أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عبد المجيد حمدان - قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية 8 الاقتصاد الإسلامي والتنمية















المزيد.....



قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية 8 الاقتصاد الإسلامي والتنمية


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3548 - 2011 / 11 / 16 - 12:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري
9
مخاطر على الديموقراطية 8 الاقتصاد الإسلامي والتنمية
اعتذار واجب :
أعتذر لك عزيزي القارئ ، عن هذا التأخير في نشر هذه الحلقة . المسألة أن موسم قطف الزيتون كان قد بدأ مباشرة بعد نشر الحلقة السابقة . ولأنني أعشق العمل في القطاف ، فقد انخرطت فيه بكليتي . كنت أخرج من بيتي بعد شروق الشمس بقليل ، لأعود إليه بعد غروبها ، منهكا ولكن سعيدا ، وفي ذات الوقت غير قادر على فعل أي شيء آخر . فكان هذا التأخير . فهلا قبلت عذري ؟
والآن إلى موضوع الحلقة .
عاد الإسلاميون لطرح " الإسلام هو الحل "، شعارا لحملتهم الانتخابية . ولما كانت اللجنة المشرفة على الانتخابات ، قد حظرت استخدام الدين ، والشعارات الدينية ، ودور العبادة ، وكذلك المؤسسات العامة ، في الدعاية الانتخابية ، خرج من حزب الحرية والعدالة – الإخوان المسلمون – ومن جماعات سلفية ، من يزعم بأن "الإسلام هو الحل "، ليس شعارا دينيا ، وأن المحكمة كانت ، في وقت سابق ، قد حكمت بذلك . وعليه فقد صدرت عنهم تهديدات ب "توبيظ " الانتخابات ، إن أصرت اللجنة على إزالة الشعار .
دعونا لا ننظر للمسألة ، ولا نناقشها بالتالي ، من زاوية نظر تيارات الإسلام السياسي لها . بمعنى آخر لنتجاوز الشكل ونتوقف عند المحتوى ، أو المضمون . ولنسأل : ما الذي يعنيه هذا الشعار على وجه التحديد ؟ الحل لماذا ؟ لأية قضايا أو مشاكل ؟ وما هي بالضبط ماهيات الحلول التي سيبادون إلى تطبيقها ، عقب ركوبهم السلطة ؟
وبما أن أرض مصر الآن هي موطن هذا الشعار ، فهو يعني أن أصحابه يملكون في جعبتهم حلولا لكافة المشاكل ، أو القضايا ، التي تعاني مصر منها . حلولا للمشاكل الاجتماعية ،الصحية ، التعليم ، البيئة ، الزراعة ، الأمن ، القانون ، الاقتصاد .... وكلها مشاكل عويصة ، نتجت عن تراكم التدهور فيها جميعا ، ولفترات من الزمن طويلة . وأول ما يخطر على البال سؤال يقول بأن الإخوان ، الذين نشأت جماعتهم قبل عقود من الزمن ثمانية ، رافقوا كل هذه المشاكل ، فإذا كانوا يملكون حلولا إسلامية شافية لها ، فلم لم يطرحوا أيا منها على الجمهور ، عل القائمين على الحكم ، يأخذون ببعضها ، فلا تتفاقم المشاكل إلى هذا الحد ؟ لماذا اكتفوا فقط بطرح هذا الشعار العام ، "الإسلام هو الحل "، دون أن يتقدموا ببرنامج ، أو خطط عمل مفصلة ، مشتقة من التجربة الإسلامية ، لأي من هذه المعضلات ؟ ونصل إلى سؤال أهم : هل هم بالفعل يملكون مثل هذه الحلول ؟ وإذا كانوا يملكونها ، فلماذا تغيب عن برامجهم ؟
الإسلام وحل معضلة تدهور التعليم :
وحتى لا نبقى في العام ، دعونا نبتعد عن الجدل العقيم ، ولنتوقف عند بعض المعضلات التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية عموما ، ومصر على وجه الخصوص . ولنأخذ التعليم على سبيل المثال . ولنسأل هل يملك الإخوان ، وأي طرف سلفي ، حلا ما ، إسلاميا أو غير إسلامي ، لمعضلة تردي التعليم في مصر ؟
دعوني أفترض ، استنادا لتجارب عالمية ، أن الإخوان لو ملكوا مثل هذا الحل ، لكانوا عرضوه في برامجهم ، ولكانوا أقاموا الكثير من المؤتمرات والندوات ، يعرضون فيها رؤيتهم ، ويناقشون أهل الاختصاص ، ولتخرج هذه المؤتمرات والندوات بتوصيات ، ولا نقول قرارات ، تطرح على الجمهور ، وقد يأخذ بها ، أو ببعضها ، أهل الحكم ، وليخفف تطبيقها من تفاقم المشكلة . لكنهم لا يفعلون ، ولم يفعلوا . ومن جهة أخرى ، لو أنهم ملكوا مثل هذا الحل لطرحوه من على منابر المساجد ، ولحثوا الناس على الضغط على الحكم ، وعلى الأقل لقدموا للناس شيئا يتعلق بحياتهم ، بدل تصديع رؤوسهم بموضوعات الحجاب وما إلى ذلك .
لكن و بدل ذلك يكررون الحديث عن أن الإسلام حض على التعليم ، وكانت اقرأ أول سور القرآن ، تلتها آيات عدة ، منها نون والقلم وما يسطرون ، وغيرها كثير . وذلك صحيح لا مراء فيه . ولكن القرآن ، مع حضه على العلم والتعليم ، لم يقدم نظاما للتعليم . وهو نظام جرى تكليف البشر بوضعه ، وحدث أن المسلمين ، وفي كل عهود حكمهم ، لم يضعوه .
إلى غير هذا يأتيك من دعاة الإخوان ، وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي ، من يزايد عليك ، فيورد حكاية تصرف النبي مع أسرى بدر . آنذاك جعل النبي فداء المتعلمين من هؤلاء الأسرى ، تعليم عدد من أبناء المسلمين القراءة والكتابة ، وليستخلص هذا الداعية ، ما يصفه بحقيقة سبق الإسلام إلى الاهتمام بالتعليم ، متناسيا أن أهل الحجاز ، قبل الإسلام ، والحضارة اليمنية قبلهم ، ثم الممالك العربية ، الغساسنة والمناذرة ، سبقوا الإسلام في هذا الشأن . ومع ذلك ينسى من يعرضون هذه الحادثة أن جدلا ثار بين الصحابة بعد بدر ، حول قصة الأسر تلك ، وأن المسألة انتهت بنزول آية حظرت تكرار الأسر هذا ، إلا بعد زمن تتهيأ فيه ظروف أخرى للأسر . الآية إذن شطبت موضوع الفداء بالتعليم . والنبي كحاكم مدني – تواصل حكمه لعشر سنوات تقريبا – لم ينشئ نظاما تعليميا ، حتى يمكن القول بأن إعادة إحياء ذلك النظام ، هو الحل الموعود لمعضلة تردي التعليم في مصر .
وإذا ما انتقلنا إلى العهد الراشدي نرى أن ذلك العهد ، إقتداء بعهد الرسول ربما ، لم ينشئ مثل هذا النظام التعليمي . ومثل ذلك فعلت كل الأنظمة الإسلامية ، بدءا بالخلافات السبعة – الأموية ، العباسية ، الأموية في الأندلس ، الزبيرية ، الخوارجية ، الفاطمية والعثمانية – تليها السلطنات والإمارات والممالك ، مع شذوذ حالة الدولة السلجوقية ، ومحاولة وزيرها نظام الملك ، إنشاء منظومة للتعليم ، وليس نظاما تعليميا .
ما ورثناه عن العهود الإسلامية ، في التعليم ، كان نظام التلقين في الكتاتيب ، والذي شكل آفة فرخت آفات التعليم الحالية . ولعلنا أخيرا نسأل ، بعد تطبيق طالبان للحل الإسلامي لمعضلة التعليم في أفغانستان ، هل يكمن الحل الموعود لمعضلة التعليم في العودة إلى نظام الكتاتيب ، النظام الذي لم تعرف العهود الإسلامية غيره ؟
ولأن العهود الإسلامية لم تعرف نظما للصحة ، للبيئة ، للإدارة ، للمواصلات ، للاتصالات ، للإعلام ....الخ ، وكان حالها شبيها بحال التعليم ، يمكننا القول أن الإخوان والسلفيين وغيرهم لا يملكون حلولا إسلامية لها ، لأن هذه الحلول غير موجودة في الأصل ، وإلا لكانوا عرضوها في برامجهم وفي مؤتمرات وندوات وورش عمل متخصصة .
وإذن دعونا ننتقل إلى قضايا ، يزعمون أنهم يملكون حلولا لها . وهم حين يخفونها عن الأعين الآن ، يفعلون ذلك لاتقاء الحسد من جهة ، وحتى يضمنوا مفاجآتها السحرية بعد تربعهم على دست الحكم من جهة أخرى . ومنها :
ديموقراطية الإسلام البديلة :
أول القضايا التي يقول حزب الحرية والعدالة أنه سيقدم الحل لها ، هي قضية الديموقراطية . الديموقراطية بنسختها الغربية ، كما يقول قادة الحزب ، غير صالحة لمجتمع متدين ، كالمجتمع المصري . مثل هذا المجتمع تلائمه النسخة الإسلامية للديموقراطية ، كما وضعها الخليفة الأول ، أبو بكر ، وفي خطابه الأول بعد تولي الخلافة . هكذا ، وقبل بدء المعركة الانتخابية بمرحلة ، أخذ قادة الحزب ، ومرشحوه المحتملون ، لا يفوتون مناسبة ، أو لقاء عاما ، إلا ويكررون على سامعيهم ، مقاطع من ذلك الخطاب ، الذي قال فيه أبو بكر : "لقد وليت عليكم ولست بخيركم " ، و" أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم " ، و " الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له ، والقوي ضعيف حتى آخذ الحق منه " . ويفسر هؤلاء كلام أبي بكر على أن الحاكم يحكم ما دام الناس راضين عن حكمه ، فإن زال ، أو تراجع ، هذا الرضا ، يكون من حقهم سحب الثقة منه ، وإنزاله عن سدة الحكم ، ووجب عليه النزول على الإرادة الشعبية هذه . ويشيرون أن ذلك سيكون برنامجهم ومسلكهم في الحكم . ومع أن السلوك اليومي ، لقادة حزب العدالة ، يناقض أقوالهم ، يواصلون ترديد هذه الأقوال ، باعتبارها البديل ، أو الحل ، الإسلامي للنسخة الغربية من الديموفقراطية . فمن بين حوادث عديدة ، وقعت مؤخرا ، نحيل القارئ إلى واقعة اعتداء أبناء د. محمد مرسي ، زعيم الحزب ، على ضابط الشرطة ، وانحياز فروع الحزب لهما ، ووقوف الحزب وزعيمه ضد العدالة ، وهي الحادثة التي كنا قد أوردناها في الحلقة السابقة .
ومع ذلك دعونا نتوقف للحظة عند خطاب أبي بكر الأول ذاك . وبداية نشير إلى حقيقة لا يجهلها قارئ ، أيا كانت مستويات معارفه ، حقيقة تقول أنه ما من حاكم ، في الماضي كما في الحاضر ، لا يبدأ عهده بخطاب تطمين ، يؤكد فيه على أن حكمه سيكون مثال الحكم الرشيد . وليس هناك من حاكم ، وفي هذا الخطاب الأول ، لم يتوجه للجمهور طالبا مساعدته ، ومؤكدا على التزامه بخدمته ، وعزمه على النزول عن الحكم ، إن فشل في أداء مهمات هذه الخدمة . ألم يفعلها مبارك في خطابه الأول ، وحتى في الثاني والثالث ؟
لم يطل المقام بأبي بكر، كي يتثبت الناس من حقيقة التزامه بما جاء في خطابه . انشغل في حروب الردة ، والتي جاءت توجيهاته فيها ، لقادة جيوشه ، في منتهى القسوة والشدة . ثم كانت بداية الفتوحات ، وتبدل لهجة التوجيهات إلى النقيض ، تبعا لتبدل طبيعة المهام ، فوفاته المبكرة ، بعد أكثر من سنتين بقليل من بدء ولايته .
ولما كان من غير الممكن اختبار كلام أبي بكر ، وما إذا شكل منهجا مبكرا للديموقراطية ، ألا يكون من حقنا أن نسأل : هل ما تحدث به أبو بكر ، مع فرضية التزامه به لو لم تعاجله المنية ، وطال به الحكم ، كان منهجا خاصا به ، أم منهجا إسلاميا عاما ، يلتزم به سائر الحكام المسلمون ، كما يوحي لنا بذلك قادة حزب الحرية والعدالة ؟
لم يتعامل تاريخ الإسلام مع السؤال السابق كسؤال افتراضي . ولم يقدم له إجابة افتراضية . قال لنا التاريخ أن كلمات أبي بكر لم تتجاوزه إلى غيره ، ولم تشكل منهاجا للحكم في أي عصر . وعلى العكس رفض عثمان بن عفان النزول على إرادة الناس ، وأولهم أهل الحل والعقد من الصحابة ، والذين شكلوا كل أهل المدينة . وكانت الفتنة الكبرى ، والتي سبق الحديث عنها في حلقة سابقة . ومنذ ابن عفان لم يتصرف حاكم إسلامي واحد على غير اعتبار أنه ظل الله في الأرض . ولو لم يحدث ذلك ، لما نشأ فقه طاعة ولي الأمر ، ورفض الخروج عليه ، مهما بلغ طغيانه في الأرض . أليس فكر السلفيين ، أشقاء حزب الحرية والعدالة ، قائما على ذلك ؟ وليسأل الناس حزب الحرية والعدالة : متى حدث ، في التاريخ الإسلامي كله ، أن نزل حاكم عن دست الحكم ، نزولا على إرادة الناس ؟ أليس كل ما يقال في هذا المجال تدليس وتزوير للحقيقة ، وضحك على الذقون ؟
لقد أشرنا في الحلقات السابقة ، أن النظام الإسلامي ، في كل عصوره ، كان ، ومن الناحية الاقتصادية الاجتماعية ، نظاما عبوديا ، ينقسم فيه الناس إلى أحرار وعبيد . وتنقسم تشريعاته تبعا لذلك . وقلنا ، وهذه حقيقة مقررة ، أن نظاما عبوديا كهذا ، لا يلتقي مع الديموقراطية ، التي من أولى بديهياتها إلغاء هذه العبودية .
وأما القول بالشورى فلم يعد مطروحا اليوم من قبل تيارات الإسلام السياسي . ويبدو من سكوت هذه التيارات عنها ، إقرار هذه التيارات ، ثم قبولها بتقدم النظم البرلمانية ، رغم نشأتها الغربية ، على نظام الشورى . والتسمية ، في بعض البلدان ، للبرلمانات بمجالس الشورى ، لم يغير من حقيقتها . وحتى السعودية التي اضطرت لاستحداث مجلس شورى ، استعارت شكل ونظام البرلمان له ، وإن حافظت على استبعاد مضمونه . وربما حدث ذلك لأن تيارات الإسلام السياسي باتت متيقنة ، من معرفة جمهور الناس ، لحقيقة أن النظم الإسلامية جميعا ، لم تطور الشورى إلى مؤسسة ، تساعد الحكم بالحصول على رؤية أوسع للمشكلات التي تواجهه ، وعلى وجهات نظر أشمل لعلاجها . ولا أظن أن أحدا لا يعرف أن تطبيق النبي للشورى ، ثم الراشدين بعده ، عصف بنويات مؤسسات الشورى التي كانت قائمة قبله ، مثل مجلس دار الندوة في مكة ، وسقيفة بني ساعدة في المدينة ، ومجالس شورى القبائل ، وأخيرا مجلس شورى ملكة سبأ الذي تحدث عنه القرآن .
ونخلص إلى القول أن الإسلام ، ونقيضا لمزاعم قادة حزب الحرية والعدالة ، لم يقدم ، وليس بمستطاعه أن يقدم ، حلا بديلا لمطلب الشعب المصري بديموقراطية حقيقية وفاعلة .
الاقتصاد الإسلامي :
ننتقل بعد هذا إلى موضوع شائك آخر ، طالما ادعى أصحاب شعار"الإسلام هو الحل "، أنهم يملكون حلا له ، دون أن يقدموا الدليل ، ولو لمرة واحدة ، على صحة ادعائهم . نعني موضوع التنمية والاقتصاد ، الذي يشكل المشكلة الكبرى التي تواجهها ، ليس مصر وحدها ، وإنما سائر البلدان التي تستقوي فيها تيارات الإسلام السياسي .
وإذن نقول : تعاني بلدان الربيع العربي جميعا ، بالإضافة لبلدان أخرى ، من مشاكل اقتصادية حادة ، تتطلب حلولا استثنائية . تيارات الإسلام السياسي توحي للمواطن بأن شعارها : "الإسلام هو الحل "، يقدم تلك الحلول الاستثنائية . وهناك من يزعم أن اعتلاء هذه التيارات ، أو بعضها ، لسدة الحكم ، سيأتي بهذه الحلول ، ويخلص المجتمعات التي ستنعم بهذا الحكم ، من شر الفقر والتهديد بالمجاعات . وأكثر ستعرف هذه المجتمعات نعم الوفرة والرخاء وبسطة العيش ...الخ ، في تكرار لعصر الإسلام الذهبي ، المتمثل بالعصر الراشدي . وإذا ما سأل عاقل متشكك : وكيف سيكون ذلك ؟ جاءه الجواب : بتطبيق الاقتصاد الإسلامي بديلا للاقتصاد الحالي .
ما يثير الدهشة في هكذا حوار أن علماء في الاقتصاد كبار ، إما يصمتون أمام القول بالاقتصاد الإسلامي ، وإما يؤكدون على وجود هكذا اقتصاد ، دون تلميح ، أو إشارة لمرجع واحد من مراجع هذا الاقتصاد ، أو نظرية من نظرياته . وقبل ذلك ، وفي حال تجرأ أحد على السؤال عما إذا كان توصيف اقتصاد عهد من العهود الإسلامية ، بالاقتصاد الإسلامي ، يصح من الناحية العلمية ، يأتيك الجواب : لا مجال للإنكار بوجود اقتصاد إسلامي . وتفهم من الحديث ، أن الدولة الإسلامية ، بدءا من الراشدين ، وانتهاء بالعثمانيين ، كان لها نظام اقتصادي ، هو ما يوصف بالاقتصاد الإسلامي ، سواء أصح هذا التوصيف ، من الناحية العلمية ، أو لم يصح .
ونتجرأ لنسأل : هل عرفت البشرية ، أو العهود الإسلامية شيئا اسمه الاقتصاد الإسلامي ؟ ومن جديد نتجرأ بالإجابة ، وفي تعارض مع من يزعمون بوجود هكذا اقتصاد ، لنقول : لا لم تعرف شيئا كهذا .
هناك حقيقة بسيطة ، وبديهية ، يعرفها الناس جميعا ، وهي أن كل المجتمعات ، صغيرها وكبيرها ، قديمها وحديثها ، المتصلة مع الآخرين ، والمنعزلة عنهم ، عرفت علاقات ومعاملات اقتصادية . لكن من غير الممكن وضع هذه العلاقات والمعاملات ، تحت مسمى علم اقتصاد لهذا المجتمع أو ذاك . ولو فعلنا ذلك لكان لدينا في القديم ، علم اقتصاد بابلي ، وآخر آشوري ، وثالث فرعوني ، ورابع فارسي ، وخامس روماني ، وسادس مسيحي ، وسابع بوذي ، وثامن هندوسي ......الخ . وما نعرفه أن تسمية أو تصنيف اقتصاد ما ، استند إلى المرحلة التاريخية ، الاجتماعية الاقتصادية ، على سلم التطور البشري . ونقول : كان هناك اقتصاد مرحلة المشاعية البدائية ، تلاه اقتصاد المرحلة العبودية ثم الإقطاع فالرأسمالية فالاشتراكية . ولا نظن أن أحدا يجهل أن الاقتصاد كعلم ، نشأ وتطور منذ عصر الرأسمالية . ولو فكرنا قليلا وسألنا : أين يقع ما يوصف بالاقتصاد الإسلامي ، لجاءنا الجواب سريعا وسهلا : في المرحلة العبودية . ونؤكد للقارئ أن هذه إجابة أساطين المفكرين الإسلاميين ، والمحدثين منهم بشكل خاص .
