أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - المنصور جعفر - حرية السوق بين مؤتمرات الشعب وحرية الشعب، والعنصرية في المجتمع والإعلام















المزيد.....



حرية السوق بين مؤتمرات الشعب وحرية الشعب، والعنصرية في المجتمع والإعلام


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 3292 - 2011 / 3 / 1 - 22:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


التصريحات تترى والمؤتمرات المغلقة والعلانية تنعقد بين قوى الإستكبار العالمي في أوربا وأمريكا تسبق بسرعة إرتقاء أو إنحدار الإنتفاضة في ليبيا ضد حكم العقيد معمر القذافي وشعاره الشهير "السلطة والثروة والسلاح للشعب".

ذات القوى الإمبريالية العالمية التي تسببت في قتل ملايين البشر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالشروط المجحفة لإصدار العملات (الوطنية) وبالخنق التجاري والإقراض الربوي والضغوط الإعلامية والعسكرية وكل أسلحة الإستتباع في منظومة الإستعمار الحديث، وبكل خبرات هذه الدول في إصطناع التوترات والمعارك بين الجيران، وبـكل خبرتها في (سياسات) الحصار والغزو، الآن نفس هذه القوى الإمبريالية تصدع الرؤوس عن حقوق الإنسان في العالم العربي بينما دولها ذات مستعمرات قائمة في العالم إلى الآن في هذا القرن الـ21 !!!

محاولة فهم الموقف الحاضر للدول الإمبريالية من تغير الأوضاع في ليبيا توجب طرح أسئلة ضرورة لفهم طبيعة التغيرات في سياسة إعلام القوى الإمبريالية مع بداية تغير الأوضاع في الدول العربية وليس في كل الشرق الأوسط: وهذه الأسئلة أربعة هي:

1- ملامح التاريخ الليبي؟

2- سبب أو أسباب تغير مواقف الإعلام الإمبريالي من الحكام الموالين لأمريكا؟

3- ما هي تناقضات هذا التغير الإعلامي؟

4- ما هو تأثيره؟




1- مختصر التاريخ الليبي:

1- كانت ليبيا محوراً لحضارة أفريقية كبرى نشأت في المنطقة الوسطى بين التخوم الغربية لوادي النيل الكبير في شرق أفريقيا وأودية أنهار غرب أفريقيا وبحيرة تشاد جنوباً، وقد تأثرت تلك الحضارة الليبية-المورتيانية وأثرت في مجريات التاريخ القديم حتى دمر الرومان الوجود الأفريقي الموري في أسبانيا الحالية، وخربوا قرطاجة تونس وفرضوا إستعمارهم جاعلين البحر الأبيض بحيرة رومانية، ومن ذا صار ساحل ليبيا االمزدهر حاضراًِ محلاً لكثير من الأثار العمرانية الرومانية، بينما ضرب التصحر الشديد كل مناطق شمال أفريقيا ما بين الساحل وحتى بحيرة تشاد ومايوازيها.


2- مع تحول الإسلام من ثورة إلى دولة وبداية حملات الفتوح اللادفاعية رسخ في الأذهان إسم "حصن الإسكندرية" في مصر الحاضرة وإسم "القيروان" في تونس ولم يرسخ في التاريخ إسم معركة واحدة خاضها (الفاتحين) العرب حينذاك في مناطق ليبيا الحاضرة، مما يدل على إنها كانت حينذاك قليلة السكان والأهمية.


3- جاءت الخلافة الإسلامية العثمانية بما جاءت به من حسنات وسيئات في كل البلاد التي خضعت لها، وكانت مظالمها في الإقطاع والضرائب والتمييز العنصري ضد العرب سبباً رئيساً في تأجج الشعور القومي العربي والوطني الليبي، وحين إحتضار دولة الخلافة الإسلامية العثمانية وقعت ليبيا ضحية الإستعمار الإيطالي 1911.


4- الإستعمار الإيطالي كان وحشياً بشعاً في ممارسته حيث إستعمر كل الساحل الليبي وقتل عدداً كثيراً من السكان الليبيين المقاومين كما هجر الأسرى إلى جزر إيطاليا النائية وطرد السكان الباقين من قراهم في الساحل قوة وجبراً في تطهير عرقي وجرائم أقرت إيطاليا في 2010 بدفع مليارات تعويضاً عنها، ونتيجة إعتصم البربر من السكان بمناطقهم الجبلية بينما ذهب أكثر السكان العرب إلى بيئتهم الأصل في الصحراء سوى قلة بقيت في (المدن) خاضعة للحكم.


5- كانت المقاومة الباسلة التي قادها عمر المختار ضد الإستعمار الإستيطاني الإيطالي علامة على نمو الوعي الوطني والقومي العربي ضد السيطرة الإستعمارية الأوربية خاصة مع خنوع القوى الطائفية الدينية المسيطرة على الذهن الليبي للوضع الإستعماري وعلامة على ضعف (السياسة) الإستعمارية نفسها وإعتمادها على إستعمال القوة الغاشمة ضد السكان الليبيين.


6- مع نهاية العرب العالمية الثانية وهزيمة محور إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية واليابان قام الإحتلال الأمريكي-البريطاني البديل لإحتلال الطليان بتحويل ليبيا إلى مملكة متحدة لأقاليم طرابلس وبرقة وفزان ونصب السليل الفقيه إدريس السنوسي ملكاً، بينما بقى النفط الليبي ممتلكاً للشركات الإمبريالية.


7- في الستينيات من القرن العشرين مع ظهور التعارض بين المشروع التحرري التقدمي الإشتراكي-القومي والمشروع الإمبريالي الإستعماري في الشرق الأوسط، و وضحت للشعب الليبي والقوى الثورية في العالم ضرورة إستقلال ليبيا فعلاً وسيطرتها على مواردها سيطرة فعلية.


8- في الفاتح من سبتمبر 1969 قام الضباط الأحرار بقيادة ناظمهم العقيد معمر القذافي بثورة ألغت رهن ملكية ليبيا ومواردها إلى رجل واحد من الناس، ثم بتوجيه وقيادة الضباط الأحرار حاصرت الجماهير الليبية القواعد العسكرية الكبرى وطردت قوات الخواجات من البلاد التي إنسحبت في هدوء وأضحت ليبيا لأول مرة منذ مئات السنين حرة خالية من القوات الأجنبية، ثم قام الثوار بتأميم إستخراج النفط وشيئ من صناعة تصفيته.


9- مع وفاة الزعيم جمال عبد الناصر في أول السبعينيات بالإرهاق والسم وتولي أنور السادات الحكم وإتجاهه إلى تحرير الرأسمالية من قيود المجتمع وإعادة تمليك مصر للأجانب؛ فقدت الثورة الوليدة في ليبيا وعموم العالم العربي اللغة الأبوي المجتمع، فقدت زخم الزعامة الناصرية، وضعفت دعوات الحرية الإشتراكية من الإستغلال والرجعية والإستعمار والتقدم المتناسق لقوى المجتمع بالإشتراكية في موارد الحياة وسبل العيش.


10- في ذلك الوقت الذي كانت فيه القوى الإمبريالية تزيد الخلافات بين شقي القوى التقدمية الرئيسيين الشق القومي والشق الشيوعي، في المشرق العربي ومصر عارض بعض الشيوعيين السودانيين في إستاد الخرطوم فقرة في خطاب شهير للقذافي في مايو 1970 كانت تدعو إلى الوحدة الفورية في الخرطوم بين مصر والسودان وليبيا، رغم وضع الأزمة السودانية في الجنوب وطبيعة الوحدة الوطنية في السودان.


11- جاء دفع ثمن هذه المعارضة بعد شهور من وفاة عبد الناصر في سبتمبر 1970 فضد تأجج الشيوعيين في السودان إثر الحركة التصحيحية التي قادها البطل الشهيد هاشم العطا في 19-22 يوليو 1971، قامت مصر السادات والبريطانيين والأمريكان والسلطة الليبية، بإجبار طائرة القائدين بابكر النور سوار الدهب وفاروق عثمان حمدالله العائدين من لندن إلى الخرطوم على الهبوط في ليبيا، بعدما كان إنقلاب 1971 قد عينهم زعماء للدولة السودانية، وبعد إجبار الطائرة على الهبوط في بنينة بنغازي تم أسر القائدين ومع تدخل مصري آخر داخل السودان تمت عودة النميري إلى الحكم، فسلم القائدين إليه حيث تم إعدامهما بوحشية مع رفيقهم هاشم العطا وقادة الحركة الثورية والنقابية وسكرتير الحزب الشيوعي، وبذا التسليم فقد القذافي اليسار السوداني وكسب إلى جانبه قطبي اليمين الديني السوداني المعادين لحكم نميري إلى سنة 1977: "الإخوان المسلمين" و"حزب الأمة" (حزب طائفة الأنصار) حيث تحالفا مع نميري بعدما إتجه إلى سياسة حرية السوق أو بالأصح ديكتاتورية السوق فصارت لهما البنوك أولاً حتى ذهاب نميري ثم دانت لهما السلطة والدولة يتنازعانها ويتواشجانها حتى الآن ويشتمان القذافي بعدما آكلا وجيوشهما من خيره ستة سنوات.


12- في تلك السنوات بين 1970-1977 جمع القذافي بأسلوب شيخ القبيلة الصحراوية بين أفكار الإتحاد الإشتراكي وقيم الإسلام السياسي مع شيء من أمثال المدن وشيء أمثال الصحراء، ومع إدخال بعض المثقفين التقدميين السودانيين إلى ليبيا الوعي بالفشلين الرئيسين: فشل النظم الليبرالية، وفشل النظم البيروقراطية في (تمثيل) إرادة وحرية الشعب، إتجه العقيد القذافي إلى طرح فكرة الحكم المباشر تقوم به الجماهير الشعبية مباشرة، من خلال مؤتمرات شعبية تنتخب تنفيذييها والأمناء على المهام التي توكلها إليهم،.بداية من المحلية الصغرى وصولاً إلى المؤتمر العام، و... المؤتمر القومي العربي، الذي بقى بناءه طلسماً، وتخلى القذافي عن كافة مهامه الرئاسية مكتفياً بمكانة "قائد الثورة"، وهي مكانة لها كل السلطة المعنوية اللازمة لتوجيه أجهزة الحكم الشعبية بينما لا تلقي عليه أي مسؤولية مباشرة، ثم ختم تطوره السياسي بجعل وثيقة حقوق الإنسان هي دستور البلاد.


13- هذا النظام القديم في التاريخ للديمقراطية شبه المباشرة ظهر جدله الموجب والسالب في ليبيا في بعض الصراعات بين بعض مكونات وأفراد "مؤتمرات السكن" ومكونات وأفراد "مؤتمرات العمل"، وكذلك بين الإثنين ("مؤتمرات السكن" و"مؤتمرات العمل") في بعض الشؤون، وتفاقمت بعض هذه الصراعات في تلافيف التركيب الإقليمي والعنصري والقبيلي للمجتمع الليبي، ولعل بعض تأثيراتها إمتدت لقرارات السياسة الخارجية التي إنتهت إلى حصار ليبيا بكل أقاليمها الساحلية والصحراوية وبكل عربها وأمازيغها وأفارقتها.



14- بين الثورة والحصار كانت إذاعة اللجان الثورية تشق عنان السماء في طول أفريقيا وعرضها تدعو المواطنين الليبييين إلى العودة إلى ليبيا والإشتراك في تعميرها والتمتع بخيراتها بينما كان العمال والأساتذة والأطباء والممرضين والمحاسبين المصريين والسودانيين والفلسطينيين والسوريين والمغاربة والتوانسة والجزائريين والتشاديين والنيجريين وبعض السنغال والغانيين ثم العراقيين يقومون فعلاً بذلك التعمير.


15- القبائل العربية الليبية هجرها الإستعمار العثماني ثم الإيطالي من الساحل الخصيب فدلف يعضها إلى الغرب المصري وتوطنت فيه، وإلى البيضاء دارفور وتوطنت فيها، وإلى أوزو تشاد وتوطنت فيه، بينما دخلت أخرى الى النيجر وما بعدها، تُعرِب وتتأفرق في صحارى وسافنا أفريقيا. وبحكم رغد العيش في تلك المناطق فإن أفراد هذه القبائل التي لا يتجاوز كل عدد منتسبيها الآن مليونين لم يعودوا إلى ليبيا القليلة السكان إلا في أوائل الثمانينينات وما بعدها حين أشعلت حرية السوق والتركيم التفاوت للموارد بلدان أفريقيا بنيران الحروب الأهلية.


16- بعد (العودة) تتسلم الأسرة البدوية العائدة منزلاً فارها أو أكثر حسب عددها وتدخل في نظام المجتمع والدولة وخدماتها، وسلطتها الشعبية دخولاً محفوفاً بممانعة القدامى الجدد، وبرغبة أهل الصحراء المحاربين والتجار في سلام ورغد المدينة، وبتقاليد وثقافة تعامل يدخل فيها الإرث الصحراوي لقبيلة عريبة مجاورة ومستضافة وموالية في شعاب قبائل صحراء أفريقيا، كذلك دخل في أمر العودة إرث القبيلة في نظرتها للأخر الليبي ككيان عدو أو مغاير خضعـ(وا) [أجدادهم] لحكم الإستعمار، وكانت النقائض الأوضح للغريب في تلك الثقافة هي: اللامبالاة البدوية جهة أعراف المدن، القوة والبطش والإنتقام، والحذر والوجس، وحب الكسب العاجل.


17- مع تأميم النفط وإقرار الجماهيرية بدأ التخطيط العام للإقتصاد في تشييد بنية تحتية وزراعية وصناعية ضخمة أكبر عشرة مرات من حاجة الليبيين حيث الطرق الضخمة الواسعة تربط المدن الليبية وخدمات المياه والكهرباء والإسكان والتعليم والعلاج ووزعت المزارع والجرارات والأسمدة والبذور إلخ مع الدعم التمويلي والتسويقي وأنشأت صناعات الأسمنت والحديد ووسعت صناعات الأغذية والنسج و التبغ ودعمت الورش والأعمال الحرفية، كل ذلك تحت شعار (شركاء لا أجراء) بينما كان توزيع الدخل من كل هذه النهضة الجبارة يذهب في شكل أجور محدودة للعمال العرب والأفارقة الذين شيدوها وشغلوها بينما الليبيين في (الإدارة) و(الأمن) لكل منهم نصيب أكبر من أخيهم العامل المجتهد (المواطن العربي) في ليبيا التي لقبت "بلاد كل العرب". وتطاولت ليبيا حتى قصفتها طائرات حلف الأطلسي.


18- مع الحصار إنفتحت البلاد لقوى السوق التي تدخل السلع الإستهلاكية والكمالية الضرورة لحياة المدينة وبدأت المتاجر والصناعات الكمالية في الإستشراء وتضعضعت ممارسة التشارك والتملك العام والبناء الإجتماعي ولو على حساب العمال المهاجرين، وإزدهرت ممارسة وعقليات الحل والكسب الفرد في بلد قبيلي العمل المأجور فيه معاب والتجارة فيه (شطارة)، وبإزدهار الأنشطة التجارية وتطور تبادل الإمازات في الكيانات الشعبية القبيلية بين التجار وأمناء اللجان الشعبية (الوزراء) وضح ضعف النظام الديمقراطي المباشر في نطاق قبيلي متعدد، كما وضح فشله في تحريك الإقتصاد مع سيطرة السوق، وبؤسه في الشكل الريعنفطي والإستهلاكي للإقتصاد الرأسمالي المحاصر خارجياً والمحتكر داخلياً.


19- مع زيادة التدخل الإمبريالي والرجعي العربي ضد حكم القذافي بقيادة السعودية ومصر السادات وسودان نميري زاد نشاط قمع القوى الرجعية وترافق ذلك مع زيادة إتجاهات القذافي التحديثية المدينية المعادية لتقاليد الصحراء والمناصرة لحرية المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق العامة والإلزام بتعليمها ومنع العنف ضدها، كذلك ممارسته المساواة بين المواطنين الليبيين الأفارقة والعرب في تولي الوظائف العامة وفي نيل حقوق التعليم والعلاج والسكن الصحي والإنتقال إلخ، وأيضاً قيامه بالدعوة إلى فهم الإسلام والقرءآن بروح عصرية، ولتفضيله التشاركيات والتعاونيات على المتاجر الفردية، فثارت ضده علناً وسراً القوى التقليدية في المجتمع الليبي ولم تزل، وضد تقييداته العربية الصحراوية ثارت ضده قوى المدينة والحداثة ولم تزل.


20- لام الغرب الإمبريالي القذافي على مواجهته دعم الإمبريالية إسرائيل بدعم الثورة الفلسطينية وعلى دعمه الثورة في جنوب أفريقيا، وعلى دعمه الثورة في أمريكا الجنوبية، وعلى دعمه الثورة في أيرلندا، وعلى عدائه الأنطمة العربية الموالية للإمبريالية، ثم إستضافته طائرات حربية عراقية قبل نقلها إلى السودان.


21- لإنهاء (خطر القذافي) قامت الإمبريالية مع الرجعية الشيعية في إيران والرجعية العربية في الخليج، ونظام السادات، ونظام نميري، ونظام صدام، بدأوا لعبات حربية عددا ضد لعبات القذافي وليبيا ضدهم، كان العقيد معمر القذافي قد بدأ بدعم وتسليح القوات الفلسطينية في لبنان، ثم دخل لعبة دعم حركات التحرر من الإستعمار في داخل أوربا نكاء دعم أوربا لإسرائيل، فإضافة إلى تدريب الإخوان المسلمين وجماعة الخلاص في السودان بإشراف خبراء المخابرات المركزية الأمريكية تصاعدت لعبة الطائرات (ليبية، وإيرانية وأمريكية، فليبية) وإنتهت الحرب بين القذافي والإمبريالية إلى حصار ليبيا ومواردها المالية ثم تم فك الحصار القاسي مقابل محاكمة مواطنين ليبيين وفدية مليارات عدداً، وتخلي ليبيا عن برنامجها النووي، ولم يخرج ليبيا من الحصار العربي والإمبريالي اللئيم إلا بفضل وقوة شكيمة بعض زعماء أفريقيا، بينما كان زعماء العرب لليبيا كما كانت أمية قريش على بني هاشم.


22- مع تفاقم العداوات الخارجية والعداوات الداخلية وتردي أوضاع المهاجرين مرة بسبب الحصار ومرة بسبب الإنفتاح وإرتفاع الأسعار وخفض الأجور وتردي الخدمات العامة مع الإتجاه إلى حرية السوق كان واضحاً إن الحركة الإعلامية لخطب القذافي تمثل بدورها مفاقماً داخلياً وعالمياً للأزمات: فهو يهاجم الحكام الديكتاتوريين العرب وغير العرب وفق قضية (نظرية) هي قضية "الوحدة العربية" أو وفق معطى محسوس لها هو قضية "فلسطين"، أو بقضية "السلطة الشعبية" أو بقضايا الفقه الرسمي أو الفقه الشعبي للإسلام، بينما كان الإعلام العربي -منذ وفاة عبدالناصر- محصوراً في القضايا القطرية وكلها - كما الإعلام الليبي- محصورة عنده في قرارات وحركة "القائد" ومساعديه أو في آخر الأغاني أو المباريات ودعايات الصابون والفتاوي التي تخرج الإنسان من المدينة الحاضرة إلى الصحراء بشكل وئيد، كذلك ركز الإعلام العالمي على بث الصور السلبية في العالم الثالث وبث الصور الموجبة عن الدول الإمبريالية يربطها بحرية السوق والخضوع لحكم بنوكه العالمية.


23- رغم شعارات (السلطة والثروة والسلاح للشعب) و(الثورة تقودها اللجان الثورية) ورغم الإنجازات النفطية والعمرانية والصناعية والزراعية والمالية الكثيرة والضخمة إلا إن الحكم في عهد القذافي عجز بالوسائل السياسية والإقتصادية عن محو الفوارق الموضوعية بين تركيبات أقاليم ليبيا: التركيبة التجارية الحدودية لمنطقة بني غازي، والتركيبة الرئاسية لمنطقة طرابلس-الزاوية، والتركيبة الصحراوية لمجتمع الجنوب وإمتداداته في أفريقيا، كما عجزت كل "المؤتمرات الشعبية" عن تثوير الوضع القبيلي حيث حافظت الدولة على المفردات الرجعية في ثقافة مجتمعها من خلال محافظتها على المفاعل الإجتماعي لها وهو كيان القبيلة في كيان عام سوق- مديني. ورغم إتجاه القذافي للوحدة العربية وللوحدة الافريقية في زمن للحياة الفردية إلا إن إتجاهه إليها دون فاعلية إجتماعية مقدرة داخل ليبيا أو داخل البلدان التي إتجه إليها جعل إصطلاح "الوحدة" مجرد مادة للمزايدة والمضاربة والمهاترة الإعلامية بينما كان المهاجرين العرب والأفارقة في ليبيا، وهم أكثر عدداً وإنتاجاً من المواطنين الليبيين، يرزحون في حفاف خط الفقر الليبي لا يستطعيون العودة إلى بلادهم المستعرة الأسعار، بينما كانت أجورهم الزهيدة حاجزاً لليبيين يمنعهم دخول سوق العمل مفضلين عليه عزة التجارة وتوريد البضائع في بلد محاصر.


24- العمال الأفارقة المهاجرون الهاربين الآن من عنف الإنتفاضة على حكم المؤتمرات الشعبية يتعرضون للنهب من عصب المراهقين الليبيين وآلهم وبعدما يجردون من كل ممتلكاتهم يتم إجبارهم تحت تهديد السلاح وغياب القانون على إرتداء أزياء عسكرية وتحميلهم أسلحة وتصويرهم كمرتزقة للقذافي، أما في المناطق الأهدأ فيتم تخويفهم بهوجات مسرحية من شباب الناحية يوهمون بها أن مصيرهم الموت وإن لا نجاة لهم منه إلا بالعمل (مجاناً) في هذه المزرعة أو تلك أو هذا المنزل أو ذاك، خدماً، سخرة، وعبودية.





2- تغير مواقف الإعلام الإمبريالي:

ثلاثة وكالات إمبريالية للأنباء تسيطر على الإعلام الدولي هذه الوكالات الإمبريالية الثلاثة هي: رويترز وأسوتشيدبرس والفرنسية "أف ب"، وهي بحكم التركيبة العنصرية والصهيونية لرأسمالها تبث الأخبار المعادية للقذافي أي أخبار الإنتفاضة الشعبية ضد القذافي دون أن تقدم بذات الزمان والحجم وجهات النظر الأخرى المضادة للإنتفاضة والمناصرة لحكم المؤتمرات الشعبية وهذا مفهوم، كذلك موقف قناة الجزيرة بحكم النفوذ البريطاني والإسلامي فيها، ولكن هذا في حد ذاته يعكس إختلافاً في إتجاه الإعلام الدولي من تجاهل أخبار المعارضة العربية إلى جعلها مادة رئيسة في وسائط البث الإعلامي. وهو أمر إن كان يقلل في ذهن المشاهد الأوربي والأمريكي حدة الأزمة المعيشية التي يعيشها إلا إنه من جهة أخرى ضد للإنترنت يزيد حالة المشاهدة والقراءة ويرفع سعر الإعلان في تلك الوسائط.



3- تناقضات الإعلام الإمبريالي:

التناقض الأول ماثل في تحول الإعلام الإمبريالي من سياسة حجب أخبار الإنتفاضات المعادية للمصالح الرأسمالية وقيامه بتبخيسها إلى سياسة الإظهار وهو تحول فرضه تطور الإتصالات العالمية وسهولة نشر الأخبار خارج الإذاعات والتلفزيونات والصحف الرسمية فكان لا بد مما ليس منه بد.


التناقض الثاني هو التغطية السطحية للإنتفاضات بإعتبارها إما فجائية ولا تاريخ لها أو بإعتبارها نتيجة من تأثر الشباب بالإنترنت والفيس بوك وأن لا علاقة لها برفض السياسات الإمبريالية الظالمة وفرضها ديكتاتورية السوق على البلدان وخصصتها لمواردها وحرمان شعوبها من خيراتها، فقد يفهم من هذا (التغطية) إن عشرات الكتب المصادرة وعشرات الصحف المغلقة وآلاف الطلاب والنقابيين المفصولين وعشرات ألوف المعتقلين والشهداء ومئات ملايين الأسر الرازحة في الفقر ووملايين المهاجرين وموارد البلاد مخصخصة لم يك لهم شرف في دفع الشباب العربي إلى الحركة .


التناقض الثالث ماثل في عرض الساحة الجماهيرية وبعض هتافاتها دون عرض مواز للقوى المنظمة والمحركة أو الموالية وبلا عرض للأحوال الثقافية والإجتماعية الموالية أو المعارضة لهذه الإنتفاضة أو تلك لم يسألوا نقابياً أو أستاذاً جامعياً أو زعيماً يسارياً في تصوير يجعل الإنتفاضات حدثاً وأمراً عجائبياً غريباً.


التناقض الرابع ماثل في الإحتفاء بإجراءات العنف الضروري للإنتفاضات للدفاع عن حقوق الشعب في وجه قوة الدولة والمبالغة فيه والمبالغة كذلك في تصوير عنف الدولة المضاد لهذه الإنتفاضة أو تلك مما يؤجج العنف ويخنق التغيير الموضوعي، كذلك فإن إحتفاء الإعلام الإمبريالي بهذا العنف يوجه رسالة عامة إلى المشاهد او القارئي الاوربي (المأزوم) ملخصها: (هؤلاء هم الهمج) أو (هذا هو القائد الدموي) بينما كانت نفس هذه الوكالات والصحف المتوالية معها قد هللت لضرب البرلمان الروسي المنتخب في عهد يلتسين بالدبابات والطائرات لإجباره على أمر ما!!
كذلك تشير الإعلامات والإنباءات الإمبريالية إلى دموية القادة العرب الذين دعمتهم دولها لسنوات وتنسى الدماء المنسالة من الحكم الأمريكي المباشر وغير المباشر في العراق وأفغانستان وباكستان وفي فلسطين وفي آيرلندا.


التناقض الخامس ماثل في قطع الإخبار او الإنباء عن الإنتفاضة المعنية بعد عزل (الرئيس) حاصرة في وعي الناس إن هذه الإنتفاضات حدثت وتحدث فقط لتبديل صورة الحكم لا لتغيير طبيعته الإقتصادية-الإجتماعية وسياسته الخارجية! كذلك تذهب التعليقات الإعلامية لرسميي الدول الإمبريالية، حيث تذهب في منحى أن المهم والضروري للحياة هو تغيير الشكل السياسي ولاتتحدث أبداً عن الطبيعة الإقتصادية للحكم القديم أو الحكم الجديد.


بفحص هذه التناقضات أجد إتجاه وسائط الإعلام في عرض الأحداث وإقتضابها في التعليق عليها أو إنحيازها في محاورة بعض رؤوسها دون بعضهم الآخر هو الإتجاه الأصيل في الإعلام البرجوازي إذ يحاول دوماً إخراج المعلم لهم من دائرة الفعل الثوري إلى دائرة المشاهدة والتعليق، والمفاكرة وحتى الفرح الزيف والسرور الإعتباطي. فمع نهاية العمر الإفتراضي لحكم قادة الدول العربية مع نهاية الدورة الحضارية الأوربية الأمريكية التي إستمرت خمسمائة سنة وإنحدار دولها إلى الدرك الأزوم في تناقضات النظام الإمبريالي العالمي، حيث تكلفة الإنتاج بالألة الحديثة أعلى من قدرة المجتمع الزمانية أو المالية على إستهلاكها، وحيث تتساوى تكلفة ومخاطر تدوير الأموال مع تكلفة تجميدها حيث سعر الفائدة قريب الصفر، وحتى الحاجة الشديدة إلى محاربة فساد حكام العالم الثالث والإستيلاء القانوني على أرصدتهم مع هذه النهاية، يمكن فهم جنوح هذا الإعلام والسياسات الناظمة له إلى تأمين العلاقات مع هذه الدول بتبني المطالب (الرئيسة) لها في حرية الإنتقاد الفردي والجماعي دون تناول أو نقاش حرية دولها في تقويم عملاتها أو حرية للمجتمعات الثائرة في السيطرة على موارد بلادها بما في ذلك ثرواتها وصناعتها وبنوكها.



4- تأثير الإعلام الإمبريالي وسياساته في مجريات الوضع في ليبيا:

1- التدخل الإمبريالي ضد الإمكانات الإعلامية والمالية والقانونية الدولية للحكم في ليبيا سيزيد من الناحيتين المعادية والمعنوية إمكانات هزيمة "نظام المؤتمرات الشعبية" ويسمح بطي صفحة معمر القذافي الحاضرة في التاريخ العربي.

2- هذا التدخل بدوره يمكن أن يجير بسهولة لمصلحة إستمرار العقيد القذافي في "قيادة الثورة" عشر سنوات أخرى
بإسم محاربة العدوان الإمبريالي على ليبيا، خمسة سنوات وتأمينها خمسة سنوات أخرى.

3- خطاب "المرتزقة الأفارقة" الذي يردده الإعلام الإمبريالي خطاب حقيقي في بعض تفاصيله، ولكن خطر عموميته يعم حوالى مليوني ليبي أفريقي أصيل يضاف لهم مليون عامل أفريقي من دارفور وتشاد والنيجر هم ليبيين بالإنتساب، والحديث للعرب والاوربييين عن "الخطر الأفريقي" يشبه تماماً الدعاية النازية المتحدثة عن "خطر اليهود" جميعهم أو الدعاية الأوربية المعاصرة المتحدثة عن "خطر العرب" أو "خطر الإسلام" بينما لو كان في ليبيا تمثيل سياسي يكافئي التركيبة السكانية لما كانت ليبيا دولة عربية.

4- النزعة الحربية الصحراوية لـ"عنف البادية" في السياسة الليبية التي يعرضها الإعلام الإمبريالي بغزارة تسهم في تثبيط متقدم لحركة الإنتفاضات في العالم فزاعة تخوف الشعوب من مصير الإنتفاض على طبيعة حكمهم.




ختام:
من جملة هذا المقال أرى إن عهد العقيد معمر القذافي قد آل إلى النهاية والزوال وإن الخطر الأشد ماثل في طبيعة التدخل الإمبريالي في هذه المرحلة: فالقطع الخارجي لتقدم الثورات الشعبية أشد مرارة من القطع الداخلي لتطور هذه الثورات، وفي الحالتين فإن تكريس العنصرية العربية في ليبيا سيكون الرجعة إلتي تسبق الإنفجار. فيا أيها الإعلام الأمريكي والأوربي ومواليه ما دام الإقتصاد نفطه وبنوكه وصناعته وتجارته يتبع إلى مراكز دولكم الإمبريالية بفضل نظام حرية السوق وديكتاتورية عمل البنوك، فأتركوا للمهمشين والمستغلين المقموعين حرية التحرر من حكامهم الظاهريين، لا توسعوا نطاق العنصرية لإسقاط حكم متآكل، ولا تضيقوا المجتمع والتاريخ لنشر حرية السوق.



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة الرأسمالية العالمية والصراع الطبقي في جمهورية مصر الع ...
- الأزمة الرأسمالية العالمية والصراع الطبقي في جمهورية مصر الع ...
- أخو الصفا: عبدالرحمن النصري حمزة
- 19 يوليو 1971
- التأثيل (1)
- نقاط في تحرير القيمة التاريخية لعَبدُه دهب
- ليبرالية الورى والدنيا في دولة الإنجليز وفئآتهم العليا(3)
- ليبرالية الورى والدنيا في دولة الإنجليز وفئآتهم العليا(2)
- ليبرالية الورى والدنيا في دولة الإنجليز وفئآتهم العليا (1)
- ليبرالية الورى والدنيا في دولة الإنجليز وفئآتهم العليا
- تقاسيم الورد على الغناء المنير
- الهامش .. بين المركزية الأوربية و المركزية الأفريقية
- ضعف مقالات كوش وقوتها
- بسم الله
- آن أوان الفرز والتنقيح .. -الحوار المتمدن- وضرورة التأسيس ال ...
- في -نهاية النقود ومستقبل الحضارة-
- إشراقات على صفاء باريس
- ستون عاماً من النضال الشيوعي في الصين
- الهرم: أحمد السيد حمد
- ضد الليبرالية: نحو نظام إشتراكي عالمي


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - المنصور جعفر - حرية السوق بين مؤتمرات الشعب وحرية الشعب، والعنصرية في المجتمع والإعلام