أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - المريض الشيوعي- الفصل الخامس من رواية جديدة















المزيد.....



المريض الشيوعي- الفصل الخامس من رواية جديدة


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 955 - 2004 / 9 / 13 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


ماريـّا و يوسف العراقي..
المريض الشيوعي
جاسم المطير
( الفصل الخامس من رواية جديدة )

(5)
وجدتْ يوسف العراقي في أعماق نفسها كأنه يلبس طاقية إخفاء من جور الظالمين ليهرب منهم إلى أي دهر وإلى أي مكان منذ أول يوم حتى اليوم وهو يحرم على نفسه العودة إلى الماضي أو التمعن فيه أو في الأسباب التي جعلته ينتقل من شواطئ جنة عدن الزائفة في مدينة القرنة ودليلها الزائف المعتمد على تبرع بعض الكتبة بإذاعة أمر غيبي عن وجود بقايا جافة لشجرة آدم .. يتصدع رأسه حتى من مراسيم الحديث عن تاريخ علاقته مع حزبه أو تاريخ حزبه بسياسة وطنه فاصدر أمرا ملكيا : خير لك يا يوسف العراقي أن تنسى الماضي و أن تضع مصائبه وأحزانه في ملفات المؤرخين كي لا تشرب روحك من سم فواجعها..
- أمـّــلت نفسك بالماضي لكن الخيبة اعترتك .. أنقذ نفسك من قبضة الماضي وافدها برجاء الحديث عن المستقبل..
- الآباء ارتكبوا خطاياهم لا تتركوا الأحفاد يخطئون.
يحدث نفسه أمام ماريـّا ومعها من دون أن تخرج الكلمات من فمه كأنه ولد بالأمس القريب أو كأنه طفل لم يتقن كلاما بعد ، لكنه سرعان ما يدرك حقيقة انه صار من صنف الخرسان غارقا في حمأة المعاناة .. كلـّت عيناه من النظر إلى عيني ماريـّا كما لو غمرته مياه يردد من وسط أمواجها نداءه : أنقذوني ..
لم يتعلم السكوت طيلة عمره .لم يترك الخلايا تحيد عن طريقها فقد كان يصرخ بوجه كل خطأ أو خاطئ .أما اليوم فان الخجل من الخرس يقتله ألف مرة باليوم وهو يسأل نفسه : هل اقعد هنا كي أفنى .. هل أبقى حملا على ماريـّا أم أظل ألغو عن فرائض اسمها العودة إلى الوطن ..

جاء إلى مدينة هورن حسب رغبة الأطباء حيث يعيش الناس فيها من دون قيود الطاعة لخصيان حكوميين كما هو حاله عندما كان في بلاده المشتعلة غضبا من كثرة الخصيان المتحكمين بالزمان والشرائع والقوانين . جدّ الوعد فوجد نفسه في بلدٍ شرائعه مرتبة لكل الحالات له ولأمثاله من الأجانب الذين خيبت بلدانهم جميع آمالهم بما فيها آمال الشفاء من الأمراض .
تضطرب في بلاده ، الآن ، قواعد إعراب كلمة الحرية ومعناها ولفظ نغمها وممارستها ..
كلمات كثيرة أضحت مجنونة في شوارع بغداد
جماهير هائجة في مظاهرات
كثير من الناس يفرجون عن كربتهم بالسؤال :
الحرية في بغداد ... فلماذا انتم معلقون بالفضاء كأنكم بلا هدف ..؟
جاءت الحرية إليها أم ذهبت أم نقلت .. سؤال ليس بالأمر المهم جوابه. المهم أن الحرية توفر القدرة على أن يلتقي كل إنسان بوليفه من دون أن يعلو عناقهما سيف مشبع بالدم كما كان الحال حين كانت ارض الرافدين مكسوة بطحالب الحزب الواحد يشيعون الموت والخوف ويستبدون بأفكارهم في الليل والنهار مستهزئين بكل نور .
صوت عظيم يسمعه يوسف العراقي في الراديو أو على شاشة التلفزيون من فم وزير أو مدير أو قائد مجموعة أو قائد حزب ممن لا يجيد نطق ما يقول وهو بالتأكيد لا يفقه له معنى كأمه لا تعرف من دنياها شيئا غير لون الفحم الأسود ..
كلمات تأتيه من جماعته من الوديان والجبال والصحارى من وسط قتلى ومجروحين يزداد عددهم مع كل صوت من وسط النار المشتعلة أو المنفجرة بين حشد من الناس في شارع أو بناية أو مدرسة أو وسط ألوف من الناس من محبي قبر الشهيد الحسين ابن أبى طالب.
أين الله .. ؟ لماذا يبرأ من يرتكب جريمة باسمه ..؟
لماذا يسمح لهم أن يخمدوا نور الصباح الطالع لتوه فوق البيوت الطينية في مدن الزبير وسوق الشيوخ وفوق البيوت الطينية في كردلان والتنومة وخمسة ميل..
تصدر عنه لعنات كثيرة على الماضي أمام ماريـّا وهي ترهف السمع إلى كل كلمة يقولها عن ماضيه ، لكن إصغاءها لا يحي في نفسها أي شيء فتظل قبلته ساهمة تتناول الواين الأحمر مع لبن جاف جلبه صديق كردي .
تنظر إليه بشفقة أحيانا وهي تدرك أن كل الأبواب موصدة بوجهه حتى انه لا يستطيع فتح باب مخدعه لتشاركه فراشه. يا للعقاب .. يا لبؤس الناس يعاقبهم حكامهم على أثم لم يرتكبوه . يوغل في غضبه على نفسه كلما سبح بشأن من شؤون الماضي . لم ينزع كلمة الحق من رأسه عن ثورة تموز عام 1958 ليبقي رجاؤه الوحيد أن يحفظ شريعة الشيوعية إلى الدهر والحركة الزمان والابد . كل من يولد يجد أمامه العقل أو الشجاعة إلا الحكام لا تجدهم شعوبهم غير انهم من أول دعاة خلط الحديد بالفضة.. يضعون عقولهم كليا محرقة لنيل الأمجاد الشخصية حتى بوسائل الحروب وجز رؤوس البشر . غالبها أمجاد زائفة فيها الكثير من الضيق والإهانة والكرب حتى على صانعيها .. أي درس يعرضه على نفسه وهو في أعلى السلم الإلكتروني الصاعد به إلى الموت وهو الأكثر تعاسة فهو لا يستطيع الكلام ولا الحركة وهما اصل الحياة في كل مدينة فاسدة كانت دساتيرها أم غير فاسدة . الدرس الذي يأخذه الآن هو الظلم الذي عاشه الفرد في مدينة سموها اشتراكية في العراق وسوريا والجزائر واليمن وفي روسيا ومصروطشقند وباكو أيضا . هناك عدد لا يحصى من الادعاءات تطرى من الصحف والإذاعات عن خلاص الناس في مدينة موصوفة بالفضيلة كما لو كانت أعمدتها من فضة تقف عليها خمائل أطياب من كل صنف ولون، بينما لم يستطع كثير من شعوبها أن يتذوق تينا من شجرة الحرية ولا ماء من بئر الديمقراطية بل يعانون حرمانا قاتلا من الخبز والزبدة وكبسولات الدواء . هنا في مدينة هورن يندهش يوسف العراقي وهو يرى الحرية تسبق الطغيان بعد أن حفر الناس فيها آبارا كثيرة ليشربوا ماء الحرية بعد أن جففوا خلجان الطغيان .. من تجربة حياته تأكد أن أسوا أشكال الفساد هو الطغيان وليس هناك شيء اجمل من الحرية حيث كلام صريح يجري بين إنسان وإنسان بين رجل سياسة وخصمه بين حاكم ومحكوم حتى بين حبيب وحبيبته . ماريـّا سمحوا لها يوم أمس بكلام وفق أهوائها لعتاب مدير المستشفى عن طريقة معالجة يوسف العراقي ..
- إنكم بيروقراطيون يا أطباء هولندا لماذا لا تستطيعون تحقيق المساواة بين يوسف العراقي وغيره بمنحه القدرة على المشي والكلام.
بعض الأحيان تجد نفسها غاطسة في حالة غضب عندما تقف أمام منصة أطباء المستشفى حين يزاول أحدهم نظاما يائسا بشأن حياة يوسف العراقي .
في ثنايا حياته بمدينة الزبير قصة حب انتهى بزواج متروك في إحدى ضواحي مدن العراق الصغيرة البعيدة في صحراء الجنوب ضاعت فيها المعارف الوصفية والتفسيرية والتبصيرية لدولة تفرض كتلة إنسان واحد مهدوا له السبيل ليكون العلي المقيم إلى الأبد على عرش نبوخذنصر .. خاصم الإنسانية إلى الأبد وأباد روح الإنسانية في أعماق المجتمع. جعل الربيع حزينا والشتاء مالحا .. عاش الإنسان في صندوق صغير متكلس .. في ظهره مرسومة خطوط من آثار السياط .. اصبح اسم صدام حسين مسلطا على كل قرية ومدينة ومدرسة وجسر ومستشفى ومطبخ وثلاجة .. أوغل في جشعه وغضبه وعصيان كلام الله ورسله . لا يسعى لهدف غير بقائه في مجابهة كاملة مع شعب بلده كأنه مستأجر في مآب قصره .. يصنع لنفسه الزينة الأبدية كأجمل من القمر والنجوم . لا ترضيهم في مقامه الرئاسي الجميل غير استخدام قوة الجو والبر والأسطول مع دولة بعد يمين الحدود ومع دولة أخرى على يسارها ولا يرغب في شيء غير الانطلاق نحو مستقبل لا يعرف أحد ماذا يريد وماذا سيفعل حتى علماء اليونسكو وخبراء ماركسيين في لندن اعترفوا أن الوجود الواقعي الحديث في بلاد المشرع حمورابي يجد نفسه قاتما أمام بولوتوجيا جديدة يعزونها لظاهرة نظام تحويل العقل البشري لسكان وادي الرافدين إلى ميزة قادرة على قلب حقيقة مرة جعلت الحاكم الفرد وحده مالكا لعلوم الإنسان القائمة خلف الدولة و أمامها يقول للناس أجمعين في رسالة طال أمدها 35 عاما : يا أهالي دجلة والفرات السلام عليكم أما بعد فقد أصدرت أمري إليكم أن تطيعوني فأنا قائد الثورة عليكم أنا المقتدر بالله المتسلط في كل بقاع ما بين النهرين عليكم أن تؤدوا لدولتي جزية وخراجا وان تكونوا وقودا لحروبي من يتردد او يتراخى في تنفيذ أوامري سيلحقه أذى هو وأولاده وإخوانه وأعمامه وأخواله وأبناءهم سنأخذ منه آنيته الفضية والذهبية وجميع أثاث بيته ويأتيه الموت على أيدينا .. أما من يضطجع في قيلولة الغربة فنحاول أن نطعنه في مخدع نومه نقتله أو نقطع رأسه أو نتركه معذبا طوال الليل على سريره في بلدان الله ما وراء البحار . أننا بهذا نفتتح عهدا جديدا للملايين من العراقيين كي يكون استقبالهم لنا صباح مساء بأمر يسرنا ويسر العرب أجمعين .