وحتى لا يتهمنا القارئ بإلقاء هكذا " تهمة !" جزافا ، تعالوا لنقف لحظة عند تفسير شيخهم ، أو إمامهم ، سيد قطب ، في مؤلفه الضخم ، " في ظلال القرآن " لإحدى الآيات ، من سورة البقرة ، التي يرد فيها ذكر العبودية ، وفشل المسلمين ، في سائر عهودهم ، في تخليص البشرية من هذه الجريمة الإنسانية ، هائلة الفظاعة . يقول سيد قطب في ص 164 من الجزء الثاني المجلد الأول : "وأما في الرق مثلا فقد كان الأمر أمر وضع اجتماعي اقتصادي ، وأمر عرف دولي وعالمي في استرقاق الأسرى وفي استخدام الرقيق ، والأوضاع الاجتماعية المعقدة تحتاج إلى تعديل شامل لمقوماتها وارتباطاتها قبل تعديل آثارها وظواهرها . والعرف الدولي يحتاج إلى اتفاقات دولية ومعاهدات جماعية . ولم يأمر الإسلام بالرق ، ولكنه جاء فوجد الرق نظاما عالميا يقوم عليه الاقتصاد العالمي .....الخ " .
إذن يريدنا من يقول بالاقتصاد الإسلامي ، أن نقبل بفكرة تقول : أن في إعادة تطبيق اقتصاد المرحلة العبودية شفاء لاقتصاد مصر ، وأي بلد من بلدان الربيع العربي . وأكثر من ذلك شفاء للاقتصاد العالمي ، من أزمات الاقتصاد الرأسمالي ، وتجلياته المتجددة . كيف ؟
وحتى لا ندخل في مماحكات ، ونسأل أصحاب هذا العلم عن مؤلفات فيه ، وأماكن عرضها على أرفف المكتبات العامة والخاصة والجامعية ، أو عن أسماء علماء مسلمين بارزين في فروع هذا الاقتصاد ، أو عن نظرياتهم المبتكرة ، أو قوانين جديدة لهم تم التوصل إليها ، نسأل التالي : لقد سنحت الفرصة مرة بعد أخرى ، مع تجدد أزمات الاقتصاد العالمي ، لمن يقولون باقتصاد إسلامي ، لتقديمه بديلا لعلوم الاقتصاد الرأسمالي من جهة ، ولطرح حلول لهذه الأزمات . كان من الممكن أن يتصدر هؤلاء العلماء ، لو كان لهم وجود ، المؤتمرات والمنتديات الدولية ، كاشفين عورات علوم الاقتصاد الرأسمالي ، وعارضين نظرياتهم وحلولهم ، ومثبتين تقدم الاقتصاد الإسلامي وصلاحيته لقيادة العالم . ويمكن للمرء أن يتصور عائد ذلك على كل الفكر الإسلامي ، وبما في ذلك انتقال شعوب بأكملها لاعتناق الإسلام ، بدل هذا التهليل لإسلام عبير وكاميليا ، وهذا الشخص هنا أو هناك . والسؤال : لماذا لا يفعل علماء الاقتصاد المسلمون ذلك ؟ ولماذا لا يتنافس علماء الاقتصاد الإسلامي على الجوائز الدولية كجائزة نوبل مثلا ؟ لماذا يغيبون عن المؤتمرات والندوات الدولية ؟ لماذا لا تدرس كتبهم ، نظرياتهم ، قوانينهم ، رؤاهم ، في كليات الاقتصاد ، وفي جامعات البلدان التي تأخذ بالنظم الإسلامية ، التي تطمح تيارات الإسلام السياسي ، في بلدان الربيع العربي إلى الحذو حذوها ؟؟؟؟ والجواب بسيط ، وهو : لا وجود لمثل هذا الاقتصاد ، ولا حتى في مخيلة من يتحدثون عنه . ولا وجود لمثل هؤلاء العلماء ، ولا لنظريات أو قوانين ، تخص ما يوصف بالاقتصاد الإسلامي . وقد يسأل قارئ : ولكن كيف هذا ودعاة وقادة تيارات الإسلام السياسي يصدعون رءوسنا ، صبحا ومساء ، وفي كل الأوقات أنهم يملكون الحلول ؟
اقتصاد الحجاز :
ونقول : في عصر الحضارة العربية الإسلامية ، برز العديد من العلماء ، الذين أبدعوا في مجالات عدة . ولو أتيح للقارئ تصفح قوائم العلوم التي كتبوا فيها ، لهاله تشعبها من جهة ، وكم المخطوطات التي تركها كل منهم ، كما سلف وأشرنا ، من جهة أخرى . ولكن القارئ ربما لا ينتبه لحقيقة هامة ، وهي خلو هذه الإبداعات من أي ذكر ، ولو على سبيل التلميح للاقتصاد . يجد القارئ أن الفارابي أو الرازي .....قد بحث وكتب في الفلسفة ، في الطب ، في الفلك ، في الرياضيات .....وحتى في الشعر والأدب ، ولكن دون إشارة للاقتصاد . وقد يسأل القارئ : لماذا ؟ ويأتيه الجواب : لأن مثل هذا العلم ، علم الاقتصاد ، لم يكن له وجود ، على عكس العلوم الأخرى .
