أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد حسين يونس - يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 3 )















المزيد.....

يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 3 )


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 3103 - 2010 / 8 / 23 - 08:39
المحور: المجتمع المدني
    



التعليم والتدريب
من الطبيعى ان تكون المقارنة بين مستوى خريجى الهندسة اليوم والخريج منذ نصف قرن، نوعا من العبث بعد أن إمتلك الاول مجموعة رائعة من برامج الكمبيوتر والاتصالات والانترنت التى تجعله بدقة واحدة على لوحة المفاتيح بالكمبيوتر، يحصل على خلاصة خبرة الجنس البشرى فى الموضوع الذى يدرسه.
ولكن للأسف فان لمصر قوانينها الخاصة الغير واردة التطبيق فى أى مكان آخر من العالم .
رغم ان الجامعات الثلاث التى كانت تؤهل طلاب البكالوريا لأن يصبحوا مهندسين ، تم إستنساخها لتصبح إثنى وعشرون كلية هندسة ( حكومية ) و ( خاصة ) كما ذكر فى كشوف مكتب التنسيق ، ورغم ان عدد طلاب الجامعات الثلاث كان يعد بالعشرات فأصبح الان يعد بالمئات والألوف ، إلا ان الزيادة الكمية هذه لم تعبر عن زيادة كيفية ، فالعجز النسبى لعدد أفراد هيئة التدريس ، جعل الفصل الدراسى ( السيكشن ) الذى كان يضم ما لا يزيد عن العشرين طالبا ، يضم الآن ما يزيد عن مائتى منهم ، عدم تطوير المناهج أبطل فاعلية برامج الكمبيوتر وعجائب شبكة الانترنت ، لتميل المقارنة النوعية لصالح من تأهلوا كمهندسين منذ نصف قرن .
طلاب الأمس الذين لم يحصلوا على مجاميع فى البكالوريا تزيد عن 100% ( كما هو الحال الآن ) كانت لديهم الرغبة والدافع وساعدتهم الظروف لأن يعلمهم من يعلمون، أما طالب اليوم صاحب الكمبيوتر والانترنت ، والذى اختار له مكتب التنسيق كليته ، فإن مدرسيه للأسف لا يعلمون ، وإذا عرفوا يبخلون ، وإن حركهم ذهب الدروس الخصوصية ، أعطوا صيغ محفوظة تساعد على إجتياز الاختبار فقط .
ولنبدأ القصة من أولها ، فى مصر كانت( ولازالت) الجامعات لا تؤهل خريجيها للعمل طبقا لاحتياجات السوق ، لذلك أصبحت السنين الأولى التالية للتخرج هى العامل الحاكم لتحديد ما سيصير اليه المهندس الشاب، كانت الاسرة الهندسية تعمل بطريقة المعلم والصبيان ، نفس أسلوب القرون الوسطى الذى كان سائدا بين الحرفيين ، فلكل طائفة شيخ ومعلمين وصبيان ، سواء كانوا نجارين او نقاشين أو فواخرية أو حانوتية "معلم " متمرس فى المهنة " وصبيان " يدربهم ليصبحوا فى النهاية صالحين للعمل .
أوامر التكليف بعد مكاتب التنسيق ، اكدت ان المهندس المصرى الشاب ، مصيره يخضع للصدف ، فهو قد يصبح مهندس بلدية وتراخيص ، أو إصلاح وصيانة أو يعمل لدى مقاول متخصص أو مقاول عام ، أو مشرف على التنفيذ أو مهندس حكومة عليه حفظ اللوائح والقوانين أكثر من معرفة الأصول الهندسية ، وكلها علوم ودراسات لم يتعلمها المهندس فى كليته ، فتيبس قدراته الى المستوى الذى يسمح له بالعمل فى المجال الذى رزق به ، حتى ذلك الذى يكون من حظه ان يعمل فى مجال التصميم ( الذى لا يتاح الا لأعداد محدودة من الخريجين ) فسيجد أن عليه تنفيذ ما يمليه رب العمل من أفكار دون تدخل او تصرف او ابتكار .
