أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير أمين - قصة سليم الذي فقد كل شيء !!















المزيد.....

قصة سليم الذي فقد كل شيء !!


أمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 3090 - 2010 / 8 / 10 - 10:12
المحور: الادب والفن
    


كان سليم شاباً بسيطاً طيباً يعمل راعياً للأغنام..يسكن في إحدى قرى بهدينان في كردستان العراق..له زوجة تصغره بسنتين..أنجبت له بنتين وولد..وكان جميعهم يعيشون في بيت صغير عمله سليم بنفسه وبمساعدة عدد من جيرانه الطيبين وكانت العائلة تعتاش على ما تدره الأغنام من مورد لها من خلال منتجاتها وما تبيعه منها عند الضرورة حينما يأخذ سليم واحد منها أو أكثر الى المدينة ليبيعها ويشتري ببعض أثمانها ما تحتاجه أسرته ويحتفظ بالباقي لوقت الضيج كما كان يقول ..كان عنده كلب جميل وقوي يعتمد عليه في حراسة القطيع المتكون من الماعز والأغنام فكان يرافقه طيلة اليوم الى المرعى ولا يعودون إلاّ أن تمتلأ بطون المواشي من الأعشاب الخضراء ويكون الليل قد نشر ظلامه على القرية..في أحد الأيام وبينما هو مع قطيعه في المرعى الذي لا يبتعد عن القرية ومنزلهم سوى مسافة ساعة ونصف..سمع صوت مدوي في الأفق لطائرات حربية تلتها أصوات إنفجارات وسحب دخان ونار متصاعدة من بعيد لكنها كانت صادرة بالضبط من الجهة التي يسكن بها..إرتجف قلبه وإزدادت سرعة نبضاته..عوى الكلب عواءً طويلاً وبأنين مفزع هذه المرة..لم يتعوده سليم سابقاً من كلبه ..فكّر سليم بإبنه الصغير دلير ذو السنتين والذي جاءه بعد إبنتيه وكان جميلاً وشبيهاً الى حد ما بوالدته..قرر أن يعود بالقطيع قبل أن تملأ بطونها كما هي العادة في كل يوم..أسرع الخطى والكلب يسبقه ويتلفت يمنة ويسرة ويتشمم لحماً مشوياً لم يستطع تفحصه .. هل هو لإخوانه الحيوانات !! أم عائد للجنس البشري !!..لا يدري ذلك ولكنه واصل السير مع صاحبه وقطيعه حتى أشرف القطيع على بلوغ القرية التي بدأت تترائى لهم وكأنها كتلة حمراء متوهجة من نار ودخان وكأنما أصيبت بزلزال !! أصابت سليم الصدمة ومن هولها فقد السيطرة على متابعة معرفة عدد قطيعه وإكتمالهم عند الوصول حتى أنه نسيهم !! ولم يعد يفكر بشيء مطلقاً وفقد القدرة على الكلام ! وتفرقت الحيوانات في جهات عدة وإختنق بعضها من شدة تصاعد سحب الدخان..بدأ سليم يفرك عينيه التي أغلقها لهيب الدخان محاولاً مشاهدة ما حدث قبل قليل..أراد أن يعرف أين صار بيته من هذا الركام المتصاعد من كل جهة..ثم فكر فجأة ..أين زوجتي وأطفالي !؟ هل يعقل أنهم هربوا !! والى أين ذهبوا وسط هذا الجحيم !!أصابه اليأس وهو ينظر الى الأعلى لسحابة الدخان الأسود الهائلة التي طغت على كل شيء وفقد من خلالها التمييز بين الأشياء التي كان يألفها بشكل يومي وصارت الآن فقط غريبة بالنسبة له !! وشعر بأن رأسه أصبح أثقل من جسده ولم يتمكن من فتح عينيه بشكل طبيعي إلاّ بمساعدة أصابع يديه !..لكنه فقد الوعي أخيراً حينما إمتلأت رئتيه بالدخان الأسود.... فتح عينيه في صباح اليوم التالي ووجد نفسه عند بيت أحد الجيران والذي كان يسكن في الجانب الآخر المقابل له من القرية في بيته الذي لم تصبه نيران الطائرات المغيرة والتي أنزلت حممها عليهم كالمطر ثم لاذت سريعاً بالفرار من المنطقة بعد أن تأكدت من نجاح عمليتها الخسيسة !!...وحينما صحى سليم على نفسه وأين هو الآن ولماذا هو راقد هنا !!..بدأ يسأل جيرانه عن عائلته ولعدم التركيز أو حباً بكلبه الوديع سألهم عنه وكأنه أحد أفراد أسرته وكان يحبه كواحد منهم ويبادله الكلب الحب ويحرص كل يوم بمرافقة القطيع ولم تبدو عليه علامات المرض أو التعب أبداً وخاصة في الساعات الأولى من النهار حينما يبدأ موعد الرعي حيث أنه يكون بكامل الصحة والحيوية والإنتباه وحينما يعودون سوية الى البيت في القرية عند الغروب يكافئه سليم بوجبة عشاء لذيذة يأكلها ويذهب الى مخدعه لمعاودة واجباته وأعماله الليلية في الحراسة وتفقد القطيع وهو داخل الزريبة حيث أن غرفته الصغيرة المخصصة للحراسة تقع بمحاذاتها تماماً والأغنام تدرك ذلك فهي تنام ملأ جفونها حتى الصباح لكن كلبه يبقى ساهراً وهو بين اليقظة والمنام يفتح جفونه عند سماعه أي صوت حتى حفيف الأشجار يفزعه أحياناً ويتصور أن عدواً قد مرّ وهو بطريقه الى الزريبة يريد بها شراً فيقفز حالاً من مخدعه ويتجول حولها متفقداً القطيع ثم يعود الى مكانه بعد أن يطمئن عليها وهكذا حتى الصباح ليبدأ عمله المعتاد ليوم آخر جديد...حينما يقود القطيع مع صاحبه عبر الروابي والسهول الخضراء الجميلة والخصبة..كرر سليم السؤال وهو في حالة من الذهول بينما إرتشف شاياً ساخناً أرغمه عليه أحد أصحابه وقد أعدته له زوجته بينما كان ممدداً على السرير لا يعرف كيف ومتى وصل اليهم ولا يفقه معنى وجوده لديهم بعد !! وكأنه لا زال في حلم أو كابوس مظلم..بعد لحظات إنتبه سليم الى نفسه وأنه يعيش الحقيقة وأدرك عمق المأسات..صاح بهم : أين الكلب وأدمعت عيناه ثم إنتحب وجرت الدموع على خديه بسخونة وإنكسر صوته وتلعثم قائلاً : أين زوجتي ؟! هل هي بخير !! وهل معها الأولاد؟! والى أين هربوا..وكيف هي صحتهم ! وهل أصيبوا في القصف ؟!..كان سليم يسأل المحيطين حوله ويكرر نفس الأسئلة ويصيغ بعضها بشكل آخر وكانت كلها تدور حول معرفة أي شيء عن أفراد أسرته الصغيرة..ولا من مجيب..لمح سليم أن زوجة جاره تنحت جانباً بعيداً قليلاً عنهم وأجهشت بالبكاء ورد عليه جاره بألم : إن الله بعونك يا أخي ..أراد سليم أن ينهض ويصرخ ولكن جاره بدأ يهدأ من روعه بكلمات مواسية له لم ينفذ إلاّ جزء ضئيل منها الى وعيه ومداركه في الوقت الذي كان يردد بشكل شبيه بالهذيان ::أين ولدي دلير والكلب وزوجتي والبنات..أين ذهبت إبنتاي الجميلتان..هل إحترقن !!أين أسرتي !! لماذا أنتم صامتون! لم يستطع أحد من الإمساك بيديه التي أصبحت تصيب بقوة وشراسة رأسه ووجهه في الوقت الذي كان يصرخ بهم بشدة : إبحثوا عنهم ..ساعدوني لكي أجدهم..لم يتحرك أحد لمعرفتهم بالمصير المؤلم الذي آلت اليه الأسرة بأكملها ..فقد سليم وعيه وسقط كالميت وسطهم..نقلوه الى مكان آخر وغطوا جسده الناحل وقرروا قطع الكلام والهدوء المطبق في هذا المكان الذي لم يبارحوه وظلوا صامتين بالقرب منه لأكثر من خمسة ساعات.. كان يتمتم في الساعة الأخيرة منها بأسماء أبنه وبنتيه ويسأل عن كلبه وزوجته التي كان يحبها بشكل لا يوصف والتي كانت سنده اليمين في كل شيء..بدأ سليم يسترجع وعيه بالتدريج حتى أنه سمع نباح كلبه من بعيد وإنتبه الى رجاء جاره وهو يدعوه الى تناول القليل من الطعام والشراب..وترددت الى سمعه أصوات نسائية كثيرة ودعته أحداهن الى تناول الطعام والترحم على الموتى من أسرته الشهيدة وعدد آخر من أسر الجيران..كان الجميع قد أنهمكوا في ترديد سورة الفاتحة حتى يدخلوا سليم بالحدث دون مقدمات ولكي يطمئن قلبه وتهدأ نفسه وقرأ معهم السورة مرتين والدموع تنهال من مقلتيه بشكل مدرار وكذلك بقية النسوة وعدد من الأطفال والرجال..تناول سليم صحناً معدنياً صغيراً وضع به قليل من الرز واللبن..أكل منه جزء يسير ولم يستطع إبتلاع اللقمة إلاّ بصعوبة بالغة..كان يفكر بوعي رجولي لا يخلو من العاطفة والألم بكل ما حصل لأسرته من إبادة جماعية..حاول أن يتحمل ما حصل بصبر الرجال لكنه كان يحبس دموعه بين وقت وآخر وهو يتذكر زوجته التي كانت تعد له طعام الفطور قبل أن يذهب مع القطيع في الصباح الباكر وحينما يعود يجد المائدة عامرة بالطعام الذي يشتهيه فيأكل منه ويناول أولاده بعض اللقمات الصغيرة بعد أن يدفئها بفمه وتذكر دلير الذي كان يرفضها منه ويتقبلها من أمه..وكان يقول له لكن في سره : أن أخواتك كنّ هكذا وحينما ستكبر ستتناولها مني وثم ستأكل بمفردك ولكن ستكون جالساً هنا جنبي يا لعين !..بدأ يضحك ويضحك..ثم بكى كالنساء وقام يهذي مجدداً ويكلم نفسه وأخذ يمسك بأصابعه ويقبلها بحنان حتى أن إحدى النساء غمزت لصديقتها هامسة لها : أن الرجل ربما أصابه الجنون ! وساءت صحته وصحة الكلب..ومرت الأيام والشهور ثم ما لبث أن إستعاد عافيته وتوازنه الطبيعي وقام بجمع شتات قطيعه وساعده الأهالي على إعادة ترميم بيته من جديد بعد أن دفنوا البقايا المتناثرة من أجساد الضحايا للعائلة المحترقة وبنى زريبة جديدة صغيرة وأعد قربها سقيفة صغيرة أيضاً للكلب الذي يبدو أنه بقي خائر القوى لمدة طويلة وكان ينظر للأشياء كلها بحزن ويخاف من كل شيء وخاصة صار يختبأ إذا سمع صوتاً مدوياً وحينما يأكل كان يتناول طعامه دون شهية وحينما يسير مع القطيع صار مثلهم منكس الرأس ..بطيء الحركة وحينما ينبح فأنه يمد عواءه طويلاً كالنشيج وهذه الحالة وأسوأ منها إنعكست على صاحبه سليم الذي لم يفارقه الحزن على الرغم من التعمير الذي عمله لبيته وزريبته وبيت الكلب ولكنه أيضاً صار يكثر من الغناء الحزين طوال الدرب في الذهاب للمرعى وعند الرجوع للبيت في طريق العودة وكانت غالباً ما تخنقه العبرات ويتكسر صوته الحزين المغمس بالدموع كلما إقترب من بيته...
ملاحظة: القصة واقعية كتبت في بهدينان عام 1982 عن قرية تم قصفها من قبل طائرات النظام العراقي المقبور وما حصل لعائلة سليم الذي هو أحد سكانها الأبرياء ..



#أمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى رحيل فنانة الشعب العراقي المبدعة زينب
- العجلة في إجراء الإنتخابات تولد وليداً مشوهاً !
- رحلة صيد مع إبني الى إحدى البحيرات.... ويا مدلولة شبقة بعمري ...
- نصب الحرية من أهم إنجازات ثورة 14 تموز
- أمي التي رسمت وجهها في مياه الفرات *
- إسبوعان في أراضي كردستان المحررة !
- ثلاثون عام على الحملة والإختفاء ومغادرة الوطن !
- الشيوعيون يعودون الى وطنهم في نفس العام
- كيف ننتشل الطلبة والشبيبة من واقعهم المزري في العراق ؟
- أوبريت جذور الماء في الناصرية
- مسرحية الحواجز..البداية التي لم تكتمل !
- حكاية البقرة والضفدعة في قراءة الصف الثاني إبتدائي !
- ربع قرن على إستشهاد ..سحر بنت الحزب
- بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الشهيد ( أبو الندى ) و ...
- في أربعينية الفقيد الخال بدري عرب !
- عمي جوعان يحب الحرس القومي !!!
- الداد ... المهمة الاولى لحكومتنا القادمة !


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمير أمين - قصة سليم الذي فقد كل شيء !!