أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - لماذا سقط نظام بنعلي ولم يسقط النظام في المغرب؟















المزيد.....


لماذا سقط نظام بنعلي ولم يسقط النظام في المغرب؟


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 3579 - 2011 / 12 / 17 - 17:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذا هو السؤال الذي طرحته يسارية مناضل بكتاباتها في الحوار المتمدن، ووجدت في الجواب عنه تخليدا لذكرى الشهيد محمد البوعزيزي وتقديم لمحة عن ماذا يحدث في المغرب من احداث مفتوحة على جميع الاحتمالات. لن اتجاوز استقراء الأحداث الى التكهن بالمستقبل وتقديم اقتراحات حول ما العمل، لأن ذلك شأن جماعي يبنى على الأرض بين المناضلات والمناضلين.

في نهاية سنة 2011 وخصوصا في يوم 17 دجنبر 2011 وهو ذكرى مرور سنة على يوم اقدام الشهيد محمد البوعزيزي على احراق ذاته ردا على تكالب البرجوازية المحلية في سيدي بوزيد بتونس والسلطة راعيتها على اهانة الشاب المجاز الفقير الذي يعيل عائلته عن طريق بيع الخبز على عربة مجرورة، فاقدموا على تكسير عربته واقدمت شرطية على صفعه بعدما تم جر الشاب نحو مركز الشرطة حتى لا يعود الشاب الى بيع خبزه امام مخبزة في ملكية احدى البورجوازيات المحلية التي سبق للبوعزيزي ان اشتغل عندها قبل سنة وطردته.

أصل الحكاية هو صراع طبقي بين الكادح محمد البوعزيزي وربة المخبزة التي كانت تستغله، وامام تحدي محمد البوعزيزي لربة المخبزة قامت بطرده لحرمانه من مصدر رزقه. لم يستسلم محمد البوعزيزي بل بل بدأ يبيع الخبز فوق عربة مجرورة في سوق مفتوح. الشاب البوعزيزي يحمل شهادة الاجازة ولم يجد عملا كغيره من حملة الشهادات المعطلين التونسيين، وبدلا من انتظار التوظيف الذي لن يأتي اشتغل كعامل وعندما تم طرده اشتغل كبائع خبز. وعندما ارادت البرجوازية التي طردته الامعان في اهانة الشاب استقدمت الشرطة المحلية التي تقف دائما الى جانب الطرف القوي، الى جانب البرجوازية التي تنتهك حقوق الكادحين لحمايتها من غضب هؤلاء.

اضرام الشهيد محمد البوعزيزي النار في جسده حرقة لكون السلطة لم تقف موقفا محايدا من الصراع الطبقي الذي كان يجري بينه وبين البرجوازية التي سبق لها ان طردته، احرق البوعزيزي ذاته لأن هذه السلطة التي اهانته وصفعته هي سبب عطالته وفقره وسبب عطالة كافة التونسيين وعطالتهم وجوعهم. البوعزيزي لا حزب له ولا سلاح له وصوته غير مسموع أخرس بسبب قمع السلطة وجبروت المافيات العائلية الحاكمة لبنعلي واصهاره. اشعل البوعزيزي النار في جسده حرقة من هذا النظام الظالم، هذا النظام الذي لا يمكن للانسان السوي ان يعيش في ظله بسلام وكرامة، ففضل البوعزيزي الموت حرقا على الاستمرار في تقبل نيران الاهانات والقهر البرجوازي والكومبرادوري الحاكم.

جميع المقهورين التونسيين من طرف البرجوازية التونسية ومن طرف المافيات الكومبرادورية الحاكمة شعروا بالنيران التي التهمت البوعزيزي تلتهم اجسادهم ايضا، فخرجوا عن بكرة ابيهم للاحتجاج في الاسواق، فقابلتهم السلطات المحلية بحشود قمعية مدججة بالاسلحة، فقام تونسيون آخرون بالانتحار امام انظار الجميع كرد فعل على قمع السلطة مما اجج احتجاجات البروليتارية الهشة في الاسواق والشوارع والتي سرعان ما انظم لها التلاميد والطلبة والمعطلين والمعلمين والاساتذة تم التجار الصغار، وتحت نيران السلطة وقمعها الوحشي تأججت الاحتجاجات في جميع المدن التونسية انطلاقا من سيدي بوزيد، وبدأت تجمعات التونسيين الكادحين تتم في الشارع العمومي وظهر خطباء حماسيون يذكرون بمأساة التونسيين مع حكم الطاغية زين العابدين بنعلي، وبضرورة انهاء واقع الذل والاهانة المتواصلة مع النظام القائم.

