أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه)















المزيد.....



السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه)


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3629 - 2012 / 2 / 5 - 20:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



يظن كثير من الناس أن أول من قام بنقد التراث الديني الإسلامي هم: (المستشرقون، أو العلمانيون، أو المفكرون الحداثيون، أو بعض الكتاب المنتسبين للفكر الديني من دعاة (الحداثة والتنوير) كالشيخ (محمد عبده) شيخ الأزهر السابق، والشيخ (علي عبد الرازق)، و(رفاعة الطهطاوي)، و(طه حسين)، و(السنهوري)، و(خليل عبد الكريم)، و(فرج فودة)، و(نصر حامد أبو زيد)، و(محمد سعيد العشماوي)، و(محمد أركون)، و(محمد عابد الجابري)، و(محمد إقبال)، والإيرانيان: (علي شريعتي)، و(عبد الكريم سروش)، وغيرهم كثير من الكتاب الذين قاموا بمحاولات لنقد التراث الديني الإسلامي في كل الدول العربية والإسلامية.

فلقد ظن كثير من الناس أن هؤلاء وغيرهم من الكتاب والمفكرين هم أول من قام بنقد التراث الديني وتنقيته وإصلاحه، ونسي البعض أو تناسى أو غفل أو تغافل سواء عن قصد أو دون قصد، أن نقد التراث الديني الإسلامي هو عمل قديم قدم الدين الإسلامي نفسه، حيث تجارب جمع ونقد وغربلة وتنقيح التراث وخاصة التراث (الحديثي) أو (المرويات) المنسوبة إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام قد بدأت منذ عهد الخليفة (عمر بن عبد العزيز) أحد التابعين الذين عاصروا الصحابة، وهو أول جامع ومنقح ومصلح للتراث الحديثي، وكان ذلك حين تولى الخلافة في عام (99) من الهجرة أي بعد وفاة الرسول بنحو ما يقرب من تسعين عاما، وذلك حين أرسل الخليفة (عمر بن عبد العزيز) إلى (أبي بكر بن حزم) عامله وقاضيه على المدينة قائلاً له: (انظر ‏ما كان من حديث رسول الله فاكتبه، فإني خفت دروس العلم ‏وذهاب العلماء) وأمره أن يكتب ما عند (عمرة بنت عبد الرحمن)، و(القاسم بن محمد). ‏ورغب إلى (محمد بن مسلم الزهري) أن يكتب بقية حديث أهل المدينة. ‏بل قد أرسل إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذا، فقد أخرج (أبو ‏نعيم) في (تاريخ أصبهان) أن (عمر بن عبد العزيز) كتب إلى أهل الآفاق (انظروا إلى حديث ‏رسول الله فاجمعوه)‏ ثم بعد ذلك شاع التدوين وظهرت الكتب والمصنفات والمسانيد.

وهذا يؤكد لنا أن تجربة (عمر بن عبد العزيز) وأمره لجميع فقهاء الأمة بالقيام بجمع (التراث الحديثي) وتدوينه، لم يكن ليكون أمرا ممكنا قابلا للتحقق الفعلي إلا إذا كان لدى (الفقهاء والمعلمين والخطباء والدعاة والقضاة) في جميع الأمصار في حينه (مرويات وتراثا حديثيا) موجودا بالفعل ومحفوظا عند جميع الفقهاء والقضاة وذوي الشأن، وإلا لو لم يكن لدى (عمر) وفقهاء عصره المنتشرون في كافة الأمصار والبلدان علما ويقينا بأن ثمة شيء من هذا موجودا ومحفوظا بالفعل لكان أمره في هذا الشأن وموافقة كل فقهاء عصره وامتثالهم لأمره ضربا من العبث أو أمرا لهم بجمع الوهم.

وكذلك يتأكد للباحث أن (المرويات الحديثية) المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام كانت موجودة ومحفوظة بالفعل، بل وكانت متداولة بلا انقطاع بين عموم المسلمين في كافة الأمصار، منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وحتى عصر (عمر بن عبد العزيز)، وكان منها المخطوط في الصحف والرقاع، وكان منها المحفوظ في الأذهان، وكانت عوامل وأسباب وآليات دوام هذا الحفظ والاهتمام بالموروث الحديثي هي: (التداول اليومي على ألسنة الناس، والمذاكرة، والدرس، والتعليم، والتعلم في حلقات العلم والفقه بالمساجد)، والتي كانت تقام يوميا عقب الصلوات الخمس، وكذلك في خطب الجمعة التي تقام أسبوعيا في كل المساجد في جميع الأمصار، وكذلك كانت موجودة في تشريعات وأحكام القضاة، حيث كان القضاة يقضون بين الناس بما لديهم من (قرآن كريم) و(أحاديث ومرويات)، وذلك منذ عهد الرسول وعهود الخلفاء من بعده، ولكنها كانت متناثرة عند حفاظها من: (القضاة، والفقهاء، والأئمة، والخطباء، والدعاة، والمعلمين، وحفظة القرآن الكريم).

بل كان الدور الأهم في حفظ (المرويات الحديثية) في كل ما سبق هو دور (القضاء القضاة)، فالقضاة كانوا موجودين منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في كل الأمصار والقرى والمدن التي يقطنها مسلمون، ونورد هنا نص الرواية التي أوردها ابن حزم في كتابه: (الإحكام في أصول الأحكام) من طرق عن شعبة عن أبي العون عن الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ بن جبل عن معاذ بن جبل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال له: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء? قال: أقضي بما في كتاب الله. قال :‎فإن لم يكن في كتاب الله? قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله? قال: أجتهد رأيي لا آلو).

فالقضاء كان ممتدا ومنتشرا منذ عهد رسول الله وكذلك منذ عهد الخلفاء من بعده (أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي) في كل مكان تواجد فيه المسلمون، وكانت مهمة (القضاة) الأولى والأساس هي الفصل بين الناس في منازعاتهم وخصوماتهم سواء في أحوالهم الشخصية أو معاملاتهم المادية، وإلا فتُرى ماذا كانت القوانين والأحكام والتشريعات التي كانوا يستندون إليها في قضائهم وحكمهم بين الناس سوى (القرآن الكريم) و(المرويات الحديثية) المنسوبة إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟، فمنذ الخليفة الأول (أبو بكر الصديق) وحتى نهاية عهد (عمر بن عبد العزيز) لم تكن المذاهب الفقهية الأربعة: (الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي) قد وجدت، وربما لم يكن بعض منشئيها قد ولدوا بعد، وعليه فلا يمكن تصور أن جميع القضاة الذين انتشروا في شتى ربوع الخلافة الإسلامية على اتساعها وانتشارها لم تكن لديهم مادة قانونية تشريعية يستندون إليها في أحكامهم وقضائهم بين الناس.