وقبل بضع سنوات حدث أن انغرزت في بحث عن نشأة الدولة الإسلامية وتطورها ، أثمر بعد خمس سنوات كتابا من جزأين ، بعنوان : قراءة سياسية في العهدين المحمدي والراشدي . المهم أنني احتجت ، في هذا البحث ، للوقوف على أسباب النهضة الاقتصادية ، التي أعطت للعهد الراشدي هذه السمة المميزة ، العصر الذهبي . هذا العصر الذي تعدنا تيارات الإسلام السياسي بعودته ، ما أن تقفز إلى سدة الحكم ، وتبدأ العمل بالاقتصاد الإسلامي . بحثت إذن عن مؤلفات في هذا الاقتصاد . بحثت في المكتبات ، واستعنت ببعض أساتذة الاقتصاد . وفي النتيجة حصلت على إجابات متكررة : لا وجود لمثل هذه المؤلفات ، لأنه لا وجود لمثل هذا العلم ، الذي لو كان موجودا لجرى تدريسه في كليات الاقتصاد ، في جامعات الدول التي تقول بأخذها بالنظام الإسلامي ، كالجامعات السعودية على سبيل المثال . ثم عرفت أن مساقا للاقتصاد الإسلامي يتم تدريسه في جامعة القدس – مقرها أبوديس في الضفة الغربية – . وساعدني صديق في الحصول على المذكرة التي يتم تدريسها هناك . وتفاءلت خيرا ، بعد مطالعة أسماء مؤلفيها ، وهم أربعة على ما أذكر ، على الغلاف ، والمسبوقة بِ " أ . د " ، أي الأستاذ الدكتور فلان . وفي الداخل واجهت خيبة أمل مريرة ، لأن ما هو مكتوب بين دفتي المذكرة ، لا علاقة له بعلم الاقتصاد ، أو أي علم . ورتب لي الصديق لقاء مع دكتور يدرس هذه المادة في الجامعة . وكان سؤالي : كيف تدرس هكذا مادة ؟ وجاءني الجواب أنه في الحقيقة لا يدرسها ، وأنها فرضت عليه ، وفي المحاضرات يقول ما يمليه عليه ضميره .
ولأنني لم أتوقف عن البحث أرسل لي صديق كتابين ذوي علاقة ، واحد للشيخ تقي الدين النبهاني ، مؤسس حزب التحرير الإسلامي ، والثاني لخلفه د. عبد القديم زلوم . والكتابان ، كما المذكرة ، لا يستعرضان علما ، ولا حتى مبادئ علم ، في الاقتصاد . وببساطة تطالب هذه الكتب ، التي وقعت بين يدي ، تجاهل التطور الذي حدث على مسار البشرية ، والعودة إلى تلك الحقبة من حياة الحجاز ، التي نزل فيها الإسلام ، وجاءت الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، لتتعامل مع أوضاعها . وعلى سبيل المثال يطالبنا ما يوصف بالاقتصاد الإسلامي – كما عرضتها هذه المؤلفات – بتحريم وجود موازنة سنوية للدولة ، لأن دولة النبي ، والدولة الراشدية ، لم تعرف مثل هذه الموازنة . ويبرز بعد ذلك ، وقبل ذلك ، سؤال : كيف كانت أوضاع الحجاز – مسقط رأس الدين الإسلامي – آنذاك ؟
أشرنا إلى حقيقة أن الإسلام نزل في حقبة هيمنة النظام العبودي ، ليس على الحجاز فقط ، وإنما على أجزاء واسعة من العالم القديم ، وليس عليه كله ، كما يقول قطب وغيره من أئمة تيارات الإسلام السياسي . لم يعرف الحجاز نظام الدولة حتى ذلك الوقت . وانحصر اقتصاده في فرعي الزراعة – حيوانية ونباتية – والتجارة . فالحجاز – كما باقي شبه جزيرة العرب – لم يعرف شيئا اسمه الصناعة ، وعلاقاتها ، وفروعها ، وما نتج عنها من نظم الأجور والسلع وتسعيرها ....الخ . والمدقق في الآيات والأحاديث ، التي يصفها علماء المسلمين ، بأنها تشكل أسس ومبادئ الاقتصاد الإسلامي ، يجد أنها لا تخرج عن توصيف المعاملات والعلاقات التي تخص فرعي التجارة والزراعة ، اللتين شكلتا كل الاقتصاد آنذاك . وبسبب ضعف الزراعة ، والاعتماد على شقها الحيواني ، حظيت التجارة بحصة الأسد من تلك الآيات والأحاديث . وفي نظام كان هذا وضعه ، شكل العبيد قوة العمل الأساسية ، في فرعي الاقتصاد ، وفي الأعمال الخدمية ، وهي قوة عمل بلا أجور أو أية حقوق أخرى . ولذلك لم تعرض الآيات والأحاديث نظما للأجور ، والتعويضات ، والحقوق ...الخ . والحديث الشريف " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " لا يقدم مثل هذا النظام . وبسبب غياب نماذج الإنتاج السلعي الكبير ، غابت الإشارات عن نظم التسعير ، والعرض والطلب ...الخ
ولما فرض إنشاء الدولة ، إنشاء خزينة لها ، وتوفير موارد مالية لهذه الخزينة ، كان بديهيا أن لا يخرج البحث عن هذه الموارد ، عن نطاق المعروف آنذاك : الغنائم ، الأنفال ، الصدقات ، وبعض الضرائب كالزكاة والعشور ...الخ ، ولتأتي أموال الجزية والخراج بعد الفتوحات ، عبر عملية نقل عن الأمم المغلوبة .
