أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غازي صابر - مأسي الجنوب















المزيد.....

مأسي الجنوب


غازي صابر

الحوار المتمدن-العدد: 3520 - 2011 / 10 / 19 - 00:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في الكثير من بلدان العالم تتردد عبارة الجنوب والشمال ، وكثيراً ما تشير الى الخلافات الفكريه أو القوميه أو الطبقيه وعلى أقل تقدير تشير الى الخلافات المناخيه بين هذين القطبين .
في أمريكا وفي مرحلة صيرورتها قامت حروب ضروس بين الشمال والجنوب ومن مخاض هذه الحروب ولدت الولايات المتحده الأمريكيه وبزغ نجمها كأكبردولة رأسماليه في العالم .وفي المانيا ممكن أن تكون ميونغ كأغنى مقاطعه في الجنوب مقارنة مع مقاطعات الشمال . وفي مصر هناك حكايات كثيره عن مأسي وقسوة الحياة في صعيد مصرالجنوبي . حتى باتوا يتندرون على المواطن الذي يعيش في الجنوب (الرجل الصعيدي ) ويعتبرون هذا المواطن كمثال للخشونه والتخلف ، أو مواطن من الدرجه الثانيه . وفي السودان جرت حروب وصراعات طويلة بين الشمال والجنوب إنتهت بأستقلال الجنوب عن الشمال .
وفي عراقنا يعتبرسكنة الجنوب من بقايا سكان العراق الأصليين والذين ينحدرون من حضارة سومر ، وهم يختلفون عن أهل الوسط وعن أهل الشمال من إخواننا الأكراد حتى إطلق عليهم إبان تشكيل الدوله العراقيه في العهد الملكي مصطلح (الشراكوه أوالمعدان ) كان صدام وبعض قياداته يشعرون بالإنشراح عندما يسمعون هذه المفرده أويطلقونها على من يلتقون به من سكنة الجنوب . وما زاد الطين بله إن الأقطاع في الجنوب كانوا أكثر قسوة من الملاكين في الوسط أو الأغوات في الشمال ، وهذا ما دفعهم لترك أراضيهم والهجرة الى مراكز المدن أو الى العاصمة بغداد هرباً وطمعاً بالحياة المدنية ومافي المدن من وسائل مغرية للمتعة وللمدنيه .
في البلدان المتقدمه قد لايشعر الزائر بالخلافات بين الشمال والجنوب لكن في البلدان المتخلفه يكون هذا الإختلاف واضحاً ربما لإن البلدان المتقدمه أدركت أهمية ردم الفجوه الطبقيه والثقافيه بينهما وسعت خلال صيرورتها لدمج القطبين من خلال توحيد البنى التحتيه والمراكز الأداريه والثقافيه وقبلها الصناعيه والمعرفيه .هذا التوجه لدى هذه البلدان نابعاً من إدراك مخاطر إبقاء قطب قائماً على الحرمان والتخلف بينما القطب الأخريتنعم بكل شئ .
ومن سيئات النظام الملكي في عراقنا تحالفه مع الإقطاع في تسلطهم وحتى في تجاوزاتهم وإمتهانهم لكرامة وأعراض الفلاحين .هذا الواقع المر دفع بالفلاحين الى ترك اراضيهم والتي أصبحوا يعملون فيها كأجرأ بعد أن كبلهم الإقطاع بالديون وبالغرامات .
من هنا بدأت كارثة أهل الجنوب (الشراكوه ) وكارثة العراق . فهجرتهم الى العاصمه بغداد هرباً من الفقر والجوع وظلم الأقطاع دفعهم للسكن في الصرائف وفي المساحات الفارغه وسط العاصمه ، وسكنوا خلف ما يعرف بالسده . وبالرغم من حسرتهم لفقدانهم أراضيهم إلا إنهم عاشوا بعيداً عن الظلم لكنهم واجهوا مشكلة جديد ه الا وهي نظرة أبناء المدينه لهم ولأولادهم وما كانوا يطلقون عليهم (شراكوه أو معدان ) .
في الموجات المهاجره والتي وصل
غازي ت بغداد قبل ثورة تموز 58أو بعدها بقليل إندمج أبنائهم في المدارس وإستطاعوا أن يجدوا لهم موقع قدم في سلك الدوله وهذا بفضل مبادئ الثوره ولم تكن الفوارق بينهم وبين أبناء المدن عاليه جداً ، لكن إستمرار النزوح ضل يربك العاصمه ولم تتمكن من إستيعاب هذه الموجات ورفع مكانتها الثقافيه والفكريه وكذلك تحسين ظروفهم المعاشيه والإجتماعيه وذلك لغياب الخطط والبرامج الحكوميه والمدركه لخطورة هذه الموجات وتأثيرها على بنية العاصمه كواجهة ثقافية وفكرية وقائدة لكل مساحات الوطن .
تراكم هذه الموجات شكل عبئاً على العاصمه وخطراً راح يضغط على جسدها وعلى سكنتها فإمتلأت شوارعها بالبطاله وبالعماله التي يسمونها حثالة البرولتاريا، وظهرت دعوات وتحذيرات خجلة من علماء الإجتماع من الخوف على (أريفة ) العاصمه .
تزاحمنا نحن أهل الجنوب في خمسينيات القرن الماضي وما بعده على العمل في الأسواق وفي عمل البناء وفي المهن الضعيفه ، ورحنا نجوب شوارع العاصمة بملابسنا الرثه ولهجتنا التي لا يستسيغها الأفندي من سكنة بغداد . وبعد مقتل الزعيم وسقوط الثوره تجمعت مساكننا في مدينتي الشعله والثوره .
في سنوات الحكم العارفي الثاني كنت طالباً في الدراسة الأعداديه وفي نقاش مع أحد الزملاء من سكنة العاصمة الأصليين : قال لي لو كانت الأمور بيده لوجه المدافع على مساكن أهل الثورة والشعله لإنهم يشوهون وجه العاصمه ويشكلون عبء على الحكومه .
في ما قاله زميلي هي النازيه بعينها إن كان يريد الحل بهذه الطريقه . لكن البحث عن حلول إنسانيه لكي نعيش نحن أهل الجنوب كبشر في مساكن وحياة مدنيه هو الصواب . زميلي هذا إنطلق من حرصه على العاصمة من التشويه وحباً في رؤيته لجمالها وعلو مكانتها الثقافية ، بعيداً عن إتهامه بالطائفيه . لكن معالجة هجرتنا للعاصمة كانت ظالمة بالطريقه التي سمم سمعي بها ، والصحيح ما قام به الزعيم في إيقاف الهجرة من خلال الإهتمام بالريف والزراعه ونقل المدينة الى الريف وبأحتوائنا نحن المهاجرين الى العاصمة بالرعاية والتعليم وبناء مساكن تليق بأنسانيتنا ووفرلنا فرص العمل في المصانع والتي رفعت من وعينا كبشرنؤثر ونتأثر بوسائل الأنتاج . لكن الزعيم قتُل وإغتيلت الثوره ولم تنجز كامل أهدافها الوطنيه في بناء دوله قويه إقتصادياً وإجتماعياً .
بعد تراكم الإهمال في معالجة قضية هجرة الريف الى المدينه . كان أول العابثين في تخريب جماليتها وثقافتها الحاكم صدام حسين والقادم من الريف الغربي. وخلال سنوات حكمه أخضع العاصمة بغداد لمفاهيم القرية وفي كل شئ ، وعاقب من يحاول التمدن والتطلع لما وصلت إليه بلدان العالم بدعوى (تقاليد وعادات أجنبيه) وعمل بلا كلل من أجل ترسيخ التقاليد والعادات القبليه سواء في المناهج التربويه أو عبرخطاباته ولقائته في وسائل الأعلام .وساعده في هذه التوجهات العديد من وعاظ السلاطين .وأخيراً تبنى نشر الفكر السلفي من خلال حملته الإيمانيه والتي تبناها نائبه عزت الدوري ، وليتحول هذا الأيمان إبان الإحتلال الى إرهاب القاعده السلفي .
إستمر عقل القرية في قيادة أعلى سلطة في البلد وإعادة كل مفاهيم الماضي كبرامج للتربيه في الحياة اليومية للناس وخاف أبن المدينة بالمجاهره بسلوكيات المدينه وكل المفاهيم التي تربى عليها فهاجر الكثير من هؤلاء بحثاً عن الحياة المدنية التي فقدها في عاصمته بغداد الى البلدان التي تتمتع بالمدنيه والتحضر ، وخلال سنوات حكم صدام والحروب والحصار غادر معهم أيضاً العديد من الذين سكنوا بغداد من الموجات المهاجرة الأولى من مهاجري الجنوب والذين تطور وعيهم المدني خلال الثورة وما بعدها والكثير من هؤلاء يشكلون نسبة كبيرة من العلماء والأطباء وحملة الشهادات .
اليوم شوارع عاصمتنا ومدننا في المحافظات خالية أو فقيرة من سكنة المدن ومن أهل الريف والقريه والذين حصلوا على شهادات وكفاءات تشهد لها كل المؤوسسات العلميه في الخارج ، والذين كان يعول عليهم في قيادة البلد لكفائتهم بدلاً من حملة الشهادات المزيفه والسراق والذين يحملون ويصرون على بقاء الأفكار المتخلفه مهيمنه على عموم قطاعات بلدنا .
في مدننا الجنوبية ثروات طائلة من النفط الى النخيل الى الزراعة والمعادن المطمورة في الأرض الى ثروة الهور السمكيه والسياحية الى كون البصرة منفذالعراق البحري . و لو توفرت العقول التي تخطط وبأخلاص لإستثمار هذه الثروات الهائله لتحول الجنوب الى قبلة للعراق في تطوره ، وسيؤثر حتماً هذا التحول على عقول الناس هناك ويصبح الجنوب هوحامل لواء التقدم والمدنية للعراق .
واليوم وبعد تراكم الهجرات الريفية الى المدن وهجرة أغلب أهل المدن للخارج ، وتعطل الكهرباء وتوقف الصناعة والزراعه وبقاء مدننا بدون تعمير وأمام أزمات قلة المساكن وهذه البطالة الكافره والتي تدفع بشبابنا للتجوال في عاصمتنا الحزينه بحثاً عن أي عمل . أصبحت المعالجه صعبه كي نعيد زهو عاصمتنا وجمال مدننا ولو الى سابق عهدها ، وما يزيد الطين بله أن إدراك هذه الصوره السوداويه لواقعنا بعيد عن فكر من يحكم ويدير دفة الحياة في عراقنا الغني بكل شئ والفقير الى كل شئ .
وأمام إنهيار البنى التحتيه لحياة العراقيين وأمام إستمرار الإنجاب على إسس قبليه ودينيه وغياب الدولة والحكومه في إدراك مخاطر الواقع المؤلم والخطير ، فجل ما تفعله هذه الحكومه هو التنازع على جني أكبر الغنائم لها وللأقرباء من المال العام وعلى مبدأ الأقرباء أولى بالمعروف .
أمام كل هذا التردي للواقع والمستقبل ينذر بالمخاطر ولا أحد يتكهن على أي شاطئ سترسي سفينة العراق وصراع الأخوة ( الأعداء ) على أشده ، سيبقى الجنوب وسيبقى كل الريف العراقي يحصد خيبات الحياة في المدن العراقيه وفي العاصمه بغداد .



#غازي_صابر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إرث لوسي
- بقرتنا الحلوب
- زهره
- العراق وصراعات إسلام المنطقه
- قصه قصيره اولاد عزرائيل
- عبد الكريم بين عهدين
- قصص قصيره معاناة
- الطوق المحكم
- قصة قصيرة المعلم الأول
- التعميرو التخريب
- عيد العمال وذكريات الطفولة
- نجم والي وصحبه
- الزياره المشؤومة
- الحوار المتمدن إسم على مسمى
- الصراعات الإقليمية والعراق
- كركوك وقشة البعير
- خال الحكومه
- قصة قصيره الخشبه والمسمار
- كوارث الفكر القومي والطائفي
- قصة قصيرة المقابلة


المزيد.....




- بعضها أوقف التصدير... ما هي الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة ...
- الآلاف يرفعون علم روسيا العملاق في قبرص احتفالا بيوم النصر
- لجنة فلسطينية تدعو أهالي الضفة والقدس والداخل للانتفاضة إسنا ...
- ساحة حرب.. مشاهد مروعة لهجوم نشطاء على مصنع -تسلا- في ألماني ...
- -كتائب القسام- تفجّر نفقا بقوة إسرائيلية في رفح
- الدفاع الروسية تعلن تدمير 3 دبابات -ليوبارد- ألمانية ودبابتي ...
- تأهل المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة -يوروفيجين- وسط تظاهرات ...
- السفارة الروسية في الإمارات تنظم أمسية احتفالية بمناسبة الذك ...
- إسرائيل تتحدث عن مغادرة مقاتلين من -حماس- رفح وتكشف عن استرا ...
- لسبب غريب.. صينيون يدهنون وجوههم باللون الأسود (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غازي صابر - مأسي الجنوب