أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمن دارا سليمان - العراق الجديد : خراب اللغة














المزيد.....

العراق الجديد : خراب اللغة


عبد الرحمن دارا سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 20:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين قال مارتن هايدجر : " اللغة بيت الوجود " لم يكن يتصور إطلاقا وجودا يقترب من العدم، ولا بيتا أحيل الى صريفة، كما هو الحال في الوضع العراقي هذا اليوم . وحين حدّد علماء الإجتماع عنصر اللغة بإعتبارها واحدة من الشروط الأساسية في نشأة الأمة وتميّزها عن غيرها من الشعوب والأمم، بما تنطوي عليه من إشارات ورموز ودلالات وحكم وأمثال شعبية، جنبا الى جنب التراكيب والألفاظ والقواعد الخاصة بها، فإنّهم كانوا ينطلقون في ذلك التحديد، من علاقة النطق بالمنطق، واللغة بالعقل، كأداة ووسيلة للتعبير عن الأفكار، بالمعنى الأولي للغة، على الأقل، وكإسلوب يتيح للبشر الخارجين من شريعة الغاب ومن نواميس الطبيعة القاسية وعلاقات القوّة البدائية، سبل التوصل الى التفاهم والتعامل على قاعدة العيش المشترك .

نادرا ما يتأمل العراقي "الجديد" هذا اليوم، في سرد الكلام ومفردات الخطاب المباشر أثناء الحديث المتبادل . الإنتباه واليقظة لديه موجّهان على مناطق وزويا أخرى، كهيئة القائل وشكله وموقعه الإجتماعي أو ما يوحي اليه كل ذلك . وغالبا لا علاقة للكلمات المتداولة بالإيقاع الداخلي الحقيقي للحياة المعاشة ولا بالسياق العام، سوى مفردات التعامل اليومي السريع . لا إتفاق مبرم على مستوى الكلمات والجميع في حالة حذر من التأويلات التي تدفعهم أحيانا الى حدّ الخرس أو الهيجان والإسترسال المستفيض في الكلام في جميع الإتجاهات وبلا وجهة محددة. وكذلك الإصغاء والمتابعة والتركيز على الفكرة الأساسية التي يراد إيصالها . البحث يجري دوما فيما وراء الكلام . أي في المقاصد . فهي بمثابة الحقيقة الواحدة والوحيدة التي يمكن أن يقتنع بها ويتخذ على ضوءها الموقف الذي يرتأيه من الحديث والمتحدّث. أما الصراحة أو المواربة أو الإثنين معا، فما هما بنظره، سوى تزيين لفظي خارجي وإطار عام لا يعبّر عن المكنونات الداخلية العميقة في الحالتين .

زحف الأرياف والمناطق النائية والأحزمة المحيطة بالمدن، على المدنية وعلى قيمها الحضرية التي لم تنجح في تأسيس الحداثة والتقدم وتحوّلها لمؤسسات وقوانين راسخة، أدّى بدوره لإجتياح اللغة التي ظلّت مشرعة الأبواب أمام أي إقتحام يغزوها من الخارج . في الدارجة العراقية هناك اليوم، الكثير من المفردات والتعابير والرموز التي لم تكن موجودة من قبل، وبالمقابل، ثمة إختفاء تام لتعابير حضرية مؤدبة مثل : "من فضلك" و"رجاءا" و "لو سمحت"، وحلّت محلّها أداة مناداة خشنة : "ياولد" . وللمشارفين على الستين من أمثالي : "حجي" .

ثمة أفئدة وفية تتحسّس الغرباء من أمثالي وتتألم لي ولها في آن . ليسوا بالضرورة من بقايا الأهل والأحبّة والأقرباء، بل يمكن أن يكونوا من جيوش المعدمين والمتضررين والعاطلين عن العمل الذين تصادفهم يوميا في الشوارع . كلّ التحسس يتركز في نبرة الصوت التي بات يفتقدها ويدركها العراقي كما لم يدركها من قبل . موجات الأكاذيب الصغيرة والكبيرة، لم تقض على إحساسه بالحقيقة التي مازالت تجد دربها الى النفوس رغم التشوهات التي إعترت بنية الوعي الإجتماعي وعملت ولا تزال تعمل على تكريسها وعلى الإرتزاق منها وعليها، معاول كثيرة في الداخل والخارج معا . وثمة ألسنة طويلة تعتمد قوّة الصوت العالي والهياج والهيجان بالحقّ وبالباطل، وغالبا ما تكون بالباطل، في سبيل الوصول الى مرامها . الفوضى والتعمية وقنابل الدخان إخترقت اللغة وأحالتها الى هشيم . حدود الأزمنة تكاد تختفي في العقل وفي قواعد اللغة . الماضي لا يزال موضع صراع والحاضر ممزّق ومفكّك بفعل التركة الثقيلة وطبيعة الورثة ونواياهم ومصالحهم الحقيقية، والمستقبل مجهول كتحصيل حاصل ومنطقي على كلّ ذاك.

هل يمكن أن تتصالح هذه الأزمنة الثلاث، من أجل الحصول على لحظة هناء واحدة ومفتقدة ينتظرها العراقي منذ عقود ؟ أية مرجعية بديلة سوى مرجعية العقل يمكن لها أن تعيد بناء اللغة والإنسان والعمران ؟ . لا شيء يلوح في الأفق القريب وينبا أنّ بلادا كان فيما مضى، مهدا للحضارات القديمة، سيصبح يوما، نهبا للجهلة والمزوّرين والفاسدين ، ومسرحا تدور على خشبته كلّ مهازل الدنيا وتعرض بلغة كاذبة وركيكة ومملّة على جمهور غائب ومغيّب لم يلتقط أنفاسه بعد ولم يدرك تماما ما حصل له من نوائب وكوارث وحروب وسرقات وإنتحالات . ولا شيء يمكن المراهنة عليه داخليا، سوى جهود الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين الحقييين هنا وهناك، وهي بمجملها تمثّل هذا اليوم، الخطاب العقلاني الوحيد الذي يصعب تفهمّ مفرداته وبالتالي تبنيه من قبل الجمهور الواسع والعريض، ضمن الأوضاع السائدة والإستثنائية التي تمرّ بها البلاد . كلّ آمال المراقبين معقودة على موجة التفجّرات في المنطقة العربية والجوار العراقي، ومدى تأثيراتها على الوضع الداخلي .

المؤتمنون على الفقه والبلاغة وقواعد اللغة العربية، أرادوها أن تبقى كما هي منذ أربعة عشر قرنا، مقدسّة ولا تمسّ، من دون لغات العالم التي تخضع دوريا للتجديد والفحص والتبديل من أجل إستيعاب مفردات العصر وما تفرضه مستجدات الحياة عليهم، من كلمات وتعابير وألفاظ ، بالرغم من أنهم مجبرين على مسايرة العصر في الخطاب السياسي والإعلامي الحديث ولكن بدون الإعتراف وبدون الترجمة العملية للتحوّلات الطارئة على صعيد اللغة الى مناهج ومدارس حديثة ومؤسسات تحافظ عليها وتحميها من البربرية .

" إنطباعات عائد للعراق بعد ثلاثين عاما " .



#عبد_الرحمن_دارا_سليمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق : فرصة العودة للوطنية
- الغضب العراقي : تظاهرات سلمية أم معارك حربية ؟
- البعثي المتلوّن والعراقي عديم اللون والطعم والرائحة
- الشارع العربي : عودة الروح
- التيار الديمقراطي العراقي : إقتراحات وأفكار
- الإحتجاجات الشعبية : ثورات الخبز الجديدة
- الثقافة في العراق : معركة مفتوحة أبدا
- العراق الجديد : التكتّم على النوايا والمخاتلة في المصالح
- العراق الجديد : تجفيف منابع الوطنية
- العراق الجديد : الإسلام السياسي والإسلام الصهيوني
- في أبعاد التضييق على الحريات في العراق
- العراق الجديد : القوى الديمقراطية وإتجاهات التغيير
- حيرة الدكتور كاظم حبيب وأشجانه العراقية
- العراق الجديد: المخاض السياسي العقيم
- مواطنون أم رعايا أم رهائن ؟
- المحنة العراقية المستمرّة
- العراق الجديد : الدولة الحديثة والمجتمع القديم
- العراق الجديد : مصير التحوّلات الديمقراطية
- العراق الجديد : الصراع بين القديم والأقدم
- حول الإنتخابات العراقية المقبلة وهمومها الكثيرة


المزيد.....




- التعرّق في المطارات قد يُطلق أجهزة الإنذار الأمنية.. تعرّف إ ...
- -مملة للغاية-.. شاهد رد فعل ترامب حول سبب اهتمام الناس بقضية ...
- ترامب يعلن عن استثمارات ضخمة لدعم الذكاء الاصطناعي والطاقة ف ...
- ما صواريخ جاسم؟ وهل سيرسلها ترامب إلى أوكرانيا؟
- بعد تصريحات ترامب والسيسي.. هل يشهد ملف -سد النهضة- انفراجة؟ ...
- القناة 13 الإسرائيلية تكشف -مسودة اتفاق غزة- الجديد والمؤقت ...
- رئيس إنفيديا: الذكاء الاصطناعي الصيني -محفز للتقدم العالمي- ...
- روسيا تدمر 8 مسيرات أوكرانية وتقصف مدنا أوكرانية بالمسيرات
- إيران تحتجز ناقلة نفط أجنبية بسبب تهريب مليوني لتر من الوقود ...
- سوريا.. تعبير السعودية عن -ارتياحها- وتعليق وئام وهاب يثير ت ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمن دارا سليمان - العراق الجديد : خراب اللغة