أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة)















المزيد.....



السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة)


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 19:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أبدأ هذا الفصل بأن أعرض للقارئ الكريم قاعدتين هامتين خلصت إليهما من خلال مطالعاتي وقراءاتي المتعددة في مذاهب ومعتقدات جميع الأديان ما تسمى بـ (الأرضية، والسماوية):

الأولى: (إذا أردت أن تقنع الناس بقداسة أو بعصمة أو بمثالية شخص ما، أو شيء ما، أو كائن ما، فلا يكفي أن تحدثهم عن طهارته ومثاليته، بل لابد أولا أن تدنس وتزدري وتلوث وتهدم كل ما حوله وكل من حوله، عندها فقط ستتمكن من إقناع الآخرين بقدسية أو عصمة أو مثالية من أو ما تدعوهم إلى تقديسه).

الثانية: (لكل عصر وزمان أصنامه وأوثانه: فإن كانت الصنمية والوثنية في شكلها البدائي الساذج (أحجار _ تماثيل _ أشخاص _ مخلوقات _ أرواح) قد أوشكت على الاختفاء تماما من عالمنا اليوم، إلا أنها قد عادت تطل من جديد بوجهها القبيح، ولكن هذه المرة في شكل أفكار وفلسفات ومذاهب ومعتقدات وقناعات).

لقد أصبحت كتب (السنة، والتراث، والتاريخ الإسلامي) وأصبح (صحابة الرسول وسلف هذه الأمة) مأتما لكل نادب يريد أن يندب بليته أو جرحه أو مصيبته، ومطية يمتطيها كل من يجد في نفسه حاجة يريد أن يبلغها، وحانة غناء لكل من له ليلى يريد أن يغني لها أو عليها، وسوقا رائجة لكل من يريد أن يتكسب أو يتاجر ببلواه. فما على الظمآن لرشفة من فم الشهرة والنجومية الإعلامية سوى التوجه لكتب السنة والتراث والتاريخ الإسلامي، وسوى حياة وأحوال وشخوص الصحابة والسلف، فإما أن يقوم بتقديسهم وتقديس حوادثهم وأقوالهم وأفعالهم وتطهيرهم ورفعهم إلى حيث تكون الملائكة، وإما أن يقوم بشيطنتهم وشيطنة حوادثهم وتشويه أقوالهم وأفعالهم والهبوط بهم إلى حيث الهاوية. وليس هناك من سبيل آخر. ولنعرض الآن في هذا الفصل أحوال ثلاث فرق من فرق المسلمين وتوجهاتهم نحو الصحابة والسلف، وهذه الفرق هي: (أهل السنة والجماعة، الشيعة، القرآنيون).

## أولا: أهل السنة والجماعة:
لا يوجد نص في كتاب الله سبحانه يأمرنا باتباع آراء أحد من الصحابة مهما كانت مكانته ومهما كان قربه من الرسول أو اعتبار أن آراءه دينا وشرعا يعبد الله به, وليس لأحد حجة في قوله على الناس، فالحجة على الناس هي لله ورسوله أما أقوال ومذاهب الصحابة واجتهاداتهم، ما هي إلا مجرد آراء اجتهادية فردية قد تخطئ وقد تصيب, لأن قائلها غير معصوم من الخطأ أو النسيان أو الخلط وليس له حق التشريع من دون الله، وما دام لم تثبت لأحد العصمة في قوله غير الله ورسوله فلا حجة لقول أحد إلا إذا وافق قوله ورأيه نصا محكما قطعيا، وقد ذهب إلى ذلك الشافعية والأشاعرة والمعتزلة والشيعة وغيرهم، وننقل ما ذكره الدكتور (وهبة الزحيلي) في كتابه: (أصول الفقه) حول مذهب من يرى أن مذهب الصحابي ليس بحجة مطلقا ولا يبنى عليه حكما شرعياً. يقول الدكتور الزحيلي:
(إن قول الصحابي مجرد رأي فردي اجتهادي صادر من غير معصوم، وكل مجتهد يجوز الخطأ والسهو عليه، وأن الصحابة كانوا يقرون التابعين على اجتهادهم، وكان للتابعين آراء مخالفة لمذهب الصحابي، فلو كان قول الصحابي حجة على غيره، لما ساغ للتابعي هذا الاجتهاد، ولأنكر عليه الصحابي مخالفته، فهذا علي رضي الله عنه تحاكم في درع له وجدها مع يهودي إلى قاضيه شريح، فخالف عليا في رد شهادة ابنه الحسن له للقرابة، وكان علي يرى جواز شهادة الابن لأبيه. والظاهر أن رأي الصحابي يفيدنا في ترجيح اجتهاد على آخر، لكنه لا يعد دليلا شرعيا يجب العمل به كالكتاب والسنة، لأن الحجية تحتاج لدليل صريح من القرآن والسنة، ولا دليل فيهما على اتباع آراء الصحابة، وقد دل الدليل الفعلي كما تقدم على مخالفة التابعين للصحابة في اجتهاداتهم الفردية، ولو كان مذهب الصحابي حجة، لوجب على التابعين اتباعه، ووقوعهم في الإثم والمعصية حال المخالفة). انتهى كلام الدكتور الزحيلي.

ولكن هل لهذا الكلام الجميل الصحيح من وجود فعلي على أرض الواقع في قناعات وممارسات (أهل السنة والجماعة)؟، كلا، فكل هذا محض كلام فضفاض لا واقع له في قناعات ومعتقدات وممارسات السواد الأعظم من أتباع مذهب أهل السنة والجماعة، وخاصة الجماعات الدينية منهم، فهم يرون أن الصحابة والسلف من التابعين وتابعي التابعين، هم خير القرون التي تلت النبي عليه الصلاة والسلام، وما أجمعوا عليه وما اتفقوا عليه وما فهموه من دين الإسلام يعد بمثابة الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وينبغي أن نسكت عما وقع بينهم من خلاف وقتال واقتتال، ولا نخوض فيهم ولا نتناولهم بالنقد أو المساءلة أو المراجعة، وأضفوا عليهم هالة من القدسية والعصمة والكمال التي لا تكون إلا للآلهة أو للأنبياء والمرسلين، والملفت في الأمر أن هذه الهالة طالت كل من صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام بلا استثناء، وقاموا في سبيل تأكيد ذلك باستدعاء بعض النصوص القرآنية لشرعنة هذه الهالة من القدسية والعصمة، نذكر منها على سبيل المثال:

أنهم قالوا كما ذكر (عبد الوهاب خلاف) في كتابه: (أصول الفقه): (أن الله سبحانه في القرآن كما أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله أمرهم بطاعة أولى الأمر منهم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء : 59] ولفظ الأمر معناه الشأن وهو عام يشمل الأمر الديني، والأمر الدنيوي، وأُولي الأمر الدنيوي هم الملوك والأمراء والولاة وأولو الأمر الديني هم المجتهدون وأهل الفتيا. وقد فسر بعض المفسرين على رأسهم ابن عباس أُولي الأمر في هذه الآية بالعلماء، وفسّرهم آخرون بالأمراء والولاة، والظاهر التفسير بما يشمل الجميع وبما يوجب طاعة كل فريق فيما هو من شأنه. فإذا أجمع أولو الأمر في التشريع وهم المجتهدون على حكم وجب اتّباعه وتنفيذ حكمهم بنص القرآن، ولذا قال تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وتوعد سبحانه من يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين، فقال عز شأنه {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء : 115]، فجعل من يخالف سبيل المؤمنين قرين من يشاقق الرسول) انتهى.

والآيات الثلاث التي ساقها فقهاء أصول الفقه للتدليل على مشروعية إجماع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وجعله مصدرا من مصادر التشريع الديني في الإسلام ليس فيها ما يشير من قريب أو بعيد أن إجماعهم يعد تشريعا دينيا يجب على الناس اتباعه، وقد ناقشت هذه الآيات الثلاث باستفاضة في بحث لي بعنوان: (هل الإجماع مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟) وسوف أقتبس منه هنا بعض الفقرات المختصرة التي تفي بغرض موضوعنا هنا، ومن أراد تفصيلا فليرجع إلى البحث على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=3281&aid=272349

(قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء : 59] هذه الآية طبقا للقائلين بوجوب طاعة (أولي الأمر) كوجوب طاعة الله وطاعة رسوله، قد تخبط فيها كثيرا الفقهاء والمفسرون في تحديد من المقصود بأولي الأمر، فطائفة قالت: هم الأمراء والملوك والحكام، وطائفة قالت: هم المجتهدون وأهل الفتيا، وطائفة قالت: هم الاثنان معا وكل في مجاله، فتجب طاعة الحكام والملوك والأمراء في شئون الحكم والدنيا، وتجب طاعة العلماء والفقهاء وأهل الفتيا في الأمور الدينية، لكنهم لم يخبرونا ماذا لو تعارضت طاعة الحكام والأمراء مع طاعة الفقهاء وأهل الفتيا؟، فهل يطيع الناس الفقهاء وأهل الفتيا ويعصوا الأمراء والحكام؟، أم هل يطيعوا الأمراء والملوك ويعصوا الفقهاء وأهل الفتيا؟، وألا يمكن أن يحدث ذلك انشقاقا وربما اقتتالا بين أنصار الملوك والأمراء وبين أنصار الفقهاء وأهل الفتيا؟ هذه الأسئلة وغيرها لم يجب عنها فقهاء أصول الفقه وتركوها فراغا من أي مناقشة أو تحليل أو جواب. وكذلك لم يذكر لنا فقهاء أصول الفقه ما هي حدود طاعة أولي الأمر؟، هل هي طاعة مطلقة؟، أم مقيدة؟، وهل إيجاب طاعة أولي الأمر يجعل من أحكامهم وتشريعاتهم أحكاما وتشريعات دينية تضاهي أحكام الله؟، وإذا لم تكن أحكامهم وتشريعاتهم أحكاما وتشريعات دينية يحق للمرء الأخذ منها والرد عليها فلماذا أوجب الله على المؤمنين طاعتهم؟، مع الأخذ في الاعتبار أن أولي الأمر سواء كانوا أمراء وملوك أو فقهاء وأهل فتيا هم أناس غير معصومين من الخطأ، بمعنى أنه من الممكن ومن المتوقع أن يصدر منهم الظلم والجور والخطأ، فكيف يوجب الله طاعة من يمكن أن يصدر منهم الخطأ والظلم والجور؟،

كل هذه الأسئلة وغيرها تركها فقهاء أصول الفقه دون جواب، وترك الجواب على هذه الأسئلة منذ قرون طويلة قدم لكثير من الأمراء والحكام مبررات مشروعة ومسوغات دينية في ظلم الناس وقهر الشعوب مستظلين في ذلك بوجوب طاعة ولي الأمر فيما يقول وفيما يفعل، وكذلك شرعن لكثير من فقهاء الدين عبر العصور الإسلامية إلزام الناس بأحكام وفتاوى وتشريعات عدوها أحكاما وتشريعات دينية، وهي محض آراء بشرية فيها الصواب وفيها الخطأ. إذ لا يمكن أن يأمر الله بطاعة أولي الأمر طاعة مطلقة في كل آرائهم، سواء الصواب منها أو الخطأ، بل ومن المحال أن يظن عاقل مجرد الظن أن آراء أولي الأمر وفتاواهم التي لا تتعدى كونها اجتهادا بشريا من المحال أن تكون أحكاما دينية أو تشريعات دينية تضاهي تشريعات وأحكام الله ورسوله كما قال بذلك فقهاء أصول الفقه.

ولو قلنا إن الآية تفرض على الناس طاعة أولي الأمر، وأن طاعتهم واجبة كطاعة الله ورسوله، فالأمر لا يتعدى أن تكون طاعتهم واجبة في تنفيذ طاعة الله ورسوله، بدليل أن الله لم يذكر في الآية (وأطيعوا أولي الأمر منكم)، وإنما قال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، مما يدل على أن الطاعة الواجبة والمفروضة في الأساس هي طاعة الله ورسوله، أما طاعة أولي الأمر فتكون في تنفيذهم والتزامهم بطاعة الله ورسوله، ونظير ذلك في العصر الحالي في وجوب التزام أولي الأمر وبقية الناس بالقانون، والناس في ذلك واجب عليهم طاعة ولاة الأمر في تطبيقهم وتنفيذهم للقانون، أما إذا خرج ولاة الأمر عن القانون العام الذي ارتضاه الناس لحكمهم فعندها لا طاعة لولاة الأمر على الناس، وفي الآية أمر مهم آخر ألا وهو كلمة (أولو الأمر) فقد جاءت في الآية للجمع وليست للمفرد، فلم يقل (وولي الأمر منكم)، إنما قال: (وأولي الأمر منكم) فجمع ولاة الأمر يدل على أنه يجب أن يكون ولاة أمر الناس جماعة وليس فردا واحدا، أو بالمعنى المعاصر (مؤسسة) للحكم أو عدة (مؤسسات)، ويدل هذا على الشورى بين ولاة الأمر، فليس الأمر حكرا على شخص واحد يصدر قانونا وتشريعات بمفرده ثم يقوم بتنفيذها وإلزام الناس بها بمفرده، وكذلك قوله في الآية: (منكم) يدل على أن ولاة الأمر (مؤسسات الحكم) تكون منكم أي من اختياركم وبرضاكم ومشورتكم، لأن ولاة الأمر (مؤسسات الحكم) لو لم تلي أمر الناس برضى الناس واختيارهم واتفاقهم عليهم فكيف ساعتها يقال: (وأولي الأمر منكم) وهم لم يلو أمر الناس باختيار الناس ورضاهم واتفاقهم عليهم، بل وكيف يطلق عليهم وصف (منكم)؟.

كيف يكون الرد إلى أولي الأمر؟:
قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (83_ النساء)
اعتمد جمهور الفقهاء والمفسرين في الماضي والحاضر على هذه الآية في إثبات حجية إجماع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والفقهاء والمفسرين، حيث اعتبروا أن إجماع الفقهاء في أي عصر من العصور على حكم حادثة ما من الحوادث والاتفاق فيما بينهم على حكم معين فيها يعد ذلك الحكم تشريعا دينيا، ومن الآيات التي استند إليها الفقهاء في إثبات حجية الإجماع آية النساء هذه، حيث رأوا أن الله من خلال هذه الآية أمر جموع المسلمين بالرد إلى الرسول وإلى أولي الأمر فيما يجد من أمور وحوادث كي يقوم أولو الأمر بإصدار أحكامهم التشريعية فيها، ويصبح ما يتفق عليه الفقهاء من حكم في أي مسألة حكما شرعيا دينيا لا يجوز مخالفته أو العمل بغيره، هذا ما قال به الفقهاء والمفسرون منذ قرون طويلة ومازال المسلمون في شتى بقاع العالم إلى يومنا هذا يعتقدون أن الإجماع وفقا لهذا الفهم للآية السابقة يعد مصدرا من مصادر التشريع الديني في الإسلام.

لكن، عند إمعان النظر قليلا في الآية، وحين نعيد قراءتها من جديد نجد أن الآية لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى اعتبار الإجماع مصدرا من مصادر التشريع الديني في الإسلام، وكذلك لا تشير هذه الآية على الإطلاق إلى أن ما يصدره أولي الأمر من أحكام تعد أحكاما تشريعية دينية تضاهي تشريعات الله سبحانه، بل الأمر غير ذلك تماما، فعندما نعيد تلاوة الآية مرة أخرى على النحو التالي: قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (83_ النساء). سنجد أولا: أن الآية تتحدث عن أولي الأمر هنا بوصفهم الحكام والأمراء وليسوا بوصفهم الفقهاء أو المفسرين أو المفتين أو رجال الدين أو الدعاة.

ثانيا: الآية تتحدث عن بعض الناس الذين يعلمون بمجيء أمر من الأمن أو الخوف فسرعان ما يقومون بإذاعته وإشاعته بين عموم الناس من دون تروي أو توثيق لهذا الأمر لمعرفة صدقه من كذبه وحقه من باطله، أي مجيء وحدوث أي أمر من أمور الدنيا أو أمور الحكم أو أمور القتال والحروب، فأمر الله في هذه الآية المسلمين أنه عند علم أحدهم أو بعضهم بأمر ما سواء من الأمن أو الخوف بعدم إذاعة أو إشاعة هذا الأمر على عامة الناس، بل عليهم أن يقوموا برد هذا الأمر إلى الرسول أو إلى أولي الأمر لاستنباطه ومعرفة حقيقته، حتى لا تسود الفوضى والتذبذب والتوتر والجلبة والبلبلة في المجتمع، فالآية تنص على من يعلم بمجيء أمر من الأمن أو الخوف أن يرده إلى الرسول في حال وجود شخص الرسول، أو إلى أولي الأمر في حال غياب شخص الرسول، وأولي الأمر المقصودين في الآية هم الحكام والأمراء وليسوا الفقهاء والمفتين كما يظن معظم الناس.

ثالثا: ليس في الآية بأي حال من الأحوال ولا بأي وجه من الوجوه أي دلالة على هذا الفهم الذي قال به الفقهاء والمفسرون، ولا يوجد في الآية على الإطلاق ما يشير إلى أن إجماع الفقهاء في أي عصر من العصور على حكم معين في حادثة بعينها يعد هذا الحكم تشريعا دينيا لا يجوز الخروج عليه وعدم الامتثال به، بل ولم تشر الآية على الإطلاق إلى السماح لأولي الأمر سواء كانوا من الحكام والأمراء أو من الفقهاء والمفتين بأن يشرعوا ويصدروا أحكاما تشريعية دينية من دون الله، فهذا الفهم للآية من قبل الفقهاء في الماضي والحاضر هو كارثة دينية تدعو إلى الشرك بالله، هذا في حال كان أصحاب هذه الدعوة متعمدين السماح لأي أحد بأن يشرع أحكاما من عند نفسه ومن دون الله ثم ينسبها إلى الدين، فهذا هو الشرك بعينه والتحريف الواضح لنص الآية وتحميله ما لم يحتمل وتقويله ما لم يقل، لأن ما لا يجهله أحد أن التشريع الديني تحديدا هو خاصية من خصائص الله وحده الذي لا يشاركه فيها ملك ولا نبي ولا رسول، فكيف بمن هم دونهم من الناس.

