|
تجبير قدم التاريخ المكسورة ..!
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3358 - 2011 / 5 / 7 - 21:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في مسرح خيال الظل عند الصينيين كانت تقسم القاعة الى قسمين : قسم للجمهور العريض الذي لا يرى سوى الظلال في الغرفة المعتمة ، وجزء خلفي للخاصة الذين كانوا يشاهدون محركي الأيدي ، وهكذا نحن ، الشعب الفلسطيني الذي يصفق ويرقص ويتظاهر تأييداً للمصالحة التاريخية ، المصالحة التي ركضنا وتعبنا ونحن نلهث وراء زوابعها وضبابها واتهاماتها التي لم ترحم الشيب والشبان . لقد رأينا ظلال العبارات والتصريحات والاحتضان ، ومن المعيب ان نخوض في التفاصيل الموجعة ، لأنها حرقت سنابل الأمل امام الشعب الذي كان ينتظر مواسم الحصاد والبيادر . يقولون " اللي فات مات " لكن بالنسبة لتاريخنا الذي يفوت لا يموت ، يبقى شاهداً على فشلنا كقيادة وفصائل فلسطينية تختلف فيما بينها و الاحتلال جاثم على الأرض والصدور والبطون . فشلنا في رؤيتنا ومسيرتنا وكيفية بلورة الأفكار على الأرض ، ان الذي جرى خلال سنوات الانقسام جريمة ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني ولا احد يستطيع اخفاء عاره ، وللأسف تبين في مرحلة الانقسام اننا تحت مستوى الحلم ، تحت مستوى ذلك العجوز الذي ما زال يحمل مفتاح بيته ، وتحت مستوى الام التي زغردت لأبنها عندما وصلها خبر استشهاده ، تحت مستوى الأسرى في السجون الاسرائيلية ، وتحت مستوى المعاقين الذين تشوهوا خلال الانتفاضات ، وتحت مستوى الذين صودرت اراضيهم وهدمت بيوتهم ، وتحت وتحت ... اتفاق المصالحة ترميم للقلعة التي تعرضت للهدم ، تجبير للتاريخ الذي زلت به القدم ، ونأمل بعد فك الجبس ان تكون القدم سليمة وتعود للمشية المعروفة حتى يغنون لنا كما كانوا يغنون ( غندره مشي الفلسطيني غندره ..!) . بقايا عظام
كنت اشعر ان العالم بلا كتابة مليء بالذل والخوف والقمع والكوابيس والبرودة الموحشة ، لكن اكتشفت ان العالم بدون كشف المستور هو عبارة عن كمين او فخ ، وإننا سقطنا داخل مصيدة وعلينا الخروج منها ، فنحن الطيور الصغيرة الساذجة التي تحولت الى نسور لها دروع وقرون. أعيش الآن - ومثلي جميع الشعوب العربية - على نبض كشف المستور للزعماء والقادة العرب ، لأن الذي يُكشف هو حقيقة الحقائق المخبئة ، ونحن مجرد كائنات مخدوعة ، فالمثل الايطالي يقول ( الإنسان على الإنسان ذئب ) ويتبين ان الذئاب كانت تنهش كل الأطراف والنواحي ، والجلد البشري تحول إلى خارطة عربية يدوسون عليها باسم الشعب ومصلحة الشعب ، و ضاعت الطاسة وكثروا تجار الكلام والتصريحات ...! شلالات وانهار وتسونامي من الصور والفضائح المتعلقة بالساسة والسياسين العرب ومن لف حولهم – لعن الله فعل ساسة يسوس على رأي المفكر محمد عبده - ننام ونصحو على اعترافات واتهامات وفساد وأرقام مالية خيالية ، حيث كانت تتحكم عقلية ومنطق رعاة البقر ، الذين صورتهم الأدبيات والأفلام الأمريكية بصورة المغرور المتكبر الأناني الذي يطلق النار قبل ان يناقش ، ويعتبر الآخرين عبيداً لهم اوذباباً يجب قتلهم . وقريباً من هذه الصور التي هزتني صورة كانت من الممكن ان لا تخرج وتبقى ضمن البوم(نكسة67) لكن من جديد يخرج تقرير يظهر العظام المبعثرة في صحراء سيناء ، بقايا عظام جنود مصريين في سيناء ملقاة تحت أشعة الشمس وبين ذرات الرمل المتطايرة ، وبعض هؤلاء الجنود اسروا وتم اغتيالهم وهم أسرى ، التقرير الذي بث لكي يبين استخفاف واستهتار النظام المصري السابق بقيمة الجندي المصري ، الصور ليست لذرف الدموع على شباب مازالت أسرهم تتذكرهم ، بل قد تكون معلقة حتى الآن على جدران بيوتهم ، لكن التقرير يؤكد ان دم الجندي العربي رخيص وبقاياه أرخص ، فعندما كان الرجل الذي اجريت معه المقابلة في التقرير التلفزيوني ، يلملم العظام ويكومها ويغطيها باشواك برية ، حتى يسترها بعيداً عن الحيوانات ، كانت عشرات الأمهات والأخوات والزوجات في مصر في حالة رعب من أن تكون هذه العظام والجماجم لأحبائهن ، وعملية التحزر- ممكن او غير ممكن – انطلقت مطالبة بفتح هذا الملف البعيد القريب ، بعد ان اغلق بالشمع الأزرق والابيض وبختم الوجوه الاسرائيلية التي كانت مسؤولة ابان حرب 67 عن اغتيال الأسرى ، لكن بعد اتفاقية ( كامب ديفيد) تحولت الوجوه الاسرائيلية الى صديقة ، تدخل وتخرج وتحضن وتقبل بدون حساب او سؤال او هزة ضمير ..! ان إعادة رفات جندي او بقايا عظامه إلى وطنه له دلالة وطنية وإنسانية عند الشعوب والقادة والزعماء ، وعلى مر التاريخ لم نجد شعباً تجاهل او وافق على بقاء عظام جنوده في اراض غريبة ،وهناك قصص كثيرة تروي عن حروب قامت من اجل جثة او عظام جندي ، لأن كرامة دفنه في وطنه من كرامة الوطن ، فكيف بعظام مبعثرة وملقاة بإهمال في ارض الوطن ، وفي ذات الوقت يكون الاحتضان والضحكات للذين قاموا بقتل اصحابها ...! قد تمر"العظام " من تحت الإهمال الذي ارتوى من السنوات المتهدلة ، وتتورم عيون الأمهات من شدة البكاء بعد ان اكتشفن ان الابناء في حالة تبعثر وغربة وان قبورهن ليست قبوراً بل هي فضاء الفزع ، وقد ينكأ القضاء المصري قشرة الفساد المالي للرئيس المصري وزمرته ، لكن العظام ستبقى شاهدة عيان على تاريخ اطاح بكبرياء واعتزاز القيمة الانسانية والعسكرية .
بقايا رصاص
اما بقايا الرصاص فهو رصاص البغتة والنذالة والاختباء ، الوقوف بعيداً والتربص للقتل المتعمد ، جيوب هؤلاء القتلة مليئة بالرصاص ولا ندري كيف يتحركون ويتصرفون ويحقدون ويطلقون الرصاص خفية ، كيف يكونون هم القضاة والجلادين معاً ..؟! وكيف يحاسبون ويكون عدلهم القتل دون رحمة ..؟! كيف هو شكل ميزان عدالتهم ؟ ! نحن نعيش اليوم في مجتمع مفتوح على أزيز الرصاص ، واخبار تتحرك في الحارات والطرقات والبيوت (فلان قتل ) حتى تحولت المدن والقرى العربية الى ساحات قتل يوقع عليها الذهول وتبصم الدهشة ولا نجد الا عبارات الاستنكار ، وقليل من المظاهرات وكثير من الاستنكار والشجب البائس . نضع اللوم على الشرطة وعلى فوضى السلاح ، لكن يجب ان نواجه الحقيقة المرة ؟ اين دورنا من الصمت المتجمد على الشفاه ؟ اين دورنا في التوعية ونبذ هؤلاء الذين ينشرون الرعب بيننا ؟ نحن أقلية تعاني من أمراض عديدة ، أمراض خارجية وأمراض باطنية ، ومرض إطلاق الرصاص أصبح لعنة توازي مرض العنصرية المتفشية ، لأن العنصرية تريد محو تاريخ وارادة وشخصية اقلية تتشبث في ارضها ووطنها ، اما الرصاص فهو يريد قتل قيمة الشباب وبث روح الذعر وعدم الامان والاطمئنان للغد ورؤية المستقبل . المصيبة ان القتل المتعمد بالرصاص - أصبح للأسف - جزءاً من وجبتنا اليومية ، نفطر على مقتل شاب من قرية في الشمال ونتغذى على مقتل شاب من المثلث ونتعشى على مقتل شاب النقب ، ووسائل الإعلام تشاركنا الوجبات كضيف على مائدة اوجاعنا ، ما ان يخرج من البيت حتى ينتقل الى مائدة اخرى . علينا ان نكسر الموائد ونصنع منها قوارب نجاة والا ابتلعنا محيط الدم .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من راشيل الى اريغوني المجرم واحد
-
لك يوم يا ظالم
-
من طباخ الريس الى صراخ النملة
-
بين إمرأة وإمرأة هناك امرأة
-
دموع البترول وأقنعة الكلاب
-
صفعة على وجه هذه المرأة
-
من مؤخرة الدجاجة يخرجون قنابل مسيلة للدموع
-
رأس الجبل الضاحك الباكي
-
ألقذافي يرقص رقصة - الستربتيز - الدموية
-
اللي بتزوج امي بنقلوا يا عمي
-
ثقافة الميدان ودموع وائل غنيم
-
زواج مبارك من مصر باطل
-
الجزيرة وصحن البصل
-
تمثال الحرية عربة خضار
-
قل الحليب وقلت قيمة الراعي
-
شخصية العام في البرميل
-
العار الأبيض يكلل فرح السنة الماضية
-
البنطلون الذي وصل للخيمة
-
دخان الحرائق ودخان الحاخامات
-
افتح يا ويكيليكس
المزيد.....
-
بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب
...
-
نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو
...
-
ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا
...
-
الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ
...
-
أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
-
-لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي
...
-
الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق
...
-
وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي
...
-
السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما
...
-
وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|