ستتضخم الاحتجاجات في جميع المدن التونسية وستلعب فيها المجموعات الثورية المنتشرة في جميع مدن وقرى تونس والتي كانت تعاني من الحصار والقمع لمدى عقود وتمارس انشطتها في سرية تامة، الماركسيون اللينينيون التروتسكيون الماويون الفوضويون الحركات الاسلامية ... دورا رائدا في تأجيج الغليان الثوري من اجل اسقاط الدكتاتور بنعلي. ورغم القناصة والاغتيالات والاعدامات داخل السجون ومحاولة اشراك العسكر، ظلت جدوة الانتفاضة في اشتعال متواصل وحيث بدأت الاتحادات النقابية المحلية تنخرط في الاحتجاجات وفي الاعلان عن الاضرابات. الامبريالية الاوروبية وخاصة الفرنسية كانت متواطئة مع الدكتاتور بنعلي والتي كانت تعرض خدماتها على هذا الاخير، فوزيرة خارجية فرنسا تقدمت بهذا المقترح امام الجمعية الوطنية الفرنسية يومين قبل هروب الدكتاتور بن علي نحو السعودية.

النيران التي اشعلها البوعزيزي في جسده والتي جاءت عقب تكسير عربته المجرورة أدت الى اسقاط كراسي مستبدين كبار كبنعلي ومبارك والقدافي وفي القائمة علي عبد الله صالح وبشار الأسد وملوك البحرين والاردن والمغرب، فالجماهير في جميع هذه البلدان خرجت الى الشارع في محاكاتها للشعب التونسي من اجل الحرية والكرامة والديموقراطية لكن جواب هذه الأنظمة كان متشابها، القمع الوحشي الاغتيالات الاتفاف على الكادحين والثوار والابقاء على الأنظمة الاستغلالية الكومبرادورية المتعفنة التي تقتات على دماء شعوبها.

جميع الانظمة الكومبرادورية المغاربية والعربية تحاول الحفاظ على سلطاتها وتصفية معارضيها حيث لا يمكنها أن تتصور ان شعوبها التي ظلت لعقود طويلة خنوعة ساجدة لارادتها واستغلالها انها ستثور عليها وتسقط قداستها المزيفة، ومكانتها بين القوى الامبريالية والكومبرادورية الأخرى. لكن مهما تفاقم قمع هذه الانظمة لشعوبها وتكثف استغلالها لها فإن الأزمة الثورية تتضخم في المقابل كبركان خامد سرعان ما ينفجر فجأة ليعيد للشعوب نهضتها وامجادها.

لقد احرق العديد من الشباب ذواتهم في الجزائر والمغرب عقب احراق البوعزيزي لذاته لكن الانفجار الثوري لم يحدث، بل ظلت الحركة الجماهيرية محتشمة رغم تفاقم الأزمة الثورية والمتمثلة في انتشار الفقر والاستغلال وتدهور كافة الخدمات العمومية وتعمق استغلال الكومبرادور للطبقة العاملة في ظل غياب كافة الشروط الشغلية والحقوق الانسانية البسيطة، يتساءل الكثيرون لماذا لم تحدث الثورة في المغرب مثلا رغم عقود من سنوات الرصاص والاختطافات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والمظاهر الصارخة من النهب والاغتناء غير المشروع على حساب البسطاء والكادحين والفلاحين الفقراء؟ الدارس لتاريخ المغرب الحديث انطلاقا من الاستقلال الشكلي سيميز بين فترة الحرب الباردة والتي كانت فيها الامبريالية الغربية تتواطؤ بشكل مطلق مع النظام القائم بل تدعمه بخبرتها الامنية والمخابراتية والعسكرية والمالية والاقتصادية. وقد ساندت الامبريالية النظام القائم في تصفية متوحشة للمعارضة الماركسية اللينينية خلال عقود الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن العشرين، وفي المقابل قامت بدعم التيارات الاسلامية الوهابية لمساندتها ضد اليساريين فتم على يدها اغتيال العديد من رموز اليسار كان ابرزهم عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975 بالاضافة الى رموز أخرى في عقد الثمانينات كالمعطي بوملي.

الفراغ الذي أحدثه تصفية القوى الثورية الماركسية اللينينية خلال فترة الحرب الباردة، تم ملأه بعد سقوط جدار برلين وسيادة القطب الامبريالي الواحد، بالاحزاب الادارية وبالقوى اليسارية التحريفية وبالقوى الاسلاموية الظلامية وبقوى شوفينية وبمركزيات نقابية تسيطر عليها ارستقراطية نقابية ملحقة تماما بارادة الكومبرادور في محاولة منها لفرض الوصاية على الكادحين وعلى الطلبة والمعطلين وعلى الحركات الاحتجاجية الجماهيرية التي تنتفض نتيجة الاسغلال ونهب اموالها واراضيها. وقد تم تمكين مختلف هذه القوى التي تخدم اجندة النظام من الأموال والاعلام للقيام بالأدوار الموكولة لها.

مواجهة النظام للقوى الثورية خلال العقدين الاخيرين أي بعد الحرب الباردة يتم بوسائل قمعية وأخرى إيديولوجية، فهو يتم بواسطة القمع بمختلف الوسائل كالاعتقال والاختطاف والتعديب والتنكيل بالاحتجاجات الجماهيرية والحقوقية والسياسية وتلفيق الاتهامات المفبركة واصدار الاحكام الجائرة. كما يتم بواسطة الوهم الاديولوجي والانتخابوية والبرلمانية الشكلية وخنق حرية الصحافة واغلاق كافة الصحف المستقلة، وتجنيد الأقلام المأجورة والبلطجية والمطبلين للنظام، وتعبئة الاحزاب الادارية واليسارية التحريفية والظلامية والشوفينية لنشر الوهم بوجود فضاء ديموقراطي تنموي متكافئ حيث يكفي الانخراط في الانتخابات "المزورة" لتحقيق طموحات الشعب في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن الواقع يظهر بكل مرارته مباشرة عقب الانتخابات حيث تتعمق معاناة الكادحين والعاطلين . بينما تعمل المركزيات النقابية التي تهيمن عليها ارستقراطيات نقابية تمثل الاحزاب التحريفية والاصلاحية والملحقة بالنظام على تجزئة الطبقة العاملة المنقبة والتي لا تتجاوز 10 في المائة من الطبقة العاملة التي لا تضع ثقتها في هذه المركزيات النقابية الملحقة والتي تعمل على احباط كل محاولة نضالية لها لتحقيق بعضا من مطالبها المشروعة، بل اصبحت هذه المركزيات وسيلة لفرض كافة السياسات الليبرالية التي تخدم مصالح الكومبرادور والامبريالية.

الفعل النضالي بعد الفراغ الذي احدثته فترة الحرب الباردة سيعود تدريجيا الى مختلف المدن والقرى المغربية وبقوة على خلاف فترة الحرب الباردة حيث كان يتركز في المدن الكبرى فقط والتي عرفت انفجارات ثورية في 23 مارس 1965 و20 يونيو 1981 و20 يناير 1984 و14 دجنبر 1990، فمنذ هذا التاريخ الأخير أصبحت الانفجارات الثورية الجماهيرية تحدث في مختلف المدن والقرى البعيدة كتالسينت وتاماسينت وبوعرفة وسيدي افني وصفرو وازيلال وخنيفرة .... الفعل النضالي عاد الى شوارع المدن والقرى ابتداءا من سنة 1989 بفضل الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين هذه الجمعية المناضلة التي ضمت خيرة مناضلي الاتحاد والوطني لطلبة المغرب المتشبعة بالفكر السياسي الماركسي اللينيني والتي عادت الى قراها ومدنها لتتنظم في اطار فروع الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين والتي قدمت شهيدين هما مصطفى الحمزاوي ونجية أداية ومؤخرا محمد بودروة في آسفي وكمال الحساني في بني بوعياش، هذه الجمعية التي رغم عدم اعتراف النظام بها قانونيا ظلت تفرض نفسها كحاملة لواء الاحتجاج الجماهيري في الشوارع، فبفضل هذه الجمعية انتشر الوعي الطبقي في كل مكان من خلال مناضليها وبفضلها انفتح الشارع للاحتجاج الميداني لكافة الحركات الاحتجاجية الاخرى.

