أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية(3)















المزيد.....

فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية(3)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3419 - 2011 / 7 / 7 - 13:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كان المطلق الإسلامي الأول من الناحية التاريخية بداية المطلق الثقافي الحر. وقد رافق ذلك منذ البدء حقيقة التوحيد الإسلامي باعتباره حركة إصلاحية شاملة. بعبارة أخرى، انه تضمن في ذاته إمكانية البؤرة الثقافية، التي كانت تعني بالنسبة للإصلاح وتقاليده الروحية وحدة الحركة الفاعلة والوحدانية المتسامية. الأمر الذي سيكشف عن نفسه في ثنائياته الكبرى، بوصفها مرجعيات متسامية ومنحلة في حدوده الوسطى.
فقد كان التاريخ الوحداني الإسلامي في مصادره الأولى هو تاريخ الكل القرآني، كما نعثر عليه في نتائجه. إذ كشفت هذه النتائج عما في هذه الوحدة من إمكانيات هائلة بالنسبة لتأسيس البنية الثقافية اللاحقة. فالكل القرآني هو ليس مجرد النص العثماني، وليس اختلافات المتكلمين عن الحد والحقيقة، وفقه الفقهاء واجتهادات اللغويين عن الإعجاز والبيان والغريب والمشكل والقراءات والحروف والعلوم والمعاني. وذلك لأنه في حصيلته كان السريان الخفي في جذور الثقافة وثمارها.
ولم يعن ذلك غائية الأحداث ومجاريها، كما لم تكن حتما منذ الأزل وقدرا لابد منه، بقدر ما أنها كانت النتيجة "الطبيعية" لتفتح المبادئ الكبرى والقيم الجوهرية التي وضع الإسلام منظومتها العلمية والعملية على شكل أركان وقواعد وحدود. ولعل أركان الإسلام المتجسدة في العقائد الإسلامية وشروط العبادات وآداب العادات وقواعد السلوك وماهية الإيمان وغيرها من الجوانب هي دليل ومظهر لها. ولم تظهر هذه الوحدة المتكاملة دون وجود ما أسميته بالكلّ القرآني. وذلك لأنها العملية التي احتوت في أعماقها وكشفت في نتائجها عن حقيقة التحول الذي ادخله الإسلام على عالم الجاهلية العربية، بحيث أعاد صنعها على أسس جديدة. وبالتالي تحول الإسلام إلى منبع الكينونة العربية المستقلة.
أما حدّ وحقيقة هذه الكينونة فيقوم في مبادئها الأولية، التي تحولت لاحقا إلى عقائد كبرى ومرجعيات متسامية، كانت بدورها التعبير المناسب عما في التوحيد الإسلامي نفسه من حدود للفعل الإصلاحي. ولعل فكرة العلم والعمل هي الصيغة الأكثر وضوحا وجوهرية لها. إذ ليست هذه الفكرة في الواقع سوى الصيرورة في الكينونة. بعبارة أخرى، إن تحول الإسلام في صيرورته التاريخية والثقافية إلى منبع ومصدر وأصل ومرجع الكينونة الفعلية للكلّ العربي كان مرتبطا ارتباطا صميمي بتمّثله وتمثيله لقيمة ومعنى وآفاق الإصلاح الشامل. إذ تمّثل الإسلام وقدّم في نموذجه الإصلاحي فكرة الحدود، التي مدت بقوتها جسد الكينونة العربية وروحها، لسانها وجنانها، أركانها وأصولها.
وقد تضمن ذلك في أعماقه من الناحية التاريخية بلورة مبدأ البداية ويقين النهاية، ومن الناحية الفكرية تأسيس الارتباط بالمطلق، ومن الناحية العملية إسناد الفعل بمبادئ الخير. فقد كانت الرؤية القرآنية وتطورها تعبيرا عن تعمق الارتباط بالبداية المطلقة. وإذا كانت هذه البداية أكثر إبهاما من المطلق، فلأنها كانت تشكل الصيغة المتسامية لتأسيس قيمة الفعل المستند بدوره إلى عروة وثقى. وقد هشمّ هذا الارتباط مرتكزات الدهر الجاهلي. إذ لم يعد الدهر الجاهلي مصدرا ومنبعا وأسلوبا لهلاك كل وجود وموجود، وذلك لتحوله إلى جزء من النهاية ولحظة فيها. وبالتالي لا قيمة له بحد ذاته ولا وزن. أما اليقين فيه فيقوم فقط في تقطّعه نفسه إلى أجزاء متناهية بوصفها أفعالا للإرادة الإلهية المطلقة. وهي الفكرة التي وضعها القرآن في آياته الكثيرة عن مشيئة الله الدائمة في الأشياء والأفعال. فالله هو ملك السماوات والأرض وما بينها، يخلق ما يشاء، وهو على كل شيء قدير (المائدة –17)، وهو الذي يفعل ما يريد (البقرة-253)، وهو الذي يحي ويميت، فإذا قضى أمرا فانه يقول له كن فيكون(غافر-68) وما شابه ذلك.
وقد ذللّ هذا الاحتواء التام والكامل للقدرة الإلهية، عبث الأحداث ومجهولها. ولم تعد الذات الإنسانية من حيث وجودها صدفة عابرة، كما لم تعد من حيث كيانها أسيرة الدهر، كما لم يعد معنى وجودها وغايتها ألعوبة القدر. فعندما يصّور القرآن "الحياة الدنيا" باللهو واللعب، فانه لم يقصد بذلك انتقاص معناها ولا التقليل من شأنها، بقدر ما انه كان يناهض ديمومة الدهر الجاهلي وصلافته المتعنتة برؤية الآفاق المغلقة للأفعال وخلو معانيها من تذوق واندهاش الالتقاء المثير للبداية بالنهاية. لهذا استخفّ القرآن بزمن الجاهلية عندما أعتبر اليوم عند الله كألف سنة مما يعدّون. ونعثر على ذلك في مختلف صيغ الإدانة المستترة لما هو عابر وجاهلي.
فقد حولت الجاهلية انسياب الزمن إلى قوة قائمة بحد ذاتها، بحيث قلدته "مفاتيح الغيب" في تجديد وتمويت وإحياء وإفناء كل موجود. بينما استبق القرآن بداية الزمن ونهايته في غاية الوجود الإنساني، عندما شدد على استقلالية الموت والزمن. فالموت يتعلق بالروح في إحدى أطوارها، بينما الزمن مع الجسد. والموت لا يعطي للزمن قوة الدهر الخالد بالمعايير الجاهلية، بل يسلبه إياها، باعتباره سنينا وأشهرا وأياما وليال. وهو تصوير وتقرير نعثر عليه في الكثير من آيات القرآن مثل "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا ساعة من نهار". غير أن هذه الرؤية الخاطفة لا تسلب من الجميع شيئا غير غشاوة الوهم القائل بخلود الزمن. فتحول الزمن إلى ساعات وليال، يعني أيضا انقطاعه بالموت (الجسدي) واستمراره بالروح (الأخلاقي). وتعّبر عن هذه الحالة الفكرة القرآنية عن "يوم الفصل"، الذي هو "يوم ميقاتهم أجمعين"، أو هي نفسها وحدة البداية والنهاية، باعتبارها مصرع الزمن العابر في خلود الإرادة. وبهذا يكون الإسلام قد قدّم أسلوبا جديدا في تحطيم أسس الأوهام الجاهلية عن خلود الزمن (الدهر) من خلال إدراجه إياه كلحظة أو آن في أفعال الإرادة الإلهية. وليست هذه الإرادة في نهاية المطاف سوى النفي الخالد للدهر الخالد. وبهذا لم يعد الخلود قوة منطوية في الوجود نفسه أو في قواه الطبيعية والإنسانية، بل في الإرادة الإلهية المتجلية في التاريخ بهيئة ابتلاء للإنسان في أفعاله كما أنها غيب من غيوب الله، انطلاقا من "انه لا يسأل عما يفعل".
حددت هذه الرؤية مضمون الفكرة الإسلامية الأولى ومبادئها الكبرى القائلة، بان الإرادة هي مصدر الفعل، وأنها إرادة الأصلح والأفضل والأسمى. وإذا كان الوجود في مختلف حيثياته بوصفه خلقا هو التجلي الملموس لهذه الإرادة، فان نموذجها المعقول يقوم في استمرار الوحدانية ومثالها الإصلاحي. الأمر الذي نراه في جوهرية عناصر الرجوع والاستمرار في الفكرة القرآنية نفسها. ونلاحظ ذلك أيضا في التشديد على طابعها الإسلامي، كما في الآية "قل إني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين"، و"من يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سّفه نفسه"، و"قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا" (يتبع...).
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (2)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (1)
- مذكرات الحصري والذاكرة التاريخية السياسية
- بلاغة طه حسين وبلاغة الثقافة العربية
- شخصية طه حسين وإشكالية الاستلاب الثقافي!
- الولادة الثالثة لمصر ونهاية عصر المماليك والصعاليك!
- مصر والمنازلة التاريخية الكبرى
- الإرادة والإلهام في انتفاضة مصر
- حسني مبارك – شبح المقبرة المصرية!
- ياسمين الغضب التاريخي
- إسلام -فاشي- أم يسار فاشل؟
- الانقلاب التونسي ومشروع المستقبل
- الحوار المتمدن وقضية الاحتراف المعرفي
- تيار (دولة القانون) ومشروع مركزية الدولة والهوية الوطنية
- دولة القانون وقانون الدولة
- -افتراق الأمة- بين التاريخ والثقافة(2-2)
- -افتراق الأمة- بين التاريخ والثقافة (1-2)
- فكرة افتراق الأمة بين التاريخ والسياسة (2-2)
- افتراق الأمة بين التاريخ والسياسة - البحث عن اليقين العقائدي ...
- إشكاليات البديل العراقي ومشروع العيش المشترك


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية(3)