاضطراب العصابي ، أو المرض ألذها ني على رأي آخر .
إن الذي قصده الوردي هو على وجه التحديد :( التناقض بين الأفكار والسلوك ) ، بمعنى أن السلوك الذي يتصرف به الفرد يتناقض أو يتعارض مع الفكرة أو القيمة التي يحملها. وإليك بعض الأمثلة مما يذكر :
" إن العراقي ، سامحه الله ، أكثر من غيره هياما بالمثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته ، ولكنه في نفس الوقت من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته ".
" حدث مرة أن أقيمت حفلة كبرى في بغداد للدعوة الى مقاطعة البضاعة الأجنبية ، وقد خطب فيها الخطباء خطبا رنانة وأنشد الشعراء قصائد عامرة . وقد لوحظ آنذاك أن اغلب الخطباء والشعراء كانوا يلبسون أقمشة أجنبية والعياذ بالله ".

" ومن العجيب حقا أن نرى بين مثقفينا ورجال دين فينا من يكون ازدواج الشخصية فيه واضحا : فهو تارة يحدثك عن المثل العليا وينتقد من يخالفها ، وتارة يعتدي أو يهدد بالاعتداء لأي سبب يحفزه الى الغضب.. تافه أو جليل ، ضاربا عرض الحائط بتلك المثل التي تحمس لها قبل ساعة ".

إن مثل هذه الحالات بعيدة جدا عن أن نصفها بـ" ازدواج الشخصية " إنما هي تناقض بين الأفكار والسلوك ، أي أن الفرد يؤمن بقيمة أو يتبنى فكرة أو يدعو لها أو يصرّح بها لكنه يتصرف بسلوك مناقض لها ، كأن يدعو الى أن تمارس المرأة العمل ضابطا في الشرطة أو الجيش غير أنه يمنع ابنته من التقديم الى كلية الشرطة أو الكلية العسكرية .
وعليه فان الأصوب علميا وعمليا أن نصف ذلك بـ " تناشز الشخصية " الذي يعني التنافر أو التناقض أو عدم الانسجام بين ما يعتقد به الفرد وبين ما يقوم به من سلوك،وأقرب لها شعبيا تعبير (أبو وجهين)..بمعنى يقول شيئا ويفعل نقيضه . وطبيعي أن ابتكار مصطلح جديد لن يزحزح مصطلحا استقر في ذاكرة الناس منذ نصف قرن حتى لو كان أكثر انطباقا على الحالة ، فضلا عن أنهم استلطفوه وأشاعوه .
والخطأ الآخر الذي وقع فيه الوردي – وقد لا يكون مقصودا – أن محاضرته حول ازدواج الشخصية العراقية تجعل المتلقي لها يفهم أن العراقي يميل الى تغليب السلوك المناقض لأفكاره وقيمه حيثما اقتضت مصلحته ذلك ، أو أن ذلك من طبعه.. وهي صورة سلبية عن الشعب العراقي ،تخدم المغرضين الذين يوظفونها بصيغة التعميم.
والمفارقة أن هذه الصفة السلبية اطلقت على العراقي ايام كان الوضع السياسي مستقرا والدولة مدنية في نظام ملكي تشكلت وسقطت فيه اكثر من خمسين وزارة،أي أن النظام السياسي ما كان له دور في تشكيل او صنع (ازدواج )شخصية العراقي ،انما الأمر يتعلق بالقيم والتقاليد،فيما (النظام السياسي الديمقراطي) الحالي أحدث ظاهرة أخطر في شخصية الفرد العراقي،هي (الشخصنة)..دفعنا وسيدفع الوطن ثمنها غاليا..سنتطرق لها في موضوع لاحق.



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة نفسية(64):ضغوط العمل والسلوك الاداري
- ثقافة نفسية (64):للأنفعال..ثلاثة وجوه
- المؤتمر الدولي الثاني لجمعية الأطباء النفسيين الأردنية (تقري ...
- خرافات العراقيين وعلاقتها بسيكولوجيا التطير (2-2)
- خرافات العراقيين وعلاقتها بسيكولوجيا التطير
- العراقيون والعنف..قراءة نفسية-اجتماعية (2-2)
- العراقيون والعنف..قراءة نفسية -اجماعية (1-2)
- ثقافة نفسية(63):عاداتك..تحدد نوعية حياتك
- الكليات الأهلية..حكاية مليارت
- ثقافة نفسية(62): للمدراء فقط!
- ثقافة نفسية(61):الأيمو ..ومسؤولية الأسرة العراقية
- القضية الكردية وحق تقرير المصير(2-2)
- القضية الكردية وحق تقرير المصير (1-2)
- تراجع مكانة المبدعين في الزمن الديمقراطي!
- ثقافة نفسية (60): انتبهي لقلبك قبل أن يتعفن!
- ثلاثية الفساد في العالم العربي -العراق انموذجا-
- في سيكولوجيا قمة بغداد
- استهلال صغير في موضوع كبير-(علاقة الدين بالطب النفسي)
- قمّة بغداد..واغتراب المواطن عن السلطة
- الأيمو!..تحليل سيكولوجي


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - ازدواج الشخصية العراقية – تصحيح مفهوم