أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - مَنْ يعوّض مَنْ؟















المزيد.....

مَنْ يعوّض مَنْ؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3362 - 2011 / 5 / 11 - 18:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



صادق البرلمان العراقي بأغلبية أعضائه في 30 إبريل/نيسان الماضي على اتفاقية دفع تعويضات بمبلغ 400 مليون دولار لمواطنين أمريكيين تعرّضوا لمعاملة قاسية من جانب القوات العراقية عشية وخلال حرب التحالف ضد العراق عام 1991 .

وكان نواب كتلة السيد مقتدى الصدر قد غادروا قاعة الاجتماع لدى عرض الاتفاقية على التصويت، وسبق لأنصاره أن هددوا باللجوء مجدداً إلى الخيار المسلح إذا لم تنسحب القوات الأمريكية من العراق (أواخر عام 2011)، مثلما ورد ذلك في الاتفاقية الأمنية الموقّعة بين بغداد وواشنطن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 . وقد رحّبت واشنطن بمصادقة البرلمان واعتبرت سفارتها في بغداد أن هذه المصادقة هي خطوة مهمة في “علاقاتنا الثنائية وجهودنا لجعل الإرث الرهيب لنظام صدام حسين من الماضي” . أستطيع أن أتفهم إنسانياً وقانونياً موضوع المطالبة بالتعويضات، فهي حق لكل متضرر بفعل لا قانوني ولا شرعي قامت به دولة ضد دولة أخرى، سواء على المستوى العام، أو على المستوى الخاص كالتعذيب والترويع والمعاملة التي تحطّ بالكرامة واستخدام الدروع البشرية أو ما شابه ذلك .

لكن مثل هذا الإدراك يتحول إلى إحساس باللوعة واللامساواة، خصوصاً بإهمال حقوق شعب متضرر بكامله ولم يتم تعويضه، الأمر الذي سيعني افتئاتاً على القانون وتجاوزاً صارخاً للحقوق الإنسانية، لاسيما بعد هدم كيانية الدولة العراقية وتعريض ممتلكاتها للنهب والسلب، بما فيه متاحفها وآثارها وصروحها الثقافية التي لا تقدّر بثمن . كيف إذاً يمكن فصل الخيط الأبيض عن الخيط الأسود؟

يذهب القانون الدولي إلى إمكانية التحلل من الالتزامات الدولية، استناداً إلى قاعدة التغييرات الجوهرية في الظروف، وإبطال مفعول أو إيقاف العمل أو بإلغاء أي اتفاق، زالت مبررات استمراره، ولاسيما إذا كان هذا الإجراء منسجماً مع القواعد الآمرة في القانون الدولي Jus Cogens بشأن تنفيذ وتأدية الالتزامات بشرف . وإذا كانت قاعدة “تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان” يمكن اعتمادها في موضوع التحلل من الالتزامات التي أخذها النظام السابق على عاتقه، سواءً قبل غزو الكويت أو بعدها، فإن هذه القاعدة ينبغي تطبيقها بشكل سليم ومنسجم مع قواعد وأحكام القانون الدولي، كي لا يتهدد المجتمع الدولي، ويكون عرضةً للتقلّبات والنزاعات التي تعرّض السلم والأمن الدوليين ومبادئ العدالة والالتزامات الدولية للخطر .

ولعل الفقه الدولي لا يزال يخضع لنقاش وسجال كبيرين بين ما هو حقوقي وما هو سياسي بخصوص ما هو “فكري- قانوني” أو “عملي ممارساتي” طبقاً لقاعدة تغيّر الظروف، وهي قاعدة متحركة، وبين قاعدة ساكنة أخرى هي عدم تغيّر الظروف، بحيث لا تكون الأولى ذريعة للتهرّب من الالتزامات الدولية بما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والوفاء بالالتزامات الدولية Pacta Sunt Servanda، وفي الوقت نفسه لا تؤدي هذه القاعدة إلى تكبيل بلدان وشعوب اضطرّت بسبب حكّامها إلى توقيع اتفاقيات ومعاهدات والقبول بقرارات دولية مجحفة . ولكن كيف السبيل إلى التوازن المطلوب وبما ينسجم مع القانون الدولي؟

ذهبت اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات إلى بحث ذلك في إطار المادة 62 متحسّبة التغييرات الجوهرية في الظروف Fundamental changes of Circumstances حين نصّت على ما يلي:

* التغيير الأساسي في الظروف التي كانت سائدة وقت عقد المعاهدة، الذي لم يكن متوقعاً من قبل الأطراف، ولا يمكن الاحتجاج به كباعث على إنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها إلاّ:

أ إذا كان وجود هذه الظروف أساساً جوهرياً لإرضاء الأطراف بالتزامات على نفسها . فلماذا يُراد أن يدفع العراق تعويضات إضافية وهو غير مسؤول عنها، بل إنه اليوم المتضرر الأكبر بسبب أوضاع الماضي وأوضاع الحاضر أيضاً .

ب إذا كان لهذا التغيير أثرٌ يقلب تماماً مدى الالتزامات التي لم تنفذ بعد .

إن احتلال الولايات المتحدة وقوات التحالف العراق من دون مسوّغ قانوني وشرعي، أمرٌ يستوجب التوقف عنده، وهو تغيير جوهري أساسي، فما كان النظام سابقاً مُساءلاً عنه، أصبحت القوات المحتلة مساءلة عنه، بموجب القرار 1483 الصادر في 22 مايو/أيار 2003 الذي “شرعن” الاحتلال .