وكذلك من الآيات التي استدل بها الفقهاء في إثبات حجية وعصمة إجماع الصحابة والتابعين والمفسرين والفقهاء قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: 115]، فقد قال الفقهاء: إن الله في هذه الآية توعد من يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين بالنار يوم القيامة، فجعل من يخالف سبيل المؤمنين قرين من يشاقق الرسول.

أقول: هذه الآية كذلك ليس فيها أي وجه للدلالة على جواز إجماع الفقهاء على حكم أو تشريع واعتباره حكما أو تشريعا دينيا، فالآية تنص على أن من يشاقق الرسول _أي يناوئه ويعاديه ويحاربه_ من بعد ما تبين له الهدى سيكون مصيره النار يوم القيامة، وهذا الهدى هو المتمثل في القرآن الكريم وهديه عليه الصلاة والسلام فحسب، وهذا الهدى هو الذي اتخذه المؤمنون سبيلا لهم، إذ لا يمكن لعاقل أن يتصور على الإطلاق أن المؤمنين لهم سبيل آخر يتبعونه سوى سبيل الله الذي هو صراط الله (القرآن الكريم)، فليس للرسول ولا لصحابته ولا لجماعة المؤمنين في أي عصر من العصور أي سبيل آخر يتبعوه سوى سبيل الله، قال تعالي: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (الأنعام_ 153). فأين المنطوق والمدلول والمفهوم الحق لقوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: 115]، أين هذا من مفهوم إجماع وعصمة الصحابة والسلف الذي فهمه الفقهاء واعتبروا أقوالهم وأفعالهم شرعا أو دينا يجب اتباعه؟). انتهي الاقتباس.

وعليه فأهل السنة والجماعة بكل فرقهم وتياراتهم، جعلوا من السنة والتراث وتاريخ المسلمين وجميع الصحابة والسلف شعائر وشخوص مقدسة يحرم المساس بهم أو انتقادهم أو حتى مراجعتهم، وذلك لادعائهم أنهم هم وحدهم الفرقة الناجية التي تمثل الله ورسوله ودينه، لدرجة أن أهل السنة والجماعة يعدون كل من تسول له نفسه الاقتراب من السنة أو التراث أو التاريخ بالتحليل والنقد وإعادة قراءتهما من جديد، يعتبرونه خائنا وعميلا ومعاديا لله ورسوله ودينه، وفي سبيل ذلك أخذوا يمجدون كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو للحظة واحدة، وقاموا بتنزيه كل الصحابة عن الخطايا والآثام كما مجد النصارى المسيح بن مريم فعبدوه من دون الله، مما يشعر المرء وكأن الله قام بإعداد الصحابة وتكوينهم في السماء ثم أنزلهم إلى الأرض.

ومن هنا كان شغل أهل السنة والجماعة الشاغل، هو القيام بتبرير كل ما ورد في الكتب التراثية عن أفعال الصحابة، الصواب منها والخطأ، حتى خُيِّل للبسطاء من الناس وللذين لا يعلمون، أن كل من صحبوا الرسول عليه الصلاة والسلام هم ملائكة معصومون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وكذلك نسي أهل السنة والجماعة أو تناسوا أو غفلوا أو تغافلوا عن ما يقرب من ثلث سور القرآن الكريم التي تحدثت عن مجموعة لا يستهان بها من المنافقين، الذين كانوا متواجدين بين صفوف المؤمنين، وكانوا كذلك هم من عداد الصحابة الذين صحبوا رسول الله وصلوا معه وصاموا معه وقاتلوا معه، لكنهم كانوا منافقين يظهرون خلاف ما يبطنون، وكان يكفي أهل السنة والجماعة من ثلث القرآن الذي تحدث عن المنافقين كان يكفيهم من كل هذا سورة (التوبة) بمفردها، هذه السورة التي قامت بنقد وكشف وفضح جميع أحوال المنافقين، والمذهل في الأمر أن القوم لم يروا في كل هذه السور وفي كل هذه الآيات التي تحدثت عن المنافقين لم يروا منافقا على الإطلاق سوى (عبد الله بن أبي بن سلول)، حيث رأوا أنه هو المنافق الوحيد الذي نزل فيه وحده ما يقرب من ثلث القرآن ، ومن يقرأ كل كتب التراث والحديث لن يجد اسما واحداً من المنافقين الذين نزل فيهم كل هذا الكم من الآيات والسور غير (عبد الله بن أبي بن سلول) فحسب.

وعليه فلم ير ولم يقر (أهل السنة والجماعة) أن الصحابة ليسوا كلهم عدول، على الرغم من أنهم يعلمون جيدا أن الصحابة كان منهم المنافق والجاهل وكان منهم المؤذي لرسول الله والمستهزئ بدين الله كما نص على هذا القرآن الكريم في كثير من آياته التي قامت بفضح أحوال بعض الصحابة الذين ندد الله بأفعالهم وأقوالهم وعدم علمهم بحدود ما أنزل الله على رسوله, وذلك لأن (أهل السنة والجماعة) يعتقدون أن كل من رأى الرسول ولو للحظة واحدة فهو صحابي, وأن كل الصحابة عدول صادقين لا يجوز نقدهم أو تخطئتهم ولو فعل ما فعل, بل إن (أهل السنة) بذلوا جهودا مستميتة للدفاع عن جميع الصحابة بلا استثناء وتبرير أخطاء وخطايا بعضهم, وكان ذلك منذ اللحظة الأولي لظهور العلماء والمفسرين والمجتهدين وأصحاب المذاهب من طائفة (أهل السنة والجماعة), مع أن كتب التاريخ والسير والأخبار تمتلئ بالمخالفات التي ارتكبها بعض الصحابة حتى في عهد رسول الله نفسه وقبل وفاته عليه السلام, وكتب الأحاديث والأخبار تمتلئ بهذا, والذي يريد التأكد فما عليه إلا أن يرجع لهذه الكتب التي كتبها (أهل السنة) قديما وحديثا, إلا أنهم أي علماء السنة قد بذلوا ما في وسعهم لتبرير هذه الأخطاء التي وقع فيها بعض أصحاب الرسول, بل إن كثيرا من علماء السنة قد أضفوا العصمة على أصحاب الرسول جميعا بلا استثناء, وكان السبب الوحيد لهذه العصمة ليس التقوى أو الطهارة والعدل والعمل الصالح بل كان السبب هو صحبة الرسول أو حتى رؤيته بالعين ولو للحظة واحدة.

وكذلك نسي (أهل السنة والجماعة) أن الصحابة ما هم إلا بشر كبقية البشر، كانوا خارجين لتوهم من جاهلية وثنية، ومن حمية وعصبية قبلية آبائية مقيتة، وكذلك ربما الذي لا يعرفه كثير من (أهل السنة والجماعة)، أن الصحابة لم يمتثلوا تعاليم الإسلام دفعة واحدة، وفي وقت واحد، إذ لم ينزل القرآن الكريم على النبي محمد جملة واحدة، فكان من الطبيعي أن يصيبوا ويخطئوا، ويتعثروا ويقوموا، ويضلوا ويهتدوا، ويغفلوا ويتذكروا، وهذه هي طبيعة البشر في كل زمان ومكان.

كذلك نسي (أهل السنة والجماعة)، أن كلمة (صحابي) لا تحمل أية ميزة أو أية فضيلة لأي شخص عاصر الرسول من المسلمين، فكلمة (صاحب) تدل على أصل واحد صحيح في كلام العرب وهو: (مقارنة شيء ومقاربته). فأي شيء قارب شيئا أو قارنه في مكان أو زمان أو أي شيء آخر فهو صاحب لذلك الشيء، وكذلك أي شخص قارن شخصا آخر أو قاربه في مكان أو زمان أو قول أو فعل فهو صاحب له، فلا تعني مقاربة شخص لشخص آخر، أو مقارنته في شيء، لا يعنيان إطلاقا المماثلة في كل الشيء، ولا المطابقة في كل شيء، ولا المصادقة على كل شيء، فليس كل من صحب النبي عليه الصلاة والسلام كان ممن رضي الله عنه، وليس كل من صحب النبي عليه الصلاة والسلام كان برا صالحا تقيا، وليس كل من صحب النبي عليه الصلاة والسلام كان فاجرا شقيا، أو منافقا عصيا، كلا، إنما جميع من صحب النبي عليه الصلاة والسلام، كان فيهم المؤمن والمنافق، والصالح والطالح، والعالم والجاهل، والبر والفاجر، والقرآن الكريم قد ذكر في عدة مواضع هذه المعاني التي قمت بذكرها الآن حول كلمة (صاحب)، وأنها لا تحمل في معناها، المطابقة المطلقة في كل شيء، ولا المماثلة المطلقة في كل شيء، وذلك على النحو التالي:

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ). (184- الأعراف).
(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ). (39- يوسف).
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا). (37- الكهف).
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا). (15- لقمان).
(مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) {2- النجم).

إذاً فلا تعني (الصحبة) مماثلة الصاحب لصاحبه في كل شيء، فقد يتقارب الصاحبان ويتقارنا إما في الدين، أو في المعتقد، أو في السلوك، أو في الأخلاق، أو في الوطن، أو في العمل، أو في السجن، ولا يعني ذلك المماثلة والمطابقة والندية في كل شيء، بل ومن الخطأ اعتقاد ذلك.

