أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الرجعيون والتقدميون في الاسلام















المزيد.....


الرجعيون والتقدميون في الاسلام


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3641 - 2012 / 2 / 17 - 16:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



نقصد بالرجعيين في الإسلام القوى المحافظة التي ترفض التغيير لأنه يمس بمصالحها المادية ، ونقصد بالتقدميين القوى التي تعمل جاهدة على التغيير بما يناسب التركيبة الاجتماعية في المجتمع ، وبما يحفظ التوازن والعدل بين سائر أفراد الشعب . وإذا كانت كلمة رجعي وتقدمي من إنتاج الفكر الغربي للتمييز بين ( الرسميين ) وبين ( الشعبيين ) ، فان استعمال هذا التعبير في أحيان كثيرة كان المراد منه التمييز بين الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والقومية العربية التي كانت تدعي تمسكها بالجماهير وبين الأحزاب اليمينية التي كانت توصف في الغالب من الأحيان بأنها ضد الجماهير رغم ان هذه الأخيرة كانت تصوت لها في الانتخابات التشريعية والرئاسية ، بل في أحيان كثيرة كان اليمين يتفوق على اليسار في مجال التحكم في الساحة الشعبية بما يجعل خطابات اليسار حول الالتصاق بالجماهير مجرد سيمفونية ملها الناس لأنها لم تكن تعكس المراد وواقع الحال ، وقد أكد هذه الحقيقة ارتماء أكثرية عناصر اليسار ضمن أحزاب ( اليمين ) ، ومجموعات أخرى لم تكتف بالالتحاق بالأحزاب ( اليمينية ) بل ارتمت وبلا مقدمات كموظفين ضمن أجهزة الدولة التي كانوا بالأمس يطالبون بالقضاء عليها . إن هذا يبين ان دعوات الالتصاق بالجماهير لم تكن غير وسيلة من وسائل الاستفادة من الريع البرلماني والريع الحكومي كما هو حاصل اليوم . وقد نافست أحزاب اليسار في الدعوة الى الالتصاق بالجماهير الأحزاب ( الإسلامية ) التي احتلت جميع قلاع اليسار التقليدية مثل النقابات الطلابية والعمالية ونقابة الموظفين ، بل ان الأحزاب الإسلامية في البلاد العربية مثل الأحزاب المسيحية في الغرب استطاعت النفاد الى الوجدان الشعبي باستعمالها خطابا تضليليا يزاوج بين المطالب المادية وبين الشعارات اللاهوتية ، الأمر الذي جعل أحزاب الإسلام السياسي تتفوق على الأحزاب مجتمعة بفضل الخطاب الذي يميز بين المسلمين المنتمين لهذه الأحزاب وبين غير المسلمين من علمانيين وماركسيين واشتراكيين وقوميين وليبراليين ينتسبون الى الأحزاب التي قد توصف بالكفر ، وهذا كان ولا يزال يعطي فكرة مقدمة للمواطن العادي في ان أحزاب الإسلام السياسي تمثل الخير وغيرها من الأحزاب الأخرى تمثل الشر إنما بدرجات متفاوتة ، وحيث ان الشر في الانتولوجية العربية يعني الشيطان فان جميع الأحزاب غير الإسلامية تمثل وقود الشيطان الذي يجب القضاء عليه حتى يسود فقط الخير غير الموجود في البلاد العربية والإسلامية . إذن ان اصل الصراع في حقيقته هو بين الشر وبين الخير وهي دعوة مبطنة للتكفير وان كان هذا يتم بدرجات متفاوتة ، أي أخذا بعين الاعتبار المحيط و الدولة التي يتم فيها هذا الصراع .
ولو رجعنا الى القران الكريم لوجدنا ان ما جاء به في شان تاريخ دعوات الرسل والأنبياء لمحاربة الشر يسقط او يلقي جانبا التفاصيل الجزئية والشخصية ويركز فقط على الاتجاه العام او الفكرة . ان دعوات الرسل في مواجهة الشر لم تكن بالبسيطة او السهلة كما هو الحاصل اليوم ، فلقد قوبلوا جميعا بالسخرية والاستهزاء والإنكار ، ومن هنا وقفت بعض القوى موقف العداء من دعوات الرسل وما كانت تستهدفه من عدالة وحرية . وكان على الرسل ان يواصلوا الدعوة والكفاح في مواجهة القوى المضادة التي لخصها القران الكريم فيما يلي :
أولا – الطغاة والجبابرة والدكتاتوريين والمستبدين كما يبدو في الإشارة الى فرعون وقارون وهامان الخ
ثانيا – الطبقة البرجوازية الكبيرة المتعفنة من الأغنياء المترفين كما يبدو في الآية الكريمة " وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون . وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين . قل ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون . "
ثالثا – الرجعيون الظلاميون البطريركيون ، وقد ذكرهم القران الكريم بمعنى الذين يتمسكون بنظم الآباء والأجداد " وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على أثارهم مقتدون "
رابعا – الأتباع و المستضعفون الذين من مصالحهم تأييد الدعوة ولكنهم يقفون ضدها الى جانب السادة والكبار وعلية القوم الذين يعملون في خدمتهم ويلتمسون العزة عندهم . وما أروع تصوير القران الكريم لموقف هؤلاء المستضعفين عندما يواجهون الله سبحانه وتعالى ، هم وأسيادهم في يوم الحساب فيتنصلون من خنوعهم وجرائمهم " وقالوا ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا " فلا يقبل لهم عذر في قبول الضيم ومعاونة الظالمين في طغيانهم ، بل يقال لهم يوم الحساب " الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها "
خامسا – اللاهون والعابثون والمفسدون الذين يتبعون أهواءهم والذين " يشترون لهو الحديث " و " يجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " وهذا ما ينطبق بلغة العصر على من يتخذون من الحوار والصراعات الفكرية هواية فقط لقتل الوقت وممارسة التعتيم والضبابية و دون الاستعداد للإسهام بعمل جدي في العملية السياسية .
أما عن الفئات التي تمثل الخير وأيدت وساندت الرسل فهي كذلك كما جاء في القران الكريم:
أولا -- غالبية الشعب المقهور المستضعف المستذل و المستغل ، وهؤلاء هم الذين سماهم أعداء الرسل بالرعاع والعبيد وحتالة القوم . إنهم وقود كل حركة ثورية تستهدف التغيير الجذري بما يكفل إعادة التوازن للمجتمع ودمقرطة العلاقات الاجتماعية فيه بما يؤسس للمساواة ودولة الحق والقانون لا دولة الامتيازات والعائلات والنخب التي تتوارث المناصب والخيرات أبا عن جد .
ثانيا – نخبة من المواطنين الأحرار أنصار التقدم ، وهم اقرب الى الطلائع الثورية بلغة العصر الحديث ، مثل الحواريين في قصة السيد المسيح ، والصحابة في قصة نضال النبي محمد عليه الصلاة والسلام
ان هذا التحليل العلمي للوضع الطبقي للفئات التي أيدت دعوات الرسل والفئات التي وقفت منها موقف العداء ، إنما يبرز ظاهرة الصراع الطبقي كظاهرة إنسانية تتولد عن تناقضات المصالح ، لكنها لا تفتعل كقانون يفترض العنف والدموية في جميع الحالات كما تدعو الى ذلك الجماعات المتطرفة من شيوعية وماركسية واسلاموية من اخوانية وسلفية
لقد كانت تلك الدعوات وما يصاحبها ويتخللها من صراع تنتهي بنتيجة حتمية هي ، إما ان تنتصر الدعوة ، وإما ان تعجز عن الصمود فيصب الله جام غضبه على القوم الظالمين بكوارث طبيعية من عواصف واعاصير وزلازل وفيضانات وأمراض من طاعون وأوبئة تستعصي عن الشفاء .. لخ فالله سبحانه وتعالى وقد ترك حرية الاختيار للإنسان لم يشأ ان يجعل الناس امة واحدة ليجازي الناس بما يعملون . ويسمى القران الكريم هذه النتيجة الحتمية بالسنة ، اي القانون الحتمي فيقول سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا " ، ويؤكد ذلك في أكثر من آية مرددا " ولن تجد لسنة الله تحويلا " .
يتضح ان اصل الصراع بين الرجعيين وبين التقدميين في الإسلام يتأصل على أساس المساواة بين المسلمين انطلاقا لما يحتويه القران والسنة من أحكام في هذا المجال . وبالرجوع إليهما نجد ان الإسلام جاء بنظرية للاشتراكية قبل ان تتصدى الماركسية لصياغة مثل هذه النظرية في الاقتصاد الحديث . وتتلخص نظرية الإسلام في ضمان نصيب لائق وكريم من الحياة لكل فرد ، اي بلغة الاقتصاد ضمان حد كاف مناسب من المعيشة على ساس تكافؤ الفرص وليس على أساس الامتيازات والعائلات والأقارب والأصدقاء والأحباب ، والاشتراك في التمتع بخيرات الطبيعة وثمار العلم والمدنية ، ويتاح لكل فرد ان يكسب فوق هذا الحد بقدر اجتهاده في عمله ، وبدون استغلال لعمل الآخرين ونهب وسرقة المال العام بدون حسيب ولا رقيب مما يستوجب الأمر ان نطرح في كل وقت وحين السؤال : من اين لك بهذا ؟ الأمر الذي يؤدي الى قيام درجات اقتصادية بالضرورة . ان هذه الدرجات لا تترك مفتوحة بدون حد أعلى يعمل كصمام امن يحول دون تطورها الى طبقات اجتماعية متميزة ، ولهذا يفرض الإسلام حدا أعلى للدخل ليحول دون تجمع الأموال لدى بعض الأفراد الى الحد الذي يهدد بقيام نظام الطبقة . ان الهدف الأسمى الذي يصبو إليه الإسلام هو إقامة مجتمع لا طبقي العمل فيه هو الأساس ومقياس القيمة الاجتماعية للمواطن
في هذا المجتمع الذي ينظمه الإسلام يصنف الفرد فيه إلى درجات اقتصادية على أساس العمل وذلك في مدى حدين ادني وأعلى للمعيشة . وكلما حققنا زيادة في الإنتاج والدخل القومي نتيجة لتنفيذ المشروعات العامة في التنمية كلما ضيقنا هذا المدى ، أي أن كل زيادة او كفاية في الإنتاج تؤدي إلى المزيد من عدالة التوزيع ، وهو ما يؤسس بالفعل لمجتمع الكفاية والعدل . والحد الأعلى للدخل هو وحده الكفيل بتحقيق هذا الهدف ، لأنه هو السبيل العملي لاقتران زيادة الإنتاج بعدالة التوزيع . واذا كان الإسلام لم يعين هذا الحد فذلك لأنه حد نسبي يختلف من مكان إلى آخر ومن عصر لآخر ، ومن ثم يجب تركه لتقدير الحاكم على النحو الذي يتفق مع ظروف المجتمع وتطورات العصر . ان هذا التقدير ليس بالمطلق او الشخصي ، بل تحكمه أبعاد وضوابط أربعة حددها القران الكريم فيما يلي :
أولا – ألا تترك الأموال تتجمع في يد بعض الأفراد الأغنياء الى الحد الذي يتخذونها فيه أداة للتسلط والطغيان والجبروت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي و البغي في الأرض كي لا تتأسس دولة من عدد قليل من الأغنياء على حساب أغلبية الشعب ، وهو ما يعني دكتاتورية أقلية متعفنة ووسخة تسيطر على الاقتصاد والشأن العام ظلما ومسلطة جام جبروتها على الأكثرية المستلبة والمهضومة والمغبونة . ان مثل هذه الأوضاع يستحيل استمرارها لأنها منافية لقانون الكون والطبيعة ، أي أن حتمية زوالها مرتبط بالوقت الذي قد يقترب وقد يبتعد تبعا لتطور درجة الصراع وقوته وجدية القوى المشاركة فيه
ثانيا – ألا تترك الأموال تتجمع لدى هذه الأقلية الغنية إلى الحد الذي يدفع بهم إلى الانغماس في الفساد والتبذير والترف والمغالاة في مظاهر التمييز ، الأمر الذي سرعان ما يؤدي الى تحلل المجتمع وانتشار الفساد بإشكاله المختلفة ، ولا يلبث ان ينتهي مثل هذا الوضع بالانهيار التام كما هو الدرس المستفاد من سقوط الإمبراطورية الرومانية وانهيار دولة العرب في الأندلس وسقوط نظام شاه إيران ، والآن تسقط أنظمة مثل أوراق الخريف ( تونس ، ليبيا ، مصر ، اليمن ومستقبلا سورية ، السودان ومملكة البحرين المهددة بالنموذج الإيراني والحبل على الجرار اذا لم تفتح العيون للخطر المهدد للوجود ) . وقد نوه القران الكريم الى هذا الدرس بقوله " وإذا أردنا أن نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا "
ثالثا – اذا تجمعت الأموال لدى بعض الأفراد وافترضنا جدلا أنهم ليسوا بالمترفين والمتميزين ، و لا توجد لديهم نزعات للسيطرة والتسلط ، فان تجميع الأموال لمجرد التجميع ، أي الاكتناز من اجل الاكتناز وليس من اجل الاستثمار لتحريك عجلة الاقتصاد لامتصاص البطالة التي أضحت آفة بنيوية ، لهو أمر يتنافى مع مصلحة الجماعة ، لأنه يحبس المال عن مجرى النشاط الاقتصادي ، وهذه هي فكرة تحريم الإسلام للاكتناز " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم "
رابعا – ألا يكون تجميع الأموال عند بعض الأشخاص والأفراد عن طريق الانتقاص من حقوق الآخرين . فلا يجوز بخس العمال والفلاحين والأجراء والمستخدمين والموظفين أجورهم ، او بخس المستهلكين بفرض أسعار احتكارية باهظة عليهم ، وهذا مبدأ قرآني واضح كما جاء في الآية الكريمة " ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعبثوا في الأرض مفسدين "
ان هذه الأبعاد الأربعة للضوابط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي اصل الصراع بين الرجعيين الذين يريدون الاستئثار بخيرات الوطن لوحدهم رغم انه حرام عليهم من مصدره وطرق تحصيله او من عملية توظيفه ، وهي الضوابط التي يدافع عليها من يريد للوطن خيرا حتى يجنبه المشاريع الانتحارية التي ستقلب الوضع راس على عقب . ان هذه الضوابط الموجودة في القران الكريم وفي السنة النبوية هي وحدها تعمل كصمام امن ضد ظهور الصراعات الطبقية ، اي التمييز بين الفئات الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع . ان الأفراد في مثل هذا المجتمع اللاطبقي يكونون كما جاء في الحديث الشريف " سواسية كأسنان المشط " على الرغم من انتظامهم في درجات اقتصادية متفاوتة
يتبين من هكذا تحليل ان الفئات التي تكون الرجعيين في الإسلام هي الأقلية الظالمة التي تستأثر بكل شيء وترفض التغيير اذا كان من شانه ان يمس بمكتسباتها التي راكمتها بطرق شتى غير مشروعة وغير عادلة بما فيها استغلال الدين في قضاء أغراض شخصية لا علاقة لها بما يرمز له الدين من قيم إنسانية وتضامنية ، في حين يتكون التقدميون من المعارضة التي كانت أكثر التزاما بتعاليم الإسلام واشد حرصا على تطبيقها ، فمثلا الخوارج والمعتزلة والمرجئة النيرة وليس الانتهازية الوصولية منذ النصف الثاني من القرن الثاني الهجري اتفقوا جميعا على أحقية اي مسلم للخلافة بغض النظر عن أصله وعصبيته ، فكان فكرهم السياسي مستوحى من ديمقراطية الإسلام ، كما تبنت حركاتهم جميعا بما فيها الشيعة قضية العدالة غير الموجودة في البلاد العربية ، واستهدفت النضال من اجل إقرارها ، فضلا عن غلبة الروح العقلانية على آراءهم الاعتقادية وبالذات عند الشيعة والمعتزلة بشكل يسترعي الانتباه . ان التركيبة الاجتماعية للمجتمع الإسلامي كانت هرمية ، أي أقلية متحكمة متسلطة في القمة وفي القاعدة التحتية أكثرية مستلبة مهضومة وتائهة . أما في بلاد الإسلام الآن حيث يجب ان نميز ونفرق بين الإسلام كدين ، وبين المسلمين خاصة العرب منهم مثلما نميز ونفرق بين المسيحية والمسيحيين ، فان الفئة الرجعية أضحت تمثل الأكثرية العددية ، والفئة التقدمية تمثل الأقلية . تتكون الفئة الرجعية من الأغلبية من الشعب العربي المبلد والمضبع الذي منح صوته للأحزاب والحركات الرجعية من ( إخوان ) مسلمين و( سلفيين ) الرافضين للديمقراطية منهجا ومذهبا ( صرح احد شيوخ السلفية بالمغرب الأستاذ الفيزازي ان حقوق الإنسان والديمقراطية مرفوضة اذا كانت تتعارض مع القران ) والذين يستغلون الهامش الديمقراطي المسموح به للانقلاب على الديمقراطية حين تسمح الظروف بذلك مؤسسين لأنظمة غاية في الفاشية . والسؤال : الم تتزاوج فاشية الإخوان المسلمين والسلفية في مصر مع دكتاتورية المجلس العسكري ذراع نظام مبارك المعزول وهو النظام الذي لا يزال يقتل ويعذب ويختطف ويطبق الأحكام العرفية حتى يستمر أطول مدة في الحكم ؟ الم تسرق حركة الإخوان والسلفيين في ليلي بهيمي انجازات ( الثوار ) الذين لم يكملوا ثورتهم ووقفوا بها منتصف الطريق ، فكانت النتيجة الإجهاض لحركة لم تستغل الظرف كما ينبغي لتطبيق برنامج الثورة الذي هو دك قلاع نظام مبارك وليس اختزال المشكل في شخص مبارك والبعض من أزلامه ؟ الم تصرح السلفية في مصر باستعدادها للتحاور مع إسرائيل ؟ الم يصرح الإخوان بتمسكهم باتفاقية كامب ديفد رغم إذلالها للسيادة المصرية ؟ الم يفشل الإخوان المسلمون والسلفيون الرجعيون دعوة الإضراب العام مع تنظيم اعتصام مفتوح لطرد المجلس العسكري ذراع حسني مبارك ؟
وفي ليبيا ألا تسيطر الحركات الاسلاموية والجهادية على الشارع الليبي بما يؤسس لنظام أكثر قبحا من نظام القدافي ؟ ومثل قيام طالبان في أفغانستان بتدمير تماثيل بودة ، الم تقم كتيبة اسلاموية في بنغازي بتدمير تمثال للرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر ؟
وماذا يحصل بتونس حيث تسيطر حركة النهضة على الحكومة خاصة الوزارات الإستراتيجية منها ، الم يدعو الغنوشي حاكم قطر لحضور مراسيم افتتاح البرلمان ؟ وألم ترفع السلفية المصرية في ساحة التحرير أعلام المملكة الوهابية ؟
من يسيطر على حركة الاحتجاجات في سورية واليمن . أليس الإخوان المسلمين والحركات السلفية والجهادية ؟
لذا فان الفئة الرجعية في الزمن الحالي وهي الأكثرية تتكون من أغلبية الشعب العربي المضبع الذي يمنح صوته لحركات رجعية لا تؤمن بالديمقراطية وتستعملها فقط كغطاء للوصول الى نظم رجعية بعيدة كل البعد عن أصول أنظمة الديمقراطية . ونظرا لاختلاط الأوضاع وتداخل المفاهيم نعتبر رجعيا كل من ينادي الى بناء نظام سياسي على مقاص طالبان في أفغانستان ، او نظام وهابي على شاكلة المملكة الوهابية . كما يعتبر رجعيا كل من يحاول بناء نظام جمهوري على مقاص نظام ولاية الفقيه في إيران . ويعتبر رجعيا كذلك كل من يحاول ويحلم ببناء نظام سياسي على شاكلة الجمهوريات العربية الماركسانية والقومجية التي تكنسها الجماهير هذه الأيام . ويعتبر رجعيا كذلك كل من يحلم بإقامة نظام على شاكلة الجمهوريات التي حكمت أوربة الشرقية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي السابق ، او أنظمة سياسية على مقاص نظام بولبوت في الكمبودج او نظام كوريا الشمالية او الصين الماوية .
أما التقدميون فهم من يؤمنون بالديمقراطية تحت اي غطاء كانت جمهورية او ملكية . والمؤسف له ان الفئة التي تكون الرجعيين الآن تمثل الأكثرية بعدما كانت في الأمس تمثل الأقلية ، وما يهمها فقط التفكير في وقت الانقضاض على الحكم للسيطرة على الخيرات والاقتصاد وليس لخدمة الديمقراطية . أما الفئة التي تكون التقدميين فقد أضحت أقلية بعدما كانت بالأمس أكثرية
وان ما يؤسف له من هكذا وضع ، أن التاريخ في عالمنا العربي يعيد نفسه لكن هذه المرة بشكل مأساوي كاريكاتوري .انه الصراع بين العقل واللاعقل ، بين التطور وبين الجمود ، بين حتمية التاريخ او سنة الكون وبين المتنطعين عديمي التحليل والفهم . وبالرجوع الى التاريخ سنجد ان وقود الإسلام كانت تمثله الطبقات المستضعفة من العبيد والموالي في مواجهة الارستقراطية التجارية التي رأت في الإسلام مثل هذه الأيام تهديدا لمصالحها ، وانتصار الإسلام كان ضربة للنظام الطبقي القائم على ساس الثراء والنسب ، فأصبحت التقوى معيارا للمفاضلة بين المسلم والمسلم . و قد تمتع المجتمع الإسلامي بالعدالة الاجتماعية في عصر الرسول والشيخين ، لكن في خلافة عثمان عادت الارستقراطية التجارية الى الظهور من جديد مع كبار الصحابة كطلحة والزبير وعبد الرحمان بن عوف منتهزة ضعف عثمان وكبر سنه . وتبنى على بن ابي طالب قضية الطبقات المستضعفة وكان ما كان من صراع بين الرجعيين والتقدميين انتهى بغلبة اليمين الرجعي الارستقراطية السفيانية ، وهو ما يؤكد ان الصراع على الخلافة وباسمها كان صراعا طبقيا بالدرجة الأولى ولم يكن خلافا اجتهاديا حول قضية ظنية . هكذا ساد الصراع بين التقدميين أصحاب العقل والتنوير الذين استنفدوا طاقاتهم في هدم القوالب الفكرية الرجعية ، وبين التيار السلفي الرجعي الذي مثله الاشاعرة والحنابلة ثم بلغ مداه على يد الغزالي . هكذا ضاع صوت ابن رشد صوت العقل ، واختفى في ضجيج التيار السلفي الرجعي الذي استفحل على يد المتصوفة كابن عربي وابن سبعين ، فتحول التصوف الى دروشة ظلت حجر الزاوية في الفكر الإسلامي الى مشارف العصر الحديث . هنا تكمن أسباب النكسة الحقيقة التي ألمت بالعالم العربي والإسلامي كما تلم به الآن ، وهنا أيضا تكمن أسباب النهضة الأوربية التي أمسكت بالخيط الذي تركه ابن رشد . ان الرجعيين من دعاة الفكر الرجعي أمثال الغزالي والاشعري والشهرستاني وابن حزم وابن تيمية وابن كثير والطبري ومنه كثر يمثلون التيار السلفي الرجعي القروسطوي مذهبيا ، والطبقة العليا وما فوق المتوسطة والمتوسطة اجتماعيا . فالأشعري مثلا سليل أبي موسى الأشعري احد ولاة العراق في صدر الإسلام انشق على المعتزلة رواد النظر العقلي التنويري ، واصل للتيار السلفي الرجعي الظلامي مذهبيا والرجعي سياسيا ، إذ عمل في خدمة بني العباس . والغزالي عمق هذا التيار وازداد ثراء لصلته بالوزير السجلوقي نظام الملك . ومعروف ان ابن حزم وابن تيمية والشهرستاني وهم سنة اعتبروا المذهب السني يمثل الفرقة الناجية وكافة الفرق هالكة في النار . أما عن الطبري وابن كثير فقد كتبا تواريخهما في العصر العباسي الذي لقي فيه آل البيت العلوي من القمع والاضطهاد أكثر مما عانوه في العصر الأموي
وإذا كان البعض من الباحثين يرون ان المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده كان مجتمعا بلا طبقات على عكس تركيب المجتمعات الأخرى ، فان الواقع يكذب ذلك ، حيث شهد المجتمع الجاهلي البدوي صراعا طبقيا حول الماء والكلأ ، وهي ظاهرة سجلتها كتب الأدب فيما عرف ب " أيام العرب ". وإذا كان الصراع قد اتخذ طابعا قبليا في مظهره ، فذلك راجع إلى ان القبيلة العربية كانت عصب النظام السياسي ، وفي ضوء ذلك يمكن تفسير ظاهرة الأحلاف القبيلة ، حيث كانت القبائل الصغرى تأتلف مع بعضها البعض لمواجهة تسلط القبائل الأكثر قوة وبطشا
أما المجتمع الحضري بنظامه السياسي الأكثر تفتحا ، فقد تجلت فيه ظاهرة الصراع الطبقي والفئات الاجتماعية بشكل حاد ، وحسبنا ان مدينة مثل مكة تصدر هرمها الاجتماعي والسياسي الارستقراطية التجارية ، وفي أسفله كانت بروليتارية العبيد من الفرس والروم والأحباش وغيرهم ، وشتان بين وضعية رجل مثل أبي سفيان وآخر كبلال ( مؤذن الرسول )
وإذا كان الرجعيون والتقدميون في صدر الإسلام وبعده يجمعون على ان العدو الأساسي يتمثل في التهديد المسيحي اليهودي ، فان رجعيي اليوم يجمعون على ان العدو الأساسي هم التقدميون المستنيرون رواد الفكر التنويري أمثال الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وابن رشد .. وهو ما يفسر عداوة الغرب للتقدميين ومحاباته ومساندته للرجعيين من حركات اخوانية وتنظيمات سلفية . وهذا يذكرنا بحقائق يتجاهلها او يجهلها العديد من المحللين أهمها الالتقاء العضوي في المصالح بين الاسلامويين وبين الغرب المسيحي اليهودي . الم يتحالف الإخوان مع الأمريكان في مواجهة جمال عبد الناصر في ستينات القرن الماضي ؟ الم تقف واشنطن والمملكة الوهابية وراء خلق منظمات ( الجهاد ) في أفغانستان في ثمانينات القران الماضي ؟ كذلك الم تكن إسرائيل وراء خلق حركة حماس الفلسطينية لمواجهة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها منظمتا الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ؟
والسؤال هل الأكثرية العربية المبلدة والرجعية التي تصوت وتعطي صوتها لهذه للحركات الرجعية من اخوانية وسلفية التي تخطط لمشاريع غاية في الفاشية ولا علاقة لها بالأصول الديمقراطية ، أضحت طبقة مازوشية يعجبها التلذذ بالقمع والتنكيل ، وايا كان مصدره ، اي سواء كان مصدره أنظمة عسكرية دكتاتورية او أنظمة اسلاموية فاشية ؟ .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرامطة وافلاطون
- بلشفيك الاسلام . هل هم قادمون ؟
- الديمقراطية بين دعاة الجمهورية ودعاة الخلافة
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 8 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 7 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 6 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 5 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 4 )
- منتصف الطريق فالإجهاض
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 3 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 2 )
- التوجه السياسي للمهدي بن بركة ( 1 )
- مقاطعة الانتخابات في المغرب ( الخطر قد يقترب )
- ردا على مزاعم بعض المشارقة بخصوص الاستفتاء بالصحراء
- ملف حول قيام الدولة الفلسطينية والقضية الكردية وحقوق الأقليا ...
- استثناء الاستثناء المغربي
- مقاطعة الاستفتاء على الدستور
- هل تم تعبيد الطريق الى فلسطين ؟
- نقد مقولة الصراع الطبقي بالمغرب
- تيارات سياسية مؤتمرات أوطمية


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الرجعيون والتقدميون في الاسلام