إذا كان قرار حكومة بغداد اليوم، دفع تعويضات لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة، ولاسيما في جانب قانوني ما زال يثير التباساً كبيراً، فإن سؤالاً قانونياً محيّراً يطرح نفسه: لماذا على العراق أن يدفع المال بما فيه من اعتبار معنوي لأخطاء لا علاقة له بها؟ وأن الذي يتحمل وزرها هو النظام السابق، إذا افترضنا قانونية وشرعية هذه التعويضات، أساساً، فمن يعوّض العراقيين عن هدر ثمانية مليارات و800 مليون دولار معظمها صُرفت من دون إيصالات قانونية في عهد بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق؟

وكذلك تبديد نحو 20 مليار دولار في ظل الاحتلال للحكومتين الثانية والثالثة بعد حل مجلس الحكم الانتقالي، ثم ما ذنب العراق الذي أصبح من أكثر دول العالم في الفساد المالي والإداري والسياسي ما بعد الاحتلال وبسببه، حسب تقديرات المنظمة الدولية للشفافية؟ ناهيكم عن ضياع نحو 40 مليار دولار أخرى حسب تصريحات رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي؟

إذا كان النظام السابق قد أخذ بعض الأمريكيين رهائن كدروع بشرية، وهي مسألة مدانة من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف عام 1949 وملحقيها عام ،1977 ويستحق المتضررون التعويض المادي والمعنوي، فإن الولايات المتحدة أخذت الشعب العراقي كلّه رهينة وهي تحارب على أرض “الأعداء” كما تقول التقارير التي تم نشرها حتى بعد انتهاء مهمات القوات الأمريكية القتالية وسحب نحو 91 ألف جندي أمريكي تنفيذاً لوعود الرئيس أوباما ولأسباب داخلية أمريكية، فضلاً عن الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة .

إن إقدام الحكومة العراقية على دفع تعويضات هو تفريط قانوني في أموال وحقوق عراقية، ولعل من المناسب التذكير بأن الاتفاقية العراقية - الأمريكية التي وقّع عليها العراق أواخر عام ،2008 أقفلت باب المطالبة الرسمية بالتعويضات من جانب العراق، وهو أمر بحاجة إلى إعادة نظر بأبعاده الراهنة والمستقبلية، خصوصاً من زاويته القانونية، وقد جاءت اتفاقية التسوية لتكرّس إغلاق الأبواب بوجه المطالبات الرسمية بالتعويض، على الرغم من أن من حق الأفراد المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي من القوات المحتلة، طالما أن ضرراً بليغاً لحق بهم انسجاماً مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان .

إن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة لإجبار العراق على التوقيع على اتفاقية عام 2008 والتي سينتهي مفعولها نهاية عام ،2011 لاسيما التلويح بالفراغ السياسي والأمني وعدم جاهزية القوات العراقية في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، وكذلك إمكانية الخروج من الفصل السابع، هي ذاتها الضغوط التي تمارسها واشنطن على بغداد الآن في سيناريو جديد لتوقيع اتفاقية جديدة لتنظيم بقاء بضعة آلاف من أفراد القوات المسلحة الأمريكية في العراق، مع وجود قواعد عسكرية أساسية يمكن استخدامها، ولاسيما عند الحاجة .

وإذا كانت اتفاقية التسوية المذكورة قد ألزمت العراق بالدفع الفوري لمبلغ التعويضات إلاّ أنها أغفلت استخدام واشنطن لنحو ملياري دولار في مصارفها منذ قرارات العقوبات الصادرة بحق العراق إثر غزوه الكويت في 2 أغسطس/آب ،1990 وبهذا المعنى ضمنت اتفاقية التسوية حقوق الجانب الأمريكي على حساب حقوق الشعب العراقي وحقوق مواطنيه المتضررين من الغزو والاحتلال . وهنا يحق لنا السؤال: مَنْ يعوّض مَنْ: بغداد تعوّض واشنطن أم العكس؟! وإذا كان من حق المتضررين الأمريكان الحصول على التعويض . . . فمن سيعوّض العراق؟ ومن سيعوّض العراقيين ويطالب بحقوقهم؟



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الساسة العراقيون يتصرفون وكأنهم لا يزالون في المعارضة
- أيهدم بيت الشعر في العراق!
- بعد 50 عاماً على اعلان تصفية الكولونيالية
- دور المجتمع المدني بعد انتفاضات الشباب
- السمات العشر للانتفاضات العربية
- المواطنة بضدها
- الجنادرية والتويجري والأسئلة
- جاذبية التغيير
- الاستمرارية ميزت الجنادرية وهذه القضايا باتت ملحة
- مفارقات غولدستون: لماذا تراجع وأين الحقيقة؟
- روفائيل بطي.. إرهاص حداثي مبكّر!
- دستور مصر ووصفة السنهوري
- السياسة بوصفها علماً
- الشباب والتنمية!
- العراق من الاحتلال العسكري الى الاحتلال التعاهدي
- النيل وحرب المياه
- العرب وإسرائيل: أي جدل قانوني؟
- حرية التعبير و-حرية- التشهير
- جدلية الضعف والقوة
- - النموذج- العراقي وعدوى التغيير!


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - مَنْ يعوّض مَنْ؟