ولنا هنا وقفة متأملة مع آلية (التداول اليومي) للمرويات الحديثية على ألسنة الناس في المساجد والدروس والخطب والأسواق والبيوت والمواقف الحياتية اليومية المختلفة التي تستدعي ترديد هذه المرويات، وحفظها عن ظهر قلب، فهذه الآلية التي قلما يلتفت أحد إلى أهميتها ودورها، كانت هي الآلية الوحيدة لحفظ التراث (الكلامي) لجميع شعوب الأرض من: (أمثال شعبية، وحكم، ومواعظ، ومأثورات، وقصص، وأحجيات، وأشعار)، فهذه الآلية الهامة هي التي حملت وحفظت الآلاف والآلاف من التراث (الكلامي) على اختلاف تنويعاته لكل شعوب الأرض، ويحضرني هنا أن أضرب مثلا لهذا بالتراث المصري من الأمثال الشعبية الموروثة منذ عشرات السنيين والمتداولة على ألسنة الناس بصفة يومية دون انقطاع أو نسيان، وكذلك دون تدوين أو كتابة أو خط في صحف أو على أوراق لهذه الأمثال، والحافظ الوحيد لآلاف الأمثال الشعبية المصرية هو ذاكرة الشعب المصري وكثرة التداول والترديد اليومي لهذه الأمثال، مما يجعل من الصعب ومن العسير نسيانها أو زوالها مع العلم أنها ليست مدونة في كتب وليست مخطوطة في صحف، بل ومن العجيب في هذه الآلية (العبقرية) أن النص الحرفي للمثل الشعبي لا يمكن أن يتبدل أو يتغير حرف واحد منه.

وأذكر على سبيل المثال المثل الشعبي المصري المتداول والمحفوظ في أذهان المصريين منذ عشرات السنين دون تحريف أو زيادة أو نقصان لحرف واحد منه، يقول المثل: (جبتك يا عبد المعين تعيني لقيتك يا عبد المعين عايز تنعان)، فهذا المثل محفوظ ومحفور في ذاكرة عشرات الملايين من المصريين الذين ورثوه من آبائهم عن أجدادهم لعشرات السنيين دون تحريف أو تغيير في حرف واحد منه، والأعجب من كل ما سبق أن لدى المصريين آلاف وآلاف الأمثلة الشعبية التي يحفظها عن ظهر قلب: (الكبير والصغير، العالم والجاهل، الأمي والقارئ، المرأة والرجل، الريفي والحضري، الصعيدي والبحراوي)، وفي كل شبر من أرض مصر يقطنه المصريون، والأدهى من كل ما سبق أن تلك الأمثال ليست مدونة في كتب وليست مخطوطة في صحف، ولا تدرس في المدارس، وليس هناك أي إلزام للناس بحفظها أو المحافظة عليها لكنها تبقى ببقاء الشعوب، وليست هذه الآلية خاصة بالمصريين فحسب بل هي آلية عامة موجودة لدى كل شعوب الأرض. والسؤال الآن: إذا كانت هذه الآلية (العبقرية) قد قامت بحفظ التراث الكلامي لجميع الشعوب من (أمثال، وحكم، وقصص، ومأثورات) وفي الوقت نفسه لا تعرف الشعوب من قائلها ولا من أين مصدرها، فكيف بالتراث (الكلامي الديني) الذي تعرف الشعوب من قائله ومن مصدره؟؟.

وعليه فالأحاديث والمرويات المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام لم تكن مجموعة أو مدونة أو مصنفة أو مسندة في كتب ومصنفات ومدونات ومسانيد كما كانت عليه فيما بعد، حتى بدأ كما قلنا عصر التدوين والجمع والتصنيف والإسناد في كتب ومراجع ومسانيد منذ عصر (عمر بن عبد العزيز) بأمر ملزم منه لسائر الأمة، كونه (ولي أمر) المسلمين جميعا في ذلك الوقت، ومن هنا يتأكد للباحث كذلك أنه ليس صحيحا وليس صوابا ما يردده بعض النابذين والمناوئين للأحاديث المنسوبة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام من أنه لم يتم جمع وتدوين (الأحاديث) إلا بعد (150) عاما من الهجرة على أيدي جامعي الأحاديث المشهورين كـ (البخاري، ومسلم، وأحمد بن حنبل، والترمذي) وغيرهم كما سنبين هذا بعد قليل.

أود أن أنبه القارئ أنني في الفقرات السابقة من هذا الفصل لا أناقش صدقية ولا صوابية (متن) أو (نصوص) المرويات الحديثية ولا مناقشة ما تحمله تلك النصوص من مدلولات وموضوعات، وإنما فقط أناقش آليات الحفظ فحسب، أما مناقشة (متن) ونصوص المرويات وما تحمله من مدلولات وموضوعات سنتناوله في الفصول القادمة.

* وعقب هذه التجربة الأولى من الخليفة (عمر بن عبد العزيز) ظهر عصر أئمة المذاهب الأربعة (أبو حنيفة النعمان) المولود في عام (80هـ) والمتوفي عام (150هـ)، والإمام (مالك بن أنس) المولود في عام (93هـ) والمتوفي عام (179هـ)، والإمام (الشافعي) المولود في عام (150هـ) والمتوفي عام (204هـ)، والإمام (أحمد بن حنبل) المولود في عام (164هـ) والمتوفي عام (241هـ)، وكان لكل إمام من هؤلاء الأئمة كتابا يحوي ما اعتمد عليه هذا الفقيه أو ذاك من مرويات عن النبي عليه الصلاة والسلام يعتمدها كأدلة وحجج يستند إليها في فتاواه واجتهاداته، فكان لأبي حنيفة: (مسند أبي حنيفة)، وكان لمالك: (موطأ مالك) وكان للشافعي: (مسند الشافعي)، وكان لابن حنبل: (مسند ابن حنبل)، ومما قد لا يعرفه كثير من الناس أن المذاهب الفقهية ليست هي المذاهب الأربعة المعروفة سالفة الذكر فحسب كما يتوهم معظم الناس، إنما المذاهب الفقهية المعتمدة لدى عموم المسلمين هي تسعة مذاهب معتبرة، بل وأعدها المتخصصين بأنها كانت أكثر من تسعة، إلا أن المشهور والمعروف والمتبع منها لدى طائفة (أهل السنة) هي: (الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي) أما بقية المذاهب الفقيهة الخمسة الأخرى فهي: (الظاهرية والزيدية والإباضية والجعفرية والهادوية)، والأربعة الأخيرة منها هي مذاهب الشيعة، لأن (الظاهرية) هو مذهب سني ولكنه غير متبع حاليا، وهناك مذاهب سنية أخرى لكنها غير متبعة كذلك، مثل: (مذهب ابن جرير الطبري، ومذهب الأوزاعي، ومذهب سفيان الثوري، ومذهب الليث بن سعد).

كل هذه المذاهب _(السنية) منها و(الشيعية)_ كانت كذلك بمثابة تجارب إصلاحية ظهرت في بدايات القرن الثاني الهجري لعملية النقد التراثي للتراث (الحديثي) المنسوب للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وكل منها قام بجمع وكتابة وتدوين ما تحصل عليه من مرويات منسوبة للرسول وقام بفحصها وتدوين ما صح لديه منها وفق معايير القبول التي وضعها لذلك، بل كل مذهب قام بنقد مرويات المذهب الآخر وتمحيصها وقبول ما صح لديه منها أو رد ما لا يتوافق لديه منها، بل إن كلا المذهبين الكبيرين (السنة) و(الشيعة) قام كل مذهب منهما بتوجيه نقد كامل لكل ما حواه المذهب المخالف فاتفقوا معا في أشياء واختلفوا كذلك في أشياء.

