أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال














المزيد.....

لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3177 - 2010 / 11 / 6 - 16:17
المحور: حقوق الانسان
    


بوصفي أمًّا لصبيّ جميل مصاب بالتوحّد، أستطيع أن أجزم أن الممثل الهندي شاروخان خان، هو أفضل من أدّى شخصية مريض "التوحّد" في الأفلام التي تناولت المتوحدين. تلك الكائنات الشفافة النقية التي نجحت في التخلص من كل "ترهلات" النفس البشرية، التي نكتسبها مع الوقت لكي نساير غيرنا من البشر. المتوحدُ إنسانٌ انتزع من معجمه كثيرًا من السخافات التي نفعلها طوال الوقت، نحن الأسوياء، ونسميها: "ذكاء اجتماعي"! المبالغة، المجاملة، الإفراط في إظهار المشاعر، تمييز الناس طبقيًّا، وهلم جرّا. تلك السلوكات هي الصورةُ المصغرةُ لنواقصَ رديئة، حين تخرج عن معدلها المقبول، لتدخل في مستواها غير المقبول. فتغدو المبالغةُ كذبًا، والمجاملةُ رياءً، ويغدو فائض المشاعر نفاقًا ومداهنة، والتمييز بين الناس يصبح ظلمًا وربما عنصرية. المتوحدون نجحوا في تنقية أنفسهم من كل ذلك، حتى في المستوى المقبول. لذلك يندرج المتوحدون في خانة "الأغبياء اجتماعيًّا". لدرجة أنهم لا يفهمون المجاز والرمز. فإن قلت لمتوحد: "أنا بموت فيك، أو خد عيوني..." سينظر لك بازدراء بوصفك كاذبًا. ذاك أنك لن تموت من أجله، ولن تعطيه عينيك!
يقول رضوان خان، في فيلم "اسمي خان": لا أفهم لماذا يكذب الناس! يقول لك شخصٌ: ’تعال إلى بيتي أي وقت، البيت بيتك.‘ وحين تزوره في أي وقت، ينزعج! الناس يقولون ما لا يعنون!" هنا أزمة المتوحد. إنه يصدق الكلامَ بحَرفيته، ولا يعترف بالمجاز أو المبالغة أو المجاملة. يضعها في خانة "الكذب"، ولأنه صادق، مستحيل أن يقول ما لا يعني، فلا يجامل ولا يبالغ، ولا يظلم. هم كائنات تنتهج المثالية حتى حدّها المَرَضي، لذا يعتبرهم علمُ النفس مرضى. تلك محنة بطلنا خان. يُصَدِّق كلَّ ما يسمع، لأنه يَصْدُق في كلِّ ما يقول. حين انهارت زوجته وطردته من البيت، لأن اسمه "المسلم" تسبب في مقتل صغيرها "سام"، سألها ببراءة: متى أعود؟ فصرخت فيه: "لا تعد قبل أن تقابل الرئيس الأمريكي وتخبره أنك لست إرهابيًّا!" بوسعنا، "نحن الأسوياء"، أن نفهم ما بالعبارة من مجاز وتهكّم. ولكن "خان"، المتوحد الصادق، اعتبر عبارتها شرطًا لكي يعود إليها. فظل يدور وراء الرئيس جورج بوش، من ولاية إلى ولاية ليقابله، فيعُتقل ويُعذّب، ثم يُطلق سراحه ليستأنف رحلته الشاقة، رحلة الحب الأوديسيوسية. حتى حل عهد الرئيس باراك أوباما، وبطلنا مستمرٌ في رحلته العسرة. وحتى حين رقّ قلب زوجته مانديرا وأعفته من البر بالوعد "العبثي"، أخبرها أن المسلم يفي بوعده، ورفض العودة إليها قبل تحقيق مطلبها." وبالفعل التقى الرئيس وقال له أمام ملايين الناس جملته الخالدة: "اسمي خان، ولستُ إرهابيًّا." ولم ينس أن ينقل له تحية شرطي المخابرات، الذي طلب منه، ساخرًا، أن ينقل للرئيس تحيته حين يلتقيه!
حينما اكتشفتُ إصابة ابني عمر بالتوحد، أصابني الهلع، وفكرتُ في الانتحار، وعشت سبع سنوات أقرأ في التوحد حتى ملأني اليأس من شفائه. على أنني بعد ذلك، عدّلتُ من وضع المنظار فوق عيني، فاكتشفتُ، فجأة، أن ابني مصابٌ بالجمال، إن كان ثمة مرض اسمه الجمال! هل أبدع وأرقى من كائن عادل، صادق، متقشف في الحديث، غير مجامل، إلى أقصى الحدود؟ وبدأت "أُربّي" نفسي من جديد حسب منهج صغيري "عمر". حرّمت على نفسي المجاملة والمبالغة وتعلمت التقشف في القول. حاولت، وأحاول، أن أرتدي رداء ذلك المرض النبيل. مرض التوحد أو مرض الجمال. أنصح القراء جميعا بمشاهدة الفيلم، ثم يجتهدون أن يصابوا بهذا المرض بإرادتهم. فإن كان هذا مرضًا، فإنني أرجو أن نصاب، نحن العرب، ببعض هذا المرض، لنتخلص من بعض آفاتنا، التي جعلت العالم ينعتنا بأننا محض "ظاهرة صوتية"، تجيد الكلام والمبالغة ولا تجيد الفعل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في صالون الرئيس مبارك
- ولاد العمّ- دراما تنتصر لكل ما هو إسرائيلي، ضد كل ما هو مصري ...
- تخليص الشباب، في تلخيص الكتاب
- رغم إن اللصَّ مازال طليقًا! شكرًا وزارة الداخلية
- آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا
- سأختارُ دينَ الحرامي
- سوزان مبارك، والبرادعي
- صور آل البرادعي على فيس-بوك
- فليحاسبْني القانونُ على ذلك!
- شكرًا للصّ زهرة الخُشخاش
- الرحابُ فى جفاف
- مسرحية -قطط الشارع-
- مجدي أحمد علي مُخرج اللقطات الملهمة
- عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا
- البنت المصرية سعاد حسني
- مسرحية -أوديب وشفيقة-
- مسرحية -العميان--أشعرُ بالقمر فوق يدي
- جبل راشمور في الشيخ زايد
- متشوّقون للجمال
- عقيدتُك ليست تعنيني


المزيد.....




- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال