أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير أمين - إسبوعان في أراضي كردستان المحررة !















المزيد.....


إسبوعان في أراضي كردستان المحررة !


أمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 3050 - 2010 / 7 / 1 - 21:07
المحور: الادب والفن
    


إسبوعان في أراضي كردستان المحررة !


حينما إستقر بنا المقام مجبرين في أرض الدنمارك ومنذ الأيام الأولى بدأنا نفكر بإبنة أخي روزا التي إضطر الى تركها لدى والدتي حينما إشتدت الحملة التي شنها النظام الديكتاتوري ضد حزبنا والحركة الوطنية العراقية أعوام 1978 و 1979والتي إضطرتنا جميعاً كأفراد عائلة أن نهرب من بيتنا الى بغداد أولاً ومنه الى خارج العراق لبعض منّا ، وكانت روزا قد أكملت السنة من عمرها ( ولدت في 27 من كانون الثاني عام 1978 ) ولم تستطع والدتها من إصطحابها معها لشدة الهجمة وسرعتها بالوقت الذي كانت عندها طفلتها البكر نهران والتي لم تكمل السنة الثالثة وكانت حامل في بنتها الصغرى سوزان التي ولدتها في بلغاريا بعد شهرين من وصولها في الأول من أيار عام 1979 فكان الشغل الشاغل لوالدها أن يسحبها من بغداد الى سوريا ومن ثم الى الدنمارك وإتفقنا أن نسافر أنا وهو الى كردستان ومن هناك يمكننا أن نعمل لتحقيق هذا الغرض بالوقت الذي يقوم به أخي داود بمساعدة رفاقنا في العمل معهم في المجال الصحفي والإعلامي وهذا ما عمل عليه لعدة سنوات وهو أن يذهب الى كردستان في العطلة الصيفية للعمل مع الرفاق لشحة الكوادر الإعلامية في ذلك الوقت ، وصلنا الى سوريا وسافرنا الى نقطة العبور في يوم 1 تموز عام 1994 ، كان الحر شديداً جداً وكانت نقطة التفتيش عبارة عن صريفة بهيئة الكبرة كما تسمى في كردستان وكان بها عدد من رجال الأمن السوري الذين قاموا بتسجيل أسماءنا ونوعية الجوازات وثم سمحوا لنا بالعبور من خلال نهر دجلة الى الجانب العراقي حيث كانت هناك نقطة تفتيش صغيرة من مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني وشاهدنا سيارة بها عدد من الشيوعيين كانوا ينقلون حزم من الأوراق التي يستخدمونها في الطباعة وبعد معرفتهم بنا أخذونا معهم بسيارتهم الى دهوك ، بتنا ليلاً على سطح المقر ولم نستطع النوم على الرغم من تعبنا وذلك لشدة لسعات البعوض الذي إستمر بمهاجمتنا بالآلاف حتى الصباح !!وفي صباح اليوم التالي سافرنا الى أربيل ومكثنا في المقر مع الرفيقين الدكتور سامي خالد وأبو حذام وكان الرفاق يعملون كخلية نحل في إدارة وسائل إعلام الحزب وخاصة إصدار صحيفة طريق الشعب وإدارة الإذاعة وكانوا فرحين بوصول الأخ أبو نهران الذي بدأ ومنذ الساعة الأولى لوصوله بمد يد العون لهم مما خفف العبء الكبير الذي كان يقع عليهم كل يوم وكنت أنا أساعدهم ببعض الأشياء الصغيرة التي يمكنني أن أتقنها كعمل الشاي لهم أو ترتيب الأوراق وغيرها وكنت كثيراً ما أغادرهم لكي أطلع على معالم أربيل التي لم أزرها من قبل وأحتك بالناس وأتكلم معهم وإستطعت