* ولم تقتصر تجارب نقد التراث الحديثي وغربلته وانتقاء بعضه وترك بعضه على أئمة هذه المذاهب فحسب، بل خرج فيما بعد متخصصون في انتقاء وتدوين المرويات الحديثية في كتب تم تسميتها بـ (الصحاح، السنن، المسانيد، المستدركات، الجوامع)، وكان من أشهر الشخصيات الذي صنفوا في المرويات الحديثية: (البخاري، مسلم، الترمذي، احمد بن حنبل، أبو داوود، ابن ماجة، ابن حبان، الحاكم، النسائي، الدارقطني، الدارمي، بن خزيمة، الطبراني، البيهقي، ابن أبي شيبة)، وغيرهم كثيرون وكثيرون ممن تخصصوا في تنقية وتدوين وانتقاء المرويات الحديثية وترك بعضها وفق معايير وضعها كل متخصص لقبول أو رفض الرواية الحديثية.

ونذكر من مصنفات هؤلاء وكيفية تصنيفها على النحو التالي:
# (صحيح البخاري)، ذكرت تراجم (البخاري) أن البخاري جمع في الجامع الصحيح نحو ستمائة ألف حديث اختار منها ما وثق برواته. وقد بلغت أحاديث البخاري بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات (7593)، وهو أول من وضع كتابًا على هذا النحو. وسبب تأليفه ذكره البخاري في قوله: (كنت عند إسحاق بن رَاهَوَيه فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لسنن النبي؟ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا وذكر أنه صنّفه في ست عشرة سنة. (راجع: تهذيب الكمال، للمزي. وسير الأعلام. وفتح الباري لابن حجر العسقلاني).
# أما (صحيح مسلم) فقد انتقى مسلم عدد أحاديثه بالمكرر نحو ‏(‏7275‏)‏ حديثا، وبحذف المكرر نحو ‏(‏4000‏)‏ حديثا‏ صحيحا من بين ألوف الأحاديث، فقد جاء عنه أنه قال كما في السير:(صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة) وقد مكث في تأليفه قرابة خمس عشرة سنة أو تزيد. (راجع سير الأعلام، ومقدمة شرح النووي على مسلم).

# أما أبو داوود: فلم يقتصر في كتابه على الحديث الصحيح بل شمل على الحديث الحسن والضعيف والمحتمل وما لم يجمع على تركه، وقد جمع فيه (4800) حديث أنتخبها من (500) ألف حديث، وقد وجه أبو داود همه في هذا الكتاب إلى جمع الأحاديث التي استدل بها الفقهاء، ودارت بينهم، وبنى عليها الأحكام علماء الأمصار، وتسمى هذه الأحاديث أحاديث الأحكام. والكتاب فيه الأحاديث المرفوعة إلى الرسول والأحاديث الموقوفة على الصحابة، والآثار المنسوبة إلى التابعين.
# أما (سنن الترمذي) فقد عني الترمذي بجمع أحاديث الأحكام كما فعل أبو داود، ولكنه بين الحديث الصحيح من الضعيف ، وذكر مذاهب الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار. وكتابه الجامع المشهور بـسنن الترمذي يعتبر من أهم مصادر الحديث الحسن، قال ابن الصلاح : كتاب أبي عيسى الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه. ويبلغ عدد أحاديث جامع الترمذي (3956) حديثاً.

# أما (مسند أحمد بن حنبل) فهو من أكبر المصنفات في الحديث النبوي ومن أشهر كتب الحديث وأوسعها، وفيه الكثير من الأحاديث الصحيحة التي لا توجد في الصحيحين، اشتُهِرَ الإمام أحمد أنه محدِّث أكثر من أن يشتهر أنه فقيه مع أنه كان إماماً في كليهما. وضع الإمام أحمد هذا الكتاب ليكون مرجعاً للمسلمين وإماماً وجعله مرتباً على أسماء الصحابة الذين يروون الأحاديث كما هي طريقة المسانيد، فجاء كتاباً حافلاً كبير الحجم، يبلغ عدد أحاديثه (أربعين ألفاً) تقريباً، تكرر منها عشرة آلاف حديث ومن أحاديثه ثلاثمائة حديث ثلاثية الإسناد (أي بين راويها وبين النبي ثلاثة رواة). وقد رتب كتابه على المسانيد فجعل مرويات كل صحابي في موضع واحد، وعدد الصحابة الذين لهم مسانيد في مسند الإمام أحمد (904) صحابي.
# أما سنن ابن ماجه من كتب الأحاديث. التي صنفها أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه، والتي تزيد عن (4000) حديث، وقد رتب الأحاديث على الكتب والأبواب، وسنن ابن ماجه منها: الصحيح، والحسن، والضعيف، بل والمنكر والموضوع على قلته. ومهما يكن من شيء، فالأحاديث الموضوعة قليلة بالنسبة إلى جملة أحاديث الكتاب كما ذكر رجال علم الحديث.

# أما مسند الدارمي فقد اشتمل على أحاديث كثيرة في مختلف الأبواب الفقهية وقد اعتمد فيه مصنفه طريقة الكتب والأبواب، مبتدئا بمقدمة كبيرة في بيان العلم وفضله ثم كتاب الطهارة ومختتما بكتاب فضائل القرآن، وقد اشتمل هذا الكتاب على(3455) نصًا مسندًا، رتبها المؤلف تحت عدد من الكتب، أدرج تحت كل كتاب عدد من الأبواب. والمؤلف يورد المرفوع والموقوف والمقطوع، والمتصل والمنقطع، والصحيح، والضعيف، والمتواتر، والباطل والموضوع، كل هذا يورده بسنده دون التعرض لنقد الأسانيد أو انتقاء الثابت مكتفيًا بأن من أسند لك فقد أحالك.
# أما صحيح ابن خزيمة فيعد من الكتب المقدَّمة في الصحة بعد صحيحي البخاري ومسلم، يليه في القوة صحيح ابن حبان، ثم مستدرك الحاكم. وقد قسم الكتاب على الكتب والأبواب الفقهية، وبلغ عدد الأحاديث 3079 حديثًا.
وفيه الصحيح والحسن والضعيف.
# أما الطبراني فله ثلاثة معاجم في الأحاديث (المعجم الصغير) احتوى هذا الكتاب على(1198) نصًا مسندًا، و(المعجم الأوسط)، وقد تمثلت مادة الكتاب في(9489) نصًا مسندًا، و(المعجم الكبير) وهو عبارة عن موسوعة حديثية؛ احتوت على مرويات عدد جم من الصحابة، وموسوعة تاريخية؛ احتوت على عدد جم من تراجم الصحابة، واحتوت على الكثير من الأحاديث، وعدد مرويات الكتاب المطبوع: 22021 .

