أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد حمدان - قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري















المزيد.....



قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 16:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1
مطالب التنمية :الإسلام والحل


غياب:
كان شعار الإسلام هو الحل قد غاب عن ثورة 25 يناير المصرية ، بعد أن كان قد غاب عن ثورة الياسمين التونسية . ثم غاب بعدهما عن ثورات الشباب اليمني ثم الليبي والسوري . وكان مما يلفت النظر أن هذا الشعار غاب أيضا عن مظاهرات الشباب التي وقعت في الأردن ، في الجزائر ، في المغرب وفي البحرين والعراق . واستمر غياب هذا الشعار عن ثورة 25 يناير ، حتى بعد الإلتحاق الكثيف بها من جماعة الإخوان المسلمين وتيارات سلفية عدة . وبدا للمراقب وكأن جماعة الإخوان ، وباقي التيارات السلفية ، قد أقرت بأن هذا الشعار ، الذي رددته على مدى سنوات طويلة ، غير جامع وغير ملائم للمرحلة . كما بدا وكأن هذه الجماعات ، ومن خلال ترديدها لشعارات الثورة : إسقاط النظام ، تحقيق الحرية ، إقامة ديموقراطية حقيقية ، سيادة القانون ، إقرار حقوق الإنسان والمواطنة في مقدمتها ، وتحقيق العدالة الإجتماعية ، قد أقرت بهذه الشعارات بديلا لشعارها المخضرم : الإسلام هو الحل . وكان مفجرو الثورات قد طرحوا شعارهم هذا بديلا أيضا للديموقراطية الزائفة التي تطبقها النظم القائمة ، والمطلوب إسقاطها . واستمر هذا الحال حتى بعد نجاح ثورتي الياسمين و25 يناير .
في مصر كانت التعديلات الدستورية والتصويت عليها . وكما هو معروف جاءت النتيجة متماشية مع وجهة نظر هذه الجماعات التي طالبت بالتصويت عليها بنعم . وكان أن ظنت الجماعات ، كما عكست تصريحات عدد من رموزها ، أنها تمسك بأعنة قيادة الأغلبية الكاسحة من الجماهير ، وأن هذه الأغلبية تقبل برامجها ، وفي المقدمة منها شعارها الذي اختفى : الإسلام هو الحل .
بعد ظهور نتيجة التصويت ، على التعديلات الدستورية ، بدا وكأن نوعا من الإنقلاب قد حدث على سلوك جماعة الإخوان المسلمين . فليس فقط أن خطابهم استبدل المسايرة بالغطرسة ، بل وعاد لإشهار سلاح الإرهاب الفكري ، في وجه المعارضين ، هذا السلاح الذي برعت الجماعات الإسلامية في استخدامه على مدى السنوات الطويلة الماضية . وكان ما طرأ على سلوك عضو لجنة تعديل الدستور ، عضو جماعة الإخوان ، صبحي صالح ، من تغيير ، مؤشرا بارزا على عودة جماعة الإخوان لإشهار سلاح الإرهاب الفكري في وجه منتقديهم . والمتابع لتصريحات رجل القانون هذا لا بد أن يلاحظ ذلك الإنتقال من اللين والمسايرة ، وهو يشرح التعديلات الدستورية ، إلى الهجوم المتسم بالغطرسة بعد ذلك .
لا أهمية ، في واقع الأمر ، للسمة التي تصطبغ بها تصريحات صبحي صالح ، وغيره من رموز التيارات السلفية . لكن الوجهة التي يريدون لمصر السير فيها هي ، في واقع الحال ، على قدر كبير من الأهمية . فكثيرة هي التصريحات اللافتة للنظر ، والمؤشرة على الوجهة التي يريدون لمصر السير فيها . ونحن هنا سنعرض البعض منها والتي هي ، كما نرى ،أكثر من كافية .
سعيكم مشكور :
في مؤتمر انعقد بالهرم ، نظمه الإخوان المسلمون وسلفيون ، وضم أكثر من خمسين ألفا ، حسب المصري اليوم ، عدد 9 / 5 / 2011 ، قال الدكتور صفوت حجازي ، وهو داعية سلفي : " أعداء الإسلام هم أعداء مصر ، ويرتعدون فزعا لأنهم يعرفون أن نجاح الثورة المصرية هو نجاح وعودة الأمة العربية الواحدة ، ويعلمون أن الولايات العربية المتحدة قادمة ، والولايات المتحدة الإسلامية قادمة ، وسيكون لنا قريبا جدا خليفة وإمام يفعل كما كان يفعل هارون الرشيد ، لذلك أميركا وإسرائيل تعاديان هذه الثورة لأنهما تعلمان أنها الخطوة الأولى نحو بيت المقدس "
الشيخ محمد حسان ، وهو داعية سلفي آخر ، قال في نفس المهرجان : "ليس من حق أحد أن يمنع الإسلاميين من أن يعتنوا بدينهم ، لأنهم لم ينزلوا على مصر من كوكب آخر ، وأحد الأشخاص قال لي : انتم ركبتم الموجة ، فقلت له : إحنا البحر وهذا البلد دينه الإسلام ، والأقباط ما شعروا بالأمان إلا في ظل الإسلام، وأقول لهم : أنتم لستم في حاجة للإستقواء بأمريكا والخارج ، لأن ديننا يلزمنا بحمايتكم ، فلن نقبل الإهانة لهم على الإطلاق ، وسنعاملهم بالعدل . "
خطباء الإخوان لم يخرجوا عن خط زملائهم السلفيين ، وإن تفوقوا في تحديد الآلية . حلمي الجزار عضو مجلس شورى الإخوان قال : " نريد أن تكون الأصوات في الصناديق الإنتخابية معبرة عن هوية مصر ، فهي كنانة الله في الأرض وبلد الإسلام ، ونحن نعيش يوم الإسلام في مصر الآن ".