فمع نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين عاد الزخم النضالي الى الشوارع المغربية وسط تشتت اليسار الماركسي اللينيني وتيارات ثورية أخرى ماوية تروتسكية فوضوية. تطور تقنيات التواصل الاعلامي على الخصوص كثف من تبادل الاراء والنقد والنقد المضاد ورفع مستوى الصراع السياسي وخلق ثقب في محاصرة النظام الاعلامية والقمعية للقوى الثورية. كما بدأت تظهر منذ سنة 2000 اطارات نضالية شبكية، كشبكة دعم الحركات الاحتجاجية (2001 – 2003) وشبكة مناهضة التحرش الجنسي ابتداء من سنة 2005 وتنسيقيات مناهضة الغلاء ابتداء من 11 شتنبر 2006 وشبكة مواجهة قمع السلطات العمومية سنة 2007 وهيئة الدفاع عن الحريات العامة سنة 2007. هذا النضال الشبكي الذي يضم سياسيين ونقابيين وحقوقيين وجمعويين وفعاليات فردية شكلت اطارات للجدل والنقاش الحاد الايديولوجي والسياسي بين مختلف الاطراف واحدث فرزا سياسيا حقيقيا بين القوى البيروقراطية والقوى الديموقراطية ، كما أحدث فرزا بين القوى الانتهازية الاصلاحية والقوى المناضلة الثورية.
الفعل النضالي الاحتجاجي بجميع اشكاله التنظيمية والنضالية خلال الفترة 2000 الى 2010 كان يتم بموازاة مع عودة القمع الوحشي والاختطاف والتعديب بقوة مع تبني قانون الارهاب عقب احداث الدار البيضاء سنة 2003 للوقوف بوجه كل فعل نضالي جماهيري كمحاكمة عمال مناجم ايميني بعشر سنوات سجنا وكطرد 850 عامل في مناجم الفوسفاط بخريبكة سنة 2008، وفي ظل هجوم الباطرونا على حقوق العمال مع تعمق الازمة الاقتصادية عقب ازمة 2001 – 2003 ثم أزمة 2007 – 2008، والتسريحات التي اعقبت هذه الازمات وتوقف عائدات العمال بالخارج لتعرضهم للتسريحات الجماعية بدول المهجر. الفعل النضالي الجماهيري تعمق مع تعمق الازمة الثورية في المغرب وتوسع في جميع مدن وقرى المغرب.

الانفجار الثوري الجديد الذي فجره احراق البوعزيزي لذاته في 17 دجنبر 2010 والذي قاد في ظرف 29 يوم الى اسقاط نظام بنعلي ثم بعد ذلك الى سقوط نظام الدكتاتور مبارك والتي قادتها الجماهير الشعبية واستولت عليها البرجوازية الصغرى بعد ذلك ستحدث وعيا جديدا لدى العديد من ابناء الكادحين حيث بدأ لسان حالهم يقول باللغة المغربية العامية "حنا زعما ما نسقطوش النظام بحال خوتنا توانسة والمصريين" خصوصا وان الذاكرة الشعبية تحمل الكثير من المنافسة بين شعوب البلدان الثلاثة في مجال مباريات كرة القدم. هذا الوعي الجديد وحب المنافسة دفع البعض الى ارسال اعلان في الفايس بوك بتاريخ 26 يناير 2011 الى جميع المغاربة للخروج يوم 27 فبراير للاحتجاج والمطالبة باسقاط النظام، ومنذ صدور الاعلان في الفايس بوك باسماء مستعارة بدأ البوليس السياسي في البحث عن اصحابه وفي تنظيم اعتقالات للشباب للتحقيق معهم بشأن الاعلان واتهام اصحابه بالانتماء للبوليزاريو لان تاريخ 27 فبراير بصادف ذكرى تأسيسه، كما تم اتهام القوى الثورية الماركسية اللينينية المساندة للشعب الصحراوي في تقرير مصيره بالوقوف وراء هذا الاعلان. وبدأ الاعلام العمومي يهتم بهذا النداء سواء من خلال ادانته او من خلال تقديم الكثير من الاشاعات حوله لتبخيس قيمته، لكن تداول الخبر بقوة جعل الاعلان ينتشر ويتمدد في جميع الأوساط السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية. وبدأ شباب العديد من القوى البرجوازية الصغرى والاحزاب الاصلاحية والظلامية يتنافسون على الفيس بوك في مناقشة الاعلان ومحاولة تبني تاريخ آخر جديد هو 20 فبراير.

ابتداء من 11 فبراير اصبح تاريخ 20 فبراير هو المتداول رغم استمرار بعض المواقع تعلن عن تاريخ 27 فبراير. ومعلوم أنه مع انطلاق انتفاظة الشعب التونسي تشكلت في المغرب شبكة دعم حركة، فتم في اطارها تنظيم وقفات احتجاجية امام السفارة التونسية ثم بعد ذلك أمام السفارة المصرية وبعد ذلك أمام السفارة الليبية، والتي كانت تتعرض لقمع البوليس المغربي. فقد اجتمعت هذه الشبكة التي تضم ممثلي الاحزاب والنقابات والجمعيات الحقوقية والجمعوية وفعاليات، قبل تاريخ 20 فبراير لتتداول في كيفية دعم وحماية حركة 20 فبراير، قانونيا وماليا واعلاميا، ثم تداول في امكانية احداث مجلس وطني موازي لحركة 20 فبراير لمواكبة نضالات هذه الحركة من اجل اسقاط الفساد والاستبداد والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من خلال اسقاط الدستور القائم ووضع دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا.

في يوم الاحد 20 فبراير 2011 خرجت جماهير العشرات من المدن والقرى في مسيرات تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية واسقاط الدستور والحكومة، لكن تعامل السلطات كان مختلفا فيما بين المدن الكبرى كمحور الرباط والدار البيضاء عنه في المناطق والمدن البعيدة كطنجة وتطوان والحسيمة وكلميم ومراكش وفاس ووجدة وصفرو وآسفي، فبينما حرصت السلطات في المدن الكبرى على المراقبة والتتبع ووضع التقارير، قامت بممارسة قمع وحشي واعتقالات ومحاكمات وسقوط ضحايا خاصة خمسة شباب في الحسيمة وشاب في صفرو.

في اليوم الموالي تدخلت قوى القمع بقوة لقمع حركة 20 فبراير حين خروجها في عدد من المدن منها الرباط العاصمة، في يوم الاربعاء 23 فبراير 2011 تشكل المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير بانخراط المزيد من الاحزاب والنقابات والهيئات الحقوقية والجمعوية، كما تم بعد ذلك استدعاء جمعية العدل والاحسان الاسلامية للانخراط في المجلس. كانت الخلفية التي تحكم المجلس ظاهريا هي دعم حركة شباب 20 فبراير قانونيا واعلاميا وصحيا وماليا، لكن عمليا فرض الوصاية على الحركة وتوجيهها نحو خدمة الاجندة السياسية الاصلاحية لتنظيمات المجلس. وقد حدثت خلافات حادة بين مكونات المجلس خصوصا بالنسبة لسقف المطالب السياسية، وهل هي الملكية البرلمانية أم اسقاط النظام. لكن رغم غلبة الجناح المدافع عن سقف الملكية البرلمانية الا ان هذا الموقف الذي يتبناه بقوة الحزب الاشتراكي الموحد وحلفائه لم يكن يحضى داخل حركة 20 فبراير بالموافقة نظرا لاستقلالية الحركة وتعدد ارضياتها.

ستتوالى المسيرات الشعبية كل يوم أحد وستنظم كل اربعة اسابيع مسيرات وطنية بلغت 110 مدينة وقرية تنادي جماهيرها بالكامل باسقاط الفساد والدستور الاستبدادي وبالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وظل القمع والاعتقالات والمحاكمات الصورية مواكبا لهذه المسيرات الاحتجاجية خاصة في المدن والقرى البعيدة. وفي محاولته الالتفاف على هذه الاحتجاجات والمطالب السياسية لجأ النظام الى المناورة والوعد باصلاحات سياسية عميقة من خلال تشكيل الملك للجنة برئاسة الحقوقي عبد اللطيف المنوني لوضع مشروع دستور جديد يتم تقديمه للاستفتات. وبالفعل تمخض الجبل فولد فأرا حينما قدمت لجنة المنوني جنينها الدستوري المعوق الذي يكرس الملكية المطلقة بوضع جميع السلطات في يده وابقاء جميع المؤسسات تحت وصايته. رفضت حركة 20 فبراير هذا الدستور بجناحيها المدافع عن الملكية البرلمانية وجناحها الثوري. وبدأت الدعوة لمقاطعة الاستفتاء على هذا الدستور في فاتح يوليوز 2011. كما قام النظام بتجنيد احزابه ونقاباته وبلطجيته بمحاصرة المقاطعين والاعتداء عليهم واستعمال المال لدفع الناس للتصويت بنعم للدستور.

عدد المغاربة في الداخل والخارج الذين لهم الحق في التصويت يصل الى 26 مليون نسمة من مجموع 32 مليون عدد سكان المغرب، لم يتسجل في اللوائح الانتخابية سوى 14 مليون نسمة، ذهب منهم حوالي 9 مليون نسمة الى الصناديق للادلاء باصواتهم حول الاستفتاء، أخبرتنا وزارة الداخلية أن حوالي 98 في المأئة من جملة تسعة ملايين صوتت بنعم للدستور. لكن عدد المصوتين مقارنة بجميع المقاطعين المسجلين وغير المسجلين لا يتجاوز 35 في المائة. ومعلوم ان المعطيات التي تدلي بها وزارة الداخلية عادة حول الانتخابات بجميع اشكالها عادة ما تكون مفبركة وللمغاربة ذاكرة قوية في هذا المجال.

للمزيد من الالتفاف على الحراك الجماهيري وحركة 20 فبراير وتخذير الجماهير الشعبية بوهم الاصلاح وارادة التغيير، اعلن النظام عن تنظيم انتخابات تشريعية يوم 25 نونبر 2011 ، واخرطت الاحزاب بمختلف مشاربها الاصلاحية للعب لعبة النظام وجني المكتسبات السياسية من مشاركتها. لجأ النظام الكومبرادوري القائم كعادته حينما تتعمق الأزمة الثورية بالاعتماد على التخذير الايديولوجي وعلى القمع السياسي. وقد شكلت انتخابات 25 نونبر فرصة جديدة للنظام لتعميق التخذير الايديولوجي لايقاف السكتة القلبية كما سبق للحسن الثاني ان اعلن سنة 1996 قبل الدخول في ما يسمى بالتناوب التوافقي وتسليم مقاليد الحكومة الشكلية لعبد الرحمان اليوسفي الذي واجه فشلا ذريعا في ابسط وعوده المتعلقة بالحقوق والحريات لتخليق الحياة العامة. نفس اللعبة تم فبركتها مع حزب العدالة والتنمية الاسلاموي من اجل انقاذ النظام من سكتته القلبية وتخذير الجماهير والهائهم ريتما يتخلص النظام من الظرفية الثورية التي اشعلها محمد البوعزيزي في 17 دجنبر 2011.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإدمان على الانترنت كالإدمان على المخدرات القوية!
- عودة نظرية المصدر الإلهي للسلطة
- الثورات العربية والمغاربية بين اليسار التحريفي واليسار الثور ...
- أزمة النظام الرأسمالي والحروب الامبريالية الجديدة
- البروليتارية العالمية تشكل طبقة من المهاجرين
- النظام الاقتصادي الرأسمالي على حافة الانهيار
- سنتتبع الانتخابات ونؤكد المسافة التي لا زالت تفصلنا عن الديم ...
- المغرب يعاني أزمة مالية آخذة في التعمق
- دور جمعية - المعطلين- في عودة الفعل النضالي للجماهير الشعبية
- دور البرجوازية الصغرى في الحراك الجماهيري المغاربي والعربي
- بركان الانتفاضات المغاربية والعربية
- كيف تتحرك الأشياء؟
- تعمق الأزمة الثورية عالميا ومواجهة البروليتارية لعملية تفريغ ...
- الأزمة الاقتصادية والثورة البروليتارية
- الانظمة الرجعية تشن الحرب على شعوبها الآن !!!
- الشعب يريد اسقاط النظام
- مسار الحراك الاجتماعي المغاربي والعربي
- احتجاجات حركة 20 فبراير وارتسامات المشاركين
- تعمق الصراع الطبقي وضرورات مواجهة الكادحين للثورة البرجوازية ...
- استراتيجيات خداع الجماهير


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: عائلات العسكريين الأوكرانيين القتلى تفشل من ...
- مدفيديف يتحدث عن العلاقات بين روسيا ولاوس
- وسائل إعلام: بولندا تفتح قضية تجسس ضد القاضي شميدت الهارب إل ...
- البرلماني الجزائري كمال بن خلوف: بوتين أعاد لروسيا هيبتها ال ...
- مصر تحذر من -تصعيد خطير- إثر استمرار سيطرة إسرائيل على معبر ...
- النازحون بالقضارف السودانية.. لا غذاء ولا دواء والمساعدات قل ...
- الأسد وانتخابات -البعث-.. -رسائل للعرب-
- الشرطة تفكك مخيم اعتصام موالٍ للفلسطينيين بجامعة جورج واشنطن ...
- بيان إماراتي بعد سيطرة القوات الإسرائيلية على معبر رفح
- -طلائع التحرير- المجهولة تتبنى قتل إسرائيلي في مصر.. ومصادر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - لماذا سقط نظام بنعلي ولم يسقط النظام في المغرب؟