- وطأت قسوة يديه على عنق المعارض العراقي مهدي الحكيم أثناء زيارته في السودان.
قالت ماريـّا التي كانت قد ملأت قلبها بكثير من أسماء المقتولين في غربتهم سمعت عنهم من يوسف العراقي أو غيره. ..
- صار طالب السهيل ضحية أثمهم أثناء إقامته لاجئا سياسيا في بيروت.
كأنها تسمع صوت يوسف العراقي يعيد عليها ما قاله لها قبل سنين .
- صنع بيديه عربات الكارثة وفئرانها تجرها بمختلف الأنحاء تخرب ارض الرافدين كلها .
تعبت ماريـّا كثيرا من اجل أن لا يموت صاحبها المريض الشيوعي غدرا في غربته مثل الحكيم والسهيل داعية نبتون اله البحر لحراسة شاطئ هذا البيت الصغير ليبقى آمنا .
في عينيه تشاهد ماريـّا هذه الأيام واجهة رومانتيكية تدور وتدور لتواجه الشيء المطلق المبهم في قسمات وجهها حالما تقف أمام المرآة . من غير بطء تكتشف أن هذا الإنسان المقعد يتحرك ليقلب أوراق حياتها ورقة بعد أخرى لا يتلكأ أن يغدو واحداً مما تعنيه فلسفتها. هل يعني زوال تيار التاريخ السابق في بلاده أن نبوءتها المجازفة عن بقاء المريض يوسف العراقي مع مجموعة عناصر جديدة وقديمة ممن يريدون أن يرسموا بولوتوجيا عراقية جديدة فيها تزاوج بين الألوان والخطوط الممتدة من الزبير حتى شقلاوة ..
لم يعد يشعر كما في السابق . أنه الآن يجهد أن يكون متحررا من كرسيه . يريد أن يكون متحركا .. يريد الانتقال من قلعة هولندا الآمنة إلى مدينة الزبير حيث برق زيوس يصنع فيها الكمأ فوق آبار النفط البركانية الغزيرة . صار يضيق بهذا المكان رغم أنه يحبه لوجود ماريـّا فيه . يبدو الآن كثير الحركة يحاول أن ينفض قدميه من على اسفل الكرسي كأنما يدفع الجدران لكنه لا يملك غير إطلاق الآهات من أعماقه تسمعها ماريـّا عن بعد ومن قرب .
صارت ماريـّا تحس أن آهاته تخرج من صدرها . تشعر بسعادة أنها كافحت الموت كي تلفحه حرارة التغيير في وطنه .. ينكمش و يتأوه لكن تتلبسه حرية جديدة كأنما يصرخ بوجه ماريـّا :
- أشرقت الشمس في القلوب الدامية و سار وطني في درب الحرية الصعب .
نظرت إلى وجهه بإمعان وقد تدفق شلال سعادة كبرى من عينيها فقد رأته أول مرة ينبض بكلام الحرية لا يسمعه أحد في هذا العالم غيرها .
- أسرع .. أسرع .. أسرع يا وطني .. تجاوز ظلال الزمان القاتم .
- بعضهم يا يوسف يسرع ليحول وطنك إلى جحيم .
- اعرف ذلك يا ماريـّا اعرف انهم يمارسون بقايا قانون القمع والقتل وحريق الشوارع وتفجير أنابيب النفط .. يمارسون قانون إرهاب الناس في بيوتهم .. تعلموا ذلك من تجربة سيدهم نفسه حين ملأ البلاد كلها من أقصاها إلى أقصاها بالرعب والخوف والاضطراب حين اخضع أمن الناس وحياتهم خضوعا تاما لإرادة شخص واحد موهوم سموه أبو طبر ..
- هل تعتقد أن هذا القانون سيتوقف..؟
- سيكون وقفه سهلا إذا كانت كلمات الحكام الجدد لا تتبجح بل تغني . لكل قانون عمر محدد.
- الذين يكتبون التاريخ كانوا دائما على صواب فالهواء والحرية باقيان بينما القادة الحكام يتجاهلون هذه الحقيقة معتمدين فقط على شعار وشرطة وسجون فيكون مكانهم النهائي في الزرائب مخذولون مقملون كمصير صدام حسين المشعوذ بكل أنواع الوصفات..
- من يدري يا يوسف ماذا سيفعل ذئاب واشنطن الجائعون ربما يستنزفون ثروات وطنك باسم الديمقراطية..؟ الأمريكان صنعوا انسكلوبيديا كبرى في استنزاف ثروات الشعوب ..
- اعرف ذلك يا عزيزتي.. اعرف أن الديمقراطية هي التي حكمت على سقراط بالموت .. اعرف أن المصائب لن تتوقف قبل أن يحكم البلاد عِرق من الفلاسفة الأنقياء.. علي أن أقول لكِ يا ماريـّا أن نضال الناس العراقيين سيستمر على أرضهم يجددون كل شيء في ميقاته فهم يعرفون أن شجرة النخيل على شواطئ البصرة سابقة على حبات التمر البرحي اللذيذ الطعم . المهم أن يكون شعبنا مثل شعبكم الحر قادرا على أن يفعل كل ما يريد أن يفعل .
- حرية شعبكم قضيتكم .. حقا أنها قضية كبرى..
ارتعش قليلا فقد أراد أن يقول أن الحرية مثل الحب قضية كبرى أيضا يا ماريـّا .. لولا نياط المرض في أعماقي فان كلماتي تشق صراطا نحوكِ نحو قلبكِ لتجعل جسدينا يتعانقان بحرية. نعم يا ماريـّا أنا أشتاق لعناقك وتقبيلك ِ.. أنا أتكبد مشقتي في الحب والحرية يا ماريـّا .. ماذا يمكن أن اصنع لكِ .. ماذا يمكن أن اصنع لنفسي بعد أن غدوت طاعنا في السن يطعنني مرضي من كل جانب كأن فرقاً من قاذفي المجانيق ترسل عذابها لكل بقعة من جسدي..
هذا الليل داج يا ماريـّا فأي دجى آخر يغمرني إذا لم تكوني معي . ليس لي غير مناشدة المنية : يا منيتي تعالي سريعاً .
انتصبت ماريـّا في خوف تمازجه سعادة . ارتجفت بأمنية أن تتعلق بصدره كي تغازله بحنان يفوق حنانها حين تنفرد بجسده داخل الحمّام أو حين تسقيه أدويته عشرة مرات باليوم الواحد .
صمت قاتل .. كأنه ينصت إلى وقع حوافر خيول وامتد يكمل ما قاله :
- نعم قضيتنا الكبرى هي الحرية .. هي عدالة حقنا في بناء مجتمع مدني.
تأملت امتداد صوته المجروح كما لو كان زقزقة عصفور جريح ..
كانت تشعر أن حركة عينيه تحمل امتنانا لها وحبا دافقا . مزيج من فرح الحرية وتنبؤات المستقبل واستمتاعه بما يشاهده الآن على شاشة التلفزيون .
- أتمنى أن أكون في الزبير انتظر لحظة ذهابي بلهفة كبيرة
ابتسمت.. وقد تراءى لها انه يبتسم كأنما يسألها:
- هل تأتين معي يا ماريـّا.. أنت وحدك مخلصي من عذابات الغربةفي وطني الجديد ايضا ؟
-إن كان هذا يسرك فسأفعل.‏
- نعم يا ماريـّا يسرني فلا يغدو وجودي في بلدي بقيمة من دونك.. من يريني خيرا غيرك قبل أن أنام نومة الموت كمنشد ضرير يقوده نور ماريـّا صادقة القلب..
لم تسال نفسها إلى متى ستظل راعية لهمومه .. ابتهجت من قوله وتوافر سلام بارد في جسدها و ازدهرت في عينيها صورته وكادت أن تقول له:
- احبك يا يوسف.
لكن عينيها عتمت بسواد من الحزن واصبح خداها بحمرة أرجوانية و أرادت أن تقول:
- من يدري يا يوسف ربما تصبح حياتي كلها فارغة حين تغادرني ..
غير أنها وجدت أن هاته الكلمات لا تقال لرجل يحيا في مراع مجزوزة لكن زمجر صوتها بالقول المؤكد :
- سأكون معك يا يوسف.. سأمضي معك إلى بلدك دون خوف.
- عسى أن لا أموت غداً كما يقول الأطباء .. عسى أن يمهلني الموت إلى ما بعد غد .. إنها معجزة حقا أن يسمح لي ملك الموت بوضعي غدا على رمال صحراء الزبير الحارة ولينفخ بوق موتي بعد غد ..
- لا تكن يائسا !‏
انسلت دمعة من عينيه جعلته يبدو هادئا في عينيها .
تراءى له أن شعب الله في ارض البصرة والزبير لن يتغاضى عن ذنبه ولن يغفر له استمرار بقائه في هولندا ..هل سيكون من الضالين إن بقي متعلقا بتوابع هذا الكرسي وبغوث الأطباء وبقلب ماريـّا الطيب .. هل يطيع جميع فرائض واحكام أطباء هولنديين يمنعون سفره أو حركة انتقاله من الكرسي إلى المدى البعيد في السماء وفوق البحار يرمي نفسه عند قبري والديه يشع نورا عليهما فيظن الناس و يظن أصحابه من أصدقاء طفولته ومن أعضاء خلايا قدماء وجدد انهم يرون الساقط من السماء هو يوسف العراقي حتى ولو اختفى جسمه في الحال تحت التراب الصحراوي الأحمر ووصيته أن تبقى ملابسه ومعطفه وأوراقه في عهدة ماريـّا الهولندية .هل يطيع عادات الهولنديين أم يرث وعدا قطعه على نفسه بالعودة إلى دياره حالما يهبها الله حريتها ..؟
- اليوم حلت مواسمي وأعيادي في بلاد النهرين وليس لي مكان في محافلها فهل هذا حق ..؟ هل من العدل أن يمنعني هذا الكرسي من دخول ارض وهبتني حياة ..؟
مريض هامد على كرسي لا يتوهم أنه يتعافى بعد أن اتقدت العافية في ارض بلده واستبدت بداخله مقاومة لروحه الوثابة الجاثمة في بدن مشلول لا يشعر في أعماقه بغير وجيب قلبه يحاول تحطيم أغلال شلل الأعصاب وصرخة عضلات جسده المشبوبة :
- يا إله الحب خذني إلى وطني ..
يأمل أن يبقى حيّاً ليوم غد وما بعده يتحسس لمسات الحنين إلى وطنه من بين يدي ماريـّا أبنت وطن آخر ما وجد فيه غير بحيرات كبيرة من أمل كبير خلصه نظامها رويدا رويدا طيلة عشر من سنوات مـُرّة أبعدت عنه عتمة تراب القبر ومنحته طيف امرأة جميلة أذابت عنه آلافا من غمامات الفجر المرعبة في كل يوم وفي كل فجر وهو يرى خفاقات ابتساماتها في شفتين عذبتين يشتهيهما في كل ليل وبكل فجر فليس المرض شقاءً لا يهون دونه الموت أو الحب أو نور الشمس في صحراء البصرة وصبارها ذي الفروع الشوكية الصغيرة .
- لا تقلق يا يوسف. فالطب والطبيب قادران على تحريرك من سلطان المرض ..
- - أعرف ذلك.. أعرف .. إلى أجل قصير حسب..
- - من يعلم ..أنتم المسلمون تكررون القول دائماً أن الأعمار بيد الله وان الله يسيّر الأمور .
- - الحق النهائي هو الموت يا ماريـّا ..
المتعلقون بخيراتهم يموتون
الملوك ورياشهم يموتون
المنتبذون يموتون
المسلمون والمسيحيون والشيوعيون واليهوديون والبوذيون يموتون
المؤمنون بالله وغير المؤمنين يموتون
الخارجون إلى العالم الرحب يموتون
الخارجون الى سبل الحياة القاسية يموتون
الزاهدون يموتون
الراقصون يموتون
الشعراء يموتون
كلنا نموت كي نستدعي أبناءنا الى الحياة بحركة إنسانية مترابطة
الحركة وحدها لا تموت
في كل ذلك حق وعدل يا ماريـّا .
كان النسيم يهب من شباك الحديقة وكانت ماريـّا تنظر الى وجهه الذي تكبر فيه حبات العرق وهي تبتسم بأسى .
ثم أضاف بصوت خفيض :
- ليس حقا ولا عدلا أن أعيش بلا وطن أو أموت بلا وطن .. ليس حقا ولا عدلا موتي قبل أن أرى وطني حرا أو يراني معافى ..لا فائدة من هبات طبية آنية لا تمنع الموت الآتي بالحق والحتم بل تجعله يتوارى إلى حين ليس طويلاً وأظل أعاني بهمس ملهوف من توجعي و أحاسيسي ان لا علاج لهما ولا تسكين. العلاج في مثل حالتي سور نصطدم به، معاً، و باستمرار. سأموت غداً يا ماريـّا .
- - العلاج ليس خطيئة بل اقتحام لا فكاك من القيام به لكل أسوار المرض بأي نوع كان.أقول لك أن أحدهم من الهولنديين أصيب بجرح بالغ أثناء حرب البوير وقيل له ستموت بعد خمسين يوما لكنهم كانوا على خطأ إذ عاش بعد ذلك أكثر من خمسين عاماً.
- - في بلدي حرب خفية نشأت بعد حرب معلنة وهي تحتاج إلى علاج أيضا لا يقل عن خمسين عاما يكون فيه الناس والهور والجبل بحاجة إلى معجزات كبرى للخلاص من رعب امتد عميقا في قلوب الأجيال المتراكمة بالألم .
- - طريقتك في التفكير متشائمة يا يوسف فعقل التكنوقراطيين سيغيـّر بلادكم وتاريخها وجغرافيتها بسرعة كما أظن .
- - التكنوقراطيون مثل الأطباء يا ماريـّا قساة قلوبهم يضيعون في التقارير والصور والأرقام .. بلادنا يا ماريـّا جسم يثير شهية الوحوش وغير الوحوش ستدفع كفارة كبيرة قبل ان تستيقظ من فزعها .. حتى عودة طيور الخضيري إلى هور الحمار تتودد لعودة المياه والناس إليه.. تتودد إلى غناء الموال الجميل بعد ان ساد القبح العجيب لزمن طويل في الأرض والمياه والسماء .
طيلة السنوات الماضية تعلمت ماريـّا ان تسمع صوت يوسف العراقي من قلبه وليس من فمه. انتصرت على الخوف والعبودية والألم والقلق لكن يوسف العراقي ظل قاعدا على كرسي حديدي لا يمنح اكتشافا لاختيارات مستقبله .
- - سمعت أن إرهابيين عجيبين اخترقوا ظلام الحدود ليلقوا رعبا جديدا بين الناس ..
- - لهيب الناريهدد كل بيت.. الأشباح يتحركون من السهول والجبال بين النخيل والخمائل والأشجار كي يجعلوا حياة الناس اصعب تكيفا مع الحرية .
عادت إلى جلستها على كرسيها في غرفة الطعام ، مكانها المحبب، تصغي إلى حروف كتاب بيدها وإلى همس كأس الواين الأحمر المفضل لديها، محدّثاً إياها عن زمن آت لا مرض فيه. هل يأتي..!

بينما أغمض يوسف العراقي عينيه في عتمة حياته محدقا للحظات ، قبل أن يغفو، في بهجة ما تفعله ماريـّا وهي تضع غطاءه على جسده الخاضع لمفعول حبة منوم صغيرة بيضاء .
لم يظن يوسف العراقي في أول مراحل تعرفه إليها أن امرأة كماريـّا يمكن أن تكون موضوعاً يجادل نفسه بشأنها. فهي ليست أم له ولا زوجة ولا أخت ولا حبيبة فما الذي يدفعها أذن نحو تحملها كل هذه الصفات مرة واحدة صابرة معه ومع عبء العناية الشاملة ..! إنها امرأة من بلد يحسب الناس فيه حركة الدقائق والساعات في نهاره بالمال وصولاً إلى آنيته النهائية في آخر كل يوم محققين علواً في الرصيد المصرفي كحلم متأصل في حرية المجتمع . فمن أي النساء ماريـّا ..؟
صار كل شيء يختلط في عينيه قبل نومه: الزمن والمرأة والشوق وملامح ماريـّا المنحوتة من عصر بابل.
- وبغداد .. آه يا بغداد ..
بينه وبين المرض توتر مستمر منذ فترة طويلة كما هو التوتر بينه وبغداد . لا يمكن أن يتحداه بالموت ولا يمكن أن ينفصل عنه بالشفاء. يعتقد أن انتقاله للعيش مريضاً ومقعداً في هولندا إنما هو مظهر من مظاهر الاعتراف بانتصار أفكار الرأسمالية على عقيدته الاشتراكية التي لم تنفصل عن ذاته ولا عن أفعاله ، ففي الماضي أفنى نفسه لترويج تلك العقيدة التي خشي على فنائها من دون الاندماج في الحياة الاجتماعية التي كان يحلم بتحققها في بلده، بينما أقتطع مرضه الآن من بدنه الجزء المتحرك القادر على جعله فاعلاً في المجتمع.
- ما قيمتي الآن. ما قيمة حياتي من دون وظيفة وأعمال وواجبات وتضحيات . ما قيمتي إذا لم أكن في وسط الآخرين.
من تجربتها في رعاية المرضى ومنهم يوسف العراقي ، تنصح ماريـّا نفسها مثلما تنصح آخرين باستحداث الخير واجتناب أي غصة أو عبرة تخنقه، والإبحار دائماً من عتمة الآلام إلى نور العافية في جسد مريضها الراقد بعينين فاترتين على سرير العجز والانتظار وهو لم يعد بمقدوره أن يفهم ما تنتج عنه أيام وجوده في مكان لا يرى فيه غير ماريـّا التي ما أن تغيب لبعض الوقت ليلاً أو نهاراً حتى تحتدم في داخله رغبة تحطيم أجهزته الطبية التي تمده بالحياة. يظنها قيوداً في العبودية يجب أن لا تستمر في عالمه.
ما أن يغفو حتى تحس ماريـّا أنها صنعت ذرات العافية لإنسان دفعته المصادفة المحض إلى أن تكون ممرضته في مستشفى أوجدت له نبتة من أمل كبير بالحياة بعد يأس صارم منها حين أرعد في داخله صوت معالجين سابقين من أطباء سوريين وغيرهم ممن قالوا له: يا يوسف أنّا لك لناصحين وعلى مضض نقول لك أن موعد نهاية حياتك قريب لا يتجاوز الأيام أو أكثر من ذلك بقليل . والله خير العالمين.
ما بالهم يترددون ويحذرون من إيقاظ عزيمتي لتقبل موعد الموت فأنا ما ضيعتُ حقي في هذا العالم مذ نقمتي بوعيي المبكر، على الظلم والظالمين. ليس عندي الآن غير القول:
- - متى أرحل عن هذه الدنيا فأني بها أطلت المقام. لا أريد لسقمي بعد الآن أن يكون عبئاً على ماريّا ولا على آخرين.
يخبو عنده بين فترات النوم واليقظة أي أمل ، ويبقى أمله الوحيد ماريـّا فترد يأسه عن نفسه بالقول:
- - ما رسخ في حناياي عبء منك يا يوسف. أنه توق بأعماقي أن أنتصر على مرض الآخرين. أنه توق غامض نما في أعماقي منذ طفولتي أو قل أنه عشق متوهج لتحقيق أملي في إيقاف أنين أنسان مريض . إن توقي شبيه لتوقك يا يوسف إذ حلمت بانتصارك على ظلم أجتاح بلدك.
هل هو محظوظ بنصح أصدقائه أن يأتي إلى هولندا ليطلب اللجوء السياسي وليبحث في وسائل يؤمل أن تمنحه مزيدا من القوة والحياة معاً.. وهذا بالذات ما يندبه...

لم ير في وطنه نبتة حياة حرة ولا بر أمان حقيقي فالجماعات الحاكمة فيه ، بمختلف العقود، لم تتراجع عن غيّها كي يتمكن يوسف العراقي من تحقيق أولى مآربه الإنسانية في العيش المحبب مع عائلته في أرضه ووطنه. لم يتركوا له لا فرصة العيش فيهما ولا حتى فرصة الموت. ففي تجاويف قلبه بكل حافاته المعتمة أمنية أن يموت في بلده سامعاً تمتمة وأدعية أهله يوارونه تراب مقبرة الزبير ليلبي طلبه في الهدوء الأبدي . هذه في نظره نعمة عصت على رتب أمنياته . حرموه من أن يكو ن جسمه وتراب وطنه شيئاً واحداً بعلاقة غير منقطعة عن الحياة .
- أنني أتجه بلا خوف ببصري إلى الموت .لأن الموت في مشهدي الحالي أرفع لي من حياتي.
قالت له ماريّا بثقة :
- - لا داعي للتعجيل بالموت . على الإنسان أن ينتظره حتى يأتي بوقته.
- - الانتظار من خطيئات الزمن أنه يستنفد كل طاقة وأنا لم أعد أطيق انتظار أي شيء. انتظرت في حياتي أشياء كثيرة لم تأتِ فخسرتُ كل شيء . من يضمن لي أن موتي سيأتيني بموعده ليريحني.. !
لاحظ أنه يلقي بنفسه في فلسفة هذه المرأة من دون تصميم. لم تكن نفسه تعلم أنه خارج من حياة لا معنى لها في بغداد ، ليتكرم جسده في أيادي ممرضات كالملائكة يعم خيرهن كالطوفان في مستشفى لا يخمد فيها مصباح الأمل، يلتقي يوسف العراقي فيها بماريا وكأنه خبير عليم ببواطن الناس فيميل إلى محادثة نفسه: ستكون هذه المرأة صفاء نفسي وعروة حياتي سأتجاوز بحبها كل الحاديات بما سلف وبعطفها ستنطّ الثريا من جديد تطبب روحي وليس بدني .
كان ينصت لصوت فيروز في جهاز السي دي تغني:
لمَ لا أحيا..
وفي قلبي وفي عقلي الحياة..
سوف أحيا.
كان أسياناً في تلك اللحظة ، فظنت إن الأغنية التي أنسجم بموسيقاها هي السبب.
كان أحدهم قد ترجم لها من قبل بعض أبيات قصيدة الأغنية. ثم قال :
- صرت مثل دون كيشوت لا أذعن لكلمات أغنية حتى ولا للعالم كله ولا للعلم ولا للمنطق ولا للفن . لو كان بإمكاني أن أثور على ذلك كله لما انتهيت إلى اليأس بعد أن عرفتُ عبث النضال من أجل حرية وطني. سوف أموت ولم يتذوق وطني حريته ولم تتحقق الاشتراكية لشعبي.
قاطعته ماريـّا وهي تبتسم بمودة وبأيمان :
- لكن دون كيشوت لم ييأس تماماً، فقد آمن أن الأمل يولد من اليأس.
نظر إلى وجهها بفرح غامر ولسان حاله يقول:
- - عاش دون كيشوت وحيداً مع سائسه المخلص سنتشو .. سأعيش معك يا ماريـّا بأمل جنوني ليس غير.
أمعن النظر إليها ثانية متطلعاً إلى كل جزء في بدنها وكأنه يقول:
- ترك دون كيشوت أشياء كثيرة للعالم بعد موته، فماذا سأترك أنا .. ما فائدة الأمل..
من المشاهدة الأولى قبل سنوات أطلق عليها وصفاً: امرأة ذات وجه بابلي توافقني في الطباع وتبسط سكوني وخواطري.
لم يكن أحد يتنبأ بأن هذه المرأة ستهبه حياة جديدة على حساب تضحيات تجيز لنفسها أن تقدمها ثمناً لمصادفة أو لقاء بدأ بحديث استفسرت فيه عن معنى الوجه البابلي الذي وصفها به.
فوجد نفسه ناصحاً نفسه:
- إذن أنتظر يا يوسف فأنك لن تخسر بالانتظار هذه المرة بوجود ماريـّا بجانبك..ألا تشعر أنها تكافح معك كحزب بكامله.. ألا تشعر أنها قوة عسكرية باسلة تحميك من كل مكروه في كل لحظة.
- إذن أنتظر يا يوسف.إذا مات الخير في وطني فأنه هنا على أحسن ما يرام.
حدّث نفسه بلحظة سكون كان يرمقها فيها بنظرات غير مسبوقة.
قال بجدية :
- - أجيز لنفسي حق القول بأن وجهكِ يوحي بوجه امرأة جميلة فيك كل علامات الوقار والاتزان. تتسم قسماتكِ بالوفاء والإخلاص .هذه صفات امرأة بابل يا ماريـّا البابلية..
امتدت ابتسامتها إلى أعماق روحه فقد أوجدت عبارته وثبة في أعماقها مست من قريب حرارة قلبها.
- هل أنت من بابل.؟.
- - أنا من البصرة في جنوب بابل.
- - أعني هل أنت من حضارة بابل... أم أنت من حضارة الشيوعية .
- - نعم يا سيدتي نحن من جيل يعرف أكثر من غيره ما كانت عليه تلك الحضارة... طين البابلية والشيوعية في بلدي واحد يا ماريا ..
- - أنا سمعت ببرج بابل ولا أعرف غير أسمه .هل كان معبداً يا ترى..؟
- - تقول الأسطورة يا سيدتي أن الإله نابو ينزل من السماء مرة كل عام ليزور الإله الكبير مردوخ في زقورة بابل. وهيرودتس يقول أن هناك غرفة مؤثثة بمائدة ذهبية وسرير واسع حيث تقف امرأة بابلية جميلة إلى جانب مردوخ. هذه المرأة وصفها هيرودتس بأوصاف تشبهك يا ماريـّا. هل سمعتِ بهيرودتس...؟
- - طبعاً أنا قرأتُ له وعنه لكنني لم أسمع بأوصافه عن البابلية ولا عن وجهها.
آثرت أن تختص بمزاجها الحاد لتوجد طقساً بارداً للمريض الذي لا يقدر أن يتحرك من كرسي جاء إليه من بلد بعيد . خاصته الوحيدة أن طقس بلاده سريع التقلب كما هو طــقس بلدها .
في هولندا ينقلب الطقس من رياح سريعة الحركة إلى هدوء تام ومن برد إلى برد أشد ، ومن مطر إلى ثلج . في بعض أيام الصيف والربيع تظهر الشمس ليزهو الشجر الجميل .
في بلــــده تتقلب فيه كل الطقوس من حر إلى حر أشد ومن مطر إلى جفاف ومن صيف إلى صيف آخر.
أما الإطالة في وصف تغير الطقس في وادي الرافدين فيأتي الحديث بالمقدمة عن متبدلات سياسية جعلت من يوسف العراقي سجيناً أمضى سنوات طويلة من عمره في سجن صحراوي تهب عليه يومياً رياح عاتية محملة بغبار أحمر طيلة النهار ليهجع بعدها بدو الصحراء الجنوبية في بلاد ما بين النهرين بعض ساعات الليل في خوف من شرور عاصفة تلقي بأحمالها الثقيلة على خيامهم أو في عيونهم فتنقضّ على صدورهم زفراتهم الحزينة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسامير693ستراتيجية السمفونية الأمنية ..!!
- مسامير صغيرة 691 جوائز السينما العراقية
- مسامير 692 سبتمبر لا حس ولا خبر
- مسامير صغيرة 690 عصر التيارات
- مسامير صغيرة 688 شركة أسواق مريدي المحدودة
- مسامير صغيرة 689عن النظرية الباسكالية
- مسامير صغيرة 687
- مسامير صغيرة صدّق ولا تصدّق ..!!
- مسامير صغيرة 684 هوسة يا ريمة
- الفصل الرابع من رواية المريض الشيوعي
- الرهائن والاختطاف
- مسامير صغيرة 683
- أتحاد الادباء العراقيين
- مسامير صغيرة
- مسامير صغيرة 680
- المريض الشيوعي / الفصل الثالث من رواية جديدة
- رواية جديدة
- ماريا ويوسف العراقي ...رواية
- مسامير صغيرة 675
- ماريّا و يوسف العراقي


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - المريض الشيوعي- الفصل الخامس من رواية جديدة