# أما (سنن الدارقطني) كتاب يتضمن تحقيق واف في أحوال السند ورجاله، وفقه الحديث وصحة متنه، والكلام على كثير من الأحاديث مع بيان عللها، وهو كتاب يجمع أكبر قدر ممكن من طرق الحديث، ليزداد رصيدهم من هذا التراث. وعدد الأحاديث في هذا الكتاب بلغت نحو 4836.
# أما (صحيح ابن حبان)، فهو كتاب صنفه بن حبان في الأحاديث الصحيحة، قال (السيوطي) في تدريب الراوي : "صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع، ليس على الأبواب ولا على المسانيد، ولهذا سماه "التقاسيم والأنواع"، والكشف عن كتابه عسر جدا". لذلك قام (ابن بلبان الفارسي) بترتيب صحيح ابن حبان حسب الكتب والأبواب، فقدم نفعا عظيما لقارئ ابن حبان. وقد حقق هذا الكتاب، إضافة إلى فهارس في الأحاديث والآثار مفردة بمجلد خاص في آخر الكتاب وقد قيل: إنه من أصح من صنف في الصحيح بعد الشيخين ابن خزيمة فابن حبان، وقد أتت مادة هذا الكتاب في(7615) نصًا مسندًا.
# أما (سنن البيهقي) من أجمع الكتب التي تناولت نصوص الأحكام بكافة صورها المرفوعة وغير المرفوعة، وقد رتب المصنف كتابه على الأبواب الفقهية. وأورد تحت كل باب ما يناسبه من نصوص. وذكر النص بسنده ، فإن كان له عنده أكثر من سند ذكرها كلها في موضع واحد. وبلغ عدد أحاديث هذا الكتاب نحو (21812).

# أما (مصنف بن أبي شيبة) فقد عُد هذا الكتاب أصلًا من الأصول التي يرجع إليها ويعول عليها في معرفة الأحاديث والآثار؛ لسعة ما يحتوي عليه مع تقدم مؤلفه في الزمن،روقد رتب المؤلف هذا الكتاب على الكتب الفقهية التي اندرج تحت كل منها عدد من الأبواب، وتحت كل باب عدد من النصوص، وقد بلغت نصوص الكتاب في جملتها (37251) نصًا مسندًا، منها ما هو المرفوع ومنها ما هو الموقوف ومنها المقطوع، والمؤلف يحرص إلى حد كبير على حشد ما يجد من النصوص التي تطابق الترجمة الموضوعة للباب، بصرف النظر عن صحة هذه النصوص أو ضعفها، إلا إذا كانت ظاهرة الوضع. أما (مستدرك الحاكم) فقد جمع فيه مصنفه الأحاديث التي اعتقد أنها صحيحة وعلى شرط الشيخين (البخاري ومسلم) أو على شرط أحدهما، ولم يروها الشيخان (البخاري ومسلم) في صحيحيهما، ولكن قاما بالتخريج لرواتها في كتابيهما، ثم أضاف بعض الأحاديث التي أداه اجتهاده إلى تصحيحها. عدد الأحاديث (9588) حديث بالمكررة.
# أما (سنن النسائي) فقد وضع النسائي كتابًا كبيرًا جدًا حافلاً عرف بالسنن الكبرى ، وهذا الكتاب يسير على طريقة دقيقة تجمع بين الفقه وفن الإسناد ، فقد رتب الأحاديث على الأبواب ، ووضع لها عناوين تبلغ أحيانًا منزلة بعيدة من الدقة، وجمع أسانيد الحديث الواحد في موطن واحد. وقد جمع النسائي في كتابه أحاديث الأحكام ، وقسمه إلى كتب، وعدد كتبه 58 كتابـًا، وقسم كل كتاب إلى أبواب ، وعدد أحاديثه (5761) حديث.

وأذكر للقارئ الكريم عددا من أسماء المصنفات الأخرى وهي كثيرة والتي صنفت في جمع وتنقية وتنقيح الروايات الحديثية على النحو التالي:
(مصنف عبد الرزاق. صحيح بن السكن. شرح السنة للبغوى. المنتقي لابن الجارود. مسند أبي يعلى الموصلي. المختارة للضياء المقدسي. حلية الأولياء لأبي نعيم. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. تاريخ دمشق لابن عساكر. مسند البزار). وغيرها كثير.

* ولم تقتصر هذه المصنفات على ما تم جمعه فيها فحسب، بل قام كثير من الشراح والمحدثين ومن يسموا بـ (الحفاظ، وأهل الجرح والتعديل، وعلماء الرجال) فيما بعد بشرح هذه الكتب والمصنفات والتثبت من أسانيد المرويات الحديثية المدونة بها، فعلى سبيل المثال قام الحافظ (بن حجر العسقلاني)، والكرماني، والداوودي، والقسطلاني، وابن بطال، والعيني، وغيرهم بشرح (صحيح البخاري)، وقام كل من (النووي) و(أبو العباس القرطبي) و(القاضي عياض) و(ابن الصلاح) و(السنوسي) و(السيوطي)، وغيرهم بشرح كتاب (صحيح مسلم) وتعقبوا ونقدوا الأسانيد والمتون التي حوتها الروايات الحديثية في هذين المصنفين، وكذلك بقية كتب (الصحاح، والمسانيد، والسنن، والمستدركات، والجوامع) وغيرها من مصنفات المرويات الحديثية.

* ولم تكن تقتصر تجارب نقد التراث في الماضي على التراث الحديثي فحسب، بل امتدت عمليات النقد التراثي إلى جوانب أخرى في التراث الفقهي والفكري للإسلام، ومن تلك الجوانب التي طالها النقد كانت (العقائد) و(الأفكار الفلسفية) أو ما كان يسمى بـ (علم الكلام)، فكان أول تيار إصلاحي ونقدي فكري وعقيدي وفلسفي وكلامي هو التيار المعتزلي، أو ما سمي بـ (المعتزلة)، والمعتزلة فرقة كلامية سنية ظهرت في نهايات القرن الأول الهجري(80هـ- 131هـ) في البصرة في أواخر العصر الأموي وقد ازدهرت في العصر العباسي، واعتمدت المعتزلة على العقل في تأسيس عقائدهم وقدموه على النقل، وقالوا بأنّ العقل والفطرة السليمة قادران على تمييز الحلال من الحرام بشكل تلقائي. ويعتقد بعض العلماء أن الداعي لظهور هذه الفرقة ظرف حضاري أو تاريخي لأن الإسلام عند نهاية القرن الأول كان قد توسع ودخلت أمم عديدة وشعوب كثيرة في الإسلام ودخلت معها ثقافات مختلفة ودخلت الفلسفة ولم يعد المنهج النصي التقليدي النقلي يفي بحاجات المسلمين العقلية في جدالهم. والمنهج الذي يصلح لذلك هو المنهج الطبيعي العقلي والذي سيصبح أهم المذاهب الكلامية من الناحية الخاصة فهو أكثر المذاهب إغراقا وتعلقا بالمذهب العقلاني.

ومن أشهر رموز هذه الفرقة: (الجعد بن درهم - غيلان الدمشقي - معبد الجهني - واصل بن عطاء - عمرو بن عبيد - - الجهم بن صفوان - أبو بكر الأصم - صفوان بن صفوان - أبو الهذيل العلاف - إبراهيم بن سيار النظّام - الجاحظ - بشر المريسي –أبو حيان التوحيدي - أبو يوسف القزويني - عبد الجبار المعتزلي - الشريف المرتضى) وغيرهم.

* وفي تلك الآونة ظهرت بعض الشخصيات التي اهتمت بالفلسفة والأفكار الفلسفية وكان لها باع في تصنيف بعض المصنفات الفلسفية كـ (ابن سينا) و(ابن طفيل) و(الكندي)، حيث أن هؤلاء قد عنوا وقرءوا واطلعوا على التراث الفلسفي اليوناني وقرءوا (أفلاطون، وسقراط، وأرسطو) وغيرهم من الفلاسفة اليونانيين وتأثروا بفلسفاتهم، وكلها شخصيات محسوبة على التيار النقدي العقلاني، ثم عقب ذلك ظهرت بعض التيارات الكلامية (الفلسفية) الأخرى لمواجهة التيار المعتزلي النقدي الإصلاحي، وكذلك لمواجهة المد الفلسفي اليوناني متمثلا في شخوص (ابن سينا) و( ابن طفيل) و(الكندي) على اعتبار أن هؤلاء ملاحدة زنادقة مرقوا من الإسلام، ومن هذه التيارات: (الأشاعرة) و(الماتريدية)، ومن أبرز الشخصيات التي واجهت المد الفلسفي اليوناني كان (أبو حامد الغزالي) الذي أغرق في بدايات حياته في الفلسفة اليونانية، إلا أنه تراجع في النصف الثاني من حياته عن هذه الفلسفة وقام بمحاولة التبرؤ من الفلسفة والفلاسفة، وقام بتأليف كتابه الشهير، (تهافت الفلاسفة)، والذي حاول فيما بعد الفيلسوف (بن رشد) إعادة الاعتبار للفلسفة مرة أخرى بعد أن حاول (الغزالي) هدمها، فقام (ابن رشد) بمحاولة إصلاحية نقدية لأفكار التيار (الأشعري) (الماتريدي)، وقام بتأليف كتابه الشهير: (تهافت التهافت) ورد فيه على كتاب الغزالي (تهافت الفلاسفة)، وقام بشرح فلسفة أرسطو وألف العديد من المؤلفات التي تناصر النهج الفلسفي العقلاني وحاول فيها التوفيق بين الفلسفة والدين.

* كذلك لم تقتصر التجارب النقدية والإصلاحية في التاريخ الإسلامي على هذا فحسب، فقد انطلقت حركة أخرى مهمة في تأسيس ما يسمى (علم أصول الفقه)، وأصول الفقه من أعظم العلوم والقواعد التي أسسها المسلمون لفهم وفقه مدلول ومضمون النص الديني، فهو العلم الذي يرسي القواعد العلمية والفكرية والعقلية التي من خلالها معرفة الأدلة الشرعية من حيث موثوقية مصدرها عن الله ورسوله، وكذلك من حيث دلالتها على الأحكام والأوامر والنواهي، فقواعد أصول الفقه هي بمثابة موازين لفهم النص الديني حق فهمه والوقوف على الدلالة الحقيقية للنصوص ودلالة كل كلمة من كلمات النص ومعرفة المراد منها، وأرى كما يرى كثيرون من المتخصصين في هذا الفن أنه لمن الجرأة والتهور أن يقدم أي شخص على قراءة النصوص الدينية عموما دون الإبحار في هذا العلم الذي يعد هو الأساس والقاعدة لفهم مدلول ومضمون النص الديني، وبدون اصطحاب قارئ النص الديني لهذا العلم الهام وتمكنه منه سيكون بمثابة من استقل قطارا مسرعا بلا سائق.

وقد اختلف الباحثون في بَدء تدوين وتأسيس هذا العلم، فمنهم من يرى أنَّ الإمام جعفر الصادق هو واضع هذا العلم؛ أي: أول من دوَّن فيه، ومنهم من يرى أنَّ أول من دوَّن في أصول الفقه هو أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، ولكن لم يصلْ إلينا شيءٌ من كُتُبِه، والثابت لدى أغلب الباحثين أنَّ أول من صنَّف في هذا العلم تصنيفًا مستقلاً، إنما هو الإمام الشافعي الذي اتَّجه إلى تدوين هذا العلم الجليل، فرسم مناهج الاستنباط، ووضَّح معالِمَ هذا العلم.

وقد قام الأستاذ: (طاهر العتباني) بإلقاء الضوء على تاريخ هذا العلم ومبدأه في بحثه: (تاريخ علم أصول الفقه)، الذي سنقتطف فقرات منه على النحو التالي:

(علم الأصول لم يتميز عن غيره إلا في القرن الثاني الهجري, وكان للإمام الشافعي الدور الأساسي في جمع مباحث الأصول في كتابه "الرسالة" إضافة إلى تجديد وإضافة القواعد الأساسية في علم الأصول حتى تم تعديله وشرحه وإضافة القواعد الأخرى على يد العلماء العاملين من مختلف المذاهب الإسلامية. وأول كتاب في علم أصول الفقه للإمام الشافعي، وهو عبارة عن موازنة بين مدرستي الرأي والحديث ، ولما كان لابد من وضع أصول لهذه الموازنة كتب الشافعي كتابه في مكة ووزعه في بغداد.

وخلاصة كتاب (الرسالة) أنَّ الشافعي رتَّب أبوابَ هذا العلم، وجمع فصولَه، ولم يقتصرْ على مبحث دون مبحث، بل بحثَ في الكتاب، وبحث في السُّنة، وطُرق إثباتها، ومقامها من القرآن. وبحث الدلالات اللفظية فتكلَّم في العام والخاص، والمشترك والمجمَل والمفصل، وبحثَ في الإجماع وحقيقته، وناقشه مناقشة عِلْميَّة لم يعرفْ أنَّ أحدًا سبقه بها، وضبط القياس، وتكلَّم في الاستحسان. وهكذا استرسلَ الشافعي في بيان حقائق هذا العلم مبوَّبة مفصَّلة، وهو بهذا لم يُسبقْ، أو على التحقيق لم يُعلم إلى الآن أنَّ أحدًا سبقَه، ولا يغضُّ هذا من مقام مَن سبقوه، فلا يغضُّ هذا من مقام شيخِه "مالك"، ولا مِن مقام شيخ فقهاء القياس "أبي حنيفة"؛ فإن التدوين في عصرهما لم يكنْ تَكَامَلَ نُموُّه. ولا نقول: إنّ الشافعي قد أتى بالعلم كاملاً على كلِّ الوجوه؛ بحيث أنه لم يبقَ مجهودًا لمن بعده، بل إنَّه جاء من بعده مَن زاد ونَمَّى وحرَّر مسائلَ كثيرة في هذا العلم.

أما الاتجاه الثاني: طريقة الحنفية: وهذا الاتجاه يبحث في علم الأصول بدراسة فروع المذهب، واستنباط القواعد الأصولية التي بَنَى عليها فقهاءُ المذهب استدلالاتهم، وذلك أنَّ فقهاء المذهب الحنفي الذي عُرِفَتْ هذه الطريقة بهم لم يتركوا قواعدَ مدوَّنة للاستنباط والاستدلال؛ لأن عصرَهم لم يكن بَعْدُ عصرَ تَكامُلِ التدوين، ومن هنا جاء بَعدَهم مَن نظرَ في فروعهم، وجادلوا عنها، وفي ثنايا البحث والمناظرة والحِجاج كانوا يستخرجون ما في الفروع من القواعد التي بُني عليها الاستنباط والاستدلال، ثم توسَّعت المذاهب المختلفة في الأخْذِ بهذه الطريقة؛ دفاعًا عن فروعهم، واستدلالاً لمذهبهم. وبهذا تختلف أصول الحنفية عن أصول الشافعية، والجمهور في أنَّ أصول الشافعية كانت منهاجًا للاستنباط، وكانت حاكمة عليه، أما طريقة الحنفية فقد كانت غير حاكمة على الفروع بعد أن دُوِّنتْ؛ أي: إنهم استنبطوا القواعد التي تبيِّن مذهبهم وتؤيده؛ فهي إذًا مقاييس مقرَّرة لا مقاييس حاكمة.

ونستطيع أن نلخص أبرز خصائص هذا الاتجاه فيما يلي:
1 _ هي طريقة لاستنباط أصول الاجتهاد الذي وقع بالفعل، وهي قواعد مستقلِّة يمكن الموازنة بينها وبين غيرها من القواعد.
2 _ هي طريقة مطبَّقة في الفروع؛ فهي ليست بحوثًا نظرية مجرَّدة، إنما هي بحوث كُليَّة وقضايا عامة، فتستفيد الكُليَّات من تلك الدراسة.
3 _ استنباط القواعد الأصولية من الفروع الفقهيَّة، والالتزام بالمذهب فيما يتوصَّل إليه من قواعد، حتى ولو صِيغتِ القاعدة بطريقة متكلفة لتتوافق مع الفروع.
4 _ كثرة الفروع والأمثلة والشواهد، وقِلة المسائل الافتراضيَّة والنظرية، والمسائل التي لا يَنْبَنِي عليها أثرٌ فِقهي.
5 _ مكَّنت هذه الطريقة من كثرة التخريج في المذاهب، وتفريع الفروع بناءً على القواعد المستنبطة.

اتجاه المتأخرين:
بعد أنِ اسْتقامتِ الطريقتان كلٌّ في منهاجها، ظهرتْ طريقة المتأخِّرين من الأصوليين الذين جمعوا بين الطريقتين، فكانوا يقرِّرون القواعدَ من خلال البحث النظري المجرَّد، ويستشهدون عليها بالفروع، فلا يكون البحثُ النظري مقرِّرًا للقواعد والأصول، ولا تصبح الفروع هي المقرِّرة لما يتمُّ استنباطه من القواعد، وقد ظهرتْ هذه الطريقة في حدود القرن السابع الهجري.
من خصائص البحث والدراسة وَفق هذا المنهج.
1 _ الجمع بين الأدلة العقلية والنقلية، وبين الفروع الفقهيَّة في دراسة القواعد الأصولية، وعدم الاقتصار على أحدهما.
2 _ الجمع بين فائدتين؛ فائدة تعود على الفقه، وذلك بذكْر الفروع الفقهيَّة، وفائدة تعود على القواعد الأصولية، وذلك بتمحيص أدلتها ومناقشتها.
3 _ استيعاب ما أُلِّف على طريقتي المتكلِّمين والفقهاء.
4 _ سِمَة الاختصار في أغلب المؤلَّفات على هذه الطريقة.

منهج جديد:
وهناك من علماء الأصول مَن سلك مسلكًا مُغايرًا، ونهج نهجًا متميِّزًا في البحث والتأليف في علم الأصول، هذا المسلك يقوم على تناول مقاصد الشريعة العامة ومصالحها الكُليَّة، هذه المقاصد وتلك المصالح إنما جاءت الشريعة لحمايتها ومراعاتها، وقد كانت بحوث أصول الفقه السابقة لا تُعْنَى بهذا الجانب ولا تتناوله، ومِن هؤلاء الإمام أبو إسحاق الشاطبي المالكي المتوفى سنة 780 هـ؛ فقد اتجه الإمام الشاطبي إلى العناية بأسرار التشريع، وتوضيح مقاصد الشارع، ويُعدُّ كتابه من أعظم ما كُتِبَ في الأصول، كما يُعدُّ بَدءًا لمنهج جديد من الأصول يغاير المناهج القائمة من قبل.

أهم الكتب والمؤلَّفات الأصولية:
كما سبق أنْ بيَّنَّا، كان هناك اتجاهان أساسيَّان في البحث والتأليف في أصول الفقه، هما اتجاه الشافعيَّة أو الجمهور أو المتكلِّمين كما أُطْلِق عليه، والاتجاه الثاني الذي عُرِف بطريقة الحنفية، ثم كانت طريقة المتأخِّرين التي جمعت بين الطريقتين، وأخيرًا تناولنا بإيجاز طريقة "الشاطبي" الذي نَحا مَنحًى جديدًا في البحث في علم الأصول، وهذه الاتجاهات قد وَضَعَ الباحثون في كلٍّ منها كُتُبًا على طريقته في البحث والتأليف عبر مراحل تاريخ أصول الفقه، ونورد هنا أشهر الكُتب التي وُضِعتْ في كلِّ اتِّجاه.

أولاً: كُتب على طريقة الشافعية:
1. العهد؛ للقاضي عبدالجبار المعتزلي، المتوفى (415هـ).
2. المعتمد؛ لأبي الحسين البصري المعتزلي، المتوفى (463هـ).
3. البرهان؛ لأبي المعالي الجويني الشافعي، المتوفى (478هـ).
4. المستصفى؛ لأبي حامد الغزالي الشافعي، المتوفى (505هـ).
5. المحصول؛ لفخر الدين الرازي الشافعي، المتوفى (606هـ).
6. الإحكام؛ لسيف الدين الآمدي الشافعي، المتوفى (631هـ).
7. منهاج الوصول؛ للبيضاوي، المتوفى ( 685 هـ).
8. التنقيحات؛ للقرافي المالكي، المتوفى (684هـ).
9. منتهى السول؛ لابن الحاجب المالكي، المتوفى (646هـ).