قد يبدو هذا الكلام لكثيرين نوعا من الهلوسة ، أو الهذيان ، وفي أحسن الحالات نوعا من أحلام اليقظة ، أو حتى الخيال الجامح ، وهو لذلك لا يحتاج إلى تعليق ، وهو ما فعلته المصري اليوم . ذلك خطأ دأب المثقفون ، ومن يوصفون بالمفكرين ، على ارتكابه . هذا كلام لا يطلقه قائلوه على عواهنه . وهم يرون، على ما يبدو ، أن تحقيقه لم يعد بعيد المنال . وآلية التحقيق حددها الشيخ الجزار . إذن كل جملة فيه تحتاج إلى وقفة ، ووقفة مطولة ، قافزين على مسألة عيش الأقباط كأهل ذمة ، في دولة الإسلام ، والتي كنا وقفنا معها في وقفتنا : عبود الزمر والعيش خارج الزمان والمكان .
قد يظن سامعو وقارئو الشيخ حجازي أن فلسطينيين كثر ، ربما يقفزون طربا لكلامه ، أو وعده ، بتحرير فلسطين . لكن لا أحد من عقلاء فلسطين يمكن أن يفرحه مثل هذا الكلام . لقد علمتنا التجربة المرة ،وتراكمات خبراتها على مدى عقود وعقود ، أن ننظر بحذر ، وبحذر زائد ، للطروحات المماثلة لطروحات الشيخ حجازي . علمتنا التجربة أن كل النظم العربية المستبدة ، والمعادية لطموحات شعوبها ، ركبت ظهر القضية الفلسطينية ، ولم تفعل شيئا غير استغلالها في تبرير استبداد نظمها ، وتثبيت وتعميق فسادها . الأمر ذاته تكرر مع كل القوى الطامحة لاعتلاء صهوة النظام ، والتي تضع العداء للديموقراطية ، وإنكار الحريات ، ورفض الحقوق ، والتفريق بين المواطنين ، على جدول أعمالها ، بلغت ما بلغت قدراتها على تمويه برامجها . كما علمتنا التجربة ، بكل مرارتها ، أن النظم التي لا تضع تنمية بلدانها على رأس جدول أعمالها ، ولا تعمل للتنمية بكامل طاقات بلدانها ، لا يفعل انحيازها خيرا لقضيتنا الفلسطينية .
استنادا لخبرات تجاربنا نرى أن مصر تحتاج ، أول ما تحتاج الآن ، إلى توظيف كل قدراتها وطاقاتها لتصفية إرث النظام البائد ، هذا الإرث الثقيل جدا . تحتاج صب كل جهودها على التنمية بكافة تنوعاتها ، تنمية تمكنها من أن تتبوأ مكانها الطبيعي بين أمم العالم المتقدمة . وحتى تنجز ذلك يتوجب أن لا يشغلها عنه شاغل ما ، ومهما علت درجة أهميته . نحن في فلسطين ندرك ، كما نعي تماما ، أن مصر المتطورة ، المتقدمة علميا وصناعيا ، المتقدمة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ،المتقدمة ثقافة وحضارة ..... هي من يساعد فعلا قضيتنا الوطنية . قد يستغرق ذلك عقدا أو أكثر ، وهو ليس بالوقت الطويل في عمر قضيتنا الوطنية . وإلى أن يحين ذلك لا يسعنا إلا أن نقول للشيخ حجازي وزميله الشيخ حسان ، ومن هم على شاكلتهم من الإخوان ، إلا ما تعودنا قوله للعائد من الحج : سعيكم مشكور وذنبكم مغفور .
أبشري يا مصر :
في الإقتباسات السابقة من خطابه بشر الشيخ صفوت حجازي المصريين بمستقبل "وضاء !". بجملة واحدة ومختصرة حل لهم معضلات التنمية . وللحقيقة لم يقصر هذه البشرى على المصريين فقط ، بل وطيرها لكل العرب أولا ، ثم لكل المسلمين بعدهم . فنجاح الثورة المصرية ، حسب قوله ، يفتح الطريق واسعا لوحدة الأمة العربية ، في ولايات عربية متحدة أولا، تعقبها وحدة إسلامية بولايات إسلامية متحدة . كما بشرنا جميعا بقرب عودة الخلافة ، وحيث سيعمل الخليفة الإمام مثلما كان هارون الرشيد يعمل . لماذا هارون الرشيد بالذات ، والجماعات الإسلامية تعتبر عهده ، وكل العهد العباسي ، خروجا على الإسلام الصحيح ؟ وما هو الطريق لإعادة استنساخ الرشيد ؟ الجواب لا يحتاج إلى أي نوع من البحث أو التنقيب . الآلية عرضها متحدثو الجماعات السلفية ، وجماعة الإخوان المسلمين ، في المهرجان لتحقيق برنامجهم هذا . كيف ؟
يبدأ تطبيق هذه الآلية من الانتخابات القادمة ، في تكرار لما فعله النظام البائد ، أي استخدام آلية الديموقراطية ، الإنتخابات وصناديق الإقتراع ، للقفز على السلطة . فحسب قول المسؤول الإخواني ، الشيخ الجزار ، على المصريين صب الأصوات لصالح جماعة الإخوان وحلفائهم . بهذا ، وبهذا فقط ، يكون التعبير الصحيح عن هوية مصر ، كنانة الله في الأرض ، وبلد الإسلام ، وحيث يعيش المصريون ، بفضل ثورة 25 يناير ، يوم الإسلام الآن ، حسب الشيخ حلمي الجزار . وفي حال أن تحققت الخطوة الأولى هذه ، تلحقها خطوة تحويل الدولة إلى الدولة الدينية المنشودة ، كما تشير تصريحات دعاة السلفيين والإخوان . وحسب ما يفهم من الاقتباسات السابقة ، إن حدث ذلك يطل عصر الخلافة والولايات العربية المتحدة ، فالولايات الإسلامية المتحدة ، وحيث مصر والقاهرة حاضرتها ( مركز الخلافة ) . ومرة أخرى يبرز السؤال : كيف السبيل إلى ذلك ؟
لم يختر السلفيون هارون الرشيد مثالا للإمام والخليفة القادم دون روية أو تبصر . فحسب رؤيتهم لم يتصف عهده باتساع ظاهرة الجواري ، كما لم تكن ليالي بغداد ليالي حمراء أفرزت حكايات ألف ليلة وليلة . إذ يسجل التاريخ أن عهد هارون اتصف بالجدية في توطيد دولة الإسلام . ويقول أن أبرز معالم هذا العهد تمثل في أن الرشيد كان يغزو سنة ، ويحج سنة ، ويستريح الثالثة . والأخيرة شطبها السلفيون من تاريخه . وبسبب حرصه على تطبيق برنامج عمله هذا ، عم الخير على البلاد . وكنتيجة لفيض الخير هذا، جرى تصنيف عهده بأنه أزهى العصور الإسلامية وأكثرها رخاءا وسعة عيش للعباد . وحكايته مع الغيمة مشهورة : أمطري في أي بلاد شئت فخراجك لنا . هكذا يقدم دعاة السلفية والإخوان جوابا على ، وخطة ل ، تحقيق مطالب التنمية التي تشغل بال المصريين اليوم ، وتتجند لوضع برامجها عقول كبيرة وكثيرة . ولا نظن القارئ بحاجة للتذكير بأن دعاة السلفية ، ويبدو أن الإخوان كذلك ، كما يدل على ذلك مظهرهم ومسلكهم ، لا يملكون أدنى فكرة عن متطلبات التنمية ، لبلد كمصر ، أو حتى لبلد أصغر ، في قرننا الحادي والعشرين هذا . هنا قد يسارع قارئ للقول : أليس الحديث هنا عن التنمية تحميل لكلام الشيخ حجازي بأكثر مما يحتمل ؟ أليس فيه تقويل للشيخ بما لم يقله ؟ وألا يعكس موقفا معاديا للكاتب من أهل الدعوة لينسب لنواياهم ما لا تضمر ؟ ونقول : لنستمع لداعية آخر ، ومن شريط مسجل تحت عنوان " الولاء والبراء عن الجهاد " . الداعية اسمه أبو إسحاق الجويني نقل كلامه الكاتب خالد منتصر في عموده "خارج النص " ، المصري اليوم عدد 9 ابريل نيسان الماضي . يقول الجويني :"هو إحنا الفقر اللي إحنا فيه إلا بسبب ترك الجهاد ، مش لو كنا كل سنة عمالين نغزو مرة أو اتنين أو تلاتة ، مش كان حيسلم ناس كتير في الأرض ،واللي يرفض هذه الدعوة ، ويحول بينا وبين دعوة الناس ، مش كنا نقاتلهم وناخدهم أسرى ، وناخد أموالهم وولادهم ونساءهم ، وكل دي عبارة عن فلوس ، وكل واحد مجاهد كان بيرجع من الجهاد وهو جيبه مليان ، ليه ؟ معاه اتنين تلاتة شحوطة – جمع شحط وهو الرجل طويل القامة قوي البنية - وتلات أربع نسوان وتلات أربع ولاد ، اضرب كل راس في 900 درهم ، أو 600 دينار تلاقيه راجع بمالية كويسة ، لو هو راح يعمل صفقة في بلاد الغرب عمره ما راح يعمل الفلوس دي ، وكل ما يتعذر ياخد راس يبيعها ويفك أزمته " . فهل يتصورنَّ أحد في قرننا الحادي والعشرين ، أن داعية يصغي له المؤمنون باحترام ، ويستمعون له بكل إجلال ، يدعو هكذا بمثل هذه الوقاحة ، لإعادة عصر الرقيق ، ولفتح أسواق النخاسة ، حتى يتمكن المجاهد الذي عاد بغنيمة من المقاتلين ومن النساء والأولاد ، بيع رأس منهم كلما احتاج كي يفك زنقته ؟!!!كيف لم تهب منظمات حقوق الإنسان في وجه داعية كهذا ، لا يرى في الإنسان المأسور أكثر من بهيمة ، يدخرها للبيع عند الحاجة؟، أليس ما قدمه الشيخ رؤية إسلاموية للتنمية التي تحتاجها مصر الآن بشدة ؟ وأخيرا أنحن من يتقول عليهم بما لا يقولونه ؟
قد يرد القارئ : ولكن هذا داعية ربما اشتط به الحماس وقال ما قال دون قصد ، أو دون ما فسره من هم مثلك . وأقول قد يكون ذلك صحيحا ، لكن لنسأل : لماذا لم يرد عليه داعية مثله ، يخطئه ويتنصل هو والجماعة من أقواله – في أشرطته ما هو أسخم من هذا - ؟ لماذا لا تقول الجماعة لمثل هؤلاء : اسكتوا أنتم تسيئون للجماعة وللدين ، ونحن براء من أقوالكم ؟ لا يقولون لأنهم في واقع الأمر يتبنون هذه الأفكار التي كانت مقبولة ومعمولا بها في العصور السابقة التي كانت عصور عبودية . وهم ربما لا يدركون أن عصر الرقيق انتهى بغير رجعة ، وأن لا قوة في الكون قادرة على إعادة فرضه على البشر من جديد . ومع ذلك دعونا نضع متطلبات التنمية تلك جانبا ونتابع حلم السلفيين والإخوان ذاك .
ويظل السؤال يلح : كيف سيتم تحقيق حلم الولايات المتحدة العربية ؟ هل ستسارع السعودية ، وهي دولة تطبيق الشريعة ، ومصدرة الدعوات السلفية ، وقبل ذلك هي بلد الإسلام ، بلد مسقط رأس رسول الله ، ومسقط رؤوس الصحابة الذين يتأسى بهم السلفيون ، هل ستسارع السعودية للانضمام طواعية إلى الإتحاد المنشود ، بمجرد تحول مصر إلى الدولة الدينية ؟ هل سيفعل السودان ذلك بنظامه الإسلامي والسابق على تطبيق الشريعة ؟ وهل ستفعل ذلك ليبيا ، إن حكمها إسلاميون ؟ هل ستفعل ذلك اليمن ؟ وماذا عن إيران وباكستان ؟ وماذا عن الدول غير المرشحة لتغيير نظمها القائمة قريبا جدا ، كدول الخليج والمغرب العربي ؟ الجواب واضح ولا يحتاج إلى إطالة تفكير : لا لن يفعل أي منها ذلك .
