أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - قصة قصيرة : تََساوِقٌ














المزيد.....

قصة قصيرة : تََساوِقٌ


عبد الرزاق السويراوي

الحوار المتمدن-العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 15:21
المحور: الادب والفن
    


الى الذين عاشوا الغربة بعيداً عن الوطن ...
حين وصل بيته قبل قليل وهو عائد من العمل , كان الوقت تجاوز الرابعة عصرا , ومع ذلك
فحرارة الجو أشْعرته بأنّ جسده يوشك أنْ ينصهر تحت شدّتها , ما دعاه لأنْ ينسى
مخالب الجوع التي تنهش أمعائه بعد ساعات طوال من العمل . ودونما إبطاء دخل الحمّام
, وراحتْ ثقوب الدش , ترشق جسده العاري بالماء , كزخّات مطر كثيف , فبدأ يشعر
بإنطفاء تدريجي لجمرات حرارة جلده تحت زخات الماء ........... الماء الدافئ يغمر الحوض
الإسمنتي المستطيل المغلّف من الداخل بالسراميك الأبيض , وبموازاته تماما , تقع دكّة
المغتسل التي غُلّفتْ هي الإخرى , ومن جميع جهاتها , بالسراميك أيضا . ثمة جثة
لرجل نحيف تجاوز على ما يبدو الستين أضجعه الغاسل فوق الدكة وشرع بتغسيله , يساعده
صبي يحمل بعض ملامحه السمراء . غرفة المغتسل كانت أصغر بكثير من قاعة الأنتظار
الملاصقة لها حيث تجمهر فيها بعض ذوي المتوفى , وربما من جيرانه أيضا , بإنتظار
أنْ تنتهي عملية الغسل والتكفين . كان الوقت ضحى وشدة برودة الجو , كشعاع يخترق
جلودهم ليلامس العظام , لكنهم لم يشعروا بلسعاته , فالجميع شارد الذهن , ورهبة
المكان , أشبه بسيف أصلتتْهُ قوة خفية وأخرستْ الألسنة , فكان الصمت هو المهيمن
على الجميع في تلك اللحظات ..........في هذه اللحظة , نادته زوجته بنبرة كان الإنزعاج
واضحاً فيها " أليس في نيّتك الإنتهاء من الإستحْمام , فالغداء منذ وقت على السفرة
وسيفقد نكهته ؟ " . لم يأبه لما قالته زوجته , فهو الآن في لحظة من الإستسلام
المنعش لبرودة الماء المنسكب من ثقوب الدش على جسده , فذكّره بزخّات مطر الربيع في
بلاده البعيدة عنه , لكنه سارع وأخبرها بأنّه على وشك الإنتهاء ............ القائم
على غسل الجنازة أوشك على الإنتهاء من غسْل الجسد المسجّى على الدكّة , فبعد أنْ أكمل
لفّ القطعة الأولى من الكفن على الجثة , أمر صبيّه أنْ يناوله القطعة الإخرى من
الكفن الأبيض .......... ببجامة بيضاء خرج من الحمّام للتو واضعاّ منشفة كبيرة نسبيا
, على كتفه الأيسر وهو يمرّر أصابعه على شعره الذي لم يسرحّه بعد فغطّتْ بعض
خصلاته السوداء اللامعة حافتي أذنيه من الأعلى وبعضاً من جبهته ........... في غرفة
المغتسل , أصبحتْ الجنازة جاهزة تماما بعدما تمّ تكفينها فبدَتْ كرضيعٍ مُقمّطٍ بقماش أبيض .
أوْعزَ الغاسلُ لصبيّه أنْ يُؤْتى له بالتابوت , ثم جلس على حافة حوض الماء و أشعل
سيجارة وراح يدخن فيما نظراته تتوزع بين الجنازة وباب المغتسل بإنتظار أن يجلب له
التابوت ........... جلس قبّالة زوجته و توسّطهما إبنهما الذي لم يبلغ الخامسة بعد ,
كان واضحا أنّ شهيته للطعام ضعيفة رغم خواء معدته وشعوره بالجوع الشديد . إكتفى
بشيء يسير من الطعام ثم إرتشف قليلاً من الماء لينهض بعدها ويتوجه صوب المغسلة ,
لاحقته نظراتُ زوجته القلقة وقالتْ " منذ أيام وأنت شارد الذهن " . قاطعها قبل أنْ
يتركها تسْترْسل في كلامها " كأنكِ يا عزيزتي تتناسين المكالمة التي وردتني من أهلي قبل إسبوع ,
ألَمْ أخبْركِ بأنني شممْتُ فيها تلميحاً ً يوحي بتردي الوضع الصحي لأبي , لكنّ أهلي كما أعتقد , لمْ
يخبروني بذلك صراحة , وكَمَا تَرين , ها نحن الآن في بلاد الغربة وبعيداً عن الأهل ,
و, وجلّ ما أخشاه أنْ ....". شعر بعدم القدرة على النطق ليكمل العبارة فلاذَ بالصمت حين
وصل المغسلة .

بغداد
2010



#عبد_الرزاق_السويراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة : تَساوقٌ
- قصة قصيرة :تناغم
- قصة قصيرة :إنثيالات
- الهروبُ منْكِ إليكِ
- الحكّام العرب : والعقد النفسية
- ياقوتة في تاجِكِ
- العراق وديمقراطية البوسترات
- على صهْوةِ فيْنوس
- توسّل
- هواجس للتوحّدِ
- درع الجزيرة في البحرين : هل هو تحركٌ مذهبي أمْ ماذا ؟؟
- عشقكِ رئة الكون
- هموم عراقية
- سلاطينُ القمامة
- ضبابية الموقف الأمريكي تجاه الأوضاع المصرية
- شيطان الكرسي
- مجزرة عنيفة أمام أنظار حسني مبارك
- إقتتال عنيف بين أبناء مصر : فما أنت صانع أيها الرئيس مبارك ؟ ...
- مبارك يصبّ الزيتَ ثانية على النار
- غياب النخب في الإنتفاضات الشعبية في العالم العربي


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق السويراوي - قصة قصيرة : تََساوِقٌ