ثانيًا: كُتب على طريقة الحنفيَّة:
1. أصول الكرخي: أبي الحسين بن عبيدالله، المتوفى (340هـ).
2. أصول الجصاص: أبي بكر أحمد بن علي، المتوفى (378هـ).
3. تقويم الأدلة؛ لأبي زيد الدبوسي، المتوفى (340هـ).
4. تمهيد الفصول؛ للسَّرَخْسِي محمد بن أحمد، المتوفى ( 428هـ).
5. الأصول؛ لعلي بن أحمد البزدوي، المتوفى (482هـ).
6. كشف الأسرار؛ لعبد العزيز البخاري، المتوفى (730هـ).
7. تخريج الفروع على الأصول؛ للزنجاني، المتوفى (656هـ).
8. التمهيد؛ لجمال الدين الإسْنَوي الشافعي، المتوفى (772هـ).
9. تنقيح الفصول؛ للقرافي المالكي، المتوفى (684).
10. القواعد؛ لأبي الحسن الحنبلي، المتوفى (830هـ).

ثالثًا: كُتب على طريقة المتأخرين:
1. بديع النظام؛ لمظفر الدين الساعاتي، المتوفى (694هـ).
2. جمع الجوامع؛ للسبكي الشافعي، المتوفى (771هـ).
3. تنقيح الأصول؛ لصدر الشريعة الحنفي، المتوفى (654هـ).
4. التحرير؛ للكمال بن الهمام الحنفي، المتوفى (861هـ).
5. مسلم الثبوت؛ لمحب الدين عبدالشكور، المتوفى (1119هـ).
6. إرشاد الفحول؛ للشوكاني، المتوفى (1250هـ).

رابعًا: كتب اهتمَّت بمقاصد الشريعة ونظريات الأحكام:
1. الموافقات في أصول الشريعة؛ للشاطبي المالكي، المتوفى (790هـ).
2. الأشباه والنظائر؛ لتاج الدين السبكي، المتوفى (772هـ).
3. قواعد الأحكام؛ لعز الدين بن عبدالسلام، المتوفى (660هـ).
4. القواعد الفقهية؛ لابن رجب الحنبلي، المتوفى (795هـ).
5. منثور القواعد؛ لبدر الدين الزركشي، المتوفى (794هـ).
6. الأشباه والنظائر؛ لجلال الدين السيوطي، المتوفى (911هـ).
7. الفروق؛ لشهاب الدين القَرافي المالكي، المتوفى (684هـ). انتهى.

راجع المصدر: (طاهر العتباني، تاريخ علم أصول الفقه).

* كذلك لم تقتصر التجارب النقدية والإصلاحية في التاريخ الإسلامي على هذا فحسب، فقد انطلقت حركة أخرى مهمة في تأسيس ما يسمى (الظاهرية) أو (المذهب الظاهري)، وكان من أهم ما نادت به هذه التجربة الإصلاحية هو تحريم وتجريم (التقليد) في أمور الدين، والظاهرية مذهب فقهي، وقيل منهج فكري وفقهي، نشأ المذهب في بغداد في منتصف القرن الثالث الهجري (وبذلك يعتبر من ضمن الثلاث القرون الأولى)، إمامهم (داود بن علي الظاهري) ثم تزعمهم وأظهر شأنهم وأمرهم الإمام (علي بن حزم الأندلسي) وتعد بعض المصادر أن الظاهرية هو المذهب السني الخامس.

والمدرسة الظاهرية تنادي بالتمسك وفق رؤيتها بالقرآن الذي هو كلام الله وسنة الرسول وإجماع الصحابة، وطرح كل ما عدا ذلك من الأمور التي تعتبرها ظنية (كالرأي والقياس واستحسان ومصالح مرسلة وسد الذرائع وشرع من قبلنا...)، فالظاهرية تسعى لتقرير مراد الله من العباد في اتباع البراهين وهي الأدلة الثابتة من كتاب الله والسنة وإجماع الصحابة، وشاع كثيرا أن أتباع المدرسة الظاهرية يقولون بدلالة النص أو القياس الجلي، وهذا باطل إذ الظاهرية المنتسبون للظاهر ينكرون هذا وعلى رأسهم الإمام (ابن حزم) في (المحلى)، وقد نقل (ابن الصلاح) عنهم أنهم لا يقولون بدلالة النص وعد هذا من الشذوذ كما في تفريق (داود) و(ابن حزم) بين الغائط في الماء الراكد، والبائل فيه.

الأصول والأساس للمدرسة الظاهرية:
يعتقد الظاهرية أن أصول منهجهم ومدرستهم مستمدة مما كان عليه النبي محمد وأصحابه من غير زيادة ولا نقصان إلا ما يعتري البشر من الخطأ والنسيان، فهم يرون العمل بالقطعيات المتيقنات وترك الظنون والآراء لأن القطعيات هي ما أجمعت عليه الأمة وهو لا يفي أبدا في إثبات الأدلة من السنن الثابتة، فالشريعة عندهم هي ما أمر الله ورسوله بحيث نقطع أنه مرادهما، وهذا ما يلزم جميع الأمة بحسب منهجهم. قال الإمام (أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري): وعن الظاهرية أقرر أنها قسمان: (ظاهر نصي) و(ظاهر عقلي). والظاهر النصي في الكلام المركب، وهو ما ثبت بيقين أو رجحان انه مراد المتكلم سواء أكان الخطاب بحقيقة الوضع اللغوي، أم كان بسعة المجاز اللغوي أو الأدبي. وليس الظاهر ما يتبادر للمتسامح من كونه خلاف الجلي الواضح، بل الظاهر ما دل عليه الخطاب بوجوه الدلالة المعروفة في كلام العرب سواء أكان المدلول جليا واضحا، ام كان خفيا لا يظهر إلا باستنباط واجتهاد. وغير الظاهر مالا تدل عليه اللغة في خطاب المتكلم كجعل شرب اللبن رضاعا. والظاهر العقلي ليس هو كل احتمال يتصوره العقل، بل هو مالا يحتمل العقل غيره.

وقال الإمام (أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري): المذهب الظاهري ليس مذهبا لغويا؛ ولكنه مذهب نصي شرعي بمقتضى فكري لغوي. ومعنى انه فكري انه يفصل بين المعرفة الشرعية والمعرفة البشرية؛ فالمعرفة الشرعية على التوقيف والاتباع إلا ما فوضه الشرع إلى العقل، والمعرفة البشرية أوسع دائرة في الحرية. وميزة الشرع انه عبودية الله، وليس حرية للشهوات والشبهات والآراء.
والظاهر بجناحيه الفكري واللغوي موجه لتحرير مراد الشرع وتخليصه من الأوشاب البشرية، وملخصه أن الشرع لا يعرف إلا بلغة العرب التي نزل بها الشرع، وما صح نقله من مراد للرسول محمد عرف بغير اللغة من إيمائه وسكوته؛ فيؤخذ بالاصطلاح الشرعي ان وجد، فأن لم يوجد اخذ بالمعنى المجازي الغالب للاستعمال، فأن لم يوجد اخذ بالمعنى الحقيقي الوضعي. هذا إذا تجرد الخطاب من قرائن ودلالات سياق وإحالة إلى معهود شرعي بنص آخر. وان مراد الشرع هو ما يتيقنه العقل أو يرجحه عند تعدد الاحتمالات.