## ثانيا: الشيعة:

حين سافرت إلى دولة (الكويت) في عام (1998م)، صار لي أصدقاء كثر من (الشيعة) الكويتيين، ومن (الشيعة) اللبنانيين المقيمين هناك، وكانت تربطني ببعضهم روابط وثيقة وتعرفت من خلالهم على بعض المراجع والشيوخ والسادة من كبار علماء (الشيعة) هناك، وكنت أحضر بعض المجالس الحسينية وبعض الندوات والدروس وكنت أصلي معهم في مساجدهم، بغية التعرف على منهاج هذه الطائفة عن قرب، وخضت معهم في حوارات وجدالات ونقاشات ومناظرات لبضع سنين، كي أتعرف بشكل علمي وموضوعي على عقائدهم وقضاياهم الفقهية وخلافاتهم الفكرية والتاريخية والعقائدية مع (أهل السنة والجماعة)، مع العلم أنه قد سبق لي قراءة بعض كتب المصريين المتشيعين التي أهداها لي الأستاذ (عبد الله كمال) رئيس تحرير (روزاليوسف) السابق عام (1996م) عقب خروجي من السجن بعام واحد، ككتب (صالح الورداني) الشيعي المصري، وكان من أبرز ما قرأت له كتاب: (السيف والسياسة، إسلام السنة أم إسلام الشيعة)، كذلك أزعم أنني بعد سفري لدولة الكويت والتقائي بالشيعة هناك قرأت عشرات المراجع والكتب والمؤلفات والمصنفات في (المذهب الشيعي) واصطحبتها جميعا معي عند عودتي إلى مصر، ومن أشهر وأبرز ما قرأت، (بحار الأنوار، للمجلسي) و(الكافي، للكليني) و(ليالي بيشاور، وهو عبارة عن مناظرة بين شيخ أزهري ومرجع شيعي، جاءت في مجلد واحد ضخم تبلغ عدد صفحات هذا المجلد حوالي "1191" صفحة)، و(مفاهيم القرآن، لجعفر السبحاني)، و(الصحيح من سيرة النبي الأعظم، للسيد جعفر مرتضى العاملي)، و(تفسير الميزان، للطبطبائي)، و(المراجعات، للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي)، وغيرها كثير من مصنفات كبار علماء الشيع كـ (السيستاني) و(الصدر) و(الخوئي) و(حسن فضل الله)، وخرجت من كل قراءاتي هذه بالتالي:

(الشيعة) هم طائفة من المسلمين وكما هو معروف أنهم ثاني أكبر طائفة من طوائف المسلمين بعد طائفة (أهل السنة والجماعة), والشيعة كثيرا ما يختلفون مع أهل السنة والجماعة في كثير من المسائل العقائدية والفقهية والاجتهادية والتاريخية, إلا أنني لن أتعرض هنا للمذهب الشيعي كمذهب أو لمناقشة أسسه وأصوله، ولكني سأتعرض فقط لبعض القضايا الجوهرية التي تظهر موقفهم من قضية تقديس الصحابة والسلف أو شيطنتهم، وكذلك لن أتعرض لسائر الخلافات التي بين السنة والشيعة إذ ليس هنا مجال بحثها, وربما لو أسعفني العمر سوف أتعرض للمذهب الشيعي في كتاب مستقل لنقده ومناقشة جذوره وأصوله وأسسه وقضاياه, أما الشيعة فلا يختلفون كثيرا أو قليلا عن أهل السنة في تقديس جماعة بعينها من الصحابة والسلف, ولكن على طريقتهم، وهم كالسنة سواء بسواء إلا في اختلافات يسيرة في مصادر تلقيهم للدين التي هي:

1. القرآن .
2. السنة التي رواها علمائهم من الشيعة كـ (الكافي) و(بحار الأنوار) وغيرها من كتب الأحاديث الخاصة بهم.
3. الأحاديث المنسوبة إلى (أهل البيت) من الأئمة الاثني عشر وفاطمة بنت رسول الله.
4. لا يقولون بالقياس في أصول الفقه وهذا ما يختلفون فيه عن أهل السنة.
5. أقوال الصحابة ليست حجة عند الشيعة لأنهم يرون أن الصحابة ليسوا كلهم عدول على خلاف السنة.
6. يقول معظمهم بالإجماع وليسوا جميعهم.
هذه تعتبر هي المصادر الرئيسية للتشريع عند السنة وعند الشيعة سوى اختلافهم في بعض المصادر كالقياس فإنهم لا يقولون به جملة وتفصيلا.

أما الاختلافات الأخرى في غير مصادر التشريع فهي كالآتي:
1. الإمامة لدى الشيعة هي جزء من عقيدة المسلمين ومنكرها كافر إذا تبين له وعرف ثم أنكر وجحد.
2. خلافة رسول الله في الحكم وولاية أمر الأمة كان الأحق بها هو الإمام على بن أبي طالب والأئمة الحسن والحسين وباقي الأئمة الاثنى عشر من ذرية الإمام الحسين.
3. يعتقد الشيعة أن هناك تفسير نزل مع القرآن الكريم بوحي على رسول الله، وهذا التفسير لا يعلمه إلا أئمة أهل البيت فقط، وليس كما يعتقد بعض السذج من أهل السنة الذين يعتقدون بأن لدى الشيعة مصحف آخر أو قرآن آخر غير القرآن الموجود بين أيدي المسلمين الآن سنة وشيعة.
4. إتباع القرآن وآل البيت مستدلين في هذا بحديث (العترة والثقلين).
5. المرجعية والمراجع وتقليدهم.
6. يقولون بولاية الفقيه على خلاف بينهم في القول بهذا، فمنهم من لا يقبل بولاية الفقية.
7. يقولون بـ (الخمس) الذي يدفعه عامة الشيعة للسادة الذين يتصلون بقرابة إلى رسول الله.
8. يقولون بزواج (المتعة) الذي يحرمه (أهل السنة والجماعة) تحريما باتا.

(الشيعة) يقدسون الأئمة الاثنى عشر ويقولون بعصمتهم، حيث يري (الشيعة) أن الله فرض على المسلمين ولاية أهل بيت الرسول (فاطمة وعلي والحسن والحسين وبقية الأئمة من ذرية الإمام الحسين)، والولاية التي يقصدها الشيعة هي (الولاية الدينية)، و(ولاية الحكم والرئاسة أو الإمارة), ويقولون: لقد وردت آيات كثيرة في القرآن تشير إلى وجوب (إمامة) و(ولاية) (أهل البيت) على جميع المسلمين، ومن الآيات التي ساقوها للدلالة على (ولاية) و(إمامة) (أهل البيت) للمسلمين ما يلي:
قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما).
ووجه استدلالهم من هذه الآية أن المحسودون هم أهل بيت النبي, وكما جعل الله من آل إبراهيم الرسل والأنبياء والأئمة كذلك جعل في آل محمد الأئمة والملك.
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين).
قالوا إن الصادقين هم أهل البيت.
وقوله تعالى:
(عم يتساءلون عن النبأ العظيم* الذي هم فيه مختلفون).
قالوا النبأ العظيم هو ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
وقوله تعالى:
(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).
قالوا المقصود في هذه الآية بولايته من الذين آمنوا هو الإمام (علي بن أبي طالب), حيث وردت عدة روايات تقول أنها نزلت في (علي بن أبي طالب) حيث هو الذي تصدق وهو راكع.
وقوله تعالى:
(وإذا ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمون).
قالوا إن منصب (الإمامة) فوق منصب (النبوة) و(الخلة)، ولا يعطى إلا للأتقياء الذين لم يعصوا الله قط, ولا يتوفر هذا إلا في الإمام (علي بن أبي طالب) وذريته من الأئمة.
وقوله تعالى:
(أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه).
قالوا: الرسول محمد على بينة من ربه، والشاهد هو (علي بن أبي طالب).
وقوله تعالى:
ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان عليا
قالوا إن لسان صدق عليا , المقصود به علي بن أبي طالب.

وكثير من الآيات التي ساقها الشيعة غير التي ذكرنا استدلوا بها علي أن (الولاية) على المسلمين سواء الدينية أو السياسية هي للإمام (علي بن أبي طالب) وباقي (الأئمة) الاثنى عشر من ذريته. وكما رأينا أن هذه الآيات وغيرها مما استدل بها الشيعة على وجوب ولاية (علي بن أبي طالب) على المسلمين هي آيات قرأها (الشيعة) قراءة خاصة بهم تتفق وما ذهبوا إليه، إلا أن الواقع يقول بغير ذلك، إذ إن القرآن الكريم لم يرد فيه نص واحد قطعي الدلالة يشير إلى وجوب أو فرض تلك (الولاية) (المزعومة) بصورة قطعية يقينية لا يختلف عليها اثنان، إذ إن فهم (الشيعة) لهذه الآيات هي محض لي لعنق النصوص ومحاولة تأويلها رغم أنفها لتتفق وما اعتقدوه من مسألة (ولاية) (أهل البيت)، وهذا ما قاله أحد علماء الشيعة: (السيد صباح شبر الحسيني) في مقدمة كتابه: (الولاية في القرآن) حيث قال في مقدمة الكتاب ما يلي :

(هناك مجموعة كبيرة من الآيات الكريمة وردت فيها روايات عن أهل البيت عليهم السلام وعن غيرهم أيضا , تفسر نزولها بأهل البيت عليهم السلام أو بأمير المؤمنين عليه السلام . وهذا الكتاب موضوع لتطبيق الرواية عن طريق التشقيق العقلي أو الفهم العقلاني بحيث تفهم الآية الكريمة المعني المراد بشكل مستقل عن الأثر الروائي فتكون الرواية دليلا على معني الآية ويكون الاستدلال العقلي والعقلاني دليلا آخر , بحيث لو نوقش في سند الرواية مثلا يكون الطريق الآخر وافيا بالمطلب , أما استقصاء الأدلة النقلية سندا والبحث عن تفاصيلها عندنا وعند مخالفينا فهو بحث تكفلت به كتب مفصلة كثيرة لذا لم نذكر بعد كل آية سوى حديث أو حديثين مع أنه يوجد في بعضها عشرات أو مئات الأحاديث , ولست أنزه هذه الطريقة في الاستدلال عن خطأ ما – فالإنسان عرضه لذلك – لكنه لو جد فهو غير مؤثر في دلالة الرواية بتاتا , فإنها – أي الرواية – تبقي على وضعها وحجيتها سواء أصاب الطريق الآخر أم لا . وليلحظ القارئ أن بعض الوجوه عقلية قطعية لدورانها بين النفي والإثبات مثلا , وبعضها ترجيحية بحيث يكون المعنى المطلوب هو الأقرب من غيره , فلا يشكل علينا أنه كما هو محتمل فغيره كذلك , لأن احتمال الغير لا ينفي أرجحيته وبالتالي أقربيته إلى الحق) انتهى.

هذه المقدمة التي ذكرها الشيخ: (صباح شبر الحسيني) في صدر كتابه، (الولاية في القرآن)، تثبت أن الأمر برمته عبارة عن عملية تخليق وتصنيع وتوليد لأدلة رغم أنف الآيات تقول بوجوب وإلزام المسلمين بـ (ولاية أهل البيت)، سواء (الولاية الدينية) أو (الولاية السياسية والحكمية). ومن الآيات التي انطلق منها (الشيعة) لتقديس (أهل البيت) وإضفاء العصمة عليهم، قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وقوله تعلى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)، هاتان الآيات كانتا الباعثتان على كل هذه الهالة من التبجيل والتقديس من قبل (الشيعة) لأهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام, وأنهم أناس أطهار مطهرين طهرهم الله بإرادته وأذهب عنهم الرجس من الخطايا والذنوب والأقذار النفسية والمعنوية , فهم مطهرون بإرادة الله لهم أن يكونوا كذلك, وأن أجر رسول الله على رسالته لا يكون بالأجر المادي، لأن الله أمره أن يقول للناس: (قل لا أسألكم عليه أجرا) ولكن الله استثني أجرا واحدا ألا وهو مودة قرابة الرسول. هكذا يعتقد (الشيعة)، وهكذا يقولون.

وقال الشيعة إن تطهير (أهل البيت) هو إرادة إلهية حتمية لا خيار لأهل البيت فيها بناء على التأكيدات التي تضمنتها الآية على النحو التالي:
1. التأكيد الأول في قوله تعالى: (إنما يريد الله) وحرف (إن) يفيد التأكيد والحصر والقصر.
2. التأكيد الثاني في قوله تعالى: (ليذهب عنكم الرجس)، وحرف (اللام) إذا دخل على الفعل فهو يفيد التأكيد.
3. التأكيد الثالث في قوله تعالى: (تطهيرا) وهو مفعول مطلق ووجوده يؤكد التأكيد كذلك.

وقالوا إن كل هذه التأكيدات في الآية تؤكد حتمية إرادة الله في إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم, وقالوا: المقصود بالطهارة هنا: ليس الطهارة البدنية الحسية، إنما طهارة النفس والأخلاق والمعتقد والإيمان، حيث إن الله أكد إرادته بإذهاب الرجس عن أهل البيت وتأكيد طهارتهم، وعليه ووفق معتقدات (الشيعة) فأهل البيت طهارتهم طهارة حتمية بتأكيد إرادة الله لذلك, وهذه الطهارة لا دخل لأهل البيت فيها بل هي إرادة حتمية من الله أن يطهرهم ويذهب عنهم الرجس, فهي طهارة إلهية كونية (كن فيكون)، وليست طهارة مكتسبة بفعل الإنسان من ممارسته للعبادة والتقوى والقرب من الله.

وللرد على هذا الكلام سنحتاج إلى صفحات وصفحات، وليس هنا موضع مناقشة وتشريح وتحليل هذا المعتقدات والرد عليها، ولكن يكفينا القول اختصارا أن الإرادة الإلهية المؤكدة في هذه الآية والمكرر تأكيدها ثلاث مرات بالتطهير وإذهاب الرجس عن أهل البيت ليست إرادة حتمية كونية (كن فيكون) كما يقول ويعتقد الشيعة، وإنما هي إرادة تكليفية تأكيدية تطالبهم وتفرض عليهم بأن يكونوا هم بمحض إرادتهم وباختيارهم أطهار مبتعدين عن الرجس، لقرابتهم من رسول الله وقربهم منه، وبالتالي فهم مطالبون بأن يكنوا أكثر طهارة وبعدا عن الرجس والذنوب والخطايا والآثام وهناك كثير من الآيات المشابهة لهذه التأكيدات على إرادة إلهية في أشياء أخرى ولأناس آخرين ولكنها ليست حتمية كونية (كن فيكون)، وليس هنا موضع بسط ذلك ومناقشته وتشريحه، وأكتفي بذكر ما ورد من آيات في شأن أزواج النبي وتكليفهن بأن يكن أكثر تقوى وبعدا عن الفاحشة، ولو فعلن هذا فسوف يؤتون أجورهن مرتين، ومن لم تفعل فسيضاعف لها العذاب ضعفين، قال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً(30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً(31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) (32_ الأحزاب).

هذا وناهيك عن إشكالية أخرى حوتها آية التطهير هذه، ألا وهي: تحديد من المقصود بأهل البيت؟، هل هم زوجات الرسول؟، أم أقربائه جميعا؟ أم أقربائه المقربين؟، أو الذين لا يرى (الشيعة) سوى أنهم (علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وبقية الأئمة من ذرية الحسين) فحسب؟. والإجابة على هذه الأسئلة ستحتاج إلى صفحات مطولة ليس هنا موضع بسطها أو عرضها حتى لا نخرج عن موضوع الفصل وموضوع الكتاب، وسوف أفرد كما سبق وأن قلت كتابا مستقلا لمناقشة وتشريح المذهب الشيعي، ولكن ما يمكن قوله هنا أن أهل الرجل هم جميع أقربائه وزوجاته وذريته من الذين آمنوا معه، بدليل أن الله قد ذكر أهل نبي الله (لوط) ثم استثنى منهم امرأته لخيانتها وكفرها، مما يدل على أنها كانت من أهله، قال تعالى:
(فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغَابِرِينَ). (83_ الأعراف).
وقال: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ). (81_ هود).
وقال: (إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوَهُمْ أَجْمَعِينَ(59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الغَابِرِينَ). (60_ الحجر). وبالتالي فـ (أهل بيت) النبي محمد عليه الصلاة والسلام ليسوا فقط (علي، وفاطمة، والحسن والحسين والأئمة من ذرية الحسين) كما يعتقد (الشيعة)، بل وينضم إلى (الأهل) كذلك زوجات الرجل وكل أقربائه المقربين، وهناك دلائل أخرى كثيرة غير هذا، ليس هنا موضع بسطها. وكذلك لن أتعرض هنا لحديث (العترة والثقلين) الذي يتمسك به الشيعة حول وجوب (الولاية الدينية) لأهل البيت على المسلمين، فالكلام في هذا الحديث وتشريحه ومناقشته سيطول بنا جدا، وأعد القارئ الكريم أنني سأفرد له مقالا مستقلا فيما بعد.

وقد يسأل سائل ويقول: فما قولك في وصف الله لأزواج الرسول أنهن: (وأزواجه أمهاتكم)؟ هل وصف الله لأزواج الرسول بأنهن أمهات المؤمنين يعصمهن من الخطأ؟، أو يضفي عليهن أي لون من القداسة؟. أقول: :كلا، لأن وصف الله لأزواج الرسول بأنهن أمهات المؤمنين ليس لأفضليتهن أو لتقديسهن أو لعصمتهن ولكن لأن الله حرم على المؤمنين نكاح أزواجه عليه الصلاة والسلام من بعده, وهذه مكرمة وفضيلة وخصيصة لرسول الله نفسه وليست لأزواجه, ومن هنا جعلهن الله أمهات للمؤمنين, فهي مكرمة وفضيلة لرسول الله, وليست فضيلة أو مكرمة لأزواجه, بل إن القرآن قد عاتب زوجات الرسول كثيرا في كثير من الأخطاء التي ارتكبنها في حق رسول الله, ومنهن من كن يردن الحياة الدنيا ومنهن من كانت تفشي سر رسول الله, وقد نزل القرآن بهذا في سورة (الأحزاب) وسورة (الممتحنة) وسورة (التحريم), بل إن الله توعدهن بمضاعفة العذاب إن أتت إحداهن بفاحشة.

وعلى مدار التاريخ الإسلامي كله لم يأل الشيعة جهدا ولم يدخروا وسعا في استخدام (كتب السنة، والتراث، والتاريخ الإسلامي)، لضرب تلك الهالة من القداسة والعصمة والمثالية التي نسجها أهل (السنة والجماعة) حول جميع (الصحابة)، وذلك بالطعن في كل المسلمين الأوائل عدا من وقفوا مع (علي بن أبي طالب) في حربه مع (معاوية) والسيدة (عائشة) ومن معهما من بقية الأصحاب، وذلك حتى يثبتوا ويؤكدوا أن على بن أبي طالب وأبنائه الحسن والحسين وذرية الحسين من الأئمة الاثنى عشر هم وحدهم من ورثوا الإسلام الصحيح من رسول الله، وهم وحدهم من يمثلون الله ورسوله ودينه، وهم وحدهم من كانوا الأولى بخلافة رسول الله بعد موته في (الولاية الدينية) و(ولاية الحكم) على المسلمين، وما كان أن يتحقق هذا للشيعة إلا بتحطيم تلك الهالة وهذه العصمة والقداسة التي نسجها (أهل السنة) حول جميع (الصحابة)، لكسب تعاطف الناس مع (أهل البيت)، والإدخال في روع الناس أن (أهل بيت) الرسول فحسب هم المطهرون، وهم أولى بالاتباع والعصمة والقداسة، وعليه فلا سبيل أمام جميع المسلمين إلا اتباع المذهب الشيعي، بل ويعتقد (الشيعة) أنه ليس من سبيل إلى الإسلام الحقيقي والصحيح إلا بالطرق على أبواب الأئمة والنجباء من المراجع الشيعية الذين يكلمهم الإمام الغائب سراً ويكلموه من دون الناس جميعا فيخبرهم بصحيح الدين وحقيقة الإسلام.

وكذلك لم يأل (الشيعة) جهدا في وسم (أهل بيت) النبي وذريته بالقداسة والعصمة والكرامات التي لم تحدث إلا على أيدي الأنبياء والمرسلين، وكانت موقعة (الطف) التي قتل فيها الحسين بن علي، قمة الصيد وأثمنه، حيث جعلوا من تلك الجريمة الكبرى، حانة غنائية أكبر للغناء على ليلاهم، وذلك لاستدرار وحفز مشاعر الناس وعواطفهم وتعاطفهم، بل اتخذوا منها المطية الصبور التي تحملهم على ظهرها ليبلغوا عليها حاجة في نفوسهم لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس، وأصبح دم (الحسين بن علي) سوقا رائجة يتكسب فيها الشيعة ويتاجرون به، بل أصبح مقتل الحسين المندبة العظمى التي ندبوا فيها الحسين أكثر من ثلاثة عشر قرنا، ولا زالوا يندبونه، وسيظلوا يندبونه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولم تأل طائفة الشيعة جهدا في وسم جميع المسلمين الأوائل بالنفاق والخيانة والتآمر على (أهل بيت) النبي، واتهامهم كذلك بالصمت التآمري -على حد زعمهم- تجاه سلب حقهم المغتصب في الخلافة وولاية الأمر بعد رحيل النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فلم يبقوا على شاردة ولا واردة ذكرت في كتب التراث الإسلامي تمس سلوكا شخصيا أو دينيا أو سياسيا لأحد ممن صحبوا الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا وأعدوه نفاقا وكفرا وردة عن الإسلام، بل ما أن تقرأ كتابا تاريخيا لأحد من طائفة الشيعة إلا وتشعر بأن جميع المسلمين بعد وفاة الرسول مباشرة تحولوا إلى عصابة من المتآمرين دينيا وسياسيا وأخلاقيا، ولم يعفوا أحداً من ذلك سوى (على بن أبي طالب) وزوجه (فاطمة) وابنيه (الحسن والحسين) وبضعة نفر من المسلمين الأوائل الذين ناصروا (علي بن أبي طالب).

ولم يكن لطائفة (الشيعة) مرجع في كل ما سبق سوى كتب السنة والتراث والتاريخ الإسلامي، والعجيب في الأمر أن كلا الطرفين السنة والشيعة، لا مرجع لهما في كلا مذهبيهما سوى كتب التراث وكتب السنة وكتب التاريخ الإسلامي، وكذلك من المذهل لدى كلا الطرفين أننا لو تلونا كتابين: كتاب للسنة وكتاب للشيعة، عن شخصية واحدة، كشخصية (عمر بن الخطاب) على سبيل المثال، فسوف نجد (عمر بن الخطاب) في كتاب أهل السنة، هو الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وهو العادل الذي يكاد أن يماثل عدله عدل السماء، ولوجدته (المُحَدَّثْ) الذي وافق رأيه القرآن في عشرين موضعا، ولوجدته من أوائل العشرة المبشرين بالجنة. ولو تركنا ذلك الكتاب وتناولنا كتاب الشيعة حول شخصية عمر، لوجدنا (عمر بن الخطاب) على العكس تماما، حيث نراه شخصا آخر، فنراه ذلك الجهول الظلوم الغشوم غليظ القلب المتآمر على الله ورسوله ودينه، بل والغاصب للخلافة والديكتاتور المستبد في حكمه، والمُؤْثِر لقبيلته وذوي قرابته بالحكم والمال والعطايا، والمعادي والنابذ والظالم لأهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام: (علي، وفاطمة، وابنيهما الحسن والحسين).

والمفارقة العظمى في كل ما سبق تكمن في أن مراجع الفريقين واحدة ومصادرهما التاريخية واحدة، هي كتب السنة والتراث والتاريخ الإسلامي، وكتب السنة والتراث والتاريخ الإسلامي، أشبه ما تكون بـ (العجينة) الطرية التي يمكن لأي أحد تشكيل أي شيء منها وفق ما يريد ويهوى، بل يمكن تحطيم ما تم تشكيله وإعادة تشكيله مرة أخرى وفق الهوى والحاجة والسياسة، فلو أراد أي أحد أن يصنع من أي شخصية من شخصيات التاريخ شيطانا لفعل، ولو أراد أي أحد أن يصنع من ذلك الشيطان المتشكل ملاكا لفعل، والعكس، فكتب التاريخ والسنة والتراث بمفردها لا يمكن أن تدلنا على حقيقة يقينية قطعية نهائية واحدة عن أي شخصية أو حدث في التاريخ الإسلامي كله، وليس هناك من مراجع مستقلة محايدة تمكننا من الحكم على الأشخاص أو على الحوادث والأشياء بصورة يقينية قطعية نهائية.

وهنا قد يتردد في نفس أحدكم السؤال التالي: إذاً ما العمل؟ وما الحل؟. أقول الحل بسيط جداً وهو: التزام العلم ثم العلم ثم العلم، والعدل والوسطية في الشهادة على الناس والتاريخ والأشياء، وبدون ذلك لن نتمكن من معرفة حقيقة أي شيء حول أي شيء لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، وسنظل في حروب دينية وفكرية وسياسية وثقافية وعسكرية هكذا أبد الدهر، فماذا لو التزمنا بالنشاط العقلي الذي افتقده أهل الكتاب من اليهود والنصارى في قضية كهذه حين تحاجوا في إبراهيم عليه السلام، حين قالت اليهود إن إبراهيم كان يهوديا، وقالت النصارى إن إبراهيم كان نصرانيا، فرد عليهم القرآن الكريم وما أروع رده:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(65) هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ(66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ). (68- آل عمران).

فهل من العقل أن يتحاجج المسلمون سنة وشيعة في دين الله وتدعي كل فرقة أنها هي وحدها من تملك الحق والحقيقة، وهي وحدها من تملك الإسلام، وهي وحدها من تملك الله، وهي وحدها من تملك رسوله، وهل من العقل أن يتحاجج المسلمون الآن فيما ليس لهم به علم يقيني قطعي نهائي، فما كان الله ولا رسوله ولا دينه سنيين ولا شيعيين، وما ظهرت السنة ولا الشيعة إلا من بعد أن أتم الله الدين وختم الرسالة وتوفى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما أروع قوله تعالى:
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ). (134- البقرة).

لم أعلم أو أسمع أو أتلوا عن أمة من أمم الأرض تجيد السير إلى الوراء ويقف أبناءها عند تاريخهم وانقسموا عليه بين مقدس ممجد، ومهين لاعن، ومتاجر متكسب إلا هذه الأمة التي تسمى بالأمة العربية الإسلامية، لماذا حين نقرأ تاريخنا وتراثنا نقف عند الخير الذي نراه فيه فقط، نمجده ونقدسه ونقيم له الصلوات ونقدم له القرابين، وكأن الخيرات قد نضبت وانتهت في تاريخ هذه الأمة، أو نقف عند الشر الذي نراه فقط، نلعنه ونرجمه حتى آخر حصاة لدينا، وكأن الشرور قد نضبت وانتهت في تاريخ هذه الأمة؟؟، لماذا لا نتحرك خطوة واحدة إلى الأمام نزيد بها على الخير خيرا، ونزيل بها من الشر شره؟؟، ففي التاريخ والتراث الإسلامي آلاف الأشياء الحسنة التي نتعلم منها وحق علينا أن نزيد عليها، وفيهما كذلك آلاف السيئات التي نتعلم منها وحق علينا تجنبها في حاضرنا وفي مستقبلنا، والعاقل من يتعلم من سيئاته قبل حسناته، فلدينا في تاريخ وتراث هذه الأمة رصيدا ضخما من الصواب والخطأ، ولدينا رصيدا ضخما من الحسنات والسيئات، وفي طيات هذا الرصيد الضخم رصيدا أضخم وأضخم من العلوم والمعارف والتجارب التي نتعلم منها، بل إني أزعم بأن رصيد السيئات والأخطاء فيهما من العلوم والمعارف والخبرة أضعاف أضعاف ما في رصيد الخير والحسنات. والذي لا يعرفه كثير من الناس أن الخطأ هو لبنة أساسية في بناء صرح الصواب، ولن نصل إلى الصواب الكامل حتى نمر بمراحل ومراحل من الخطأ والتعثر والسقوط والزلل، وهذه هي طبيعة الحياة والناس والأشياء.

## ثالثاً: القرآنيون:

سوف يكون حديثي في هذه الفقرة موجه بشكل خاص لفكر الدكتور (أحمد صبحي منصور) على اعتبار أنه من أقدم وأشهر القرآنيين ومن أكثرهم انتقادا للأحاديث والتراث والتاريخ الإسلامي، فالرجل لا يرى في المرويات الحديثية ولا في التراث ولا في التاريخ الإسلامي ولا في رجاله خيرا على الإطلاق، ودعنا الآن نتوجه إلى ركيزة أساسية ورئيسة يقوم عليها فكر القرآنيين، ألا وهي (المثالية المفرطة) التي يتعامل بها القرآنيون مع النبي محمد عليه الصلاة والسلام لتثبيت فكرتهم الأساسية والرئيسة التي تقوم على اختطاف (القرآن الكريم) ونزعه من سياقه التاريخي وماضيه وواقعه ومحيطه البشري والتراثي والفقهي واللغوي، ومن كل شيء يتعلق به منذ نزل هذا الكتاب على النبي محمد عليه الصلاة والسلام وحتى يومنا هذا، وإلصاق كل النقائص الممكنة وغير الممكنة والواقعية وغير الواقعية بكل ما له علاقة بتاريخ القرآن الكريم سواء ممن نزل فيهم وعليهم هذا الكتاب، أو من تاريخهم وسلوكهم وأفعالهم وأقوالهم وربما حتى عقائدهم ذاتها، وذلك لأن فكرة (القرآن وكفى) لا يمكن أن تتسق وتكتمل ولا يمكن تسويقها إلا بتشويه وازدراء واحتقار كل ما رافق هذا الكتاب من تاريخ وأحداث وشخوص وفهوم وأفكار ورؤى وقراءة منذ نزوله وحتى ظهور القرآنيين في العصر الحديث.

فلطالما اتهم القرآنيون كلا من السنة والشيعة وجميع تياراتهم الدينية والمذهبية أنهم يقدسون البشر، ويقدسون العلماء والفقهاء والمشايخ والمراجع، وأعد القرآنيون هذا من الوثنية وشرك الطاعة والاتباع، وضاهوا بينهم وبين اليهود والنصارى الذين وصفهم القرآن بأنهم: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله). إلا أن القرآنيون رغم أنهم يرددون في كل كتاباتهم وكل أدبياتهم يرددون دوما أنهم ضد تقديس الأشخاص حتى ولو كان هؤلاء الأشخاص هم الأنبياء والرسل، إلا أن القوم قد وقعوا من حيث يعلمون أو من حيث لا يعلمون في شراك تقديس النبي عليه الصلاة والسلام شاءوا أم أبوا، ويظهر ذلك جليا في إنكارهم ورفضهم البات لكل الأحاديث والمرويات التي تؤكد على بشرية النبي محمد عليه الصلاة والسلام، أنه ليس ملاكا من الملائكة وليس قديسا من القديسين، وإنما هو بشر يوحى إليه، وحجتهم الوحيدة في رفض تلك الأحاديث أنها تسيء لشخص النبي عليه الصلاة والسلام، وأنها لا يمكن أن تنسب إليه ولا أن تصدر منه هذه الأفعال، مما يشعر القارئ لكتاباتهم أنهم بفعلهم ومعتقداتهم هذه يرفعون النبي محمد عليه الصلاة والسلام من بشريته ويضعونه في مصاف الإله المقدس الذي لا يمكن أن يكون من جنس البشر، وحتى لا يكون كلامنا بلا بينة ولا برهان أن مثالا على كلامي أتيت به من موقع أهل القرآن يكشف لنا هذه الحقيقة بوضوح على النحو التالي:

ذكر أحد القرآنيين في موقع أهل القرآن حديثا ورد في مسند أحمد بن حنبل، يسخر فيه هذا القرآني من الأحاديث التي تناولت حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وشخصيته، ويعتبر تلك الروايات كذبا وزورا وتلفيقا، فقال ما نصه:
(مسند احمد يقول أن الرسول يثار ويشتهى النساء عندما يمررن أمامه و يلجاء إلى زوجاته لإطفاء الشهوه. ‏حدثنا ‏ ‏عبد الرحمن بن مهدي ‏ ‏عن ‏ ‏معاوية يعني ابن صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أزهر بن سعيد الحرازي ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا كبشة الأنماري ‏ ‏قال: (‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏جالسا في أصحابه فدخل ثم خرج وقد اغتسل فقلنا يا رسول الله قد كان شيء قال ‏ ‏أجل مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها فكذلك فافعلوا فإنه من ‏ ‏أماثل ‏ ‏أعمالكم إتيان الحلال). انتهى

هذا الشخص القرآني يعتبر ما جاء في هذا الحديث عيبا ونقيصة ألصقها أصحاب الأحاديث بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، ونسي هذا القرآني أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو بشر كبقية البشر يثيره ما يدعو إلى الإثارة، ويشتهي النساء كبقية بني جنسه من البشر. ولا أدري ما ظن هؤلاء القوم (القرآنيين) بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، هل يظنون أن الله خلق محمداً عليه الصلاة والسلام من طبيعة بلاستيكية أو طبيعة ملائكية أو طبيعة إلهية غير الطبيعة البشرية التي عليها جميع بني آدم، وهل يعتبر هذا القرآني مجرد الإثارة الجنسية أو مجرد اشتهاء النساء جريمة أو وصمة عار أو نقيصة تنتقص من شخص وقدر النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟؟، أم يظن أن النبي محمد وتكوينه النفسي، ليس كتكوين بقية البشر النفسي؟؟. هذه العقيدة وهذا الفكر الذي يعتنقه القرآنيون في شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام لهو عين عقيدة ودين النصارى في المسيح بن مريم عليه السلام، وهو عين عقائد النصارى المثالية التمجيدية التطهيرية التأليهية التقديسية لشخصية المسيح بن مريم.

هذا الحديث في نظر ذلك القرآني كذب وتزوير وتلفيق تم افتراؤه على الرسول!!!. مع العلم لو أن هذا القرآني كان يبصر أو يدرك أو يعقل، لعلم أن هذا الحديث ليس فيه أية منقصة أو مذمة أو إساءة لا للرسول ولا لأي شخص آخر يحدث معه مثل ذلك الموقف، لأن ما حواه ذلك الموقف من تصرفات لا تخرج صاحبه عن طبيعته البشرية المحضة التي خلق الله عليها جميع البشر، والتي يتمتع بها كل آدمي سوي النفس سوي التكوين، بل لو حدث سوى ذلك لكان ذلك الشخص به خللا ما في كونه وتكوينه البشري، بل إن هؤلاء القرآنيين في موقعهم يسخرون مما نسب إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام من أقوال وأفعال، بصورة يعجز عن مثيلتها القمص زكريا بطرس، بل إن القمص زكريا بطرس يطرح انتقاداته بصورة تساؤلية استفهامية وإن كانت ماكرة خبيثة، إلا أنه دائما ما يقول: (عايزين نفهم، عايزين إجابات من إخوانا المسلمين)، لكن القمص زكريا بطرس لم يرقَ قط بسخريته وانتقاداته لسخرية القرآنيين وتهكمهم واستهزائهم بتاريخ وتراث آبائهم وأجدادهم إن كانوا فعلا ينتمون في نسبهم العرقي أو الديني لهذه الأمة.

ومن المفارقات الملفتة في فكر القرآنيين والجديرة بالذهول والدهشة، ذلك التناقض الشائه والفاقع في تناول القرآنيين لكتب التاريخ والتراث الإسلامي، فتارة تراهم يشنعون على كتب المرويات الحديثية وكتب التراث والسير والتاريخ الإسلامي، ويشنون عليها قاصفا من الوصف بالكذب والتدليس والتلفيق والخداع والتزوير، وتارة أخرى يقومون بنقد وتقييم أحداث التاريخ وشخصيات التاريخ وإنزال الأحكام القطعية المطلقة على أولئك الأشخاص وتلك الأحداث بطريقة لا تقبل الشك أو المناقشة أو المراجعة، والمثير للسخرية أنها من نفس تلك المصادر بعينها التي اتهموها بالتزوير والتدليس وأنها من الإسرائيليات المدسوسة على التاريخ الإسلامي كما يزعمون، وإلا فما هي المصادر الأخرى المحايدة من غير كتب التراث والتاريخ الإسلامي لتلك الأحكام ومن أين أتى بها أهل القرآن؟؟، بالطبع أتوا بها من نفس كتب السنة والسير والتاريخ، تلك الكتب التي وصفوها في كل كتاباتهم بالكذب والتدليس والتلفيق والخداع والتزوير!!!.

وأقدم للقارئ تناقضاً واحداً من مئات التناقضات التي تثبت مراوغة القرآنيين وانتقائيتهم المقصودة وتكذيبهم وردهم لكل ما جاء من روايات في التاريخ والتراث الإسلامي، وذلك على النحو التالي:
نتلو هذا النص التالي للدكتور صبحي منصور الذي ينتقد فيه الفتوحات الإسلامية التي قام بها المسلمون عقب موت الرسول مباشرة، وكأنها حقيقة مطلقة لا ريب فيها، والعجيب أن الدكتور منصور اعتمد في نقده على نفس المصادر الكاذبة المزورة المدسوسة التي دسها أهل الكتاب على التراث الإسلامي -على حد قوله- يقول الدكتور منصور:
(عندما خرج الصحابة من المدينة لغزو بلاد لم تقم بالاعتداء عليهم، وحينما احتلوا تلك البلاد بعد نهب خيراتها وقتل ابنائها وسبى نسائها فان كل ما فعلوه يتناقض مع شريعة الاسلام. بل إنهم حين كانوا يعرضون على ضحاياهم الذين يغزونهم قبل الحرب أن يقبلوا واحدا من ثلاثة: إما الاسلام أو دفع الجزية أو الحرب فانهم كانوا يتناقضون مع ألف آية قرآنية تؤكد على انه لا إكراه فى الدين وأن لكل انسان حقه المطلق فى العقيدة و انه مسئول عن اختياره امام الله تعالى يوم القيامة. أى أن ما انتشر بسيف الفتوحات لم يكن الاسلام الحقيقى وانما استعمار واستيطان بالقوة أدى فيما بعد الى نشأة أديان ارضية رجعت بها الديانات السابقة الى الظهور تحت اسم الاسلام فقط.) انتهى.

الدكتور منصور يعلم جيدا كما يعلم كل من له أدنى أثارة من علم بالتاريخ الإسلامي، أن هذا الحكم تم تجميعه من كتب التراث والسنة والتاريخ الإسلامي المزورة الملفقة كما يعتقد القرآنيون ويقرون بذلك، و كذلك الدكتور منصور يعلم جيدا أن كتب التراث الإسلامي بها الكثير من التناقض والتضارب في الكثير من الروايات، وكذلك يعلم الدكتور منصور تمام العلم بالتدخلات السياسية والمذهبية في كتابة التاريخ والسير الإسلامية، إلا أن الشيء المخالف للمصداقية والأمانة العلمية ومنهجية البحث العلمي، والذي يتعمد الدكتور منصور دائما غض الطرف عنه، بل وتجاهله عمدا مع سبق الإصرار والترصد، هو أن الدكتور منصور يصبو دائما في جميع كتاباته، وبطريقة فجة مكشوفة للجميع، إلى التحامل الظالم والجور البين الواضح، وبلهجة يقينية لا يرقى إليها الشك، إلى التحقير من شأن المسلمين الأوائل، ومن شأن التاريخ الإسلامي كله، ووضعهم في صورة يتقزز منها بل يترفع عنها أكثر العصابات الإجرامية إجراما في تاريخ البشرية، بدعوى أن الدكتور منصور يركز على الأخطاء لإصلاحها، مع التغاضي المتعمد عن ذكر أي منقبة أو فضيلة لأي حدث من أحداث التاريخ الإسلامي، أو لأي شخص من شخصيات التاريخ الإسلامي، وإن ذكر الدكتور منصور شيئا فيه خيرا في غفلة منه وسهوا، يكون ذلك الذكر في عبارة قصيرة أو جملة أو جملتين هكذا خلسة وعلى استحياء منه.

والأكثر فجاجة واستغرابا من كل ما سبق أن الدكتور منصور ذكر بالنص في مقاله المعنون: (المسكوت عنه في سيرة عمر بن الخطاب) قال:
(إن رواية التاريخ تحتمل الخطأ والصواب) انتهى.
وقال في موضع آخر من نفس المقال: (مع تأكيدنا علي أن الحقائق التاريخية حقائق نسبية يجوز فيها الصدق والكذب). انتهى،
ورغم إقرار الدكتور منصور بهذا، بل وذكره لهذا أكثر من مرة، إلا أن جل كتاباته حول التاريخ الإسلامي وشخصياته وأحداثه لا تنطلق مما قاله الدكتور منصور وأقر به لا من قريب ولا من بعيد، بل على العكس تماما، فكل كتابات الدكتور منصور هي كتابات تشويهية متعمدة للتاريخ الإسلامي وأحداثه وشخصياته، وبلهجة تلفها الحقيقة المطلقة والصواب المطلق والحق البين، بل نراه في كتاباته وكأنه يتكلم عن واقع شاهده بأم عينيه، رغم قوله: (إن رواية التاريخ تحتمل الخطأ والصواب). وقوله: (مع تأكيدنا علي أن الحقائق التاريخية حقائق نسبية يجوز فيها الصدق والكذب).
وفي الختام قد يكون مشروعا لي ولغيري أن نسأل الدكتور منصور من دون اتهام، فنقول:
• لماذا هذا الانتقاء المقصود والتركيز المتعمد على الروايات التاريخية المسيئة لتاريخ المسلمين من الدكتور منصور وعرضها في كل كتاباته بتلك اللهجة اليقينية الصوابية المطلقة؟.
• لماذا كل هذه الاستماتة في تبشيع صورة التاريخ الإسلامي، وتشويه صورة رواده الأوائل وأحداثه التاريخية، ومحاولة إظهار كل ما له علاقة بالمسلمين بهذه الصورة البشعة والفظة، والتي يترفع عن الاتصاف بها أحط الناس خلقا ودينا في تاريخ البشرية؟.
• وإذا كان العرب قبل مجيء الإسلام أقل شرا وأقل همجية على جيرانهم من الأمم الأخرى، ألا يرى الدكتور منصور أن عدم مجيء الإسلام كان من الأفضل والخير للعرب وللأمم المجاورة وللمصريين الأقباط وللدنيا بأسرها، بل وللدكتور منصور وأتباعه؟.
• أليس من الاستخفاف بعقول الناس، ذلك التناقض المستهجن والمستغرب والمستفز في هذه النظرة التبشيعية التشويهية التي ينظر بها الدكتور منصور وأتباعه إلى تاريخ المسلمين، وما فيه من أحداث وشخصيات همجية -كما يراهم هو وأتباعه- ثم بعد كل ذلك يقبل الدكتور منصور وأتباعه من هؤلاء الناس أنفسهم لا من غيرهم، ذلك الدين الذي يعلن انتسابه إليه ودفاعه عنه؟.
• وإذا كان أهل القرآن يمنعون أي مقال يسند حديثا للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ويقومون بحذفه من موقعهم على اعتبار أنه دين مكذوب وملفق ومدسوس، فلماذا لا يمنع أهل القرآن إسناد آيات للإنجيل الذي يعتبرونه محرفا في مقالات أخرى؟؟، ولماذا لم يمنعوا مقالاتي أنا شخصيا والتي أسندت فيها الكثير من النصوص الدينية للديانات الشرقية في دراستي حول البوذية والزرادشتية والهندوسية والكونفوشيوسية؟؟، وهل هناك من هدف ما، أو ترصد ما، في استهداف الأحاديث المنسوبة للنبي محمد تحديداً وللتاريخ الإسلامي بعينه؟.

(للحديث بقية في الفصل الثالث)
السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293175



نهرو طنطاوي: فيس بوك: نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة ...
- إطلالات قصيرة على واقع المشهد المصري الحالي
- لماذا بصق المصريون في وجوه نخبهم وإعلامييهم؟
- شيفونية المصريين
- (توفيق عكاشة) نموذج معبر عن حقيقة الشخصية المصرية
- من ينقذ المصريين من أنفسهم؟
- من حق (فاطمة خير الدين) أن تكون عاهرة وتفتخر
- أما أنا فأقول لكم
- ما لا يقال ولن يقال حول الصراع الإسلامي المسيحي في مصر
- (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) رد على: علال البسيط
- تعليقات على مقال أم قداس في كنيسة؟
- (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا)
- الرجل هو من استعبد المرأة والرجل هو من حررها
- علاقة الغرب العلماني المتحضر بالحاكم العربي
- هل الإجماع مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟
- الحرية كذبة كبرى
- هل الاجتهاد مصدر من مصادر التشريع في الإسلام؟؟
- وماذا بعد سقوط حسني مبارك ومحاكمته؟
- المواقيت الصحيحة للإفطار والسحور
- لا دية لأسر شهداء 25 يناير


المزيد.....




- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة)