أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - العصا والأصدقاء














المزيد.....

العصا والأصدقاء


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3622 - 2012 / 1 / 29 - 22:52
المحور: الادب والفن
    


أسلان هو صبيّ نحيف جدا، بقوام طويل، شعره أشقر اللون، أنفه معقوف بعض الشيء وعيناه بنّيتان ناعستان، يرخي رأسه حياءً ويتمايل جسمه قليلا وهو يخطو نحو غرفة الضيوف الصغيرة التي في بيتنا، والتي قلّما ندخلها نحن الصغار، ثم يجلس على الأرائك الصفراء القديمة وينتظر دخول والدي الى الغرفة.
أبي هو أستاذ في الرياضيات، يعلّم صباحا في المدرسة، وبعد آذان المغرب، يأتي إليه أسلان في بيتنا فيساعده في دروسه. أحيانا يكون أبي منشغلا في الطعام أو في التحدّث مع أمي أو جدي أو جدتي أو في أي أمر آخر، فيتأخّر بضع دقائق حتى يأتي ليعلّمه. ولأن أسلان صبيّ هادئ، غريب وخجول، ونحن بنات صغيرات نحبّ الشغب والضحك والمشاكسة، ندخل عليه في غرفة الضيوف قبل مجيء أبي، نجلس حوله على الأرائك كي "نسلّيه" قليلا ونتسلّى به!
"لماذا تأتي الى خالي؟ ألا تعرف كيف تحلّ وظائفك لوحدك؟" تسأله أميرة ابنة عمتي بنبرة لا تخلو من السخرية.
ولا يردّ، بل يحاول الهرب من نظراتنا التي تحاصره، ويشيح بوجهه الى الجهة الأخرى، ونحن نبتسم الى بعضنا البعض ونتبادل الغمزات.
ثم تردّ تانيا جارتنا: "ألا تعرفين لماذا يأتي؟ لأنه كسلان!! أنا رأيته بنفسي في غرفة المدير أكثر من مرّة!"
"هل أنت حقا كسلان؟؟" تسأله أميرة وهي تحدّق فيه متعجّبة، فيطفح وجه أسلان بحمرة قانية.
ثم تستطرد أميرة: "ما هذا المعطف الكبير المنتفخ الذي تلبسه؟ وما هذه القبعة الغريبة التي على رأسك؟ دعني أضعها قليلا على رأسي."
ننفطر من الضحك لكلام ابنة عمتي ونحن نتأمّل الصبيّ المسكين الذي لا يردّ، بل يجلس ويرخي رأسه خجلا، ويغلي بداخله!! حتى يدخل أبي الى الغرفة فننسحب من هناك بكل هدوء، كأنّ شيئا لم يكن، وابتساماتنا الشقيّة ترفرف على شفاهنا، ويغلق أبي الباب عليهما.
نحن نعرف أن أسلان لا يستطيع التفوّه بكلمة واحدة أمام مشاكساتنا لأنّه في بيتنا، ولكنه يرانا أحيانا نلعب في الحارة، ويرى أميرة وتانيا في المدرسة، فيردّ عليهما مشاكساتهما، يتحدّاهما، ويُسمعهما كلاما بذيئا، وحتى أنه يهدّدهما! أما أنا فلأنني أصغر منهما ولا أزعجه بالكلام، بل أجلس معهم فقط وأضحك بالخفاء، فهو لا ينزعج مني ولا يقول شيئا. حتى أنه أعطاني قطعة من الشوكولاطة مرةً، حين كان يمرّ من حارتنا هو وصديقه، إذ قال عني: "إنها طيبة وليست مثلهما (أي تانيا وأميرة)." وأنا غُمرت بالفرح أمام دهشة وذهول صديقاتي في الحارة، وشعرت بالفخر والإعتزاز لأنه يراني طيّبة دون غيري، وأحسست أننا أصدقاء.
ثم يعود الى بيتنا. وأنا أنتظر مجيئه على أحرّ من جمر. نركض إليه، الى غرفة الضيوف، قبل أن يأتي أبي، لنضحك قليلا دون أن يستطيع الردّ!
"أميرة اليوم غاضبة جدا منك. كيف تهدّدها بالضرب أنت وصديقك؟! أتظن أننا نخاف منك أو من صديقك؟ سأخبر أخي رودين إذا ضربتنا. سيقضي عليكما!"
"إهدئي يا تانيا. لا بد أنه كان يمزح فقط. كيف يضربنا؟ نحن أصدقاء ونضحك معه فقط. وأنا لست غاضبة. ولكن... شرط... أن يعطيني قبعته الآن لأراها."
"هيا أعطِها قبعتك، ألا تسمع؟" تهتف به تانيا.
