أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - صبحي حديدي - الفولاذ أم الذاكرة؟














المزيد.....

الفولاذ أم الذاكرة؟


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1082 - 2005 / 1 / 18 - 11:00
المحور: حقوق الانسان
    


"قيصر الفولاذ" هو اللقب الذكيّ الموفّق الذي يستحقه رجل الأعمال الهندي ـ البريطاني لاكشمي ميتال، الذي يسيطر اليوم على الشركات الأضخم والأوسع والأغنى في ميدان استخراج وتصنيع الفولاذ، بلا منازع عملياً. وهو، كما تقول صحيفة "هندوستان تايمز"، شيّد إمبراطوريته اعتماداً على حاسّة خاصّة تجعله يتنبّه مبكّراً إلى شركات الفولاذ التي تعاني من ضائقة ما، فيسارع إلى شرائها وإنقاذها وتحويل خسائرها إلى أرباح مضمونة. في العام الماضي بلغت طاقة شركاته الإنتاجية 70 مليون طن، ومداخيله 30 مليار دولار أمريكي.
غير أنّ أحدث صفقاته لن تمرّ دون عواصف، لأنها هذه المرّة لا تشتري عروق الفولاذ التي تحت الأرض فحسب، بل تشتري أيضاً ــ ولكن قد تدمّر بالضرورة ــ ذاكرة جمعية دامية تنطوي على جرائم حرب معروفة وأخرى ما تزال طيّ الكتمان. مؤخراً اشترى لاكشمي ميتال مجمّع مناجم أومارسكا للفولاذ، الواقعة في البوسنة والتي لم تمتدّ إليه يدٌ منذ 12 عاماً بسبب الحرب الأهلية. لكنّ هذا المكان كان موقع معسكر اعتقال شهير أقامه البوسنيون الصرب أواسط العام 1992، وكدّسوا فيه المئات من الأسرى المسلمين وبعض الأسرى الكروات، وشهد سلسلة من جرائم الحرب الصريحة، بينها القتل والاغتصاب والتعذيب، كما أكدّت محكمة جرائم الحرب الخاصّة بيوغوسلافيا السابقة.
"أنت تتملّك مكاناً ينطوي على إرث"، تقول إحدى الفقرات في رسالة كتبها إلى قيصر الفولاذ عدد من الناجين من المعسكر الجهنميّ ذاك، وطالبوا فيها بالحفاظ على الموقع: "نأمل أن تنظر بعين العطف إلى مطلبنا لكي لا يُنسى الماضي". وهذا يضع الرجل في موقع لا يُحسد عليه، بين المال والأعمال من جهة، والتاريخ والذاكرة من جهة أخرى، ولهذا فقد أعلن ناطق باسمه أنّ ميتال "على استعداد للإصغاء بانتباه إلى كلّ مطلب". غير أنّ مصادر أخرى قريبة من القضية أبلغت صحيفة الـ "غارديان" البريطانية أنّ الشركة في موقف صعب للغاية، لأنّ المجمّع يقع في منطقة مأهولة بأغلبية صربية، وليس من مصلحة الشركة استعداء السكان عليها.
وسيرة الـ "غارديان" تقودني إلى الصحافي الشجاع والمتميّز إد فليامي الذي وضع هذه الصفقة في إطارها الأعرض الذي يخصّ ذاكرة معسكر اعتقال أومارسكا، وكان هو أيضاً بين أبرز وأوائل الذين سلّطوا الأضواء على المعسكر من داخله، وذلك في تقرير شهير نشرته الـ "غارديان" بتاريخ 7/8/1992، بعنوان "عار معسكر أومارسكا". آنذاك كتب فليامي إنّ هذا المكان (الذي لا يبعد إلا قليلاً عن مرابع فينيسا الإيطالية!) "واحــــد من أكثر معسكرات الاعتقال جهنمية في زماننا. إنه المكان الذي يصبح فيه القتل والقسوة وشعائر الإذلال شكلاً من أشكال التسلية الشائهة. الحرّاس سكارى أغلب الأوقات، يغنّون وهم يعذّبون. يضربون الأسرى ويشوّهونهم ويذبحونهم".
ويتابع فليامي: "ثمة تلك الشهوة العارمة لإجبار السجينات على ممارسة الجنس الشفوي، وإجبار السجناء على ممارسة الجنس مع الحيوانات، وتشويه الأعضاء الجنسية (...) أحد السجناء أُجبر على عضّ خصيتَي سجين آخر كان قد مات عندما حُشرت حمامة في فمه لكتم صرخاته. وفي نهاية حفلات العنف الجماعية هذه ــ والتي كانت تجري في ساحة ضيّقة أو في مبنيَين ملحقَين بالمعسكر، يُدعى الأوّل البيت الأبيض والثاني البيت الأحمر ــ يُجبر أصدقاء الموتى على تحميل جثث أصدقائهم، التي انقلبت إلى جِيَف في الواقع، في شاحنات أو تكديسهم باستخدام البلدوزر"...
في ما بعد، سوف تستمع محكمة لاهاي إلى شهادات من النوع التالي: يقترب جندي صربي من امرأة مسلمة ويسألها لماذا يبكي طفلها؟ وتردّ المرأة: إنه جائع يا سيدي. وبضربة واحدة بارعة من حربته الحادّة يذبح الصربي الطفل ذبح الخراف ويقول: انتهت المشكلة. إنه الآن غير جائع. جندي آخر يستشيط غيظاً لأنّ الأم تعرّضت لإغماء فوري وتهاوت أرضاً، فيهدد بإجبارها على أكل أمعاء الطفل إذا لم تنهـــض واقفة خلال دقيـــــقة واحدة. بعـــــد قلـــــيل يصل الجنرال راتكو ملاديش إلى مدينة سريبرنيتشا المحررة لتوّها من أيدي المسلمين، ويلـــقي خطاباً في جنوده وفي آلاف المسلمين الذين سيُقادون إلى المذبحة الجماعية أو التهجير القسري. يستعيد ذكرى عصيان صربي ضدّ الأتراك العثمانيين وقع قبل قرن كامل، ويقول: "هاقــــد عادت سريبرنيشــــيا صربيـة، واليوم اكتمل ثأرنا ضدّ الله Allah "...
وفي حدود ما أعلم كان إد فليامي نفسه هو صاحب أوّل تقرير عن فظائع التطهير العرقي الصريحة التي ارتكبها الصرب في البوسنة. ولست أنسى البتة تلك الليلة في 20 آب (أغسطس) 1992، حين شاءت الصدفة أن أستمع إلى تقريره الأول ذاك عبر اذاعة الـ BBC البريطانية، قبل أن أقرأه في اليــــــوم التالي على الصفحة الأولى من الـ "غارديان". ليس غريباً، إذاً، أن يفخر به زملاؤه في الصحيفة، وأن تنهال عليه جوائز التقــــدير من كل حدب وصوب. ليــــس غريباً، أيضاً، أن تتملكّنا الحسرة الشديدة لأننا نفــــتقد أمثاله في إعلامنا العربي.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمود عباس الرئيس: أيّ فارق... أفضل؟
- أبو عنتر الشعلان
- تسونامي، أو حين يتسربل جورج بوش بأردية الأم تيريزا
- إنهم يسرقون التاريخ
- لبنانيون حماة الديار السورية
- سورية في 2005: هل سيكون الآتي أدهى من الذي تأخّر؟
- مكاييل الحرّية
- تركيا في ناظر دمشق: بؤرة الكوابيس أم النافذة على العالم؟
- خزعة من قامة ممدوح عدوان
- العلمانية والشجرة
- أشبه بمزامير تُتلى في واد غير ذي زرع
- ترجمة محمود درويش إلى... العربية
- في مناسبة زيارة محمود عباس إلى دمشق:ظلال الماضي تلقي بأثقاله ...
- فلسطين الشوكة
- دمشق وبالون -وديعة رابين-: ألعاب في أردأ السياقات
- قبل المحرقة
- لا ينقلب فيها حجر دون أن يطلق معضلة تاريخية: القدس بعد عرفات ...
- الشاعر السوري حازم العظمة: قصيدة ناضجة في معترك تجريب بلا ضف ...
- دائرة الطباشير الأمريكية
- حين تولد الفاشية العسكرية الأمريكية في الفلوجة: مَن يكترث بو ...


المزيد.....




- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - صبحي حديدي - الفولاذ أم الذاكرة؟