المهندس المصرى ينسى تماما بعد شهور من تخرجه ما تعلمه لمدة خمس سنوات ، ليبدأ مع معلمه الجديد ، التعرف على أسرار المهنة ،وعادة ما ينجح فى اكتساب المهارات المطلوبة فى زمن وجيز ليتولى نقلها بعد ذلك ، لمن يليه من أجيال المهندسين ، هذا الميزان الحرفى أكثر منه مهنى كرس ثلاثة أمور : أنه غير مطلوب أى تعديل أو تغييرأو تطوير لما تدرب عليه المتلقى ، يكفى ان يؤديه بدقة ، كذلك يتم حصر إمكانيات المتدرب ، فى مجال واحد من أنشطة المهنة، فى النهاية يؤدى هذا الى معاداة ما يجهل أى كل ما هو مستجد من علوم او أساليب عمل فى السوق ، كنموذج يمكن القياس عليه فى جميع المجالات ، هو أسلوب صب الخرسانة حتى الثمانينيات من القرن الماضى ، كان بواسطة طبلية من الرجال والنساء مع دمج الخرسانة بسيخ حديد ، ولا أهمية لإختبارات أو تحسين خواص المنتج ، فى حين أن الخلاطات والهزازات وناقلات الخرسانة والاضافات الكيماوية ، كانت معروفة قبل ذلك الزمن ، بعقدين على الأقل حتى فى دول الخليج .
التطور الدرامى الذى زلزل المجتمع الهندسى ، حدث بعد هزيمة 67 وتجنيد أغلب شباب المهندسين للعمل بالقوات المسلحة حتى ما بعد أربعة وسبعين ، فلقد كسرت هذه السنوات دائرة التواصل الخاصة بنقل الخبرة ، ووجد شباب 68 ومن بعدهم أنفسهم فى السوق بلا معلم ، فجاءت خبراتهم تحكمها الصدفة حسب المكان الذى جندوا فيه ، وإن كان أغلبهم قد عمل فى إنشاء التحصينات أو الاشراف عليها.
فى القوات المسلحة القرار مركزى للقائد ، والعامل الحاسم هو الوقت حتى لو جاء على حساب التكلفة أو الجودة ، والضابط " الشاطر " هو الذى يؤدى مهمته حتى لو لم تتوفر الامكانيات " الجيش بيقولك اتصرف " هذا هو ما تعلمه شباب المهندسين خريجى الدفعات من 68 وحتى 74 " الفهلوة " " الاسراف " " تنفيذ تعليمات القائد حتى بدون إمكانيات" ، فضلا عن البعد عن الاساليب الحديثة ، لعجز فى إمتلاك اللغة الانجليزية التى لم يمارسوها طوال سنوات الاعداد للمعركة .
بعد عشرين أو ثلاثين سنة ، عندما أصبح هؤلاء هم قادة العمل الهندسى ، لم يتخلوا عما تعلموه وأصبح أسلوبهم هو الاسلوب الرسمى لإدارة العمل الهندسى فى مصر ، فانفجرت مواسير المياه وطفحت المجارى وسقطت العمارات وانقطع التيار الكهربائى وتوالت حوادث القطارات والعبارات والطائرات ، وتلوث النهر وترعه فى عشوائية غير مسبوقة .
بعد عبور القناة فى 73 وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد ، وانفتاح مصر على العالم ، كان المجتمع الهندسى يشبه ذلك الذى أمضى عمره فى كهف مظلم ، ثم خرج فجأة الى النور ، العالم فى الخارج تطور بسرعة غير مسبوقة ولم تعد طريقة المعلم والصبيان تصلح للتعامل مع الشركات الأجنبية الوافدة بمعدات وتكنولوجيا متطورة ، وأفكار حديثة عن الادارة بالمؤسسات المتخصصة ،وأساليب رفع كفاءة العاملين ومراقبة الجودة والاختبارات والقياسات وتوقع أسباب المخاطر لتفاديها ،والعلاقة مع البيئة ، وضبط التكلفة مع رفع كفاءة المنتج .
إندفع كل من وجد فى نفسه القدرة على التعلم والتطوير فى اتجاه النور الجديد ، هجروا أساليبهم القديمة وحاولوا التواؤم مع العالم الجديد ،البداية كانت شركات المقاولات التى أنهكت تماما أثناء المعركة ، فحاولت إمتلاك التكنولوجيا الحديثة ، خاصة أن شراء المعدات كان له فوائد عديدة ، المجتمع الهندسى بأكمله كان عليه أن يتغير ، ولقد حدث هذا بشكل جزئى خصوصا مع هؤلاء الذين كان باستطاعتهم إختراق الحواجز بمعرفة اللغات الأجنبية ، وبعد ان وصلت الى مواقع العمل الخلاطات العملاقة وعربات نقل الخرسانة ومعدات الطرق التى تعمل بالليزر ، وورش الاصلاح والصيانة التى تعمل بالكمبيوتر.
المكاتب الاستشارية أيضا كان عليها مسايرة المكاتب الانجليزية والفرنسية والايطالية القادمة لحل مشاكل العاصمة الاساسية ، مثل طفح المجارى وقطع التيار الكهربائى وفشل شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية ، أو إزدحام المرور وتكدسه ، عالم جديد اجتذب أصحاب درجات الدكتوراه والمهندسين ذوى الخبرة والجيل المتوسط القابل للتعلم لامتلاكه لغات أجنبية ، فهجروا المكاتب الحكومية والجامعات وشركات القطاع العام التى لم يصمد بها الا من فشل فى أن يجد لنفسه مكانا فى القاطرة الجديدة .
المجتمع الهندسى حدث فيه ما يشبه الفصل التمييزى ( segregation) بين هؤلاء الذين أصروا على اسلوب " المعلم " مع تعديل بسيط باستخدام معدات حديثة وسكرتارية تستخدم الكمبيوتر ، وهؤلاء الذين آمنوا باتباع أساليب إدراة متقدمة يستخدمها الغرب وأمريكا.
هذا الفصل للأسف لم يكن فى صالح الاداء الهندسى ،حيث احتل التقليديون المراكز القيادية وسلطة إصدار القرار ، وعطلوا أى محاولة جادة لتحديث الادارة أو تدريب العاملين ، ولازال الأمر والنهى لهم يحركون المجتمع الهندسى ، طبقا لخبرات اكتسبوها أثناء تجنيدهم فى سبعينيات القرن الماضي يعالجون الأزمات بمحاولة إخفاءها أو بالمسكنات أو بالترقيع ، وفى بعض الأحيان بالدعاية والاعلان ، لهذا ستظل المواسير تنفجر والمجارى تطفح والكهرباء تنفصل والشوارع تتهشم والمبانى تنهار والقطارات تتصادم ، حتى يصل الى مركز القرار من يستطيع ان يقدم حلولا جذرية وشاملة .
المهندسون فى مصر إنحاز أغلبهم للتيارات الوهابية بعد ان احتلت طلائعهم النقابة والجامعة تعرفهم من ذقونهم المطلقة وسراويلهم القصيرة أو حجبٌهم للسيدات ، ومن القرآن الذى يتلى فى مكاتبهم ومن حرصهم على الصلاة الجماعية ، فى الجامعات المصرية بعد أن تسبب استنساخ اثنين وعشرين جامعة فى حدوث ندرة بين أطقم التدريس ، حرصت التيارات الوهابية مستغلة للأزمة ، ألا ينضم الى هيئات التدريس إلا من كان منها ، حتى أن أحد أساتذة العمارة ( من المفترض ان يكون فنان ) قاوم بكل سلطاته تكوين فرقة موسيقية بين الطلاب على أساس أن الموسيقى حرام .
وهكذا جاء أغلب المهندسين الجدد وقد تفوقوا فى فن " الفتوى والوعظ " أكثر من " الهندسة و الادارة " لتسود بينهم تيارات قدرية تجعل صلاح الانسان فى علاقته بخالقه بغض النظر عما يحصله من العلم والتدريب ، أو ما يبذله من جهد فى عمله .
بمعني أن علي الرغم من كل منجزات العلم والتكنولوجيا الحديثة والكمبيوتر والانترنت التي بحوزة طالب اليوم ، إلا ان طالب الهندسة منذ نصف قرن كان الأفضل ، ويا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 2 )
- يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر
- اشنقوا - جدو- أمام البوابة الرئيسية لنادى الزمالك
- حوار إنتظر نصف قرن ليتم
- هز القحوف فى مرثية لأبى شادوف
- مليون جنية لكل لاعب !! إنها قسمة ضيظى
- لا تصدقوا هذه الجماهير
- يا أهل مصر اهربوا منها
- أبناء الديانة الرابعة ...هذا قدركم
- أحلام القرن الحادي والعشرين وإشكالية التنوير
- أنا مع الفرعون .. طبعا 3/3 ..الحلقة الأخيرة
- أنا مع الفرعون .. طبعا (3/2)
- أنا مع الفرعون .. طبعا (1/3)
- مصر مستعمرة وهابيه3 الجزء الأخير
- مصر مستعمرة وهابية 2
- مصر مستعمرة وهابية
- القلعة الفولاذية السوداء تتحرك
- لوحات الجد حسن و غضب الله
- الكورال الحكومي و الدكتور البرادعي
- آسف..قضية التطور يمكن ان يلحقها ضرر


المزيد.....




- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد حسين يونس - يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 3 )