أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صبحي حديدي - قبل المحرقة














المزيد.....

قبل المحرقة


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1033 - 2004 / 11 / 30 - 12:28
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


كنت، الأسبوع الماضي، في هولندا للمشاركة في ندوة عن "حوار الشرق والغرب"، الموضوع الذي لا يلوح البتة أنه سوف يستنفد قديمه أو جديده أو مختلف جوانبه وتفاصيله وتطوّراته. وكما بات مألوفاً تماماً، ولعله أضحى حاجة ماسّة دائمة أيضاً، انقلب الأمر إلى نقاش حول الأصولية... الإسلامية، بالطبع، ودون سواها. مدير الندوة بدا مندهشاً حين سألني كيف أعرّف التيّار الأصولي، فسألته: أيّهم؟ ولو كنّا نتحدث بالعربية، لأجبته باقتباس من أبي فراس الحمداني: أيّهم، فهم كثر؟
والحال أنني تفهّمت تماماً حرص الهولنديين، أو بالأحرى توجّسهم، من هذا "الفرع" الأصولي بالذات. وفي لاهاي وأمستردام ولايدن، ورغم استمرار الحياة الهولندية على جري عاداتها في مظاهر التعدّد الثقافي والتسامح الديني والتنوّع الكوزموبوليتي، كانت الظلال الأثقل هي تلك التي تلقيها الأحداث العنصرية التي شهدتها البلاد في أعقاب اغتيال المخرج السينمائي ثيو فان غوغ. تلك كانت جريمة نكراء بكلّ المقاييس، والطعنات التي استهدفت جسد القتيل كانت في الآن ذاته تصيب جاليات المهاجرين المسلمين كافّة، وتلحق بجهود الاندماج التربوي والثقافي ضرراً ليس من اليسير مواجهة عواقبه الوخيمة.
والمرء قد يختلف، في العمق والجوهر أيضاً، مع آراء ثيو فان غوغ حول الإسلام والمسلمين والنبيّ والشريعة، خصوصاً حين تنقلب تلك الآراء إلى تنميطات سطحية أقرب إلى الشتائم المقذعة منها إلى المواقف الفكرية. ولا حاجة إلى التشديد على أنّ هذا الاختلاف شيء، والردّ على الرجل بوسائل عنيفة شيء آخر نقيض وغير ذي صلة، فكيف بمساجلته عن طريق الرصاصة والخنجر. ولقد قرأت رأياً ثاقباً للصحافي والإذاعي الهولندي المعروف هنك سبان، في الـ "غارديان" البريطانية وبعد أيّام معدودات على اغتيال ثيو فان غوغ، يشير فيه إلى أنّ أفلام القتيل وبرامجه على التلفزة كانت "لا تُشاهد إلا نادراً، ومقالاته لا تظهر إلا على الإنترنت أو الصحافة المجّانية". ومع ذلك فقد تابع مراسم إحراق جثمانه، التي نُقلت على الهواء مباشرة، أكثر من نصف العدد الكلّي لمشاهدي التلفزة، وهذا بدوره أمر مفهوم تماماً.
كان هوس ثيو فان غوغ بالتعبير الحرّ وحرّية التعبير هو الوجه الأقصى من تعطّش الشارع الهولندي ذاته، وإنْ على نحو أكثر اعتدالاً وأهدأ أسلوباً وأشدّ احتراماً للآخر الثقافي، فكيف بالآخر العقائدي والديني. ومن الإنصاف البحث عن جذور ذلك الهوس في منطقة أخرى غير تلك التي تخصّ الطبيعة الاستفزازية والإنتهاكية لشخصية القتيل، كأنّ نذهب إلى ما قاله أبوه في خطبة متلفزة، عن ثيو آخر هو عمّ القتيل، اغتاله الألمان بسبب انخراطه في مقاومة الاحتلال النازي قبل نصف قرن!
كاتب غربي ثانٍ علّق على الجريمة، ولكن من موقع يهودي هذه المرّة. وفي الـ "غارديان"، وبعد أن شاهد شريط ثيو فان غوغ "إذعان"، أقرّ دافيد آرونوفيتش أنّ التلفزة البريطانية ما كانت ستتجاسر على عرض الشريط ذاته كما فعلت التلفزة الهولندية. ولقد عقد مقارنة ذات مغزى في الواقع، إذْ اقترح أن نفترض ظهور شريط يصوّر اعترافات طفلة يهودية من طائفة اللوبافيتش (نسبة إلى المفردة الروسية التي تعني "مدينة الحبّ الأخوي")، حول الزنا بالأطفال، وكتابة مقاطع من التوراة على جسد طفلة، في مدرسة داخلية يهودية، وغير بعيد عن الشمعدان السباعي. ثمّ لنفترض، يتابع آرونوفيتش، أنّ صانع الشريط لم يكن يهودياً بل عضواً في حزب المحافظين البريطاني، تجرّأ على وصف اليهودي بـ "قاتل المسيح"، قياساً على وصف ثيو فان غوغ للمسلم بـ "ناكح المعزاة"... ما الذي كان سيحدث في بريطانيا؟
ما يقلق يهودياً مثل آرونوفيتش هو أنّ قاتل ثيو المسلم تحوّل فجأة إلى اختزال تامّ ومطلق لكلّ المسلمين، تماماً كما حدث ذات يوم مع اليهود. هؤلاء اتقلبوا في الوعي الشعبي الغربي إلى مجموعة دينية منغلقة متعصّبة تسخّر مواهب وأموال ونفوذ أبنائها للسيطرة على العالم، والآخرون المسلمون ينقلبون اليوم إلى مجموعة دينية متخلفة متعصّبة تسيء معاملة المرأة وتضطهد المنشقّين، يتابع آرونوفيتش قبل أن يختم بما يشبه النبوءة الرهيبة: "هذا تنميط شبيه بذاك الذي يخصّ اليهود، وإذا تابعنا تكرار سرده هكذا فإننا سوف نصل إلى مكان مماثل".
المحرقة الثانية، غنيّ عن القول! وفي الوسع أن يفهم المرء، ويتفهم، حرص آرونوفيتش على دفع الأمر إلى حدوده القصوى، التي إذا كانت تنطوي على مبالغة من نوع ما، فإنها في المحصلة الختامية لا تناقض القياس المنطقي البسيط الذي يحكم مبدأ السببية. لكن أمستردام، على سبيل المثال، كانت تنبض بالحياة والحيوية والتعدّد في المهرجان السينمائي العالمي الذي تحتضنه هذه الأيام، ويضمّ حفنة أفلام عربية وإسلامية و"عالمثالثية". ومن جهة أخري، ورغم الحملة الشعواء التي تشنّها أوساط صهيونية ضدّ "هذا الشاعر المعادي للسامية" و"صاحب القصيدة التي تحثّ على إلقاء اليهود في البحر"، فإنّ محمود درويش سوف يتسلّم بعد غد جائزة الأمير كلاوس الهولندية الرفيعة!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا ينقلب فيها حجر دون أن يطلق معضلة تاريخية: القدس بعد عرفات ...
- الشاعر السوري حازم العظمة: قصيدة ناضجة في معترك تجريب بلا ضف ...
- دائرة الطباشير الأمريكية
- حين تولد الفاشية العسكرية الأمريكية في الفلوجة: مَن يكترث بو ...
- قائد قال -لا- حين كانت الـ -نعم- هي المنجاة:عرفات: ترجّل -ال ...
- ما لا يُفهم
- الديمقراطية الأمريكية: مأزق قوّة كونية تتكلّم كالأساقفة
- ميشيما 9/11
- كولومبيا والإرهاب الآخر الذي تصنّعه الولايات المتحدة
- رامبو الأفضل
- المؤسسة الصهيونية: فحشاء القوّة في الطور البربري
- رحيل الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (1930 ـ 2004): مَن بعده سيتو ...
- جدران محاكم التفتيش
- في أيّ سوق نصرف وعيد إياد علاوي ودموع برهم صالح؟
- دريدا والزرقاوي
- التعديل الوزاري في سورية: مَن سيرمي رامي مخلوف بباقة زهور؟
- أشواق المستهام
- توني بلير الأحدث: صوت سيّده أكثر فأكثر
- ما الذي يمنع سيّد العالم من اعتلاء العالم
- طبيب -طاسة الرعبة-


المزيد.....




- هدده بأنه سيفعل بأخته ما فعل به لإسكاته.. رجل يتهم قسيسًا با ...
- مصر تفتتح أكبر مراكز بيانات -مؤمنة- في تاريخها تحتوي على كل ...
- يوتيوبر أمريكي ينجو من الموت بأعجوبة (فيديو)
- السعودية.. جدار غباري يجتاح وادي الدواسر وزوبعة ضخمة تظهر ش ...
- بوريل: لسنا مستعدين للموت من أجل دونباس
- السيسي للمصريين: علموا أولادكم البرمجة بدلا من كليات الآداب ...
- محمد صلاح.. يلمح إلى -خطورة- الأسباب وراء المشاجرة الحادة بي ...
- الزي الوطني السعودي.. الحكومة توجه موظفي الحكومة بارتدائه اع ...
- الشرطة الليبية.. ردود فعل واسعة بعد تدافع رجال أمن خلف شاحنة ...
- حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا يستقيل قبل تصويت مقر ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صبحي حديدي - قبل المحرقة