لكن وحين يبشرنا الشيخ حجازي بأنه " سيكون لنا قريبا جدا خليفة وإمام " مثل هارون الرشيد ، يكون معنى هذا أن الرئيس القادم لمصر ، أو بعد القادم على أبعد تقدير، إخوانيا كان أم سلفيا ، سيكون هو هارون الرشيد المنتظر . ومن يومه الأول سيبدأ تطبيق برنامج : الغزو سنة والحج سنة . هنا علينا أن نسأل الشيخ حجازي : أي الجوار سيكون وجهة غزوته الأولى ؟ أستكون ليبيا ، السودان أم فلسطين ، باعتبارها دول الجوار ؟ فلسطين ، حسب ما يفهم من كلام الشيخ حجازي ستنتظر بعض الوقت ، على الأقل حتى تقوم دولة الولايات العربية المتحدة من ولايتين أو ثلاثة .
لا يبدو من خطب هؤلاء الدعاة أن أيا منهم يعي متطلبات الحروب الحديثة أو عواقبها . إلتصاقهم بالماضي البعيد يجعلهم لا يدركون أن غزو الجارة ليبيا اليوم ، لا يجمعه أي جامع بغزو عمرو بن العاص لها في ذلك الماضي البعيد . كما أن حروب الحاضر لا شبه بينها وبين غزوات الرسول أو حتى غزوات هارون الرشيد . وإذا ما دققنا في خطاب الشيخ حجازي ، وهو لا ينطق عن هوى شخصي ، فهو في حقيقة الأمر يبشر المصريين بزج بلدهم في سلسلة حروب لا تنتهي ، سيجلب أولها دمارا لمصر ، بديلا للتنمية التي تستعد العقول المصرية الآن لبدء خطواتها . وقد لا يفعل السلفيون والإخوان أي شيء من ذلك . قد يكون كل كلامهم هذا ضحكا على ذقون البسطاء ، حتى إذا وصلوا الحكم تربعوا فيه . وبما أنهم لا يملكون برامج للتنمية فإنهم سوف ينعمون على مصر باستنساخ النظام البائد .
مشكلة صالح :
وننتقل بعد هذا إلى رجل القانون ، العضو المشارك في لجنة التعديلات الدستورية ، قطب الإخوان ، صبحي صالح . لقد كان أن لفت انتباه أي متابع للشأن المصري انتقال الأستاذ صالح ، وبعد ظهور نتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، من الملاينة ، من المناورة ، إلى الترهيب ، إلى استلال وشحذ سلاح الإرهاب الفكري ، الذي أجادت جماعته ، وأجاد حلفاؤه ، الجماعات السلفية ، استخدامه ، على مدى العقود الماضية . الأستاذ صالح ، ونقلا عن المصري اليوم ، أعداد شهر ابريل ، نيسان ، ومايو أيار ، لم يكتف بالتأكيد : "لن نرضى بغير الشريعة بديلا " ، بل أضاف : " إيه المشكلة لما تقول حكم إسلامي ؟ مصر دولة إسلامية بنص الدستور أصلا ، وهذا موجود منذ دستور 23 ...... وما المشكلة أن يقال أن الشريعة الإسلامية تتضمن تشريعا جزائيا بأربعة جرائم اسمها جرائم الحدود وردت في القرآن نصا ، واللي عنده حساسية من القرآن أو دينه يعلن هذا صراحة دون التمسح بالإخوان " . ويضيف : "لا أعتقد أن أي شخص مسلم يعترض على تطبيق القرآن والحدود شرع الله عز وجل ، وأي مسلم مش عاجبه كلام ربنا فمشكلته هو " . وفي وقت لاحق ، ومناسبة ثانية قال :"التحالف بين التيارات الإسلامية يستهدف التصدي لحملات بعض القوى السياسية التي تريد إقصاء المشروع الإسلامي وعدم تطبيق الفرائض والحدود التي نص عليها صحيح الدين " وأضاف : "الهجوم على التيارات الدينية هجوم على الإسلام ورفض تطبيق أوامره ونواهيه ".
والمتابع يرى كيف يفيض أستاذ القانون هذا على مستمعيه بالجديد من تحفه كل يوم . أتحفهم بأنه وجماعته ، لا يعترف بالمسلم الليبرالي ولا بالمسلم اليساري أو العلماني ، كما لا يرى زواج الأخ صحيحا إلا من أخت من الجماعة ، وهو غير مقبول إن كان من مسلمة مؤمنة ، ولكن من غير الجماعة . وسمى من يفعل ذلك باسم عجيب ، أو ربما صفة ، هو فلوطة ، لم يتكرم على سامعيه حتى الآن بتعريفه . وليتساءل القارئ : أي صورة يراها أستاذ القانون هذا لمصر المستقبل ؟ . لكن دعونا نتجاوز جديد صالح ونعود إلى وقفة مع تصريحاته السابقة .
وقبل أي شيء لا بد أن نلفت الانتباه لفعل إرهابه الفكري ، المتضمن في التصريحات السالفة ، على من قرأت لهم في الرد عليه . من قرأت لهم تجنبوا الدخول في مواجهة تفنيد لطروحات صالح . لم يسألوه عما وراء حكمه القطعي :"لن نرضى بغير الشريعة بديلا " . استداروا وداوروا لنفي تهمة الحساسية مع القرآن والدين عن أنفسهم . قالوا أن حساسيتهم هي مع تفسير جماعته للقرآن وللدين ، واعتبار هذا التفسير هو صحيح الدين ، ومعارضته خروج على الدين . هو لم ينكر ذلك وقال لهم ما معناه: نعم تفسيرنا ورؤيتنا هي الدين . قال بالحرف : "الهجوم على التيارات الدينية هجوم على الإسلام ورفض لتطبيق أوامره ونواهيه " . وإذا كان مثل هذا القول ليس إرهابا فكريا فكيف يكون الإرهاب الفكري إذن ؟ ولم يسأله كاتب ما : أليس لديك أنت يا شيخ صبحي مشكلة ومن ثم حساسية مع القرآن ؟ بالتأكيد لديك هذه المشكلة وعندك هذه الحساسية ، كما يتبين من نفس كلماتك السابقة . ترى هل يجوز لك – كالشاعر - ما لا يجوز لغيرك ؟ ونحن ، لأننا لسنا مثلك ، ولا نكيل الاتهامات جزافا ، سنعرض من أقوالك مشكلتك وسنستخرج منها ما نراه حساسيتك .
صالح : خداع مع سبق الإصرار والترصد .
حين قال : لا نرضى بغير الشريعة بديلا ، قال أن في القرآن أكثر من ستمائة آية تشريع . وتساءل ساخرا : ماذا نعمل بها ؟ وفي الإقتباس السالف قال : "وما المشكلة أن الشريعة الإسلامية تتضمن تشريعا جزائيا بأربع جرائم اسمها جرائم الحدود وردت نصا في القرآن " ، ليقذف بعدها في وجه القارئ أو السامع ، كأي محامي "شاطر!" ، تهمة :"واللي عنده حساسية من القرآن أو دينه يعلن هذا صراحة دون التمسح في الإخوان " .
لا أظن إلا أن الشيخ صبحي ، وهو المحامي النابه واللامع ، يعرف أن الخداع ، وهو نوع من الغش ، رذيلة . وهو جناية إن مارسها المرء ، كما في حالته هذه ، مع سبق الإصرار والترصد . ولا بد يعرف أن ضررها ، بعد خطرها ، لا يمكن حصره أو التنبؤ به . وها هو يلجأ للخداع والغش مع أنه يدعي أن خصوم جماعته يأخذون عليه طهارتها . وهو هكذا يرى أن خداع جمهور ، وغش أمة ، عن سابق إصرار وترصد ، لا يمس هذه الطهارة . كيف ؟
عدَّد السيد سابق ، زميل سابق للشيخ صبحي صالح في الجماعة ، وأحد أساتذة الأزهر الشريف ، في مؤلفه " فقه السنة" ، جرائم الحدود كما وردت في القرآن بسبعة هي : الزنا ، القذف ، السرقة ، السكر ، المحاربة ، الردة والبغي . وسؤالنا هو : أي ثلاثة منها ألغاها ، أو أسقطها ، الأستاذ الشيخ صالح ؟ والقارئ لا يحتاج إلى نباهة خاصة ، أو انتظار جواب صالح لمعرفتها . هي : القذف ، المحاربة والبغي . وأدع للقارئ البحث فيها ليجيب بنفسه على السؤال : لماذا أسقطها صالح وجماعته ؟
ولا أظن أن الشيخ صالح لا يعرف حكاية علي بن أبي طالب مع قاضي – ويقال والي – من قضاته . سأله الإمام : هل تعرف الناسخ والمنسوخ ؟ أجاب القاضي : لا . رد الإمام : إذن فقد هلكت وأهلكت . وعلى عكس هذا القاضي لا نظن الشيخ صالح يجهل الناسخ والمنسوخ . ورغم ذلك يصر على إهلاك الناس . هو تساءل ساخرا عن الستمائة آية تشريع ماذا نعمل بها . تساءل وهو يعرف أن أكثر من أربعمائة منها جرى نسخها ، أي إبطال أحكامها ، وحيث لم يعد المسلمون ، ومنذ زمن ، يطبقون أحكامها . بعضها تم نسخه في زمن النزول ، آيات تحريم الخمر مثلا ، وأخرى بعد اكتمال النزول . هو يعرف مثلا أن بضعا وثلاثين آية عالجت أوضاع العبيد ، العتق ، المكاتبة ، ملك اليمين ...الخ . ولأن عصر العبودية انتهى إلى غير رجعة ، فإن الأحكام التي جاءت بها هذه الآيات غدت غير قائمة ، اللهم إلا إذا كان الشيخ صالح وجماعته يضعون في برامجهم إعادة عصر العبودية هذا ، كما رأينا من هلوسة زميله الجويني . وحين يتحدث الشيخ صالح وأمثاله من دعاة الجماعات الإسلامية عن الحدود ، فإنهم يذهبون إلى ضرورة تطبيق حد الزنا بالرجم والجلد ، ويتناسون أنهم هم من أعمل النسخ في الآيات ألخاصة بالزنا . فهذه الآيات لا تقف عند تشريع حد الزنا وتطبيقه ، بل وتتجاوزه ، وبنفس درجة الإهتمام إلى مسألة إثبات واقعة الزنا ، بآيات الشهود الأربعة . وإذا تعذر الإثبات بها ، يكون اللجوء إلى آيات الملاعنة أو اللعان . ولأهمية مسألة إثبات الواقعة كانت آيات قذف المحصنات ، بحد القذف الذي نصت عليه . هذه الآيات ، وبالأساس ، ضمنت للمتهم ، وخصوصا المتهمة ، حق الدفاع عن النفس ، والحصول على البراءة ، وبالتالي الإفلات من تطبيق الحد ، عقوبة الرجم أو الجلد . لكن فحولة المسلم ، لم ترض بهذه الآيات وأحكامها . وكيف له أن يقبل جلد ابنته في ساحة عامة ، ثم تترك ، مجبرا على عدم عقابها مجددا ، أو النيل من إنسانيتها بأي شكل ، كما تقضي أحكام الآيات السابقة . وكان أن هذه الآيات ، جميعها ، أبطل القائمون على الشرع ، من أمثال الأستاذ صالح ، أحكامها ، واستبدلت بقانون وضعي يعرف باسم العذر المحل والعذر المخفف . هذان القانونان يعالجان جرائم قتل النساء على خلفية ما يعرف بشرف العائلة وغسل العار . وهي مفاهيم لم يعرفها التشريع الذي يطالب الأستاذ صالح بتطبيقه ، وعلى وجه الإطلاق . هكذا جرى نسخ أحكام هذه الآيات جميعا ، لسبب بسيط ، لأن المسلمين لم يرضوا بها . حدث ذلك ليس فقط بموافقة ورضا جماعة الإخوان ، والجماعات الأخرى ، بل وانبرى هؤلاء يدافعون عن القانونين السالفين واللذين حلا محل أحكام هذه الآيات ، دفاعا مجيدا ، لدرجة أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ، رأت في محاولة تعديل هذين القانونين ، في اتجاه تطبيق الشريعة ، دعوة لإباحة الزنا ، ولإفساد المجتمع . وكان أن نجحوا في ردع الحكومة الأردنية عن تعديل القانونين . وفي مصر ، وعلى كثرة ما يحدث من قتل على خلفية ما يوصف بشرف العائلة ، لم يحدث أن قام قطب من الإخوان ، أو داعية من الدعاة ، باستنكار ذلك ، أو الدعوة إلى إعادة العمل بأحكام آيات إثبات واقعة الزنا ، أو الدعوة لتطبيق حد القذف على من يتهم المحصنة ، أو يقوم بقتلها دون إقامة الدليل . ويمكن أن نستمر في إيراد أمثلة النسخ التي يعرفها الشيخ صالح بكل تأكيد ، إلا أننا نكتفي بالقول أن هناك من يقول من العلماء أن كل ما بقي معمولا به من آيات التشريع يزيد قليلا عن بضع وثمانين آية . ولعلنا نسأل الشيخ صالح ، وهو رجل القانون القدير ، هل هذا العدد من الآيات ، وما تضمنته من أحكام كاف لتغطية هذا الكم الهائل من القضايا ، وبينهاالجرائم والجنايات والجنح ، التي تقع في المجتمعات المعاصرة ؟ ولعلنا نسأل الأستاذ صالح : إذا كانت سرقة خمسة جنيهات تقضي بقطع يد السارق ، ترى كيف ستكون عقوبة سارق المليارات ؟ وهو يعرف أن أساليب السرقات ، في عصر النيت والإلكترونيات الحديثة ، تختلف كثيرا عن شروط إثبات جريمة السرقة ، كما بينها الشرع ، فكيف يرى أن يكون التعامل معها ؟ ولا مزيد من الأسئلة التي لن يتكرم الأستاذ المبجل وجماعته بإجابة الناس عنها .
صالح وحساسيته مع القرآن :
يعرف الأستاذ صالح يقينا ، أنه حين يهدد خصوم جماعته ، بمشكلة لهم مع القرآن أو الدين ، أن سلاح الترهيب هذا لم يعد ماضيا وفعالا ، كما كان في الماضي القريب . هو يعرف أنه حين يشهره في وجه من يصفهم بالملحدين ، والعلمانيين واليساريين ، لا يفعل في الحقيقة شيئا . صحيح أنه وجماعته علموا أتباعهم أن كل السابقين ملحدين ، لكنهم لم يعلموهم أن لا مشكلة للملحد مع القرآن ، لأنه وببساطة لا يأخذه عقيدة له . والأستاذ صالح يعرف ، وإن كان لا يعترف ، وهو يشهر هذا السلاح ، أنه هو ، جماعته ، كما كل المسلمين ، من لهم مشكلة مع القرآن والدين ، وأن الذين يقذف بهكذا اتهامات في وجوههم ، صاروا قادرين ليس فقط على الدفاع ، بل ورد التهمة إلى أصحابها الحقيقيين ، هو وجماعته .
لقد برزت مشكلة المسلمين مع القرآن مبكرا جدا . في معركة صفين ، وحين أشار سير الأحداث أن الغلبة ستكون لفريق الخلافة ، لجأ الداهية عمرو بن العاص إلى الخديعة . وهداه دهاؤه إلى استخدام القرآن كأفضل وسيلة لتمرير الخديعة . أشار على معاوية برفع المصاحف على أسنة الرماح ، كطلب بالإحتكام إلى القرآن . انطلت الخدعة على قادة جيش علي الذي فشل في إقناعهم بأن في الأمر خديعة . وقف القتال . نجا معاوية وجماعته ، وكان التحكيم .
سأل الإمام محكمه ، أبو موسى الأشعري ، عن مرجعية المفاوضات . قال أنها القرآن . وصاح علي : ويحك إنه حمال أوجه . وكان ، قبلها أو بعدها ، لا أعرف ، قد قال قولة شهيرة أخرى ، عبرت بوضوح عن مشكلة المسلمين الأوائل مع القرآن . قال : القرآن بين دفتي كتاب ، لا ينطق ، وإنما ينطق به الرجال ، أي تفسيرا وتأويلا حسب ما تمليه ثقافة عصرهم ومصالحهم . ويعرف الأستاذ صالح أن النسخ الذي أشرنا إليه ، لم يكن إلا بسبب تعارض مصالح الذين ينطقون بالقرآن مع ما هو قائم بين دفتي الكتاب .
وكان التحكيم الذي اتخذ القرآن مرجعية . وباستغلاله وقعت الخدعة الكبرى في التاريخ الإسلامي . الخدعة التي أنهت الخلافة ، وأهالت التراب على العهد الراشدي ، وحرمت المسلمين من حق انتخاب خليفتهم ، ومن حق مساءلته . الخدعة التي استبدلت الخلافة بالملك العضوض ، والذي احتفظ من الخلافة الراشدية بعمامة الخليفة . هذه الخدعة التي كان بطلها الصحابي عمرو بن العاص الذي يرفعه الأستاذ صالح وجماعته إلى رتبة المقدس ، ليقول لنا بكل الوضوح ، أن الدين إن كان في خدمة المصلحة فأهلا وسهلا ، وإلا فبكل بساطة نستبدل أحكامه ، ونعلي صوت الزعيق بأننا لن نرضى بغير الشريعة بديلا .
ولم يكن ما سبق كل مشكلة المسلمين مع القرآن والدين . فقد ساعدت خدعة التحكيم على بروز ظاهرة نشوء الأحزاب السياسية ، والتي اعتمدت تأويل آيات قرآنية مبررا لظهورها ، وتفسيرا لبرامجها . ومعروف أن الخوارج هم من دشن هذه المرحلة ، وهم من اعتمد التشدد المفرط تجاه تطبيق الشريعة ، راية لجماعتهم . ومنذ ذلك الزمن البعيد واصلت مشكلة الناس مع القرآن تفريخ الجماعات فالطوائف والمذاهب المتعارضة داخل الطائفة الواحدة .
وفي العصر العباسي الأول برز المعتزلة ، بفكرهم المنفتح ، وبإعلائهم لشأن العقل وتقديمه على النقل ، منهج الأستاذ صالح وجماعته . أوصلهم اعتماد منهج العقل إلى مناقشة القرآن نفسه . وتوصلوا إلى القول بأن القرآن مخلوق ، بديلا للقول بأنه مسطور في اللوح المحفوظ من الأزل ، وسيبقى كذلك إلى الأبد ، ولا تبديل أو تغيير لآياته وأحكامه وشرائعه . ويعرف الشيخ صالح وجماعته أنه لو امتد العمر بالمعتزلة ، لربما هداهم بحثهم لتطوير مقولة خلق القرآن ، والوصول بها إلى ، أو قريبا من ، ما يراه الملحدون ، وهي أن القرآن ما هو إلا نتاج لفكر محمد ، لم يأت به وحي ، لا من السماء ولا من غيرها . وخلاصة القول أنه لو لم يكن للمسلمين مشكلة أو حساسية مع القرآن ، لما كان هناك أي مبرر لوجود هذا الطيف الواسع ، والمتعارض في المواقف والطرح ، من الجماعات الإسلامية ، وفي بلد واحد كمصر .
خاتمة القول :
أثناء كتابة هذه الحلقة ، حدث أن شاهدت مناظرة على فضائية دريم 2 ، برنامج العاشرة مساءا ، كان طرفاهما الأستاذ الشيخ صبحي صالح ، والدكتور خالد منتصر ، طبيب الأمراض الجلدية ، معارض الأستاذ صالح ، وصاحب عمود خارج النص ، جريدة المصري اليوم ، الذي سبقت الإشارة إليه . ومع أن مواضيع المناظرة وقعت خارج موضوعات هذه الحلقة ، إلا أنها – المناظرة وموضوعاتها – زادت قناعتي بصحة ودقة ما ذهبت إليه . في المناظرة تمثل لي الأستاذ صالح في ثوب عمرو بن العاص ، واستغلاله القرآن في تمرير الخدعة ، التي أنهت الخلافة الراشدية ، وأتت المسلمين بالملك العضوض . أبرزت المناظرة الكيفية التي تعتمدها جماعة الإخوان في تطويع الدين لخدمة السياسة . كما أظهرت فعالية ديماغوجية الإخوان في السياسة ، وليس فقط في التهرب من الطروحات غير المقبولة على الناس ، بالإدعاء بأن ما قيل كان مسألة هزار. الأستاذ صالح دافع بحماسة عن الخلافة العثمانية ، معتبرا أن السلاطين ،الذين ملأت الدنيا روائح فسادهم ، كانوا أئمة للإسلام والمسلمين . ليس هذا وحسب بل وأصر على تكفير الشيخ علي عبد الرازق وطه حسين واحمد لطفي السيد وغيرهم لأن زمنهم تلا سقوط الخلافة ، وكان أن قدموا أفكارا حملت الكثير من الجديد ، والكثير من النقد للقديم .
هنا قدم لنا الشيخ صالح إشارة واضحة ، خصوصا وقد لجأ لسلاح الإرهاب الفكري ، عن خشيته وجماعته مما قد تحمله رياح التغيير القادم التي قد تأتي بها الديموقراطية . هو يعرف ، ولذلك يسارع إلى إشهار سلاح الترهيب ، أن حرية التعبير تعني أيضا حرية البحث القائم على حرية الشك . هذا يعني أنه قد يحدث في الشرق الإسلامي ما كان قد سبقه إليه الغرب المسيحي ، أي إنطلاقة في حرية البحث الديني ، وخضوع العقيدة للنقد ، فالموافقة أو المعارضة . الغرب المسيحي فعل هذا ، وما زال ، مع الكتاب المقدس – العهد القديم أو التوراة والأناجيل - . وقالت كثير من الدراسات بمخالفة ما ورد فيها – قصة الخلق وغيرها – للعلم وقوانينه . ونزعت أبحاث علوم الآثار مثلا صفة التأريخ عن أسفار التوراة ، كما شطبت كل ما ورد فيها عن تاريخ إسرائيل وملوكها . كما وقفت طويلا عند الأساطير التي تعبق بها الأسفار وردتها إلى منابعها الأصلية . وربما بسبب ذلك غدا الغرب غير متمسك بالدين . وربما هذا ما يخشاه الشيخ صالح وجماعته ، مما قد يعني انقطاع سبوبة الرزق عند هذه الجماعة .
بالعودة للمناظرة ، وعلى منوال أي سياسي براغماتي ، برر الأستاذ صبحي سقطاته وسقطات جماعته . زعم أن جماعته ، وهو شخصيا ، يتعرضون لحملة تشويه وإقصاء . وزعم أن الخصوم ينتزعون عبارات له من سياقاتها ، ويفسرونها على غير الوجه التي ذهبت إليه ، كما ويحملونها غير ما تحتمل . وأورد أمثلة على ذلك . وكان أن البرنامج عرض شريطا لخطاب الشيخ صالح الذي وردت فيه العبارات المذكورة – موضوع هذه الحلقة والمثبتة سالفا - ، وإذا بها تحمل أكثر بكثير مما ذهب إليه "منتزعوها من سياقاتها ". وذهب صالح ، وهو من أشار إلى أن خصوم الجماعة يأخذون عليها طهارتها، إلى حد الكذب الصريح ، حين إدعى أن البرنامج استدرجه إلى مكيدة ، ونصب له محاكمة . وكان أن مديرة الحوار رفضت مجاملته ، وأثبتت بالدليل القاطع أنه كان على علم كامل بموضوع حلقة المناظرة ، وعلى معرفة تامة بشخص مناظره ، وبموافقته المسبقة على ذلك . كما بين الشريط أنه كذب في تبرير العبارات التي نسبت إليه ، والتي زعم أنها أخرجت من سياقاتها .
زعم الشيخ صالح أنه كان يعرض على مستمعيه تاريخ تطور فكر جماعة الإخوان ، وتطور تنظيمها . لكنه في الشريط كان يلقي خطابا ، ولا يقدم محاضرة . وهو كسياسي لا شك يعرف أن الخطابة آلية لا تستهدف الشرح والإقناع ، ولا تخاطب العقل . هي آلية تقوم على فن استثارة العواطف ، واستفزاز الغرائز ، وتوظف سلسلة من الإيحاءات ، بينها خفض ورفع الصوت ، وحركات الجسد واليد، وتعابير الوجه ...إلخ لإحداث التـأثير المطلوب في النفس المقابلة . ويشهد مشاهد الشريط أن الشيخ صالح برع في كل ذلك وأكثر ، فنال ما نال من التصفيق المتتابع جزاء وفاقا لفن خطابته.
وفيما بعد زاد هذا الشيخ الطين بلة . لم يكتف بالزعم أن البرنامج استدرجه لمحاكمة ، وأن مديرة الحلقة أثبتت بشكل قاطع كذبه في ذلك ، وأن سكوته ، ثم قبوله بتواصل المناظرة ، حمل إقرارا صريحا منه بسقوط زعمه . كان أنه بعد ذلك وفي موقعه على الفيس بوك واليوتيوب – المصري اليوم 2 / 6 - توجه إلى شباب الإخوان يردد الزعم باتهامه بالكذب في تلك المناظرة ، التي أقر فيها ببطلان زعمه . وأكثر من ذلك شبه اتهامه بالكذب باتهام مشركي مكة للنبي بالكذب ، حاضا الشباب على الدفاع عن الإسلام ، بدعوى أن إتهامه إتهام للإسلام . وربما لم يسأل نفسه ، كما لم يسأله أحد من الجماعة : ألم تكن المناظرة ، وهو المحامي القدير ، والخطيب المفوه ، والداعية العظيم ، فرصة نادرة ، ومطلوبة لإظهار تفوق فكره على الفكر العلماني ، خصوصا وأن المناظر مجرد طبيب ، لا يملك القدرات التي يملكها سماحته ؟ وسؤال آخر طرحته مناشدته على الفيس بوك لشباب الإخوان يقول : لماذا هذا الخوف من مناظرة بين جهبذ من جهابذة الإسلام ، وشخص عادي ، يملك عقلا حرا ومنفتحا ، لتوصف بأنها مكيدة ، واستدراج إلى محاكمة ؟ لماذا لم يحولها هذا المحامي اللامع إلى محاكمة للفكر الآخر ؟ هل نفهم أن قوة دعوة الإخوان تتمثل في انغلاقها ، حيث يكشف أي انفتاح ، ولو في مناظرة ، مدى هشاشتها ؟
بقي أن نشير أن السياسي يعرف أن لا عذر له إن حشا كلامه ، محاضراته أو خطاباته ، بعبارات غير مقبولة ، يستهدف تمريرها . هو يعرف أن خصومه قادرون على اخراج عبارات كهذه من المكان الذي حشرت فيه ، وهذا واجبهم لتعريتها وفضح مقاصد أصحابها . لقد اشتهر في عالم السياسة أن يدعي السياسي بأن سقطة ما هي زلة لسان . والشيخ صالح لا بد يعرف أن أحدا في بلد ديموقراطي لا يسامح على زلات اللسان . الديموقراطية تجبر المسئول على الخروج والإعتذار عن زلة اللسان والتعهد بضبط اللسان . والمسئول الذي تكثر زلاته يفقد ثقة جمهوره ولا تنفعه الإدعاءات بأن الخصوم يتربصون له ، ويتصيدون سقطاته ، أو يخرجون عباراته عن سياقاتها . ولعلنا نذكر بأن هذه واحدة من أكثر ما يخشاه أولئك الذين يرفضون الديموقراطية .
ونختم هذه الحلقة بالتالي . جاء القرآن ، قبل أربعة عشر ونصف تقريبا ، على مجتمع جمع بين مقدمات التحضر ، والتقاليد العريقة للبادية . اتصف ذلك المجتمع المتبدي بجلافة الطبع ، قساوة الصفات ، والخشونة في المعاملات والعلاقات . وكان أن الدعوة الجديدة حققت نجاحا غير مسبوق في تهذيب نفوس أهل ذلك المجتمع المتبدي . استبدلت الجلافة بالسماحة ، والخشونة باللين ، والقساوة بالمرونة ، وضيق الأفق باتساعه ، والإنغلاق بالإنفتاح . ومن شاهد مظاهرات جماعات الإسلام السياسي أمام الكنائس ، وما أعقبها ، يتوجب عليه أن يكرر طرح السؤال مرة بعد أخرى : ما الذي يفعله الدعاة حتى يتحول الناس ، في القرن الحادي والعشرين ، من أناس سليلي حضارة متجذرة ، موغلة في القدم ، حضارة عمرها سبعة آلاف عام ، إلى أناس لا نظير لهم إلا قطعان البقر الوحشي في الغابات الإفريقية ؟ وعليه أن يطرح السؤال : ترى لو قدر للرسول أن يخرج من قبره ، ليرى ما فعلته هذه الجماعات بدينه وأمته ، فما الذي نتوقع منه فعله ؟ جواب مفترض سيقول : سيبحث عن هجرة جديدة ، عن قبيلتين من أوس وخزرج جديدتين ، ليبدأ الدعوة من جديد ، في مواجهة ملأ من دعاة الجماعات ، أعتى بكثير من ملأ قريش ، وأكثر كفرا ونفاقا من الأعاريب .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبود الزمر و العيش خارج حدود الزمان والمكان
- دخول الى حقل المحرمات - 1 -
- وحدة الأضداد بدون صراعها
- هل هي مبادرة؟!
- ويا بدر لا رحنا ولا جينا


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد حمدان - قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري