أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها على الطبقة العاملة ودورها في الحراك الجماهيري















المزيد.....



الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها على الطبقة العاملة ودورها في الحراك الجماهيري


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 3720 - 2012 / 5 / 7 - 01:01
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في اطار الأيام الثقافية الوطنية الاشعاعية التقدمية التي ينظمها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فصيل الطلبة القاعديين، بكل من وجدة وسلوان والقنيطرة في الفترة المتراوحة ما بين 30 أبريل و18 مايو 2012 في المواقع الجامعية بوجدة وسلوان والقنيطرة، وتحت الشعار الوطني لهذه الأيام المتمثل في:

"النضال الجماهيري الواعي والمنظم، السبيل الوحيد من أجل توحيد نضالات الحركة الطلابية، للمساهمة في تجدير الوعي الطبقي في صفوف الجماهير الشعبية"

تم استدعاء عدد من المناضلين الجذريين لفتح النقاش حول عدد من القضايا الجماهيرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية، وقد تم في هذا الاطار استدعاء الرفيق عبد السلام أديب الى الأيام المنظمة بجامعة محمد الأول بوجدة يوم الخميس 3 مايو 2012. ومن خلال تقديم عرض حول الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها على الطبقة العاملة ودورها في الحراك الجماهيري وكذا من خلال الاجابة على عدد من التساؤلات التي تقدم بها عدد من الطلبة القاعديين، تمت صياغة محاور هذه الورقة.


تستهدف هذه المداخلة مناقشة الأهداف التالية:

1 - تحديد مؤشرات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحالية؛
2 – استطلاع الآثار المدمرة للأزمة الاقتصادية على الطبقة العاملة؛
3 – اعادة تقييم المرحلة التاريخية التي تعيشها الرأسمالية العالمية؛
4 – تتبع آثار ولادة وتطور الصراع السياسي الطبقي الجماهيري المواكب لمراحل صعود واحتضار نمط الانتاج الرأسمالي؛
5 – تقييم الدور التاريخي الحاسم للطبقة العاملة وأدواتها السياسية المنظمة محليا وعالميا.

المحور الأول: مؤشرات الأزمة، انعكاساتها ومحاولات تفسيرها


أولا: مؤشرات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الحالية:


1 – انفجار الأزمة المالية:

لاشك أن الجميع تابع حدث انفجار الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر شتنبر 2008 والتي انتقلت بسرعة الى جميع أنحاء العالم، وقد تمثلت هذه الأزمة خاصة في:

أ - أزمة أبناك عالمية: فمنذ انهيار ليمان برادرز في 12 شتنبر 2008 بلغ عدد الأبناك التي تم الإعلان عن إفلاسها لحد الآن حوالي 150 بنك وهي موجودة على موقع FIDIK الأمريكية؛
ب - أزمة بورصات وأوراق مالية عالمية: انهارت أسعار الأسهم بنسب عالية تبخرت معها قيم الأوراق المالية التي تقدر بالملايير والتي أدت الى خسارات لدى أشخاص ودول عانى منها حتى المغرب؛
ج – أزمة تمويل الأنشطة الإقتصادية العالمية: فانهيار الثقة بين الأبناك أدى الى صعوبة توفير قروض للتمويل الدولي للانشطة الاستثمارية
د – بلغ حجم تدمير رؤوس الأموال على مستوى الأبناك ومؤسسات التأمين وشركات الاستثمار وتبخر الأوراق المالية حوالي 50 بليون دولار وذلك حتى نهاية دجنبر 2008 وهو مبلغ يزيد بألف مرة عن المبلغ الذي تم تدميره خلال أزمة 1929 والذي لم يتجاوز 50 مليار دولار.


2 – انفجار الأزمة الاقتصادية:

وقد تولدت عن هذه الأزمة المالية أزمة اقتصادية عميقة شملت مجموع دول العالم بشكل متزامن ويمكن الإشارة إلى أهم مظاهرها فيما يلي:

أ - تراجعت مبيعات السيارات بالولايات المتحدة وأوروبا واليابان بالثلث أي حوالي 33 %
ب - إفلاس جنرال موتورز ووقوف طويوطا عند حالة الإفلاس، فقد بلغ مجموع خسارة طويوطا 1,5 مليار أورو
ج - تراجع مبيعات الشاحنات في العالم ب 30 %
د - تراجع انتاج سيارات فولزفاكن في العالم ب 20 %
ه - تراجعت صناعات التعدين والصناعات الكميائية والمناجم في العالم بحوالي 50 %
و - تراجعت نسبة استهلاك البترول بكميات هائلة لم يشهدها العالم منذ 26 سنة
ز - بقيت حوالي 50 % من حاويات البواخر مخزنة لعدم استعمالها في نقل البضائع
ح - انهارت التجارة الخارجية خلال أربعة أشهر الأولى للأزمة ب 20 %
ط - انخفض الإنتاج العالمي ب 30 %
ي - تراجع الطلب العالمي خلال أربعة أشهر الأولى للأزمة الى نحو الصفر
ص - انخفضت الملاحة التجارية ب 50 %
ع - وحسب دراسة للبنك الدولي، فإن النمو الاقتصادي انهار سريعا بسبب الأزمة في 94 من اصل 116 دولة من دول العالم الثالث، خصوصا عقب الانخفاض الدرامي للطلب على المواد الأولية وانهيار أسعارها.
ف - فقدان المهاجرون القادمون من الدول الخاضعة للاستعمار الجديد لعملهم، على الخصوص في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا. كما تناقصت تحويلاتهم والتي تعد بالملايير في ميزانيات دولهم الأصلية.
ض تفاقم جديد لأزمة المديونية الدولية ،سيكون لها انعكاسات غير منتظرة على ظروف العيش والعمل لعدة ملايين من الناس.
ق - في الولايات المتحدة تم تسريح أربعة ملايين عاملة وعامل، حيث بلغت التسريحات شهريا حوالي نصف مليون نسمة؛
ر – في الصين تم تسريح حوالي 20 مليون عاملة وعامل؛
س – بلغ عدد التسريحات حتى نهاية سنة 2009 حوالي 60 مليون نسمة.


3 – الحلول المعتمدة لتدبير الأزمة:

امام انهيارات الأبناك والشركات وتوقف الانتاج العالمي سارعت الدول الصناعية الأكثر تقدما الى دعوة ما سمته بمجموعة العشرين للاجتماع أولا في نيويورك في 15 نونبر 2008 ثم ثانيا في 20 أبريل 2009 ثم ثالثا في بترسبورغ في 24 شتنبر 2009. وقد ثمنت هذه القمة الاجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة عقب انهيار بنك ليمان برادرز وذلك عبر دعوة الكونكرس للموافقة على ضخ 700 مليار دولار في خزانات الأبناك والشركات المنهارة.

وقد اتفقت مجموعة العشرين على تعميم هذا الاجراء على جميع الدول حتى تتدخل بواسطة ميزانياتها العامة لإنقاد المؤسسات الاقتصادية والبنكية من الانهيار.
لكن ماذا يعني مطالبة الدولة بالتدخل لإنقاد الشركات والأبناك المتسببة في الأزمة، في حين أن الأسس الفكرية للنيو ليبرالية هو عدم تدخل الدولة لأن قوانين السوق كفيلة باستعادة التوازن المختل؟

- أول استنتاج يتمثل في وهمية المبادئ التي تدافع عنها النيوليبرالية وأن اليد الخفية التي تعيد التوازن ما هي في الواقع سوى جهاز الدولة، وأن الدولة هي الأداة الطبقية التي يعتمد عليها رأس المال لتعميق استغلاله للطبقة العاملة؛

- الاستنتاج الثاني هو أن تدخل الدولة لانقاد الشركات والأبناك بواسطة ميزانياتها العامة التي تمولها الجماهير الكادحة بواسطة الضرائب، سيؤدي حتما الى تفاقم عجز الميزانية وتفاقم المديونيتين الداخلية والخارجية؛

- الاستنتاج الثالث هو أنه عند حصول العجز وتفاقم المديونية يتسابق السياسيين من أجل فرض مخططات تقشفية تكون على حساب الطبقة العاملة التي تتفاقم وضعيتها الاجتماعية نتيجة العطالة وتجميد الأجور وغلاء الأسعار وغياب التعليم وغياب التمدرس.