الربا والبنوك :
لا يذكر القائلون باقتصاد إسلامي شيئا عن هذه الأوضاع . كما لا يذكرون أن اقتصاد العهود الإسلامية المتعاقبة ، لم يشهد تغييرا ملموسا لها . مثلا لم تنشأ صناعة ، بمعناها الحديث ، وعلاقاتها ، في أي عصر من هذه العصور . وبقيت قوة العمل المنتجة تعتمد قوة العمل غير المأجور ، أي العبيد ، فلم يتطور نظام للأجور ، وعلاقات للعمل المأجور ، بما في ذلك نشوء السلع ، ونظم التسعير ...الخ . وإغفالا لكل ذلك ، نجد ممن يقولون باقتصاد إسلامي تركيزا على مسألتي حظر الربا والمرابحة ، وحتى رفض النظام البنكي ، بدعوى أنه يقوم على مبدأ الربا المحرم إسلاميا .
يتجاهل هؤلاء حقيقة أن حظر الربا لم يكن بدعة إسلامية ، وإنما تقنينا لحالة ، أو لنقل لفكر ، أو دعوات ، كانت قائمة في الحجاز قبله . ولنتذكر أن العديد من المجتمعات البشرية لم تعرف التعامل بالربا . وهي مجتمعات لم تعرف الإسلام ، ولم يصلها حظره للربا ، ولكن أديانها ، وهي غير سماوية ، تحظره . ومرة أخرى نذكر أن مجتمع مكة ، الذي تفشى فيه التعامل بالربا ، نظر إليه باعتباره رجسا أو نجاسة . لكن وبسبب افتقاد مكة لنظام الدولة ، ظلت غير قادرة على حظره . ودليلنا مستمد من حادث إعادة ترميم الكعبة ، وقصة فض النبي لنزاع بطونها على رفع الحجر الأسود ، وإعادة وضعه في مكانه . آنذاك وقبل البدء في إعادة الترميم ، أشار الخطباء إلى حظر التبرع بمال قادم من أصول تشوبها شبهة نقصان الطهارة . وقرنوا مال الربا بمال البغاء ، في حظر استخدامه في عملية الترميم تلك .
ولنا أن نسأل : بعد كل ذلك ، لماذا حظر الإسلام الربا ؟ والجواب أن اقتصاد تلك الفترة ، وعمليات الإنتاج فيه ، لم يكن قادرا على تحمل نتائج التعامل بالربا . فكما أشرنا كان ناتج الزراعة ، كأحد فرعي الاقتصاد ، وفي بلد يعتمد على مياه المطر ، وهي في الحجاز خاصة ، وشبه جزيرة العرب عموما ، شحيحة ، بالضرورة محدودا وصغيرا . كما كانت احتمالات تعرض البلاد ، فالزراعة ، للجدب كبيرة . ولذلك فإن لجوء المزارع للاقتراض بالربا محفوف بالمخاطر ، وفي مقدمتها الإفلاس والخراب . وهو تحديدا ما قصده تحريم الربا ، حسب اجتهاد بعض الفقهاء . وهو ما دفع دعاة الإصلاح قبل الإسلام ، ممن يسمون بالأحناف ، وممن حملوا بعض إمارات النبوة ، إلى المناداة بمنع التعامل بالربا . لكن حظر التعامل بالربا تطلب وجود دولة ، وسن قوانين بالتحريم ، وقدرة على تطبيقها ، بما في ذلك فرض وتطبيق العقوبات على المخالفين .
إن قراءة متأنية لخطبة الوداع – من سيرة ابن هشام مثلا – تمنح القارئ تأكيدا على صحة القول السابق . فما ورد في الخطبة يعطي الدليل على أن المسلمين ، وعلى رأسهم العباس بن عبد المطلب ، عم النبي ، وأقرب أهل بيته إليه ، واصلوا التعامل بالربا ، بعد نزول آية تحريمه ببضع سنين . وجاءت خطبة الوداع في نهاية العهد النبوي ، ولكن بعد توطد دولة الإسلام ، وامتلاكها القدرة على تطبيق قوانينها . وكان أن النبي في تلك الخطبة أصدر قرارا ، أشبه بمرسوم حكومي ، ليس فقط بوقف التعامل بالربا ، بل وبإسقاط كل ربا كان قبل هذه الخطبة ، بما في ذلك ربا العباس . قال : "....فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، وإن كل ربا موضوع ، ولكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، قضى الله أنه لا ربا وأن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله ....".
ومن جديد يبرز السؤال : ما علاقة قاعدة تحريم الربا هذه بالبنوك والتعامل معها ؟ والجواب أن فقهاء تيارات الإسلام السياسي ، وتيار النقل عموما ، لا يرون في مسألة البنوك وعملها ، واحتياج الاقتصاد لها ، ودورها في عمليات التنمية ، إلا ذلك الجانب المتعلق بالفائدة على القروض البنكية ، هذه الفائدة التي يرونها ربا ، ومن ثم حراما . لينطلقوا منها إلى تحريم العمل البنكي برمته ، دون تقديم البديل الضروري لعمل الاقتصاد الحديث . وبالمناسبة هم لا يرون من هذه القروض إلا تلك الصغيرة ، والتي يحتاجها صغار المنتجين ، والتجار والموظفين ، وفي وضع مقارب ، أو شبيه ، بوضع مزارعي الحجاز ، أيام نزول الدعوة .
ففي واقع الحال ، يتجاهل منظرو الإسلام السياسي جملة من الحقائق المتعلقة بنشأة وضرورة عمل النظام البنكي . أولها أن المسيحية ، مثلها مثل الإسلام ، حظرت الربا . وكذلك اليهود بين اليهود ، مع سماح الدين اليهودي به مع الأغيار . وثانيها أن الاقتصاد الأوروبي ، في عهد الإقطاع ، كان حاله حال اقتصاد الحجاز ، لم يحتمل الاقتراض بالربا ، الذي كثيرا ما ألحق الخراب بالمقترضين ، رغم الاختلاف البين بين مناخ أوروبا ومناخ شبه جزيرة العرب . وثالثها أن الإقطاعيين الذين اضطروا إلى الاقتراض من المرابين اليهود ، وتفاديا للخراب ، لجأوا إلى التحريض ، فتنظيم الاعتداء على غيتوات اليهود ، تهربا من سداد فوائد الديون ، وبحثا على سبيل للنجاة من الخراب . ورابعها أن نشأة النظام البنكي رافقت الثورة الصناعية ، وجاءت ضرورة ، لا غنى عنها ، لتطور الصناعة الناشئة ، هذا الفرع الجديد ، وشديد الأهمية ، في العملية الإنتاجية للعصر الجديد ، عصر الرأسمالية . وخامسها أن عمليات الاقتراض التي توفرها البنوك ، تشكل الرافعة ، عظيمة الأهمية ، لإقامة المشاريع الصناعية الكبرى ، وما يوصف بالصناعات الثقيلة ، وبدونها تصبح هذه العملية شبه مستحيلة . وباختصار فإن إلغاء البنوك ، أو النشاط المصرفي ، يعني ليس فقط وقف عمليات الإنتاج ، بل والعودة به كثيرا إلى الوراء ، بما في ذلك القضاء على أية فرص للتنمية ، فحل المشكلات المترتبة عليها ، كالبطالة والفقر والصحة والتعليم ....الخ .
لكن تيارات الإسلام السياسي لا تقول بإلغاء النظام البنكي ، ولكنها تقول باستبداله بنظام إسلامي ، وأنشأت ما يوصف بالبنوك الإسلامية ، التي استبدلت الفائدة البنكية ، باعتبارها ربا ، ومحرمة شرعا ، بالمرابحة . ووضعت الآية " أحل الله البيع وحرم الربا " شعارا لها . ولنا أن نسأل : هل قدمت قوى الإسلام السياسي حلا لهذه المسألة ؟ أم أن ما جرى مجرد عملية تحايل على قانون حظر الربا لا أكثر ؟ وهل استغنت دول النظم الإسلامية ، بهذا الحل ، عن التعامل مع النظام البنكي العالمي ؟ وما حقيقة رفضها تسلم الفوائد على أموالها المودعة في بنوك الغرب ، الموصوف من قبلها بالفاسد ؟ هذا غير عشرات الأسئلة الأخرى التي تحتاج لوقفة جديدة مطولة ، نرجئها إلى الحلقة القادمة مضافا لعا قضايا أخرى كالسياحة ، والقانون ، تحتاج للمزيد من مناقشة الحلول التي يفترض أن شعار الإسلام هو الحل سيوفرها ، بعد ركوب تيارات الإسلام السياسي لنظم الحكم في بلدان الربيع العربي ، أو معظمها على الأقل .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 8 مخاطر على الديموقراطية ...
- الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية
- قراءةتأماية في ثورة الشباب المصري 7 مخاطر على الديموقراطية 6 ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 6 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 5 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 4 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 3) مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 2 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري
- عبود الزمر و العيش خارج حدود الزمان والمكان
- دخول الى حقل المحرمات - 1 -
- وحدة الأضداد بدون صراعها
- هل هي مبادرة؟!
- ويا بدر لا رحنا ولا جينا


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عبد المجيد حمدان - قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية 8 الاقتصاد الإسلامي والتنمية