أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - أنثر وردتي فوقَ لواعجِ الحنين!















المزيد.....

أنثر وردتي فوقَ لواعجِ الحنين!


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3329 - 2011 / 4 / 7 - 00:09
المحور: الادب والفن
    


هذه وردتي أنثرها فوقَ لواعجِ الحنين!

إهداء : إلى العزيز ألياس زاديكه، وإلى كلِّ الزاديكيين
المبعثرين على وجهِ الدُّنيا مثلَ باقاتِ الحنطة!

عبرتُ البحرَ والبرَّ ، قطعتُ حدوداً لا تخطر على بال، وعندما حطَّ بي الرِّحال على تخوم الغربة ضيفاً على آل ساغور وإذ بي بين أحضان ألياس زاديكه مع عائلةٍ وأطفالٍ من نكهة الزُّهور البرية، خطّ الهاتف عندكَ يا ألياس كان آنذاك مقطوعاً، أتذكَّر جيداً استعرْتَ هاتف الجيران، مكالمة قصيرة مع العزيز فؤاد زاديكه ثم إتصل فؤاد بعد لحظات معاتباً إيّاي، الدردشة معه كانت سريعة، أغلقتُ الهاتف بعد أن انتهى من محادثتي وقبل أن يتمم حواره معكَ فاتصل ثانية رافعاً عليّ فردة الرحّان على الخفيفِ، قائلاً: حكى معنا صبري أفندي وبعد أن أنهى كلامه وسلامه قال "جَلْبْ" jalp وأغلقَ الهاتف ! كنتُ أسمع صوته، نضحكُ من الأعماق، ثم صعدنا نتابع سهرتنا الدافئة، هجمتم تقصّون وتفتُّون الورقِ، كنتم تلعبون التريكس أو الطرنيب، لكني ما كنتُ مكترثاً بلعبكم، كنتُ مصطحباً معي كتاب ألماني ـ عربي، بدأت أتصفَّح به وأحفظ بعض المفردات الجديدة وأرسّخ بعض ما تعلمته في معهد غوتّه حيث أنني كنتُ قد خضتُ دورة لغة ألمانية مكثّفة قبل عبوري سماء الغربة برفقة العزيز الفنان المسرحي زهير إيليا، قال نظير ساغور، ستتعلّم الألمانية بسرعة لأنكَ تحبُّ اللغات، لا أخفي عليكم أنَّ مجيئي إلى السويد كان خطأً فادحاً من الناحية اللغوية تحديداً، لكنه كان رائعاً من الناحية الاستقرارية والفرحية والأصدقائية، لكنّي مع هذا كنتُ أفضِّل أن أعيش في ألمانيا لأنني أحببتُ الألمانية جدّاً وكنتُ قد بنيتُ أساساً بسيطاً للانطلاق لكن خياراتنا ليست بأيدينا يا صديقي، فتوجّهت جهة البحر والجبال والصقيع عابراً حدوداً ومتاهات، .... سهرتُ مع الأطفال، أولادكِ ياصديقي كانوا يتلملمون حولي بمودة رائعة عند المساء، يطلبون منّي أن أحكي لهم قصصاً فكاهية فكنتُ اخترع لهم قصصاً أشبه ما تكون قصص ثلاث ليالي وليلة، كانت حرمكم الكريم هادئة، طيبة، ودودة، واثقة من طيبتها واحتفائها بضيف هبط دون أية مقدِّمات! شعر آل ساغور أنَّكَ اختطفتَ منهم ضيفهم فقلتَ لهم هذا مو ضيف هذا ابن البيت يا جماعة!

سررت فعلاً بتلك المحطّة الجميلة، ووعدتكم آنذاكَ أن لهذه المحطة الجميلة أثراً طيباً في منعرجات غربتي سأكتب عنها يوماً، أتذكّر أنكَ قدمتَ لنا طعاماً شهياً وأكثر ما لفتَ إنتباهي نبتةً ذات نكهة لذيذة فيها مرارة خفيفة، ذكّرتني ببراري ديريك عندما كنّا نبحث عن الحرشف، سألتكَ هل هذه النبتة من فصيلة "الحرشف"، ضحكتَ قائلاً هي فعلاً مثل "الحرشف"، أكلتُ أغلب تلكَ الحراشف، ضحكتَ قائلاً غداً سأشتري كل ما تبقّى من الحرشف، ضحكتُ أنا الآخر قائلاً لو لم نسيطر على أكلها فلا بأس أن تعملها "كشكاً" للشتاء الطويل، سألتني لكن من أين سنحصل على "البونكة" وما تبقى من الحشائش المطلوبة لإعداد "الكشكِ"، ضحكت من أعماقِ القلب، كم من الحِمْحمِ والحراشفِ أكلنا في سماء الشرقِ، حشائش لذيذة لا تحصى، أحنُّ كثيراً إلى براري الطفولة، إلى عوالم منقوشة فوق جبين الروحِ، أريد ان استحضر تفاصيل شوق القلب إلى معارج الحلم، حلم الأمس وحلم اليوم وحلم الحرف وهو يسترخي فوق خميلة الصباح، تفتَّحت شهيَّتي على بهجة السرد، لماذا لا أقطع كل مشاريعي دفعة واحدة موجّهاً أنظاري نحو سماء ألمانيا كي أرتمي بين أحضانِ الشلويين والزاديكيين وما تبقى من الأحبةِ، ما هذه الرخاوة الطاغية فوق مدارِ العنق، لم أجد كسولاً في غربتي يضاهي كُسولتي، ما قصّتي، ولماذا كل هذا التثبّث في أركانِ غرفتي، شقّتي صديقة حرفي وبهجة لوني وموشور قصيدة القصائد، لدي طاقة غير معقولة في تحمُّلِ المكوثِ في حضرة الحرف بحثاً عن مخابئ بخور الروح لعلِّي أرشرش اهتياج الكلمات فوق بسمة القلب، رحلة العمر قصيدة عشقٍ مفتوحة على تلالِ نشوةِ الإبداع، وحدها الكتابة تحقِّق لي خصوبة منعشة لهلالاتِ الحياةِ ..

عندما حطَّ بي الرحال بدأتُ أكتب ما يشبه المذكرات منذ أن وعيتُ على وجه الدنيا حتى وصولي إلى سماء السويد، كان لعوالمكم مساحة طيبة في تلكَ الإضاءات، لكن كل ما كتبته ذهب في أدراج الريح لأنني فقدت أكثر من ألفي صفحة عن تواشيح حياتي عبر تماوجات غربتي، فقدتها نظراً لأنني عشت متأرجحاً على كُفوفِ العفاريت مما اضطررت أن أبني علاقة طيبة حتّى مع عوالم العفاريت والجنِّ الأزرقِ! هل يوجد جنُّ أزرق أم هكذا يخيّل إلينا أنَّ هناك جنّاً من لونِ الازرقاقِ؟! ..
أقضي طوال وقتي يا عزيزي مع عناق الكتابة والمطالعة والعمل في إطار دفءِ العشقِ، والبحث عن أنشودة الفرح الآتي، وكلّما أقتربُ عن عوالم الأنشودة أراها تتوارى بعيداً تعبر دكنة اللَّيل بين طيّات الغمام، القصيدة هي مملكتي، عشقي الأبديّ!

الكتابة صديقتي السرمدية وحبّي اللذيذ، أحياناً أشعر أنني أكبر مجرم في حقِّ نفسي، لأنني بعيد عن شهقة الأنثى ليل نهار، وأحياناً أخرى أشعر بفرحٍ عميق لأنني لست في رحاب الأنثى لأنني عاشق دائم الاشتعال مع خصوبة الأنثى لهذا فلا بدّ من أن أرسم قصيدة تحمل مسافةً بين بهجة الاشتعال وشهقة الارتعاش بعيداً عن روتين هذا الزَّمان.

وترحلُ الأيام، تتهاطلُ عليّ مثلَ هطولِ المطرِ، حالات عشقية مسربلة بالانتعاش، أنثى من لون البحر ومن لونِ الشَّفق الصَّباحي، خلخلت هذه الحالات العشقية تفاصيل ضجري وغربتي وفشلي على امتداد مفارق غربتي، لا أتذكَّر نفسي ناجحاً أو منتصراً، دائماً أجدني منهزماً، هزائم لا تحصى، وحده قلمي يقتنص فرحاً وبهجة من عوالمِ الفشلِ ويحوّل كل إخفاقاتي إلى شمعةٍ مضيئة في صباحات غربتي. عشقٌ منعشُ الرُّوح يغمرُ مساحات غربتي، يتناغمُ مع بهجةِ البهجات.

عندما تعبر صديقة من لون القصيدة موشور حرفي، أتماهى مع خيوط الشَّمس وأجدني مثل باقات الحنطة، الحياة جميلة مع رعشة الانتعاش، انتعاشُ الروح وهي تتسامى كي تعانق نجيمات الصَّباح، ثمَّة شوق عميق إلى أزقّة ديريك، إلى سماء ديريك، إلى هواء ديريك، إلى سهول القمح الممتدة على مساحات الروح، شوق لا يقاوم إلى الأصدقاء الأصدقاء، وإلى الأهل الذين تعفَّرت وجوههم من وهجِ الحنين إلى نورسٍ مهاجر إلى أرخبيلات غير مرئية، متى وكيف سأرسمُ تلاوين ترتيلة الرَّحيل!

"مغبون أنتَ يا قلبي ومتألمّة أنتِ يا ذاكرتي"! مقطع من إحدى قصائدي، هناك ترتيبات لكتابة عمل روائي، الوقت يذبحني، أجدني محاصر بالوقت، مساحة العمر لا تكفي لأقول كلمتي! لديَّ شراهة عميقة أن أكتب وأكتب وأكتب إلى أن تظلِّل القصائد تواشيح بسمة الحياةِ، يزعجني أن عمر الإنسان قصير للغاية! لماذا لا يعيش الإنسانُ قروناً مفتوحة على مدى البحر؟! وحده حرفي يمنحني ألق البقاء! لا يوجد أي شيء على وجه الدنيا يروي غليلي سوى شهوة الحرف وهو يندلق على خمائل القصيدة! هل قرأتَ قصصي، أشعاري وهل وجدتَ دمعتي تتناثرُ فوقَ عبقِ الورودِ؟ تعالي يا وردتي التائهة في خضمِّ الحياةِ، عانقيني على إيقاعِ ولادةِ الحرفِ، أنا بسمةُ طفلٍ منسابة فوقَ أغصانِ القصائد.
تعالي يا أبهى من أبهى القصائد، تعالي قبل أن يغفو الليل، كي أنقشَ فوق نهديكِ لواعجَ الحنين!


ستوكهولم: 28 . 7 . 2005
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]


هوامش: كتبتُ هذه التداعيات من خلال تذكُّري وأنا في أعماق غربتي، لحظات مبهجة من زيارتي وحلولي ضيفاً مفاجئاً على آل ساغور من خلال توجّهات أخوالي آل قريوكي، وإذ بالعزيز ألياس زاديكه يفرش بيته لي بأزاهير أولاده الذين كانوا يلتفون حولي واحداً واحداً كي أقبلهم قبل أن يناموا، لحظات بديعة ورائعة لا تفارق ظلال غربتي ومحطات تيهي في الحياة، لهذا ما وجدتُ نفسي في ليلة دافئة من ليالي ستوكهولم، "وبعد 15 عاماً من هذه الزيارة الخاطفة"، أنسج ما جاء في هذه التحليقات الحنينية إلى أصدقاء من نكهة المطر، لهذا أحببت أن أهدي هذه التدفقات إلى آل زاديكه عموماً وإلى ألياس زاديكه خصوصاً، لأن الحياة وقفة امتنان وعناقٍ حميم لا أكثر!



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيفية ولادة القصيدة
- وما مللنا من المللِ 35
- غربة مستشرية في شواطئِ روحي 34
- تشطحُ أحزاني فوقَ جبهةِ الحرفِ 33
- أين سأهربُ من دفءِ القصيدة؟! 32
- على خدودِ اللَّيلِ قبلة 31
- تزهرُ أحزاني مثل بتلاتِ الزُّهورِ 30
- يا وشاحاً مذهّباً بخصوباتِ القصائد 29
- الشِّعرُ بهجةُ خلاصي من ضجرِ الحياةِ
- رقصٌ منبعثٌ من تجلّياتِ الاشتعال
- 26 سليمة السليم
- جنّتي المفتوحة على شهيقِ اللَّيل
- 25 سميرة إيليا
- سنبلة شامخة في سماءِ ليلي
- 24 ازدهار محمد سعيد
- السَّلام أوّل اللُّغات وآخر اللُّغات، لغة رائعة منعشة للقلب
- 23 تحفة أمين
- 23 سعود قيس
- 21 سميّة ماضي
- 20 تورشتين يوريل


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - أنثر وردتي فوقَ لواعجِ الحنين!