ثانيا: انعكاسات الأزمة المالية والاقتصادية على المغرب:

رغم العديد من التفاؤل الذي كان يبديه المسؤولين الحكوميين من كون المغرب بمنأى عن التعرض للازمة المالية والاقتصادية العالمية خصوص عبر تصريحات وزير المالية الذي كان يطمأن الجميع، إلا أن المغرب تعرض لتأثيرات مباشرة للأزمة أصابت ما يزيد عن ثلث ما يمثله القطاعين الاقتصادي والمالي. وفيما يلي أهم هذه الثأثيرات المالية والاقتصادية:

1 – انعكاس الأزمة على قيمة الأسهم في بورصة الدار البيضاء والتي عرفت تدهورا شاملا، علما أن جزء هام من تميل الشركات المغربية الكبرى يتم عن طريق البورصة؛
2 – انخفضت تحويلات المغاربة العاملين بالخارج بنسبة عالية تجاوزت 14 مليار درهم، علما أن تناقص هذه التحويلات يؤثر بشكل قوي في ميزان الأداءات مع الخارج؛
3 – انخفضت صادرات المغرب نحو الخارج بنسب عالية أحدثت عجزا خطيرا في الميزان التجاري مما يؤثر أيضا على حجم المخزون الوطني من النقد الأجنبي؛
4 – من بين القطاعات الاقتصادية التي تأثرت بقوة قطاع النسيج والجلد حيث توالت اقفالات شركات النسيج متسببة في تسريحات واسعة للعاملات والعمال بلغت حسب الاحصائيات الرسمية سنة 2009 حوالي 50 ألف عاملة وعامل كما تجاوزت سنة 2010 حوالي 14 ألف عاملة وعامل؛
5 – تأثر قطاع السياحة بدوره بشكل كبير نتيجة تراجع وفود السواح الأجانب على المغرب مما كان له تأثير على مخزون النقد الأجنبي وأيضا على قطاع الفنادق حيث تم تسريح العديد من العاملين في هذا القطاع؛
6 – تأثر أيضا قطاع تركيب السيارات حيث توقف الانتاج وتم تقليص ساعات العمل وأجور العمال نتيجة لذلك؛
7 – تأثر أيضا قطاع البناء بنسبة الثلت الشيء الذي أدى الى تسريح واسع لعمال البناء؛
8 – كما تأثر قطاع الصناعة التقليدية نتيجة لارتباط هذا القطاع بالتصدير وبوفود السواح الأجانب.

ثالثا: التدابير الحكومية لمعالجة الأزمة:

اجتمعت الحكومة والباطرونا في 24 فبراير 2009 للنظر في الترتيبات الكفيلة بمواجهة الأزمة، وقد أفضى الاجتماع الى

1 - الاتفاق على تدخل الدولة بواسطة الميزانية العامة لدعم مالي لعدد من القطاعات المتضررة وقد رصدت لهذا الدعم حوالي 13,5 مليار درهم، كما واصلت الحكومة هذا الدعم عبر ميزانية 2010 من خلال اعفاءات ضريبية واعفاءات من أداء الواجبات الاجتماعية للعمال كحصة المشغل من اقتطاع التقاعد؛
2 - كما وافقت الحكومة على امكانية الشركات المتضررة القيام بتسريحات للعمال في حدود 5 في المائة وقد عمدت عدد من الشركات المتضررة وغير المتضررة من الأزمة الى تسريح العاملات والعمال تحت حماية الدولة، ويمكن اعتبار تسريح 850 عاملا في شركة سيميسي ريجي بخريبكة داخلا في هذا الاطار؛
3 – تمكين الشركات من تقليص الحد الأدنى للأجور الى غاية 1200,00 درهم.


رابعا: تفسير أسباب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية:

يمكن في هذا الاطار تفسيرين اثنين للأزمة ويتمثلان في كل من التفسير البرجوازي للأزمة والتفسير الماركسي لها:

1 – التفسير البرجوازي للأزمة:

يقتصر التفسير البرجوازي للأزمة على العوامل السطحية رافضين الغوص في أسبابها العميقة وفي هذا الاطار يسوقون الأسباب التالية:

أ - الأزمة ترتبط بالظرفية الاقتصادية وبالدورات الاقتصادية المعروفة؛
ب - مبالغة الشركات والأبناك والمؤسسات المالية في عدم الاحتياط في تعاملاتها المالية وفي الائتمان والمضاربات في البورصة؛
ج - ابداع العديد من المشتقات البنكية ذات المرونة والمخاطر المرتفعة؛
د - التراجع الخطير في ادخار العائلات وتفاقم مديونيتها بالمقابل؛
ه - أزمة السوبرايم العقارية، أي العقارات المشتراة بواسطة قروض ذات فوائد متغيرة؛

2 – التفسير الماركسي للأزمة:

أ - يقوم التفسير الماركسي للأزمة على التناقض الحاصل بين قوى الانتاج التي تعرف تقدما هائلا والذي تتملكها البرجوازية وعلاقات الانتاج بين رب العمل والعامل والتي تعتبر جد متخلفة نتيجة الاستغلال المفرط للعمال وضرورة انتاج الجيش الاحتياطي للعمل للحصول على تقليص كبير في الأجور.

ب - فبناء على هذا التحليل فإن كل عامل يشتغل نصف يوم لضمان أجره ويشتغل نصف يوم آخر يستحود البرجوازي على عائدة وهو الذي يسميه كارل ماركس بفائض القيمة. لكن الرأسمالي يريد أن يتخلص من عدد العمال فيحاول امتلاك الآلات والتكنولوجيات لتحقيق هذا التقليص، لكن المفارقة هنا هو أن الربح لا يتحقق الا عن طريق فائض القيمة الذي يقتطع من العمال بينم الآلات لا تنتج ربحا، وبذلك فإن الربح يتضاءل على المدى الطويل.

ج - فالرأسمالي ينتج كميات هائلة من السلع ليطرحها في السوق لكن الاقبال على شراء هذه السلع يتناقص نظرا لأن الأجور مجمدة وضعيفة، وفي هذه الحالة يلجأ الرأسمالي الى التوقف عن الانتاج وتسريح العمال أو الى اقفال المعمل، وفي هذه الحالة نكون في حالة أزمة.

د - في القرن التاسع عشر مثلا عندما تحدث الأزمة تبدأ البرجوازية في البحث عن الحلول ومن بين هذه الحلول تصدير فائض الإنتاج الى الخارج، وبذلك بدأت مرحلة الامبريالية المتسمة بامتلاك مستعمرات لتصدير السلع الفائضة وللحصول على يد عاملة رخيصة وأيضا على مواد أولية حيث شكل الاستعمار مجالا حيويا للرأسمال.
ه - لكن مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت الامبرياليات الأوروبية قد استعمرت العالم بكامله، وهنا تطورت طبيعة الأزمة، فأمام انتاج السلع على الصعيد العالمي وتناقض قوى الانتاج وعلاقات الانتاج يتفاقم فائض الانتاج غير المباع كما يتفاقم فائض رؤوس الأموال غير المستثمرة، الشيء الذي دفع كل امبريالية على حدة للبحث عن كيفية معالجة أزمته على حساب الامبرياليات الأخرى فنشبت الحرب العالمية الأولى التي ذهبت بأرواح 10 ملايين بروليتاري، لكن رغم هذه الحرب الأولى لم تحدث انتعاشة اقتصادية بل تفاقمت الأزمة وانفجرت سنة 1929 عالميا مخلفة الملايين من العاطلين ناشرة المجاعة على الصعيد العالمي.

