أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - طبيب -طاسة الرعبة-














المزيد.....

طبيب -طاسة الرعبة-


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 963 - 2004 / 9 / 21 - 09:25
المحور: القضية الفلسطينية
    


طبيب "طاسة الرعبة"

في العدد 58 (ربيع 2004) من "مجلة الدراسات الفلسطينية" ثمة بحث متميّز للأنثروبولوجي وعالِم الإجتماع الفلسطيني اللامع سليم تماري، عنوانه "البرص والمجاذيب والأولياء الصالحون: إثنوغرافيا الأصول الجذورية لدي توفيق كنعان وحلقته المقدسية". والبحث يتناول عملية الفصل التي جرت أثناء حرب 1948 بين "المجذوبين" من العرب واليهود، ممّن كانوا نزلاء مستشفي البرص في حيّ الطالبية في القدس، وكيف شكّلت عملية الفصل تلك مثالاً جديداً على الحضيض الذي بلغته سياسات الفصل العنصري وتشويه صورة الآخر الفلسطيني.
لكنّ البحث اللامع شدّ انتباهي لأسباب أخرى تتصل باسم الطبيب والأديب والباحث والمؤرخ والأنثروبولوجي الفلسطيني توفيق بشارة كنعان (1882 ـ 1964)، الذي كانت أعماله ـ وستظل إلى أمد بعيد ـ ردّاً عملياً وعلمياً بليغاً على الحجّة الصهيونية العتيقة التي قدّمت فلسطين في صورة الأرض الخراب المهجورة، وجرّدت الفلسطينيين من أي تجسيد إنساني، ووضعتهم بين مزدوجات، أو أنكرت وجودهم في الأساس.
والمدهش أنّ هذا الرجل لم يعبأ كثيراً بالبرهنة على أنّ الشعب الفسطيني موجود على أرض اسمها فلسطين، فهذه مهمّة تكفّل بها التاريخ دائماً، بل برهن على أنّ لهذا الشعب تاريخه الطبيعي والسياسي والإقتصادي والإجتماعي والسيكولوجي والأدبي والأسطوري والأنثروبولوجي. وإذا كان الفلسطيني ينتمي بقوّة إلى عمقه العربي والإسلامي (والتحليل هنا يصدر عن رجل مسيحي أرثوذكسي)، فلأنه لا يزعم أيّ نقاء عرقي، بل ويفاخر بأنه جماع معقد ناجح لثقافات بابلية وعمورية وآرامية وكنعانية وفينيقية وفرعونية وعبرانية وهيللينية وإسلامية.
وفي كتابه الهام "قضية عرب فلسطين"، الذي صدر أولاً بالإنكليزية وترجمه إلى العربية النهضوي العلماني المعروف سلامة موسي وصدر عام 1936، وصف كنعان أهمية الفتح العربي الإسلامي لفلسطين في القرن السابع، وكيفّ تعرّب الفلسطينيون سريعاً وعلى نحو بنيوي شامل، فولدت هويتهم العربية الإسلامية وترسخت أكثر فأكثر مع الغزوات الخارجية اللاحقة (الصليبية والعثمانية والغربية)، دون أن تخسر هذه الهوية عناصرها التكوينية الأولى (الكنعانية والآرامية والهيللينية، وسواها).
ولد كنعان في بيت جالا، البلدة الفلسطينية التي تتّسم بتعددية مسيحية ـ إسلامية مميّزة، ودرس في دار المعلمين بالقدس، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، وتخرج منها طبيباً عام 1905. هذا الطور الأول في مراقبة المحيط الفلسطيني والعربي المجاور أعقبه طور العمل الطبي الميداني الواسع بعد تخرّجه وحتى عام 1947، حيث عمل في مستشفيات فلسطين، وترأس دائرة الملاريا التابعة لمكتب الصحة العام، وترأس دائرة المختبرات الطبية العثمانية، التي يمتدّ نشاطها من بئر السبع في فلسطين إلى مدينة حلب شمال سورية. وتابع أثناء ذلك تعميق معرفته الطبية، فدرس علم الجراثيم والأمراض الإستوائية وأمراض الدرن على يد أطباء ألمان، وأتقن ستّ لغات (منها الألمانية والإنكليزية والفرنسية والتركية، بالإضافة إلى العربية) فأتاح له ذلك أن يوسّع معارفه النظرية من جهة، وأن يكتب مقالاته في صحف بريطانية وألمانية وفرنسية.