ولكن أسلان لا يردّ، بل يرخي رأسه في استياء بالغ. وفجأة... تنطّ تانيا من مكانها وتأخذ القبعة عن رأسه!
"أعيديها اليّ!" يمتعض أسلان، ولكن بهدوء وتردّد.
"خذي أميرة، هيا خذي القبعة من يدي!"
تقوم أميرة من مكانها بسرعة لتأخذ القبعة ضاحكة، وتبتعد عنه نحو الباب، ثم تضع القبعة على رأسها وتبتسم وتقوم بحركات غريبة فننفجر بالضحك!
"يا لها من قبعة مضحكة! لماذا تضعها على رأسك، هه؟! هل أنت خائف من تبلّل شعرك الأشقر الجميل بالمطر؟ اليوم لا يوجد مطر، يمكنك أن تتركها عندنا. ما رأيك؟ سنعيدها لك غدًا."
"أعطِني إياها الآن!"
"خذها إذن!" تمسك القبعة بيدها وتمدّها له من مكانها، وحين يهمّ أسلان بالقيام، تهرب من الغرفة، تسبقها ضحكتها الرنانة.
تقول له تانيا ساخرة: "لماذا لم تأخذها؟ أيها المسكين! ألا تستطيع استرجاع قبعتك من يدي بنت صغيرة؟! ماذا تستطيع أن تفعل إذن؟"
يعود أسلان الى جلوسه منكسرا، منكس الرأس، ولا يعود الى الكلام. ثم يظهر أبي عند الباب فنخرج بسرعة من الغرفة، وبأعيننا نعده بلقاء جديد في الغد!!
وهكذا استمرّت مناوراتنا ومشاكساتنا على هذا المنوال. وفي أحد الأيام، طلبت مني أمي أن أحضر صندوقا فارغا من بيت أميرة لأن جدي بحاجة إليه. فذهبت الى بيتها سيرا على قدميّ. واقترحت أميرة أن نعود الى بيتي، أي بيت جدّنا، بدرّاجتها. ركبت خلفها على الدرّاجة، أحمل بيدي الصندوق وانطلقنا نحو بيتنا.
فجأة... وبعد أن ابتعدنا قليلا عن بيتها، ظهر أمامنا أسلان وصديقه من أحد الأزقّة بالقرب من الجامع، ومعهما ولد آخر... في يده عصا!
"توقفي، وإلا سأضربك!" قال الولد الذي حمل العصا.
"إبتعدوا عني!" هتفت أميرة وحاولت أن تفلت منهم وتبتعد، ولكن العصا التي مُدّت قبالة رأسها خوّفتها، فتوقفت.
"ماذا تريد؟" صرخت به ساخطة.
"أسلان أخبرني بكل ما فعلتنّ به. كم أنتنّ شقيّات! أين قبعته؟ ولماذا تضايقنه هكذا؟"
"إبتعد عني! لا تلمسني! هيا ابتعد عن طريقي!" صاحت أميرة، وأنا غُمرت بخوف شديد.
"أعيدي لأسلان القبعة وإلا سأضربكِ بالعصا!"
إنطلقت بنا أميرة بالدرّاجة، وفجأة... إعترض الطريق وينقضّ عليها ضربا بالعصا، وانضمّ إليه أسلان وصديقه، وأميرة تحاول السيطرة على الدرّاجة، ولكنها سقطت أرضًا، وسقطتُ معها، وأخذت تصرخ بهم وتبكي. ثم عادت الى الدرّاجة، وأنا من ورائها أمسك بالصندوق بقوة، أناضل كي لا يأخذه أحدهم مني أو أفلته من يدي فتغضب أمي، وفي ذات الوقت أجاهد لتجنّب ضرباتهم، ودموعي من عينيّ تسيل وتبلّل كل وجهي، وقلبي يرتجف خوفا من بطش ضرباتهم التي هبطت على رأسي وظهري ويديّ، وقلبي مجروح أكثر من أيّ جزء آخر في جسدي، ولا أفهم لماذا لم يحسبوا لوجودي ولمشاعري أي حساب وضربوني بالعصا مثل أميرة، رغم أنني لست مثلها ومثل تانيا.



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساءات لهفة
- ما هذه الأصوات في الليل؟
- المعلّمة أورا
- مهمة في الزواج
- القدر- قصة قصيرة
- الشهيدان
- بنت من هذا العالم
- تساؤلات بريئة
- لقاء آخر معك
- الشركس في فلسطين
- الشاطئ
- صدفة
- وهكذا اشتريت الشوكولاطة!
- تعالي سارتي، لنبكِ!
- طوشة كبار- قصة قصيرة
- الحب العتيق- قصة قصيرة
- اختفاء رباب ماردين 2
- اختفاء رباب ماردين1
- قراءتي في رواية ضمير المخاطَب لسيد قشوع
- هدية عيد الأم- قصة قصيرة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - العصا والأصدقاء