و - لمعالجة الأزمة الكبرى وقع اختيار البرجوازية على تفجير حرب عالمية ثانية ذهبت بأرواح حوالي 70 مليون نسمة من الكادحين، وقد شكل اعادة بناء أوروبا المدمرة عن طريق تدخل واسع للدولة في الاقتصاد انتعاشة اقتصادية دامت سبعة عشرة سنة حتى سنة 1967 حيث بدأت بوادر الأزمة من جديد وتعمق فائض الانتاج وفائض رؤوس الأموال غير المستثمرة والذي يحدث التضخم والبطالة في نفس الوقت.

ز - ورغم الانقلاب على الكينيزية والعودة لليبرالية الاقتصادية مع ريغان وتاتشر إلا أن الأزمة تتعمق أكثر عقب كل عشر سنوات تم عقب كل خمس سنوات.
ح - خلاصة التحليل الماركسي للأزمة هي أن هذه الأخيرة تشكل ظاهرة بنيوية تؤدي البروليتاريا على الخصوص فاتورتها بل تؤدي البشرية ثمنا غاليا من خلال الحروب والفقر والمجاعات وتدمير البيئة وهذا ما يستدعى البحث عن كيفية استبدال النظام الرأسمالي بنظام اشتراكي انساني يضع الانسان في صلب العملية الانتاجية.


المحور الثاني: مقاربة الأزمة في السياق التاريخي للنظام الرأسمالي ومسار الحراك الجماهيري

أولا: النظام الرأسمالي كثالث نمط انتاج اقتصادي يعيش مرحلة احتضار طويلة بعد مرحلة الشيوعية البدائية


يعتبر نمط الانتاج الرأسمالي المهيمن حاليا كثالث نظام انتاجي عرفته البشرية بعد مرحلة الشيوعية البدائية التي عاشتها الانسانية بحسب علماء الاجتماع لملايين السنين والتي كان الانسان يعيشها في تكتلات اسرية وقبلية وحيث لا وجود لهيمنة البعض على البعض الآخر وحيث يعمل كل انسان حسب طاقته ويقتسم افراد المجموعة الخيرات بينهم بشكل متساوي. ففي المرحلة المشاعية البدائية كانت قدرة الانسان على الابداع والانتاج غير محدودة نظرا لغياب أي اكراه في حياته اللهم الاكراهات الطبيعية، كندرة الخيرات والامراض والكوارث الطبيعية، والتي كان يحاول الانسان التغلب عليها بوسائله البدائية للحفاظ على حياته. فحياة المشاعية البدائية شكلت مرحلة تحرر مطلقة ان لم نقل "جنة" لا قيود فوقية فيها على ارادة الانسان وفكره مثلما سيحدث في المجتمعات الطبقية.

نمط الانتاج الأول الذي سيسود طويلا قبل أن ينهار، ظهر عندما بدأ التفاوت الطبقي يتكرس في المجتمعات البدائية. ويؤكد علماء الاجتماع والانتربولوجيا وأذكر من بينهم لويس مورغان وفريدريك انجلس على ان التفاوت الطبقي انطلق مع ظهور الملكية الخاصة وقدرة البعض على الاستيلاء على الجهد الانتاجي للآخرين وتخزين تلك المنتجات لضمان اشباع حاجياته وارغام الآخرين مقابل اشراكهم في اشباع حاجياتهم من مخزونه على العمل في خدمته. وقد اقترن هذا التفاوت الطبقي البدائي باستعمال مفرط للقوة لا رغام الآخرين على خدمة الأقوياء. كما اقترن الاستعمال المفرط للقوة لإخضاع الآخرين لإرادة الأقوياء باللجوء الى المعتقدات الخرافية من أجل فرض هيمنة ايديولوجية كاملة على "الرعايا"، ومن ابرز الوسائل الايديولوجية التي واكبت ظهور المجتمع الطبقي الاستعمال الذكي للمعتقدات الدينية، فتاريخ المعتقدات الدينية ظل مواكبا للهيمنة الطبقية ويتلخص في الوعود المقدمة "للرعايا" و"المؤمنين" بالقبول بعذابات المجتمع الطبقي مقابل التحرر الكامل من هذه العذابات في عالم أخري "الجنة"، علما أن فكرة الجنة استخلصت من حنين الجينات الانسانية الى فترة الشيوعية البدائية حينما كان الانسان حرا بالفعل ومتحررا من كافة القيود وحيث كان بإمكان العقل تحقيق ذاته بالكامل.

انطلاقا من هنا ظهر المجتمع العبودي كأول نمط انتاجي قائم على استعمال مفرط للقوة واستعمال الفكر الديني كايديولوجية مدعمة للسلطة المادية. سينتشر هذا النظام الانتاجي في مختلف المناطق الجغرافية وتتأسس على قاعدته العديد من الكيانات السياسية والاجتماعية وتقوم على اساسه عددا من الحضارات القديمة ولم يستثن أي مجتمع قديم من هذه الظاهرة، أي مجتمع العبيد ومالكي العبيد الذين لقبوا انفسهم بمجتمع الأحرار، فالحضارات القديمة في الهند والصين ومصر القديمة واليونان والرومان ... الخ بنيت على اساس هذا النمط البدائي للإنتاج، وحيث كان "للأحرار" حق الحياة والموت اتجاه العبيد، وحيث ظل اساس السلطة هو استعمال القوة المادية والخرافة الايديولوجية الدينية لضمان الخضوع المطلق للهيمنة.

لكن هذا المجتمع العبودي الذي عرف مرحلة صعود وازدهار قوية بنيت خلالها الاهرامات والمعابد وشنت خلالها الحروب على المجتمعات الأخرى لاستعبادها وتشكلت على اساسها الامبراطوريات، سيعرف مرحلة هبوط وانهيار طويلة أيضا بدأت بتمرد العبيد وانتفاضاتهم على مستغليهم، واستمر تفكك وتحلل النظام لكي يترك المكان لنمط انتاجي جديد تكرس بشكل واضح في أوروبا بعد انهيار الامبراطورية الرومانية.

تجسد النمط الانتاجي الحديد في النظام الاقطاعي، حيث انقسم المجتمع الى أقلية من أمراء الحرب الذين يقتسمون اقطاعيات هائلة يشتغل فيها أغلبية من الفلاحين الفقراء، يعتبرون كأقنان الأرض أو عبيدها، لأنهم يقدمون أغلبية منتجاتهم لأمراء الاقطاع مقابل الاحتفاظ بجزء يسير من الانتاج. في هذه المرحلة الطويلة أيضا والتي تزامنت مع العصور الوسطى، كان أمراء الإقطاع والملكيات المطلقة التي أسسوها يمتلكون حق الحياة والموت بخصوص أقنان الأرض. كما بنيت سلطة أمراء الاقطاع والملكيات المطلقة أيضا على اساس استعمال القوة المادية المفرطة وعلى الايديولوجية الدينية حيث تم تطوير الفكر الديني بقوة لكي يلعب دورا مركزيا لاخضاع الكادحين للسلطة السياسية المركزية. وحتى السلطة الدينية لجأت كثيرا الى استعمال القوة لاخضاع الكادحين لارادتها، كما هو الشأن بالنسبة لمحاكم التفتيش في القرون الوسطى والحروب الصليبية والتي كان يقابلها من الجانب العربي الاسلامي حملات الفتوحات الاسلامية.

وقد عرف هذا النظام الانتاجي الاقطاعي بدوره فترة صعود قوية في مرحلة أولى تلتها مرحلة هبوط وانهيار قوي عندما تفاقم بؤس الفلاحين الفقراء واضطهادهم مما دفعهم للتمرد والثورة على "الأسياد" الاقطاعيين وعلى الملكيات المطلقة. ومن أشهر الثورات التي توجت انهيار النظام الإقطاعي هناك الثورة الفرنسية سنة 1789 ، والتي استطاعت في ظلها طبقة اجتماعية جديدة بدأت تبرز للوجود منذ القرن الرابع عشر في المدن الأوروبية المعروفة باسم "البورغ" وتشتغل على التجارة والصناعة، أن تستثمر ثورة الفلاحين الفقراء لتنفيذ مشروعها السياسي وتحقيق طموحاتها السياسية والاقتصادية.

وبالفعل تمكنت البورجوازية من استغلال ذكي لثورة الفلاحين الفقراء لكي تسيطر على اجهزة الدول الناشئة وتحقق من خلالها مشاريعها السياسية والاقتصادية وتوسعها على الصعيد العالمي. مرة أخرى سيعرف نمط الانتاج الرأسمالي في ظل هيمنة البرجوازية السياسية والاقتصادية مرحلة صعود قوية خصوصا مع مرحلة الكشوفات الجغرافية والتي تزامنت مع الحقبة الميركانتيلية ثم مع الحملات الاستعمارية التي كانت "حيوية" بالنسبة لتوسع النظام الرأسمالي وتجاوز أزماته الدورية قصيرة ومتوسطة والطويلة الأمد. ولم تخرج البرجوازية عن ثوابت السلطة الطبقية أي استعمال القمع المادي داخليا وخارجيا وايضا استعمال الايديولوجية الدينية لضمان خضوع المضطهدين والاستمرار في استغلالهم، ولعل الحملات التبشيرية كانت تسبق نحو الشعوب المرشحة للاستعمار لغزوها ايديولوجيا قبل غزوها عسكريا.

ورغم البؤس الكبير الذي اصاب الطبقة العاملة خلال القرن التاسع عشر في أوروبا على الخصوص، وظهور حركات سياسية بروليتارية لمقاومة الاستغلال والاضطهاد البرجوازي الطبقي لها، تجسدت في ثورتين للعمال في باريس سنة 1848 وتأسيس كمونة باريس سنة 1871 لم تتجاوز أربعة أشهر قبل ان تعمل البرجوازية لى سحقها، فإن التوسع الاستعماري للرأسمالية عبر العالم مكن النظام من البقاء ومن تحقيق بعض المكتسبات النسبية للطبقة العاملة التي استطاعت أن تتكتل في منظمات نقابية رغم القمع الذي كان يحاول منعها من هذا التكتل.

فبفضل الانتعاش الذي حققه التوسع الامبريالي تمكنت المنظمات النقابية في أوروبا آنذاك من تحقيق بعض المكتسبات التاريخية مثل تقليص ساعات العمل وتحريم تشغيل الأطفال واقرار زيادات في الأجور وتخصيص يوم اسبوعي للراحة ... الخ. كما أنه بفضل مرحلة الصعود الرأسمالي هذه الى غاية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تحولت العديد من التنظيمات اليسارية في ظل الاممية الشيوعية الثانية من تنظيمات ثورية الى تنظيمات اصلاحية خصوصا مع كتابات برنشتاين وكاوتسكي. فنظرا للاعتقاد الخاطئ لهؤلاء بإمكانية دوام ازدهار النظام الرأسمالي وبالتالي قدرة التنظيمات الشيوعية والاشتراكية تحقيق اصلاحات اقتصادية من خلال انخراط الطبقة العاملة في المنظمات النقابية وتحقيق اصلاحات سياسية عبر انخراط هذه الطبقة في الانتخابات الجماعية والبرلمانية، بدأ يتكرس التوجه التحريفي عن الفكر البروليتاري الثوري الذي عبر عنه بقوة الفكر الماركسي. وسيظل هذا التوجه التحريفي سائدا ملازما منذ ذلك الحين لما يسمى باليسار الديموقراطي الاجتماعي والذي يخدم في الواقع البرجوازية المهيمنة ويخدع الطبقة العاملة بإمكانية تحسين أوضاعها في ظل هذا النظام.

وكما هو الشأن بالنسبة للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية السابقة العبودية والاقطاعية، فإن مرحلة صعود النظام الرأسمالي ستصل أوجها مع بداية القرن العشرين عندما احتدمت تناقضات نمط الانتاج الرأسمالي والمتمثلة على الخصوص في التطور الهائل للطاقة الانتاجية لوسائل الانتاج المملوكة بالكامل للبرجوازية المهيمنة والتخلف الكبير لعلاقات الانتاج الذي يترتب عنه سوء توزيع الثروات والمداخيل لصالح البرجوازية وعلى حساب الطبقة العاملة المنتجة الحقيقية للخيرات والتي سيتواصل بؤسها وتفقيرها.

فنتيجة لهذا التناقض يتراكم الانتاج الزائد غير القابل للتصريف سواء في مجال السلع والخدمات أو في مجال رؤوس الأموال التي لا تجد منافذ لتصريفها في ظل بؤس الكادحين الذين لا يستطيعون الاستهلاك أكثر من قدرتهم الشرائية، من هنا يتجه معدل الربح البرجوازي باستمرار نحو الانهيار على الصعيدين المحلي والعالمي.

ونظرا لأن العالم أصبح قرية صغيرة رأسمالية بالكامل فإن انعدام "المجال الحيوي" لتصريف الانتاج الزائد أخذ يعمق باستمرار من حدة الأزمة وانهيار الارباح البرجوازية واغلاق المركبات الانتاجية وتفاقم التناقضات الاجتماعية. من هنا تبدأ مرحلة احتضار النظام طويل الأمد، من هنا أيضا بدأت البرجوازية تلجأ نحو الحلول البربرية لضمان بقائها رغم دخولها مرحلة الاحتضار. فعدد الحروب الامبريالية منذ بداية القرن العشرين والتي تجاوزت 125 حربا بما فيها الحروب العالمية وأدت الى ازهاق ارواح تزيد عن 120 مليون نسمة أغلبيتها من الطبقة العاملة ، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على نظرية احتضار نمط الانتاج الرأسمالي ودخوله مرحلة التفكك والانحلال وأن استمرار هذا النظام قد يؤدي الى فناء البشرية. لذلك أصبح مطروحا على الطبقة العاملة العالمية أكثر من أي وقت مضى تحمل مسؤوليتها التاريخية المتمثلة في اسقاط النظام الرأسمالي عبر ثورة عمالية عالمية وفرض نمط انتاجي اشتراكي جديد في ظل مجتمع شيوعي متقدم لا مجال فيه للتفاوت الطبقي واستغلال الانسان لأخيه الانسان.

ستشهد مرحلة احتضار نمط الانتاج الرأسمالي فترات صعود وهبوط لا تغير من الاتجاه العام للنظام للتفكك والانحلال. فالثورة البلشفية سنة 1917، سجلت أول موجة ثورية عمالية ملموسة من اجل اسقاط النظام الرأسمالي، تأسست على اثرها ما يعرف برأسمالية الدولة السوفياتية أو بناء الاشتراكية في بلد واحد. وقد دفعت هذه الموجة الثورية الأولى بالعديد من التنظيمات البروليتارية لتأسيس حركات تحرر في البلدان المستعمرة كما قدمت لنا تجربة الثورة الصينية.

لقد كان رد فعل البرجوازية العالمية على تفاقم أزماتها القاتلة وعلى الموجة الثورية البروليتارية الأولى بالاضافة الى شن مجزرتين عالميتين ازهقت ارواح حوالي 100 مليون نسمة من خلال هيمنت القوى الفاشستية على اجهزة الدول البرجوازية في المانيا وايطاليا واليابان واسبانيا، اعتماد باقي الديموقراطيات البرجوازية سياسات كينيزية تدخلية جاءت متطابقة مع فترة اعادة البناء في اوروبا واعتماد مشروع مارشال. فتدخل الدولة عقب الحرب العالمية الثانية من اجل اعادة البناء في ظل توازن سياسي دولي ثلاثي بين معسكرين رأسمالي واشتراكي ثم معسكر عالم ثالثي اصبح يلقب منذ سنة 1955 بمجموعة دول حركة عدم الانحياز، حقق نوع من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي النسبي لم يتجاوز 20 سنة أي سنة 1967 حيث عادت الأزمة بكل قوة بنفس العوارض والمسببات وتفاقم الفقر والبطالة والاغلاقات للوحدات الانتاجية نظرا لاستكمال اعادة البناء والوصول الى مرحلة الانتاج الزائد وهبوط معدلات الربح تفاقمت مع حرب الفتنام وطبع الولايات المتحدة الأمريكية للدولار بدون مقابل اقتصادي حقيقي مما عجل بانهيار نظام النقد الدولي واتخاذ نكسن قرار ايقاف تحويل الدولار الى ذهب سنة 1971.

منذ بداية القرن العشرين ومع انطلاق الاحتضار الطويل لنمط الانتاج الرأسمالي لم تعد المنظمات النقابية والأحزاب اليسارية تحقق شيئا للطبقة العاملة، بل أصبحت هذه المنظمات والأحزاب ملحقة بالدولة البرجوازية وتلعب لعبتها من خلال هيمنة البرجوازية الصغرى على قيادتها وتوظيفها لخداع الطبقة العاملة من أجل تقبلها تقديم تضحيات مستمرة لمعالجة الأزمة المستمرة للنظام الرأسمالي. ففي كافة التنظيمات النقابية والأحزاب اليسارية هناك صراع خفي بين توجهات بيروقراطية متحكمة في هذه التنظيمات وتوجهات ديموقراطية تعتقد أنها قادرة على قلب الكفة والتحكم فيها، لكن صراع الديموقراطيين ظل أشبه بمعارك دون كيشوط أو حمل صخرة سيزيف. فالتغيير عبر التنظيمات النقابية والأحزاب اليسارية في ظل الدولة البرجوازية أصبح مستحيلا.

من الأساليب التي ظلت البرجوازية العالمية تخفف بها ازمتها الخانقة منذ سنة 1945 نظام الائتمان الدولي، فبفضل الاستدانة المفرطة ظلت الرأسمالية تعالج أزمة تصريف منتجاتها. لكن الاستدانة المفرطة تعمق أزمة المديونيتين الداخلية والخارجية، وبفضل تعمق المديونية العمومية في بلدان العالم الثالث ودول "المعسكر الاشتراكي" بدأت الدول الامبريالية تستعيد هيمنتها على البلدان والشعوب المستقلة حديثا. فحاجة هذه الاخيرة لمعالجة مديونيتها الخارجية المفرطة واعادة جدولتها جعلها تخضع لشروط المؤسسات المالية الدولية وبرامجها المتوافقة مع مصالح الإمبرياليات التي تهيمن عليها. وقد أدت هذه الهيمنة الى تحولات سياسية عميقة في هذه البلدان، انطلاقا من تآكل المعسكر الشرقي وانهياره وتآكل مجموعة حركة عدم الانحياز وخضوعها بالكامل للامبريالية. ورغم ما حققته اعادة الامبريالية لهيمنتها على الشرق والجنوب وتصريف أزمتها نسبيا خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، الا ان استمرار الأزمة كان يتطلب دائما تأجيج بؤر التوثر واشعال الحروب الاقليمية للاستفادة من ريعها.

لم تنجح سياسات الاستدانة الخارجية والداخلية من تجاوز تعمق الأزمة الاقتصادية بل أدت الى تعميقها عندما تجاوزت معدلات المديونية للقوى الامبريالية الرئيسية مستويات الناتج الداخلي الاجمالي وبدأت تهدد العديد من الدول بالإفلاس التام. بل ان تفاقم الأزمة الذي كان يعود كل عشر سنوات تقلص وبدأت تتفاقم كل خمس سنوات منذ سنة 1993 ثم 1997 ثم 2001 الى 2003 ثم منذ 2008 الى الآن. فمنذ خمس سنوات لا زالت الأزمة مستمرة. وفي خضم الخمس سنوات السابقة شهدنا العديد من الانتفاضات الشعبية، بل كانت سنة 2011 سنة متميزة بكافة المقاييس حيث لم تسلم أية قارة من الانتفاضات الشعبية كان ابرزها انتفاضات البلدان المغاربية والعربية والتي اسقطت العديد من الرؤوس الدكتاتورية، وبعضها الآخر لا زال ينتظر.

ما هي أهم الخلاصات التي نستخلصها من السياق العام للأزمة؟ نستطيع اجمال هذه الخلاصات في أربعة:

1 – الاستنتاج الأول هو أن النظام الرأسمالي مثله مثل الانظمة الانتاجية الطبقية السابقة قام منذ نشأته على استغلال مفرط للطبقة العاملة محققا نظرية "العبودية المأجورة"؛

2 – كما كان الشأن بالنسبة للأنظمة السابقة، عرف النظام الرأسمالي مرحلة صعود وازدهار واكب مرحلة استعمارية شملت العالم بأسره، ثم تلاها مرحلة هبوط واحتضار انطلقت منذ سنة 1914 اي منذ الحرب العالمية الأولى، حيث أصبح النظام يعالج أزماته بالحروب واعادة البناء ثم عودة للأزمة فالحروب ثم اعادة البناء؛

3 – لم تعد النقابات والأحزاب السياسية "اليسارية" التي اصبحت ملحقة بأجهزة الدولة البرجوازية بقادرة على تحقيق أي مكتسبات جديدة للطبقة العاملة بل أصبح دورها يقتصر على جعل الطبقة العاملة تتقبل المزيد من التضحيات؛

4 – لعبت سياسة المديونية دورا أساسيا في استعادة الهيمنة الامبريالية على بلدان المعسكر الشرقي وعلى مجموعة دول عدم الانحياز، لكن المديونية أصبحت اليوم احدى مظاهر افلاس القوى الامبريالية.

ثانيا: تطور الحراك الجماهيري والتنظيمات البروليتارية طليعة الطبقة العاملة

من خلال ما سبق يظهر أن تاريخ البشرية منذ عهد الشيوعية البدائية ظل يعيش جدلية الصراع بين الاستعباد والتحرر، بل أن البشرية لم تستسلم أبدا للاستعباد مهما بلغ جبروته. كما أن الطبيعة العدوانية التسلطية الكامنة في الانسان ما فتئت تعاود محاولات هيمنة الانسان على أخيه الانسان، وغالبا ما تعتمد هذه الهيمنة على القوة والقمع المادي من جهة وعلى الخداع والتخدير الإيديولوجي بكافة الوسائل وفي مقدمتها الفكر الديني وبعض المفاهيم الفكرية.

ونظرا للانقسام الطبقي للمجتمع الى حاكمين ومحكومين، مستغلين ومستغلين، أقوياء وضعفاء، فيصعب أن تجد بين الطبقة المهيمنة من يدافع عن تحرر الطبقة المضطهدة، وإذا ما حدث ذلك فنكون آنذاك أمام انتحار طبقي حقيقي. إذن فمسألة وعي الطبقة المضطهدة وبالتالي قيادتها لحركة تمرد على الطبقة المهيمنة لن يتأت الا من داخل الطبقة المضطهدة نفسها وليس من خارجها. لأن أي اعتقاد خاطئ بان وعي الطبقة المضطهدة وتمردها يأتي من خارج الطبقة يؤدي عمليا الى الوصاية على الطبقة المهيمنة واستبدال سلطتها بسلطة خارجية وبالتالي تأسيس هيمنة طبقية جديدة تضطهد الطبقة الخاضعة بدورها.

ان تاريخ النظام الرأسمالي سواء في مرحلة صعوده وازدهاره أو في مرحلة هبوطه واحتضاره، ما فتئ يضطهد الطبقة العاملة ويستغلها أبشع استغلال. فالرأس المال نفسه هو نتيجة فائض القيمة المقتطع من العامل، إذن فهو نتيجة استغلال الطبقة العاملة، فسواء الرأسمال الحي الذي يحقق الاستغلال المباشر للطبقة العاملة أو الرأسمال الميت الذي يشكل تكثيفا للاستغلالات السابقة والتي تجمعت في الآلات والمعدات، فإن استملاكها من طرف البرجوازية يحقق تخلف علاقات الانتاج بين العامل والبرجوازي، ومن هنا تبدأ الأزمة وبؤس العمال وافقارهم من جهة وثراء البرجوازي من جهة أخرى.

وإذا كانت الطبقة العاملة تقبل بواقع استغلالها على المدى القصير نظرا لحاجتها للحفاظ على ذاتها، فتتحمل الكثير من الاستغلال والاضطهاد صاغرة، إلى أن هذه الطبقة سرعان ما تشرع في التفكير وعدم تقبل الاهانة والاضطهاد والاستغلال، ويبدأ العمال في التكتل والمقاومة، كأفراد وجماعات، قد يتخذ الأمر مجرد ردود فعل عنيفة على الاضطهاد والاستغلال كما قد يتخذ الأمر صورة مطالب لتحسين الوضعية المادية والمعنوية وشروط العمل. لكن عدم الاستجابة للمطالب واستمرار الباطرونا في اضطهاد العمال. فإن الصراع الطبقي قد ينتقل إلى مستوى أعلى وإلى تكتل أوسع.

وعندما يتوسع تكتل الطبقة العاملة ويأخذ في تهديد مصالح البرجوازية، فإن هذه الأخيرة التي تسيطر على جهاز الدولة تبدأ في اللجوء الى هذا الجهاز لقمع مطالب العمال، إما عبر الهجوم على تجمعات العمال وتظاهراتهم، أو عبر الاعتقالات وتلفيق الاتهامات. كما قد تلجأ البرجوازية الى خدمات الأحزاب المسماة "يسارية" والمنظمات النقابية التابعة لها، والتي تهيمن عليها برجوازية صغرى انتهازية خبيرة في خداع الطبقة العاملة وتكسير اضراباتها ومقاومتها.

الاشكالية الأولى المستخلصة مما سبق تتمثل في مدى صلاحية اطارات الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية؟

من خلال ما جاء في هذه الورقة يختلف الصراع الطبقي بين ما كان سائد خلال مرحلة صعود الرأسمالية أي الى غاية الحرب العالمية الأولى، وبين ما يحدث منذ بداية احتضار نمط الانتاج الرأسمالي مع بداية الحرب العالمية الأولى. فإذا كانت المنظمات النقابية والأحزاب اليسارية التي اندمجت في اللعبة الديموقراطية البرجوازية في المرحلة الأولى استطاعت أن تحقق بعض المكتسبات للطبقة العاملة لأن البرجوازية آنذاك كانت تعرف توسعا في الربح والرواج الاقتصادي فكانت تستقطع جزءا من تلك المنجزات لتلبية بعض المطالب النسبية للطبقة الكادحة، فإن هذه المنظمات والأحزاب لم تعد تحقق شيئا في ظل مرحلة انهيار واحتضار النظام الرأسمالي، بل أصبح دورها يقتصر على خداع وتخدير الطبقة العاملة من اجل دفعها الى القبول بجميع التضحيات التي تفرضها البرجوازية، حتى وان كانت تلك التضحيات تعمق بؤسها وافقار ابنائها.

إذن فإن اطارات الصراع الطبقي التقليدية من منظمات نقابية بيروقراطية فاسدة وأحزاب يسارية "اشتراكية وشيوعية" تحريفية منخرطة كلية في اللعبة السياسية البرجوازية، أصبحت في ظل تدهور واحتضار الرأسمالية عدوة للطبقة العاملة وموالية طبقيا بالكامل للبرجوازية المهيمنة ولدولتها الطبقية.

السؤال المطروح حاليا هو حول ماذا يمكن للطبقة العاملة أن تفعله لمواجهة الهجوم البرجوازي المتواصل على شروط حياتها، على ضوء الخيانة التامة والواضحة للمنظمات النقابية البيروقراطية الفاسدة والأحزاب اليسارية الاشتراكية والشيوعية التحريفية؟

مسألة الصراع الطبقي الذي تقوده الطبقة العاملة في مواجهة هجوم البرجوازية تعتبر مسألة سياسية مركزية، حيث لا يمكن للطبقة العاملة أن تنتصر في صراعها هذا وهي منقسمة على ذاتها مجزأة تخترقها العديد من التيارات البرجوازية والبرجوازية الصغرى المحافظة والشوفينية والعنصرية والظلامية. فالطبقة العاملة التي تعتبر طبقة عالمية تواجه طبقة برجوازية عالمية، لا يمكنها أن تنخدع بالأوهام الوطنية التي تعمل البرجوازية والتحريفية على عزلها بها. فالبعد العالمي للطبقة العاملة يفرض عليها الاستناد على التجارب البروليتارية العالمية والتي هي طليعة الطبقة العاملة الثورية. فتجارب البروليتارية العالمية خلال ال 162 سنة السابقة جديرة بالاهتمام والدراسة، علما أن هذه التجارب تغطي في نفس الوقت مرحلة صعود الرأسمالية من 1848 إلى 1914 وكيف كانت البروليتارية تواجه هجوم البورجوازية خلال هذه الفترة، ثم تغطي مرحلة احتضار وتدهور النظام الرأسمالي منذ سنة 1914 إلى الآن.

ففي سنة 1848 ظهرت أولى الانتفاضات البروليتارية حينما قام عدد من الشباب العامل بباريس في شهر يونيو 1848 بالتمرد على الباطرونا بباريس نتيجة تفاقم أوضاعها الاجتماعية تحت وطئ الاستغلال، فهذه الانتفاضة التي سبق لعصبة الشيوعيين بالإعلان عنها قبل بضعة أشهر، وهو الحزب البروليتاري الحقيقي بمفهومه العصري قائم على برنامج سياسي منسجم ينتقد الرأسمالية هو البيان الشيوعي، أكدت ان الانهيار الحتمي للرأسمالية تحت التناقضات الداخلية للنظام التي لا يمكن تجاوزها، ستتم على يد البروليتارية كطبقة تاريخية تعمل على اقبارها.

في سنة 1852 اعترفت عصبة الشيوعيين بانتصار البرجوازية على أول انتفاضة بروليتارية في التاريخ بسبب عدم نضوج الشروط التاريخية التي تمكن من انتصار الثورة الاشتراكية. في ظل هذه الهزيمة اختفت عصبة الشيوعيين بعد خمس سنوات من تأسيسها كحزب سياسي بروليتاري عملي، لكن التجربة التي تركها ظلت حاضرة.
في سنة 1864 لم يختفي مناضلو عصبة الشيوعيين، بل ظلوا في انتظار نضج شروط جديدة لنهوض موجة ثورية عمالية جديدة، وعملوا على تطوير البناء النظري، وبلورة التجارب النظرية وسط الطبقة العاملة مستفيدين من تجربة سنة 1848. وفي نفس الوقت واصلت البرجوازية توسعها الاستعماري وتطورها، وفي هذا الاطار توسعت قاعدة البروليتارية وشملت العديد من البلدان في أوروبا وأمريكا، وأصبحت الطبقة العاملة أكثر نضجا، ورغم دلك لم تقرر الثورة نظرا لوعيها بعدم نضج الشروط التاريخية بعد، لكنها واصلت كفاحيتها من أجل الدفاع عن شروط وجودها والتصدي لبشاعة استغلالها، وفي سنة 1864 تم تأسيس بمبادرة من عمال بريطانيا وفرنسا الأممية الأولى تضم عشرات الآلاف من العمال في الدول الصناعية والدول التي تسير في طريق التصنيع في أمريكا وروسيا. وقد تواجد أعضاء عصبة الشيوعيين في قيادة هذه الأممية التي نصب على رأسها كارل ماركس والتي سميت بالجمعية الدولية للعمال AIT .

وتحت راية هذه الأممية خيضت أعظم المعارك العمالية في أوروبا أمريكا وروسيا، بل أن جميع الحكومات الأوروبية بدأت تأخذ بعين الاعتبار قوة هذه الأممية. لكن ظروف الحرب الفرنسية البروسية والبؤس المتزايد للطبقة العاملة في فرنسا وخاصة بباريس واستفزاز الحكومة الفرنسية لها، دفع الطبقة العاملة في باريس للثورة وتأسيس كمونة باريس سنة 1871 كأول تجربة اشتراكية في التاريخ. لكن كمونة باريس التي لم تدم أكثر من أربعة أشهر، حينما تعرضت الى مجزرة دموية، نظرا لعدم توفر الشروط التاريخية بعد، مؤدية إلى توقف الأممية الأولى، تركت للحركة البروليتارية الثورية في العالم تجربة ملموسة على قدرة هذه الطبقة على تغيير معالم التاريخ.

في سنة 1889 وبعد 18 سنة من كمونة باريس والانتصار الدموي للبرجوازية على بروليتارية باريس واختفاء الأممية الأولى، الشيء الذي أثقل بشكل كبير بمخلفاته على جيل كامل من البروليتارية. وحالما التأمت الجروح بدأت البروليتارية تستعيد ثقتها بنفسها وقدرتها على مواجهة رأس المال. وببطء شديد بدأت تتشكل المنظمات الطبقية، بورصات العمل، النقابات، الأحزاب السياسية، والتي ستتجه نحو المركزة، على المستوى الوطني أولا ثم أخيرا على المستوى الدولي، عبر تأسيس الأممية الثانية، المنظمة السياسية بامتياز.

لكن العالم الرأسمالي وهو في أوج تطوره على المستوى الدولي، كان يقتطع أكبر قدر من الأرباح انطلاقا من تواجد سوق دولية يبدوا أنها لا تنتهي. لقد شكلت هذه الفترة العصر الذهبي للمرحلة الاستعمارية وتطور قوى الانتاج، وفائض القيمة. في ظل هذه الظروف أصبح نضال البروليتارية من أجل تقليص ساعات يوم العمل ومن أجل الزيادة في الأجور ومن أجل الاصلاحات السياسية، قادرا على تحقيقها. وقد ظهر أن هذه الوضعية قد تتواصل بدون نهاية، مما قاد إلى الوهم بأنه عبر متابعة متوالية للإصلاحات، فإن العالم الرأسمالي سيتحول تدريجيا إلى مجتمع اشتراكي. إن هذا الوهم هو الإصلاحية، المرض الذي سيتغلغل عميقا في ذهن العمال وفي منظماتهم السياسية والاقتصادوية (على الخصوص الاقتصادوية)، فهذا الوهم سيدمر الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة ويفقدها هدفها وطريقها الثوري.

إن انتصار الاصلاحية شكل أخيرا هزيمة للبروليتارية. وقد عزز هذا الانتصار بعض المفكرين الاشتراكيين التحريفيين كبرنشتاين وكاوتسكي. انه انتصار البرجوازية التي تمكنت من ربط الطبقة العاملة بمبادئها التي هي وطنية قبل كل شيء، والتشويه نهائي لمنظماتها الحزبية والنقابية والتي انتقلت بدون عودة نحو المعسكر الرأسمالي.
في سنة 1917 كانت الطبقة العاملة توجد في وضع المنوم والمخدر، والمغدور من قبل انتقال منظماتها الى المعسكر البرجوازي، سكرانة بأفكار الوطنية والتي جرعتها لها البرجوازية بجرعات قوية، وتم تعبئتها في الحرب، لكن البروليتارية استفاقت تحت الانفجار المدوي للقنابل، في وسط الملايين من القتلى من العمال، غارقة في بحر من الدماء، دمائها، لقد كان عليها الانتظار ثلاث سنوات من رعب الحرب الامبريالية العالمية لكي تستفيق من المخدر ولكي تبدأ في استعادت وعيها الطبقي الواقعي.

شكلت سنة 1917 الانفجار الأول للموجة الثورية والتي ستستمر لسنوات. فخلال هذا الانفجار ستكون البروليتارية مدعوة الى بناء منظماتها الطبقية الجديدة المتطابقة مع مهامها الجديدة. ليس تحت شكل نقابات والتي أصبحت الى الأبد ملحقة بالدول البورجوازية، وإنما تحت شكل المجالس العمالية والتي دشنها لينين سنة 1905. ودون العودة نحو احياء الاحزاب الديموقراطية الاجتماعية الاصلاحية التي انتقلت نهائيا الى معسكر العدو، وإنما نحو تنظيم شيوعي عالمي يشكل تجمعا للأحزاب والمنظمات الثورية المحلية(الأممية الثالثة) وفي مستوى المهام التي تطرح.

البروليتارية العالمية ستعرف انتكاسة جديدة مع تفاقم الأزمة وهزيمة الثورة البروليتارية الألمانية وصعود اليمين الفاشستي وانفجار الحرب العالمية الثانية وانقلاب البرجوازية الصغرى خلال المؤتمر العشرين للحزب البلشفي السوفياتي سنة 1956، حيث انحرفت الأحزاب الشيوعية والاشتراكية لكي تتماثل مع التحريفية السوفياتية وتدخل في اللعبة السياسية البرجوازية واستعمال النقابات واحزابها وتنظيمات عديدة موازية لتشويه وعي الطبقة العاملة.

لكن الوضع لم يتجاوز سنة 1967، حيث انفجرت الأزمة من جديد وبقوة فكان على الطبقة العاملة أن تسجل ردود فعلها أيضا، حيث عرفت العديد من البلدان الأوروبية حركات جماهيرية عمالية قوية خاصة في فرنسا والمانيا وايطاليا، بل كان لهذه الحركة البروليتارية العالمية صدى في افريقيا وامريكا اللاتينية والبدان العربية ومن بينها المغرب. هذا المد الجماهيري العمالي العالمي الجديد ستعترضه التفافات برجوازية مضادة تقوم على القمع البوليسي والاحتواء الايديولوجي. لكن المد الجماهيري القائم على ردود الفعل القوية على الأزمة وعلى هيمنة اليمين المتطرف على السلطة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية الذي عمل على تفريغ الأزمة على كاهل الكادحين، تواصل في كل مكان في العالم خلال عقد الثمانينات. ورغم نكوص التنظيمات البروليتارية عقب سقوط جدار برلين والتحريفية السوفياتية سنة 1989 الا أن تزايد الحروب المحلية وتعمق الأزمة الاقتصادية وتفاقم الأوضاع الاجتماعية في كل مكان أعاد الى الواجهة بقوة تشكيل التنظيمات البروليتارية وقيادتها للمواجهات الطبقية مع البرجوازية المهيمنة.
ومنذ سنة 2008 شهدنا في كل مكان تظاهرات عمالية جماهيرية عارمة كان ابرزها ما حدث سنة 2011، من اسقاط العديد من الرؤوس الدكتاتورية كزين العابدين بنعلي وحسني مبارك. ورغم استثمار الامبريالية القوي وسط هذا الحراك الجماهيري الواسع واعادة فرض كومبرادورية جديدة من خدامها أكثر تبعية وطاعة، وأكثر دموية اتجاه شعوبها، إلا أن تعمق الأزمة ونتائجها الكارثية أصبح يسرع الوعي الطبقي ويتطلب من طليعة البروليتارية الاسراع بتشكيل منظماتها السياسية الثورية.

المحور الثالث: تطور الأزمة والحراك الشعبي في المغرب


لم يخرج المستعمر الفرنسي من المغرب الا بعد تعبيده الطريق لتحكم البرجوازية المحلية في دوالب الدولة البرجوازية. شكلت فترة 1956 – 1960 فترة استتباب الهيمنة الكومبراورية في المغرب وتصفية كافة قوى التحرر الوطنية ومن بينها جيش التحرير وتمرد منطقة الريف قبل المرور نحو تصفية حركة شيخ العرب والمعارضة الاتحادية. كما تم التحكم بقوة في الاتحاد المغربي للشغل عبر ما سماه عمر بنجلون بأمراء الانحراف النقابي.

كان تحدي الكومبرادور مع بداية عقد الستينات هو تحقيق تراكم بدائي لرؤوس الأموال في أيد الأقلية المهيمنة. فكانت السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمخططات الخماسية تستهدف تحقيق هذا التراكم. لذلك حدث بسرعة تناقض صارخ بين قوى الانتاج المتطورة وعلاقات الانتاج المتخلفة وبدأت تظهر مخلفات الاستغلال والتفقير والتفاوت الطبقي وانتشار الكساد وحدوث أزمة خانقة سنة 1964، استدعت تدخل المؤسسات المالية الدولية لكي تفرض شروط سياسية واقتصادية هيمنية تعزز أكثر مسار الاستغلال.

ان تطور مسار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية سيفاقم التناقضات السياسية والاجتماعية، حيث تشهد بداية الستينات العديد من المحاكمات لرموز الحركة الوطنية والحركة الاتحادية كما سيتم حل البرلمان ويتم اللجوء بعد الانفجار الاجتماعي ل 23 مارس 1965 واختطاف المهدي بنبركة في بارس الى فرض حالة الاستثناء والغاء المؤسسات.

التناقضات السياسية ستدفع الى حدوث انقلابين عسكريين سنتي 1971 و1972. كما ستعرف بداية عقد السبعينات نتيجة الأزمة المتفاقمة بروز الحركة الاتحادية الثورية بمحاولاتها الدخول في مواجهات مسلحة مع النظام. كما ستتميز فترة السبعينات بتأسيس عدد من التنظيمات البروليتارية الثورية كتنظيمات ماركسية لينينية كان أبرزها منظمتي الى الأمام و23 مارس. لكن القمع العنيف للنظام سيحصد رموز المعارضة الاتحادية والحركة الماركسية اللينينية والذي سيتواصل طيلة عقد السبعينات.

ومع انهيار اسعار الفسفاط وتعمق الازمة الاقتصادية العالمية التي انطلقت سنة 1976 وتكرست مع الصدمتين البتروليتين سنتي 1973 وسنة 1979، بدأت المؤسسات المالية الدولية نذ 1977 تفرض على المغرب وصفاتها التقشفية وتطالبه برفع الأسعار، الا ان ردود الفعل الاجتماعية كانت قوية تجسدت في انفجار التظاهرات الاجتماعية سنة 1979 و1981 والتي شهدت قمعا وحشيا واعتقالات واسعة. كما تواصل تدخل المؤسسات المالية الدولية نتيجة تعمق الأزمة عبر فرض سياسات التقويم الهيكلي سنة 1983. هذه السياسات التي ستحغاول الرفع من اسعار المواد الأساسية مما ستدفع الى حدوث انفجار جماهيري قوي في يناير 1984 أعقبه قمع وحشي وسقوط ضحايا وحدوث اعتقالات ومحاكمات.

نفس الشيء سيحدث في 14 دجنبر 1990 حيث كان رد الفعل الجماهيري قويا مع تعمق الأزمة وارتفاع الاسعار والبطالة وتفاقم الفقر، وحيث سيلجأ النظام مرة أخرى الى القمع الوحشي خاصة في مدينة فاس وبني مكادة بطنجة.

ستتواصل الأزمة طيلة عقد التسعينات الى درجة أن وصفها الحسن الثاني سنة 1996 بالسكتة القلبية، وبدلا من أن تحدث هزات اجتماعية مركزية أصبحت ردود الفعل الجماهيرية تحدث على الخصوص في المدن والقرى والجبال حيث يعاني المغرب العميق من آثار الأزمة بشكل قوي، وحيث لم تمر سنة بدون حدوث العديد من ردود الفعل.
خلال الألفية الثالثة لم تخف الأزمة بل تواصلت مع تواصل ردود الفعل الشعبية عليها، وقد انتقل الحراك الشعبي من أسلوبه التقليدي نحو التشبيك، وكان أبرز هذه الشبكات هي تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية والتي تأسست سنة 2006 وعرفت تطورا قويا لمدة سنتين وصل عدد فروعها الى 90 فرع قبل أن يتم افشالها من طرف بعض القوى التي كانت تود استعمالها سياسيا في الانتخابات.

شكلت تجربة التنسيقيات خلفية لتشبيك آخر سياسي انطلق في 20 فبراير سنة 2011 ، والذي واكب الحراك الشعبي القوي الذي عرفته الكثير من البلدان المغاربية والعربية.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية العمل النقابي في المغرب !
- تطور موقف التوجه النقابي الديموقراطي بالمغرب
- لا مجال للتراجع عن محاربة المافيا النقابية والفساد والافساد ...
- دور البيروقراطية النقابية في تدجين الطبقة العاملة وتشديد است ...
- دردشة حول الطلب الداخلي وأزمة تمويل الاقتصاد المغربي
- محاولة انقلاب فاشلة داخل الاتحاد المغربي للشغل
- لا تحرر للمرأة من دون تحرر المجتمع من النظام البرجوازي الطبق ...
- النضال العالمي من أجل الديموقراطية والحرية
- تصريح الحكومة -الملتحية- لا يتضمن اجراءات لتجاوز أزمة صناديق ...
- الحكومة -الملتحية- أمام تحديات اقتصادية كبيرة لا قدرة لها عل ...
- تقرير عن حقوق الإنسان بالمغرب 2011: قمع، اعتقال، تعذيب و محا ...
- الشعب المغربي تحت الحصار
- لماذا سقط نظام بنعلي ولم يسقط النظام في المغرب؟
- الإدمان على الانترنت كالإدمان على المخدرات القوية!
- عودة نظرية المصدر الإلهي للسلطة
- الثورات العربية والمغاربية بين اليسار التحريفي واليسار الثور ...
- أزمة النظام الرأسمالي والحروب الامبريالية الجديدة
- البروليتارية العالمية تشكل طبقة من المهاجرين
- النظام الاقتصادي الرأسمالي على حافة الانهيار
- سنتتبع الانتخابات ونؤكد المسافة التي لا زالت تفصلنا عن الديم ...


المزيد.....




- -مطارات دبي- تفتح إجراءات السفر للمسافرين عبر شركتي طيران
- التوترات بين إيران وإسرائيل تخفض الشيكل إلى أدنى مستوى في 5 ...
- مصر تعلن ارتفاع ديونها الخارجية
- موسكو تجدد وعيدها برد حاسم حال مصادرة الأصول الروسية
- خلافا للدولار واليوان.. انخفاض حصة اليورو في المدفوعات الدول ...
- فايننشال تايمز: صادرات نفط إيران عند أعلى مستوى في 6 سنوات ر ...
- زاخاروفا: إنهم يقوضون أقدس مقدسات اقتصاد السوق
- السعودية أولا.. النقد الدولي يصنف أعلى الاقتصادات العربية نم ...
- مصر على موعد وشيك مع 30 مليار دولار
- دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها على الطبقة العاملة ودورها في الحراك الجماهيري