وفي هذا الطور سوف تتكامل ملامح توفيق كنعان الأنثروبولوجي، وبالمعنى الدقيق لفروع هذا العلم الذي لم يكن قد دخل إللا العالم العربي لأسباب تاريخية وثقافية (ذات صلة بالقراءة الدينية لأصل الإنسان والتكوين) واجتماعية (على رأسها أن العلم بدا عنصرياً وغربي التمركز في حديثه عن الأقوام البدائية كلما اتصل الأمر بشعوب آسيا وأفريقيا). ففي فرع الأنثروبولوجيا الجسمية الفيزيقية ألّف كنعان كتباً في الطبّ المحض (مثل "حبّة حلب"، و"التهاب السحايا الدماغية والشوكية في القدس"، و"عدوي الجذام")، وفي علم اجتماع الطبّ أيضاً (مثل كتابه المدهش "الطبّ الشعبي في أرض الكتاب المقدس"، ومقالتيه "علم النبات في الخرافات الفلسطينية" و"طاسات الرعبة العربية") التي تدرس تاريخ العلاقة الوثيقة بين العلاج المادي عن طريق التداوي بالأعشاب، وبين العلاج النفسي عن طريق توظيف رموز وأساطير الخرافة الشعبية، واستخدام التكنيك الشعبي المعروف باسم "طاسة الرعبة".
ورغم أن هذين الكتابين يدخلان أيضاً في فرع الأنثروبولوجيا الثقافية، فقد كتب كنعان عشرات المقالات التي تناقش ظواهر أنثروبولوجية ثقافية مباشرة: النور والظلام في التراث الشعبي الفلسطيني، والطفل في الخرافات العربية الفلسطينية، والماء و"ماء الحياة" في الخرافات الفلسطينية، و"اللعنة" في التراث الشعبي الفلسطيني، وحلّ رموز الطلاسم العربية، و"الينابيع المسكونة" و"الشياطين المائية" في فلسطين.
وفي عام 1990 مُنح توفيق كنعان جائزة القدس، ولعلّْ وزارة الثقافة الفلسطينية تنظر هذه السنة، الذكرى الأربعين لرحيله، في إضافة وسام جديد على صدر عبقرية فلسطينية فذّة وفريدة.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واشنطن ودمشق: الضجيج الذي قد ينذر بالعاصفة
- العمل الفني الأعظم
- -الخطر الأخضر- الذي عوّض الغرب عن -الخطر الأحمر-
- طرزانات أمريكا
- من دمشق إلى بيروت: تمديد الرئاسة أم تقزيم الوجود السوري؟
- طبقات الشعراء
- بيريس وحزب العمل : زالت المصطلحات وبقيت الانتهازية العتيقة
- حكمة الوقواق
- بعد نصف قرن على المصطلح: ما الذي يتبقى من كتلة عدم الإنحياز؟
- نوستالجيا الأبيض والأسود
- فرنسيس فوكوياما وتفكك اليمين الأمريكي المعاصر
- إقليم دارفور بين -لعبة الأمم- و-بورنوغرافيا الكوارث-
- محمد القيسي أم الإسمنت؟
- اليهودي العربي
- فرنسا وتهمة العداء للسامية: من الابتزاز إلى المصيدة
- رأساً على عقب
- البرادعي في إسرائيل: تفتيش -وجودي- من ارتفاع عين الطير
- الواق واق الجديدة
- أيهما أكثر أولوية: نهب العراق أم محاكمة صدّام؟
- الشعر والطواحين


المزيد.....




- كوليبا يتعرض للانتقاد لعدم وجود الخطة -ب-
- وزير الخارجية الإسرائيلي: مستعدون لتأجيل اجتياح رفح في حال ت ...
- ترتيب الدول العربية التي حصلت على أعلى عدد من تأشيرات الهجرة ...
- العاصمة البريطانية لندن تشهد مظاهرات داعمة لقطاع غزة
- وسائل إعلام عبرية: قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعش ...
- تواصل احتجاج الطلاب بالجامعات الأمريكية
- أسطول الحرية يلغي الإبحار نحو غزة مؤقتا
- الحوثيون يسقطون مسيرة أمريكية فوق صعدة
- بين ذعر بعض الركاب وتجاهل آخرين...راكب يتنقل في مترو أنفاق ن ...
- حزب الله: وجهنا ضربة صاروخية بعشرات صواريخ الكاتيوشا لمستوطن ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - طبيب -طاسة الرعبة-