أن أدون بعض الذكريات عن تلك الرحلة الشاقة والممتعة بنفس الوقت من ذلك التاريخ الذي كان مليئاً بالهموم والآلام والمفاجآت في كردستان العراق التي أنهت للتو حرب طاحنة بين الإخوة والإشقاء من الحزبين الحاكمين ( حدك وأوك ) والتي خلفت آلاف الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين عند الجانبين لأكثر من سنتين لغرض إحراز مكاسب ضيقة من هذا الطرف أو ذاك على حساب المصلحة القومية لعموم شعب كردستان العراق والتي بذل الحزب الشيوعي لإيقاف نزيف الدم جهوداً مضنية وبشكل يومي حتى إستطاع بحكمته وحياديته وصبره من جر المتخاصمين الى طاولة المفاوضات الجادة والطويلة والتي تمخضت عن إبرام إتفاقية لوقف القتال فوراً وإطلاق سراح الأسرى وتعويض المتضررين وإجراء إنتخابات لبرلمان كردستان وقيام حكومة كردستانية وطنية شارك بها الحزب الشيوعي بوزير واحد وبدأ السلام يعم أرض كردستان بجميع محافظاتها...وفي المقر إلتقيت بالفقيد أبو سيروان الذي كانت تربطني به علاقة صداقة منذ أن تعرفت عليه عن قرب في أحد فنادق الدرجة الثالثة في الرضائية في إيران عام 1983 وكان قد وصل إليها لغرض العلاج من آلام في القلب بينما جئت أنا لأخذ صورة لكسر في يدي اليمنى ولغرض معالجتها وكنا نلتقي في الفندق لعدة أيام نتناول الطعام ونتكلم يالسياسة وشؤون الحزب ولم أشعر أبداً أنه من قومية أخرى أو أنه من قيادة الحزب فكان بمثابة الأخ والصديق وهذا ما شعرت به لاحقاً في رحلتي هذه بعد 11 سنة من فراقي له وقد إستقبلني بنفس المشاعر وإستكملت معه أحاديثنا السابقة وبعد لحظات من المناقشات والذكريات طلب مني أن أساعد الحرس إن أمكن لأنه حان وقت مجيء السيد مسعود البرزاني والسيد جلال الطالباني وكان على موعد معهما هو وعدد من الرفاق القياديين ، لم أتردد في قبول واجب الحراسة خاصة وأنه قال لي : ولو أنت الآن ضيف لكنك بيشمركة قديم ويمكن أن تفيدنا في هذه المهمة ، أخذت بندقية وصعدت الى السطح وكان عدد من رفاقنا منتشرين في عدة مواقع وفوجئت بآلاف البيشمركة التي إنتشرت في جميع الشوارع والتقاطعات جاءوا لحماية الوفدين بحيث أصبحنا نحن الشيوعيين لا نشكل إلاّ النزر اليسير من حمايتهم ، كنت أتمنى أن أرى السيدين مسعود وجلال وأن أتكلم معهما ولكني لم أشاهدهما على الإطلاق على الرغم من إبتعادهما عن نقطة حراستي بضعة أمتار وإنتهى اللقاء مع الفقيد العزيز أبو سيروان والرفاق الآخرين وإنفض الحرس بعد حوالي ساعتين وعادت الأمور الى طبيعتها ورجعت الى الغرفة التي كانوا بها منذ دقائق وواصلت الكلام والإسئلة عن ما دار في هذا اللقاء الذي كان ودياً جداً وأكدوا فيه على إستمرار الإجتماعات الأخوية بين كل الأطراف والإنتباه الى مكائد النظام البعثي الذي يحاول وأد تجربة كردستان الفتية ...الخ
كان الوضع الإجتماعي والإقتصادي يسير بشكل عشوائي في عموم كردستان وكانت المضاربة بالعملة وتصريفها من قبل شبكات متخصصة تجول في الأسواق دون رقابة من أحد هي السائدة وإنتشر الشحاذون في كل مكان وخاصة الأطفال الذين يمارسون مهنة صباغة الأحذية وبيع العلك والأكياس وغيرها وحالما يعرفون أنك غريب يقومون بمد يدهم اليك لطلب المساعدة بلغة كردية وبكلمات تثير الشفقة وفي أحدى المرات وقفت عند محل لشراء المرطبات ولما تناولت قدح الآيس كريم الذي كان بعدة ألوان زاهية سمعت من خلفي أن طفلين يطلبان مني نقوداً ، سألتهما : هل ذقتما من هذه المرطبات فيما مضى ؟! أجابا سوية بالنفي ، قمت بإعطاء البائع عشرة دنانير طالباً منه أن يعطي كل منها قدحاً من المرطبات وجلست معهما نأكل سوية على الدكة الصغيرة وكانوا فرحين جداً لأني لو أعطيتهم نقوداً لما إشتروا بها مرطبات وقد شكروني كثيراً على ذلك حتى أن البائع إستحسن الفكرة لأنها أفادته! ..في أربيل قررت أن أذهب لتناول الطعام في أحد المطاعم وكانت وجبة الكباب بسعر ثمانين ديناراً أي ما يعادل تقريباً دولار واحد ! وفي الطريق كانت هنالك بنت ملتحفة عباءتها ويظهر من خلالها كف يدها الصغير الأبيض الناعم .. لم تتكلم بشيء سوى أنها كانت تمد يدها للسابلة بالوقت الذي كانت تجلس فيه بهذا المكان بدرجة حرارة في تموز كانت قد تجاوزت الخمسين درجة !! كلمتها فلم تستجب حيث أن فكرة الزواج منها كانت قد خطرت على بالي لتخليصها من هذا الواقع المزري ، مددت يدي الى جيبي وناولتها خمسة دنانير وكانت قليلة حسب إمكانيتي لكن المبلغ الذي كان يعطى للشحاذين في ذلك الوقت كان دينار واحد بالإضافة الى أن هناك أعداد هائلة من الشحاذين نقوم بتوزيع النقود البسيطة عليهم كلما صادفونا في الطرقات أو المقاهي .. ولما تناولت الطعام كنت أفكر بها ولم أستمتع بمذاقه وحينما عدت بعد حوالي الساعة وجدتها وكأنها مزروعة في نفس المكان الذي إزدادت حرارته وإزداد ألمي عليها أكثر ..وفي أربيل وغيرها من المدن الكردستانية كان الناس يقومون ببيع كتبهم للحصول على مستلزمات الحياة الضرورية وخاصة الخبز .. وقفت أمام أحد الباعة حينما جذب نظري أحد الكتب العلمية والذي يخص أمراض النبات.. كان الكتاب سميكاً وبالحجم الكبير ويبدو عليه القدم ، تناولته وبدأت بتصفحه وأعجبني كثيراً لكني إعتقدت أنه سيكون باهض الثمن ولما إستفسرت عن سعره لدى البائع طلب مني 75 دينار فقط أي بحدود دولار وعلمت أن سعر أي كتاب قديم عندهم يتعلق بوزنه لا بمادة البحث أو الصنف حيث كانت تباع خيرة الكتب العلمية والأدبية بأسعار تافهة بالنسبة للقادم من الدول الأوربية في الوقت الذي تعتبر فيه هذه المبالغ كبيرة وتسد جزءً لا يستهان به من إحتياجاتهم المعيشية الضرورية كالخبز والدواء وغير ذلك .. وكانت تنتشر ظاهرة تبديل العملة من الدينار العراقي الى الدينار الكردستاني أي السويسري الأصلي وبالعكس ولقد صرفت عندهم بضعة أوراق للذكرى من فئة خمسة وعشرة دنانير بالإضافة الى فئة 25 دينار الأخضر الذي يحوي على عدد من الحصن والذي لا زال معي للآن وكان تصريف الدولار ما بين 70 الى 80 من الدنانير الكردستانية وكان راتب البيشمركة من الحزب الشيوعي شحيح جداً وشبه رمزي وقدره 350 دينار وكان أغلب الحرس والحماية من عوائل شيوعية فقيرة.. وفي أحد الأيام إصطحبنا أحدهم مع السائق الى أحد المطاعم لتناول الكباب وقبل أن ننتهي من الأكل قام هذا الرفيق بوضع شيش كباب في رغيف من الخبز ثم وضعه في كيس نايلون !! تعجبنا من فعلته قائلين له: ماذا تفعل بهذا الشيش ولماذا لا تأكله الآن !! قال لنا : لقد شبعت يا رفاق وأريد أن أحمل الباقي الى أمي!! تألمنا كثيراً وناقشنا أنا وأبو نهران وأبو كاوا الذي كان معنا أيضاً وجاء من الدنمارك فكرة أن نشتري شيء الى رفاقنا وإختمرت الفكرة أن نقوم في اليوم التالي بشراء بضعة كيلوات من أفخاذ الدجاج لهم لكي يعملوا منها وجبة شهية للغذاء علماً أنهم كانوا يعملون المرق بدون لحم مع الرز أو البرغل .. وفي اليوم التالي نقلنا لهم الدجاج بعدة أكياس من النايلون ولم يصدقوا فعلتنا التي لاقت شكرهم وإستحسانهم وقد عملوا نصف الكمية لوجبة يوم وتركوا النصف الآخر في الثلاجة لليوم التالي وقد أكلنا معهم وكانت مرقة دجاج لذيذة !
سافرت مع أخي الى السليمانية التي لم أرها من قبل وكانت أفضل حالاً من دهوك وأربيل وبتنا ليلة في بيت سكرتير اللجنة المحلية وفي الصباح تجولنا في أرجاء المدينة وكنت أبحث عن دلة قهوة أردت شراءها ..دخلت محلاً كبيراً لمحت أن به أدوات تخص المنزل من صحون وسكاكين وغيرها .. كان البائع يتقن العربية بشكل طليق وحينما إستفسرت منه عن دلة القهوة قال لي : عندي واحدة فقط وقام بجلبها حالاً ، شعرت أنها ليست جديدة وقلت له بإستحياء : أعتقد أن هذه مستعملة !! رد حالاً : طبعاً ! وأردف قائلاً : أخي يبين أول مرة تجي الى هنا ! أن أكثر الأشياء مستعملة لكن هناك عندنا الجديد ، إشتريتها وطلبت منه أن يعرفني بما لديهم من جديد فأشار الى صورة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم مطبوعة على صحن وبشكل جميل كذلك شعار الجمهورية العراقية الأول! فرحت كثيراً وقلت له : أنني سأشتريهما فوراً ! ودفعت المبلغ وكان 750 دينار أي حوالي عشرة دولارات أو ما كان يعادل راتب نصيرين لشهر واحد !!! أهديت صورة الزعيم لأخي داود وإحتفظت بصحن شعار الجمهورية الذي تركته لدى زوجتي بعد طلاقنا وبقي في البيت بعد خروجي منه !!..حينما عدنا من السليمانية الى أربيل ، شاءت الصدفة أن تكون التاكسي التي أقلتنا أنا وأخي وأحد الرفاق الذي كان قد قدم من ألمانيا ضمن صف طويل من السيارات المسلحة والمدنية وبأنواع مختلفة وكثيرة العدد مما حدا بسائق سيارتنا أن يتمهل في السرعة في الوقت الي وجد فيه نفسه أنه إختلط بهذه السيارات التي تبين أن في أحدها كان الزعيم جلال الطالباني.. كان هناك عشرات البيشمركة يتواجدون مع أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة على جانبي الطريق في الوقت الذي كانت تتقدم الرتل سيارة تحمل الدوشكة والتي تبتعد حوالي مئة متر عن الرتل لتمشيط المنطقة وتأمين سلامة وصول الوفد الى أربيل .. كنا أنا وأخي داود نجلس في المقعد الخلفي بينما كان في الأمام وبجوار السائق يجلس الرفيق القادم من المانيا ولما كان ضخم الجثة ويرتدي نظارات طبية سميكة فأن الحرس في نقاط التفتيش كانوا يشملون سيارتنا بسلام القادة وخصوصاً حينما كان هذا الرفيق يسلم عليهم بإشارة من يده ولم يوقفنا أحد ووصلنا بسرعة مع الوفد وكأننا جزء منه !! ولم نشاهد السيد الطالباني لأن سيارته كان بها زجاج معتم ، وفي أربيل شاهدت موكباً مماثلاً للأخ مسعود وهو يشبه الى حد ما موكب السيد جلال ما عدا قلة عدد السيارات المرافقة له وكانت ملابس بيشمركة حدك أقل رتابة من بيشمركة أوك !..عدنا الى مقر أربيل مجدداً ورتب أخي مسألة جلب إبنته من بغداد مع أحد أصدقاء الحزب من كبار السن الذي نجح بالوصول الى مكان سكن والدتي وحسب الإتفاق جرى جلب روزا وإلتقينا بها في عين كاوه في أحد البيوت الشيوعية وقد تجاوزت سن السادسة عشر وأخبرتني بأنها قد نجحت الى الصف السادس العلمي ، كانت طويلة ومتينة وتبدو بعمر قد تجاوزت فيه العشرين وكانت فرحتنا بلقاءها كبيرة جداً وإستعدت معها الذكريات حينما كانت طفلة رضيعة تتشبث بعباءة والدتي قائلة لها : يمّه ! بعد أن بقيت مع أمي وكان آخر لقاء لي بها في يوم 21 نيسان عام 1979 في مدينة النجف لحضور أربعينية جدتي لأمي فكانت روزا لم تستطع مفارقتي لحظة وكانت تناديني بكلمة : بابا ! وكانت ترفض حينما أضعها قليلاً على الأرض لكي أرتاح فأقوم بمعاودة حملها من جديد ، وما هي إلاّ بضعة سنوات حتى جاءت مجدداً بهيئة إمرأة لم ترى من قبل أي من والديها !وقد إستطاع أخي إيصالها الى سوريا وإلتحقت بوالدتها وأخواتها في النرويج لرفض طلبها من قبل السلطات الدنماركية ، وقد نقلت لنا روزا صوراً مذهلة عن الوطن وعن الحياة المعيشية للناس ومعاناتهم في فترة الحصار الإقتصادي على العراق .. وفي عين كاوه زرنا إحدى العوائل الشيوعية وكانت إحدى البنات تتحدث بألم عن الإمتحانات الوزارية للصف السادس العلمي وكانت قد إنتهت منها مؤخراً وعرفت أن سبب ألمها يعود الى تسريب الأسئلة الى ما يسمى أولاد الذوات بأسعار وصلت الى 75000 دينار أي ما يعادل ألف دولار لجميع المواد !!! ولم أصدق الخبر إلاّ بعد أن سمعت عنه من أحد معارفي الذي كان عضواً في اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء في الإقليم لتقصي الحقائق عن الجهة أو الأفراد الذين قاموا بتسريب أسئلة البكلوريا وبيعها لبعض الطلبة لقاء أموال تستطيع دفعها عدد من العوائل الميسورة !!....كانت الأحزاب في كردستان كثيرة ومتشعبة ولكنها صغيرة قياساً الى الحزبين الحاكمين الذين يرأسهما السيد جلال والأخ مسعود وكانت لكل حزب صبغة معينة يميزه عن الآخرين وكان له علم يمتاز به ويقوم برفعه على مقراته أو سياراته الحزبية حتى أن عدد من البيشمركة كانوا يضعون قطعة قماش صغيرة على فوهة بنادقهم تشير الى الحزب الذي ينتمون اليه فمثلاً كان الشيوعيون يمتازون برفع العلم الأحمر فوق مباني مقراتهم والحزب الديمقراطي الكردستاني يرفع العلم الأصفر والإتحاد الوطني الكردستاني يرفع العلم الأخضر والحركة الآشورية العلم البنفسجي والإسلاميين العلم الأخضر الغامق والمؤتمر العراقي بزعامة السيد أحمد الجلبي كان يرفع العلم الأبيض وكان مكتوب عليه بخط أسود إسم المؤتمر العراقي الموحد وكانت للأحزاب الأخرى الصغيرة جداً أيضاً الوان للأعلام التي ترفعها وقد رأيت في أحد الأيام ونحن سائرون في سيارة الحزب الشيوعي ، مقراً صغيراً يرفع العلم الأحمر فقلت للسائق : هؤلاء جماعتنا !! فرد عليّ ضاحكاً : لا ! إنهم من الحزب الفلاني .... وقد رفعوا العلم الأحمر أيام إقتتال الإخوة خوفاً من المداهمة والقصف عليهم من قبل الأطراف المتخاصمة والأن بقي على حاله ولم يستبدلوه ربما لأنه درأ عنهم شر القتال !! حيث كانت أكثر المقرات مصابة بالضرر وخالية من المسلحين وقد شاهدت في دهوك بناية جميلة مصبوغة باللون الأخضر بدون شبابيك وكانت أبوابها محطمة وهي تخلو من أحد بعد أن كانت فيما مضى مقراً للإتحاد الوطني الكردستاني وشاهدت الشيء نفسه في مدينة السليمانية لبناية بلون أصفر ويبدو أنها مهجورة ولكنني لاحظت أن هناك عدد من الرجال يقفون فوق سطحها وهم يدخنون ولما سألت عنها قيل لي : أنها كانت مقراً للحزب الديمقراطي الكردستاني قبل الأحداث التي كان يطلق عليها الشعب الكردي تسمية : إقتتال المصالح الذاتية !بدل إقتتال الإخوة !
كان الوضع الإقتصادي مزري وكان صاحب التاكسي غير مصدق حينما ترفع يدك لإيقافه لكي تصعد وكان يوصلك من سوق المدينة الى مقر الحزب لقاء 20 دينار !! أي حوالي ربع دولار وكان عدد التاكسيات لا يتجاوز العشرة في أربيل والآن بالآلاف !!.. كان عدد كبير من الصبية يذرعون الشوارع يبيعون حب عباد الشمس أو يقومون بصبغ الأحذية ولما وصلت الى كردستان جئت بحذاء نصف مستعمل على أمل أن أشتري آخر جديد ولم أتذكر أنني قد صبغته حينما كنت في الدنمارك منذ شرائي له وفي كردستان إضطررت الى صبغه حوالي 22 مرة خلال إسبوعين حيث كان عدد من الأطفال يتجمعون حولي ويقوم أقواهم بخلعه من قدمي عنوة راجياً مني الموافقة على أن يصبغه لقاء دينارين فقط !! فأقوم بتلبية دعوته وتحصل لي حالة مماثلة في اليوم مرتين أو أكثر أحياناً وبعد عودتي للدنمارك لم أستطع من معرفة ماذا كان لون حذائي الأصلي !! لأن الأطفال كانوا يقومون بصبغه مرة باللون الأحمر ومرة بالبني وأخرى بالوردي أو بألوان قريبة الشبه من لونه الأصلي وكنت غالباً ما أعطيهم خمسة دنانير وليس إثنين التي هي إجرة الصباغة المتعارف عليها حينذاك في الوقت الذي كنت أحتسي فيه كوبين من الشاي اللذيذ في المقهى التي يصطادني بها هؤلاء الصبية المساكين !!...في هذه الرحلة السعيدة إستطعت أن أرى عدد كبير من مدن كردستان وخاصة مدينة شقلاوة الجميلة ومقر اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي وإلتقيت بالرفيق أبو داود الذي بدا أكثر شباباً وحيوية من لقائي به في النصف الثاني من أعوام الثمانينات في صوفيا وكانت تبدو عليه الوسامة وهو بملابس البيشمركة وكانت معه زوجته وإبنته أسيل وإبنه عزيز الذي كان مغرماً بمطاردة دجاج المقر حيث أنه لم يرى دجاج حي في المانيا وكان صغير السن وعند الغداء جلسنا أنا وأخي داود على مائدة واحدة مع الرفيق أبو داود وعائلته وكان الأكل نفسه الذي يقدم لبقية البيشمركة أي تمن ومرق بدون لحم ، هذا هو الحزب الشيوعي وهؤلاء هم رفاقه وقيادته الذين يتخرص البعض بالقول عنهم بأنهم كانوا يعيشون في فنادق من فئة الخمسة نجوم !! وكان لقاءنا بهم شيقاً وممتعاً وعلمت أن أسيل تدرس مع نهران بنت أخي وهي صديقتها وبعد سنوات حينما طلبت صورة تذكارية من نهران لي فأنها أعطتني صورة لها في موسكو كانت تجمعها مع أسيل .كان رفاقنا طيبون في ذلك الوقت وكانوا بسطاء يكتفون بالقليل بحيث أن أحدهم حينما ذهب مع أحد رفاقنا كواسطة خير للزواج من إحدى البنات ، طلب إذا تصير القسمة : كيس طحين لعائلته !! فقلت له : يمعود خلي صاحبنه يتزوج ونعطيك كيس تمّن بدل كيس الطحين ، فغمرته الفرحة ولم يصدق !! وكان رفاقنا المسؤولين بغاية اللطف والبساطة فكنت أتحدث وأتمشى في السوق أو في الأماكن القريبة من المقر مع الرفيق كمال شاكر وكان وزيرا في ذلك الوقت بالإضافة الى بقية القياديين كأبي رنا وغيره الذي إصطحبنا أنا وأخي داود الى صلاح الدين لموعد كان له مع الدكتور أحمد الجلبي وإنتظرنا في إستعلامات المقر لحين إنتهاء لقاءه بالجلبي وتعرفت على شاب يعمل في مقرهم شكى لي وضعه المادي ومعاملة المتواجدين له وإعتباره كخادم حسب ما ذكر وليس كواحد منهم وقال : كنت بعثياً وإنتقلت للمعارضة لسماعي عن كفاحها ضد جرائم النظام وأنا الآن نادم على وجودي هنا لأنني غير محترم وتجري معاملتي بطريقة لا إنسانية !! وقدم لنا الشاي بعد أن هدأنا من غضبه ...في هذه الرحلة التقيت بعدد كبير من الرفاق الرائعين وكلهم كانوا قد عملوا معي سابقاً وخصوصاً في كردستان لذلك كنت أحاط من قبلهم بالحب والإحترام والتقدير المبالغ به أحياناً وهذا ما لم أجده أو المسه في رحلتي الأولى والثانية بعد سقوط النظام في عامي 2006 و 2007 ومن قبل الصغار والكبار للأسف :



#أمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثون عام على الحملة والإختفاء ومغادرة الوطن !
- الشيوعيون يعودون الى وطنهم في نفس العام
- كيف ننتشل الطلبة والشبيبة من واقعهم المزري في العراق ؟
- أوبريت جذور الماء في الناصرية
- مسرحية الحواجز..البداية التي لم تكتمل !
- حكاية البقرة والضفدعة في قراءة الصف الثاني إبتدائي !
- ربع قرن على إستشهاد ..سحر بنت الحزب
- بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشهيد ( أبو الندى ) و ...
- في أربعينية الفقيد الخال بدري عرب !
- عمي جوعان يحب الحرس القومي !!!
- الداد ... المهمة الاولى لحكومتنا القادمة !


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير أمين - إسبوعان في أراضي كردستان المحررة !