ومن أعلام المدرسة الظاهرية:
(داوود بن علي الأصفهاني المشهور بـ (داوود الظاهري)، وابنه أبو بكر محمد بن داوود الظاهري، والنحوي نفطويه، وابن حزم الظاهري ويعرف أيضا باسم (بن حزم الأندلسي)، وابن طاهر القيسراني، وأبو حيان الغرناطي الأندلسي، وابن نباته المعروف بـ (ابن الرومية)، وأحمد بن الصديق الغمارى، وأبو تراب الظاهري، وأبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، والإمام محمد بن علي الشوكاني).

* كذلك لم تقتصر تجارب النقد والإصلاح على ما سبق فحسب، بل ظهرت حركة إصلاحية قام بها (ابن تيمية)، وهو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، تقي الدين أبو العباس النميري العامري، ولقبه «شيخ الإسلام» ولد يوم الإثنين 10 ربيع الأول 661هـ أحد علماء الحنابلة ولد في حران وهي بلدة تقع حاليا في الجزيرة الفراتية بين دجلة والفرات. وحين استولى المغول على بلاد حران وجاروا على أهلها، انتقل مع والده وأهله إلى دمشق سنة 667هـ فنشأ فيها وتلقى على أبيه وعلماء عصره العلوم المعروفة في تلك الأيام. كانت جدته لوالده تسمى تيمية وعرف بـ (ابن تيمية). وكان من مذهبه التوفيق بين المعقول والمنقول. يقال عنه أنه كان مقترحا متحمسا للجهاد والحكم الشرعي, وقد كان أيضا شخصا مؤثرا في نمو حركة الإسلام السياسي.

ولقد كثر مناظروه ومخالفوه من علماء عصره، ومن جاء بعدهم، (ذكر منهم ابن حجر الهيتمي: تقي الدين السبكي، وتاج الدين السبكي، وابن جماعة، وابن حجر الهيتمي نفسه، وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية). وانتقدوا عليه أمورا يعتقدون أنه قد خرج بها على إجماع علماء عصره، منها: القول بقدم العالم بالنوع، والنهي عن زيارة قبور الأنبياء، وشد الرحال لزيارة القبور والتوسل بأصحابها، حتى اشتكوه في مصر فطُلِبَ هناك وعُقِدَ مجلس لمناظرته ومحاكمته حضره القضاة وأكابر رجال الدولة والعلماء فحكموا عليه وحبسوه في قلعة الجبل سنة ونصفا مع أخويه وعاد إلى دمشق ثم أعيد إلى مصر وحبس في برج الإسكندرية ثمانية أشهر وأُخرج بعدها، وأقام في القاهرة مدة ثم عاد إلى دمشق وعاد فقهاء دمشق إلى مناظرته في ما يخالفهم فيه وتقرر حبسه في قلعة دمشق ثم أفرج عنه بأمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون واستمر في التدريس والتأليف إلى أن توفي في سجن قلعة دمشق عن 67 عاما.

وحضّ على جهاد المغول وحرّض الأمراء على قتالهم، وكان له دورا بارزا في انتصار المسلمين في معركة (شقحب). وصنف كثيرا من الكتب منها ما كان أثناء اعتقاله. ومن تصانيفه: (الفرقان بين أولياء الله والشيطان). (الإيمان الكبير)، (الإيمان الأوسط)، (الاستقامة)، (بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول)، (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)، (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)، (التوسل والوسيلة)، (الاحتجاج بالقدر)، (بيان الهدى من الضلال) (الجواب الصحيح فيمن بدل دين المسيح) (معتقدات أهل الضلال)، (درء تعارض العقل والنقل)، (العبودية)، (السياسة الشرعية لإصلاح الراعي والرعية)، (الصارم المسلول على شاتم الرسول). (منهاج السنة النبوية)، (مجموع فتاوى ابن تيمية)، (نقض المنطق)، (الرد على المنطقيين)،

وكانت هذه التجربة الإصلاحية قد استهدفت بشكل حاسم ومكثف كما نرى من مؤلفاته كل مظاهر الفساد والانحراف الاعتقادي التي كانت سائدة في عصره، وركزت على جانب (التوحيد الخالص ونبذ كل مظاهر الشرك والوثنية) وتنقية عقيدة المسلمين مما علق بها من مظاهر الشرك والوثنية، التي تمثلت في عبادة قبور الأولياء والمشائخ، واعتقادهم في أن أصحاب تلك القبور يملكون النفع والضر وإجابة الدعاء من دون الله، واتخاذ أهل تلك القبور شفعاء ووسطاء بينهم وبين الله، وغيرها كثير من مظاهر الجاهلية الوثنية، إلا أن ابن تيمية قد أفرط هو وتلميذه (بن قيم الجوزية) في التمسك والالتزام بأفعال وأقوال السلف من الصحابة والتابعين ورفض كل مفهوم وكل مقولة لم تأت في أقوال السلف أو في مفاهيمهم، ونتج عن ذلك أن تحولت هذه التجربة الإصلاحية إلى مذهب سلفي تكفيري متشدد منغلق تبلور على يد الشيخ (محمد بن عبد الوهاب)، وعلى أثره نشأت كل الحركات السلفية الدعوية منها والجهادية المنتشرة في العالم الإسلامي الآن.

وفي ختام هذا الفصل أكاد أجزم وأقطع بأن كل المشاريع النقدية والإصلاحية الحديثة التي ظهرت على يد المستشرقين والعلمانيين ودعاة التحديث والتنوير من كافة الاتجاهات، لم تخرج في شكلها الجديد والمعاصر عن كل تلك التجارب التي سبقهم بها فقهاء وفلاسفة وعلماء ومحدثي هذه الأمة بقرون طويلة، ولم يقدموا أي جديد يذكر في هذا الصدد سوى محاولات التلفيق والإنكار والمراوغة واستدعاء (المناهج والفلسفات والأفكار الغربية) ومحاولة إلباسها قسرا وعنوة للتجارب القديمة، ولكن دون جدوى.

(للحديث بقية في الفصل الرابع)

الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293175
الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293537


نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]
فيس بوك:
http://www.facebook.com/profile.php?id=100001228094880&ref=tn_tnmn



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين ال ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة ...
- إطلالات قصيرة على واقع المشهد المصري الحالي
- لماذا بصق المصريون في وجوه نخبهم وإعلامييهم؟
- شيفونية المصريين
- (توفيق عكاشة) نموذج معبر عن حقيقة الشخصية المصرية
- من ينقذ المصريين من أنفسهم؟
- من حق (فاطمة خير الدين) أن تكون عاهرة وتفتخر
- أما أنا فأقول لكم
- ما لا يقال ولن يقال حول الصراع الإسلامي المسيحي في مصر
- (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) رد على: علال البسيط
- تعليقات على مقال أم قداس في كنيسة؟
- (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا)
- الرجل هو من استعبد المرأة والرجل هو من حررها
- علاقة الغرب العلماني المتحضر بالحاكم العربي
- هل الإجماع مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟
- الحرية كذبة كبرى
- هل الاجتهاد مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟؟
- وماذا بعد سقوط حسني مبارك ومحاكمته؟
- المواقيت الصحيحة للإفطار والسحور


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه)