أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبد الرحمن دارا سليمان - العراق الجديد : تجفيف منابع الوطنية














المزيد.....

العراق الجديد : تجفيف منابع الوطنية


عبد الرحمن دارا سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 3228 - 2010 / 12 / 27 - 19:35
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لم تكن سنوات الحكم الديكتاتوري في العراق، سوى تجسيدا حقيقيا، للفصل الختامي لما كنّا نسمّيه في الأدبيات السياسية بالمرحلة الوطنية ، وبدون أدنى شكّ فقد مهّدت تلك السنوات وما صاحبها من سياسات تدميرية، للتفكيك التدريجي والمنظمّ، لكل ما تضمنته مرحلة الإستقلال، من مشاريع وإنجازات وطموحات سياسية وإقتصادية وثقافية وتنموية كبيرة وصغيرة، صحيحة وخاطئة، لسنا بصدد تقييمها في هذا المقال، ولكنها كانت تستهدف على وجه العموم، إستكمال الإستقلال الوطني والخروج من دائرة السيطرة الغربية وسياساتها الموجّهة نحو المنطقة عموما . ولم تكن تلك المشاريع التي إستثمرت فيها القوى الوطنية والديمقراطية العراقية الكثير من جهودها ودفعت أثمانها الباهضة أجيال الشعب العراقي، فارغة من المعنى السياسي كما يعتقد الكثيرون هذا اليوم، وإنّما إندرجت تلك المحاولات الوطنية الجادّة في سياق تاريخي تميّز بتراجع الهيمنة الغربية المباشرة، وفتح الأبواب على الآمال الشعبية الواسعة في التحرّر والإنعتاق من خلال محاولات تبنّي النظم السياسية والإجتماعية والإقتصادية الجديدة التي ترتضيها أو إعتقدت أنها تلبّي طموحاتها وتنسجم مع ثقافتها المحلية وتساعدها على الدخول في العصر وتقبّل مبادئه وقيمه الحديثة، غير أنها وكما عايشناها، كانت تصطدم على الدوام، بواقع قوى داخلية لم تهزم تماما، ولم تيأس يوما، في سبيل إستعادة إمتيازاتها ومواقعها السياسية والإقتصادية التي خسرتها في حقبة الإستقلال .

ومع الإحتلال الإمريكي للعراق عام 2003، والذي نجح الى حدّ كبير، في تمرير وتسويق فكرة المحرّر من الديكتاتورية في أوساط الرأي العام، تكشّف أمام المراقبين، ضعف وهشاشة الأسس التي قام عليها التوازن السياسي والإجتماعي في البلاد كنتيجة طبيعية لسياسة التفرّد بالسلطة وملاحقة وتصفية المعارضين لها من جهة، وإنحطاط السياسة ذاتها ومصادرتها وإنفصالها التام وبالمعنى المطلق عن المجتمع وعن تمثيل القواعد الإجتماعية التي يمكن أن تشارك وتدافع وتساهم في تطويرها نتيجة غياب الحرّيات العامّة من جهة أخرى .

وبطبيعة الحال، لم يكن هنالك من هو أفضل من الديكتاتور العراقي القادم الى السياسة من قاع المؤامرات والدسائس، والممتلئ بالغرور الجامح وعقد النقص الشخصية، قدرة على تجييروتشويه ومن ثم تدمير كل إنجازات المرحلة الوطنية السابقة وإخراج الجمهور الواسع وقواه الوطنية الحقيقية من ساحة السياسة، وهو أقصى ما كانت السياسة الغربية تحلم به، تمهيدا لزجّه في حروبه العبثية اللاحقة، وهو ما يفسّّر الصمت السياسي الغربي المتواطئ خلال عقود طويلة على القمع والطغيان الداخلي الذي كان يمارسه، لا وبل دعمها وإسنادها وتزويدها له بكل أنواع الأسلحة الفتّاكة والمعلومات اللوجستية اللازمة التي تحافظ على ديمومة قوته التدميرية الداخلية، للقيام بدلا عنها بالمهمّات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط والخليج وهو ماكانت تعجز عن القيام به بنفسها ومباشرة، منذ بداية عهد الإستقلال الوطني .

وكما ظهر، لم تعد المعارضة العراقية السابقة والمعروفة لوحدها الى الساحة السياسية ، إذ لم يكن من السهل أيضا على الكثيرين منهم، أن يدركوا طبيعة القوى القديمة المتوارية خلف قناع "المحرّر الأمريكي" والتي عادت بثياب جديدة على هيئة ساسة ومستشارين وزعماء أحزاب وتكتلات سياسية ملفقة، إذ عاد الإقطاعيون القدامى وسراكيلهم في صورة رجال المال والأعمال والمدراء والمحافظين والمحازبين وأمراء الطوائف والمليشيات وأصحاب الفضائيات والصحف ورؤساء منظمات المجتمع المدني، وعاد الملاكون الكبار في صورة نواب ووزراء ووكلاء وسفراء للمرحلة الجديدة ، مرحلة مابعد الوطنية أو مرحلة ما قبل الدولة، وعادت معهم ما يليق بمقامهم الجديد من ألقاب الفخامة والعظمة التي فقدت اليوم كل إعتبار في عالمنا المعاصر، وأغدقت عليهم من الإمتيازات والرواتب الخيالية التي لا مثيل لها، وفي مزيد من الإمعان في الإهانة والتعالي والإنفصال عن المجتمع ، قسّمت العاصمة بغداد الى منطقة خضراء محصّنة للنخبة الجديدة ومنطقة حمراء للعامّة والرعية والمهمشين ، وقود الحروب والمجاعات والحصار والنضال السياسي الطويل، وإنطلت اللعبة على الجميع ووقعت أطراف كثيرة من المعارضة السياسية السابقة في الفخ المرسوم، وبدت وكأنها لا حيلة لها أمام الأمر الواقع ولا يد لها إطلاقا في أوسخ وأوسع عملية بيع وشراء أشلاء وطن تجري في التاريخ الحديث .

وفي هذه الغفلة التاريخية الكبرى، حلّت الصراعات الدينية والمذهبية والأثنية وما يختفي وراءها من تمايزات شكلية ورمزية ومصالح ضيّقة، محل الصراع السياسي الحقيقي، وكان من الواضح تماما، أنّ المرحلة الجديدة لا يمكن أن تتمخض عن نتائج إيجابية وفي مستوى تضحيات الشعب العراقي بدون التقييم الموضوعي والتجاوز الحقيقي للحقبة الديكتاتورية السابقة، وإظهار الأسس العميقة للإنهيار في الدولة والمجتمع والتنظيم السياسي كخطوة أولية وضرورية للبدء بأية ممارسة سياسية وإعادة تكوين الحركة الوطنية التي في غيابها وإنفراط عقدها لن يكون هناك سوى التدهور المتواصل والمستمر في الأوضاع العامّة، وبدون الكشف عن ركاكة وضعف المنظومة الفكرية والنفسية وما إرتبط بها قيم ومعايير وسلوكيات قائمة على التفرّد والإحتكار والإستثار لن يكون هناك سوى الإجترار التاريخي وإعادة إنتاج الماضي، سواءا طال الزمن أم قصر .



#عبد_الرحمن_دارا_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق الجديد : الإسلام السياسي والإسلام الصهيوني
- في أبعاد التضييق على الحريات في العراق
- العراق الجديد : القوى الديمقراطية وإتجاهات التغيير
- حيرة الدكتور كاظم حبيب وأشجانه العراقية
- العراق الجديد: المخاض السياسي العقيم
- مواطنون أم رعايا أم رهائن ؟
- المحنة العراقية المستمرّة
- العراق الجديد : الدولة الحديثة والمجتمع القديم
- العراق الجديد : مصير التحوّلات الديمقراطية
- العراق الجديد : الصراع بين القديم والأقدم
- حول الإنتخابات العراقية المقبلة وهمومها الكثيرة
- العراق الجديد والطريق الطويل الى الديمقراطية
- العراق الجديد : مرحلة جديدة على الأبواب
- الديمقراطية والمدنية في العراق الجديد
- الأزمات المستعصية القديمة في العراق الجديد
- ساسة وأحزاب في عراق العجائب
- ديمقراطية مقابل الدماء
- العراق الجديد يجرب كل الحلول الخاطئة قبل الحل الصحيح
- العلمانية والديمقراطية ومأزق العراق الجديد
- في الدين والدولة والعلمانية


المزيد.....




- البنتاغون: أميركا لن تتراجع عن أمن إسرائيل
- كيم جونغ أون يهنئ بوتين بعيد ميلاده في 7 أكتوبر ويطلق عليه و ...
- إعصار ميلتون يتجه نحو فلوريدا: مخاوف من أضرار كارثية وإجلاء ...
- مقررة أممية: ما يجري بغزة إرهاب نفسي وجزء من خطة إبادة جماعي ...
- مستشار السوداني: نعمل على ضبط الأوضاع داخليا لتجنب الانزلاق ...
- واشنطن تطلب من إسرائيل عدم قصف مطار بيروت
- فرنسا: القوة وحدها لا تكفي لضمان أمن إسرائيل
- واشنطن تحذر إسرائيل: هذا ما يعنيه قصف منشآت إيران النووية
- هل يمكن لإيران الانسحاب من معاهدة الحد من -انتشار النووي-؟
- رئيس المعارضة الإسرائيلية يطالب بضرب نقطة ضعف إيران الكبرى ر ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبد الرحمن دارا سليمان - العراق الجديد : تجفيف منابع الوطنية