أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير أمين - مارياقو لا تحزن..سيبزغ الفجر..















المزيد.....

مارياقو لا تحزن..سيبزغ الفجر..


أمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 3260 - 2011 / 1 / 28 - 16:04
المحور: الادب والفن
    


في صباح جميل مشمس وزهور الربيع الحمراء الفاتنة تغطي السفوح والمنحدرات..كانت المفرزة الإنصارية القتالية التابعة لقاطع بهدينان تحث الخطى بحثاً عن مكان أمين للإستراحة بعد عناء طويل من السهر والتعب والإجهاد...سرنا عل مشارف قرية متناثرة البيوت من قرى كردستان الوديعة...مشينا بضعة ساعات بخط سير طويل تتخلله المسافات المحددة بين نصير وآخر تلافياً للخسائر التي قد تنجم فيما لو وقعت المفرزة في كمين غادر على الرغم من ندرة حصول ذلك في النهار لكنها التعليمات التي نطبقها بصرامة للحفاظ على حياتنا وبينما كنت معهم أحث الخطى حاملاً على ظهري العليجة التي تضم بعضاً من محتوياتي الشخصية والقليل من الغذاء..ندسني أحد الأنصار بينما كان يؤشر لصرح متهاوي : أنظر رفيق..إنها على ما يبدو كنيسة !!! إقتربنا قليلاً منها وتطلعت بإمعان ليقع نظري في بداية الأمر على شجري الميلاد الباسقتين اللتين إنتصبتا بشموخ وزهو أمام باب الكنيسة بينما ترفرف أجنحتهما المتطايرة من علو ! ..ثم تابعنا السير ومعالم الكنيسة صارت تتضح أكثر فأكثر أمام عيوننا المتعبة..توقفنا قريباً منها وقررنا الإستراحة في هذا المكان الأنيس والذي يقع قرب عين الماء التي تمر بجانبها بصفاء وعذوبة تسبح فيها عدد من الأسماك الصغيرة بحذر وتقافز....أنجزت ما كان عليّ من واجب يخص تهيئة الفطور وإيقاد النار ووضع عدد من الزمزميات النحاسية بين جوانبها لعمل شاي الصباح اللذيذ..فيما إنشغل بعض الرفاق الأنصار بجمع المزيد من الحطب وتلقيم النار ما تحتاج اليه لزيادة شدتها ورونقها المتدفق الى الأعلى وعلى الجوانب ليزرع الدفء في نفوسنا والذي يعطي للإستراحة جمال السمر وروح النكتة لدى عدد من الأنصار مما يساهم في التخفيف من آلام المسير اليومي المتعب..تركتهم لحظة منهمكون في التسامر وتحضير الخبز وأقداح الشاي في الوقت الذي إنسللت منهم بغتة لكي أتفحص المكان بهدوء وروية..شيء مفزع حقاً !! ..كانت أشلاء البيوت الممزقة التي تنتشر عل الجبل ممتدة من القمة حتى نهاية السفح الى الوادي وعلى الجهة اليسرى لاحت ملامح مقبرة تبدو أنها قد صممت لتستقر فوق تلة صغيرة في الوقت الذي إنتصب فيه صليب واضح المعالم فوق قبة صغيرة وكانت تحيط به القبور من كل جانب..جرني جلال المنظر وروعته الى أن أنسى وجبة الفطور ولم أعد أبالي بالجوع فقررت التقدم أكثر والدخول الى الكنيسة ومعرفة معالمها وخفاياها..دخلت أولاً قاعتها الكبرى فإمتلأ أنفي برائحة بقايا الأغنام التي إتخذت منها مأوى تركن اليه مع مالكها حينما يهدها التعب وتصل الى حالة من الإعياء فتستريح هنا لبضعة سويعات ثم تواصل رحلتها للبحث عن الكلأ والماء...تقدمت أكثر وواصلت سيري بشيء من الدهشة والفضول نازلاً في ممر يفضي الى مكان يبدو عليه أنه مركز التعبد الديني أو المحراب وكان واسعاً ويا لروعة ما شاهدت..!! كأن الجدران تحكي للزائرين قصة أهل هذه القرية وكنيستهم المعدومة والمبادة والتي كانت الريح تعصف بأشلائها المتناثرة..كان كل حجر ينطق بذكرى أفلت بعد أن كانت نابضة بالحياة لشخوص معينين ومن الجنسين قبل سنين قليلة خلت كانوا يعيشون هنا عيشة رغيدة وهم بكامل العافية يملأهم الحب وتغمرهم العزيمة على تقاسم همومهم وأفراحهم بشكل متساوي..إلتفت يمنة لكي أقرأ ما كتبته إحدى الفتيات المنكوبات حزناً ومرارة : يا ربي أتوسل اليك بأن ترجع ماضي مارياقو كما كان من قبل..!! وتختمها بإسمها بعد أن عصرت قلبها الذي أوشك على السقوط من بين أضلاعها وهي تخط أمنيتها الوحيدة..وكانت شابة أخرى تكتب لحبيب غاب منذ زمن خلى ويبدو أنها لا تعرف عنوانه أو هل بقي للآن على قيد الحياة على الرغم من أنها لازالت تعيش على الأمل في عودته سالماً معافى ! وتخط على الحائط كلمات حيرى تقول فيها : آه عمري..حياتي ..حبيبي ..عد لنجدد اللقاء .! وتختمها ب ذكرى أول حب لي !! كتابات كثيرة وبألوان مختلفة وعدد منها كان بلا ترتيب وقد خط على عجل..وبقايا الشموع الملونة التي إحترقت كلها أو أجزاءً منها بالقرب من النوافذ المتعددة التي كانت تحيط بالمكان المقدس وبين زوايا الجدران...آثار أيام سعيدة وممتعة عاشها أناس يحملون من الطيبة والصدق والوفاء لقريتهم الشيء الكثير قبل أن يحرقها الجيش العراقي بطائراته السمتية..إلتقطت حجراً صغيراً ومدبباً وشرعت أكتب بضعة سطور جنب كتاباتهم وكأني منهم -علماً أن دمائي منهم -كتبت شعارات جئت بها من نفسي كانت تمتلأ بعزم الأنصار الشيوعيين على إعادة الحياة لهذه القرية وكنيستها الرائعة وللمئات مثلها بل الآلاف التي تم تدميرها في عموم أرض كردستان الفاتنة حينما تحين ساعة الخلاص من شرور الديكتاتورية وحكمها المقيت..ولما قررت الخروج وتناول فطوري مع رفاقي إصطدمت بقذيفة صدئة وشاهدت خوذة فولاذية كانت مرمية على جانب الباب الصغير..بقيت هكذا كشاهد إثبات لجريمة نفذت ضد أناس بسطاء ..مدنيين عزل..ودمرت معالم قريتهم المسيحية وكنيستها الجميلة ومعها حطمت أحلامهم وجعلتهم كعصف مأكول..ضاعوا وتشتتوا في عدة أماكن نادراً ما يعرف أحدهم أين هو الآخر !..بصقت على الخوذة بحقد ولما وصلت الى رفاقي وهم لا يبعدون كثيراً عني ..كنت منهكاً وحزيناً..كانوا يتوسطون النار ويحتسون أكواب الشاي وقد ضنوا أني في واجب الحراسة النهارية..قصصت عليهم ما شاهدت وقفز بعضهم فوراً لمشاهدة المكان وكانت صدمتهم بالطبع عظيمة.. ثم واصلنا السير لساعات عدة نحو مكان آخر ونحن نودع عين الماء التي تركناها تجود بنفسها لتسقي أشجار الزيتون التي كان الأهالي قد زرعوها قريباً منها وودعنا شجرتي عيد الميلاد واللتان حرم عليهما الإبتهاج بفرحة العيد ومنذ سنوات مع بنات وأبناء قريتهما فبقيتا واقفتين بحزن وكبرياء أمام باب الكنيسة دون حراك.إلاّ من حفيف الورق ..

ملاحظة: كتبت هذه الأسطر الحقيقية في آذار 1981 حينما كنت في مفرزة في دشت الدوسكي القريب من ناحية سميل التابعة لدهوك وقد خرب الجنود القرية بوحشية وهي قرية مسيحية فلم يبقى منها شيء سوى أطلال دير مارياقو وعين الماء العذبة وشجرتين باسقتين تنتصبان أمام الباب...ويبدو أن عدداً من الأهالي كانوا يزورون المكان المدمر ويوقدون الشموع ويكتبون امنياتهم وذكرياتهم الحزينة..أمنيتي الآن أن يكون المكان قد تم إصلاحه وبأفضل مما كان لكي يزوره الأنصار كافة ويعود ناسه اليه من جديد..أتمنى ذلك من كل قلبي..



#أمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الذي حدث لأنصارالحزب الشيوعي في قرية سينا اليزيدية !
- ربع قرن على إستشهاد الرفيق أسعد لعيبي
- وأخيراً تحدث السكرتير الأول السابق للحزب الشيوعي العراقي
- لا تغرس مسماراً في الحائط..القي السترة فوق الكرسي !
- مئة عام على تبني النشيد الأممي في كوبنهاكن !
- قصة سليم الذي فقد كل شيء !!
- في ذكرى رحيل فنانة الشعب العراقي المبدعة زينب
- العجلة في إجراء الإنتخابات تولد وليداً مشوهاً !
- رحلة صيد مع إبني الى إحدى البحيرات.... ويا مدلولة شبقة بعمري ...
- نصب الحرية من أهم إنجازات ثورة 14 تموز
- أمي التي رسمت وجهها في مياه الفرات *
- إسبوعان في أراضي كردستان المحررة !
- ثلاثون عام على الحملة والإختفاء ومغادرة الوطن !
- الشيوعيون يعودون الى وطنهم في نفس العام
- كيف ننتشل الطلبة والشبيبة من واقعهم المزري في العراق ؟
- أوبريت جذور الماء في الناصرية
- مسرحية الحواجز..البداية التي لم تكتمل !
- حكاية البقرة والضفدعة في قراءة الصف الثاني إبتدائي !
- ربع قرن على إستشهاد ..سحر بنت الحزب
- بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشهيد ( أبو الندى ) و ...


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير أمين - مارياقو لا تحزن..سيبزغ الفجر..