أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد إبراهيم المحجوبي - وحدة الأديان ، وتسويتها















المزيد.....

وحدة الأديان ، وتسويتها


خالد إبراهيم المحجوبي

الحوار المتمدن-العدد: 3083 - 2010 / 8 / 3 - 13:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



يحتضن عالم الأديان ،والفرق، كثيراً من النظريات والأفكار ذات المنشأ البشري ، إما تأصيلا وتفريعاً ، وإما تفريعاً على أصول دينية ، ثم تنسب إلى الأديان وتشاريعها. وكثيراً ما تصادم تلك النظريات مبادئ الأديان نفسها ، أو تصريحاتها الجلية . لكن من يتبناها يحاول اجتناب تلك المصادمة ؛ باعتمال آليات تفادي الصدام ، التي من أشهرها: التأويل ، والترميز . وقد جاءت نظرية وحدة الأديان ، المفضية إلى التسوية الأديانية ، في طليعة النظريات التي لقيت رواجاً ذائعاً ، في أوساط كثير من الفرق، والمفكرين . وأنا هنا –تبعاً للمصطلح الشائع-أطلق تعبير وحدة الأديان على النظرية التي تتبنى القول بأن كل الأديان والعقائد مقبولة عند الله ، وأن أي عقيدة ودين سيفضي إلى طريق يوصل إلى رضاء الله ، مهما تباينت محتويات تلك الأديان.
لست ممن يرى دقة استعمال هذا الاسم – أي وحدة الأديان- لهذا المعنى ، لكنه صار اصطلاحاً شائعاً ؛ لذلك سنستعمله بهذا المعنى لتسهيل إيصال الفكرة. مع أني أفضل استعمال تعبير التسوية الأديانية لوصف تلك النظرية التي ذاعت تحت اسم وحدة الأديان ؛ لأن فحواها القول بأن الأديان كلها متساوية ، ومقبولة، لا فرق بينها ، ولاتعارض فيها.
إن دقة التعبير تقتضي منا أن نوكَّد كون مصطلح وحدة الأديان هو أنسب ما يمكن إطلاقه على النظرية الإسلامية التي تقول بأن الأديان السماوية ذات أصل واحد - أي مصدر واحد-، وأنها ذاتُ تعاليم عقدية غير متعارضة ، بما في ذلك اليهودية والنصرانية ،والإسلام ، وهي بهذا المعنى دين واحد هو الإسلام . وهذا ما يقرره الإسلام في نصوص قرآنية صريحة منها : { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون }وقال أيضاً:{إن الدين عند الله الإسلام}
إن القول بالتسوية الأديانية يعد نظرية غير ضافية على ساحة الفكر الإسلامي ، مقارنة بغيرها من النظريات والأفكار الرئيسة المكونة للبنية العامة لذلك الفكر . لكنها تبقى من أوفر القضايا حساسية وخطورة .وقد كان الظهور الصريح لها –كما بدا لي – في ذروة نشاط التصوف الفلسفي عند المسلمين وتحديدًا مع محي الدين بن عربي ، عندما أعلن نظرية القلب القابل.
لاجرم أنْ ظهرت النظرية في سواء المتصوفة الفلسفيين بحكم تشكل وتوجه تصوفهم ، وعقولهم إلى نحو انفتاحي، وعلى العوالم كلها ، سواء الإنسانية ، والطبيعية الوجودية ، حيث تنعدم ثَم الفروق والحواجز ؛ تبعًا لعقيدة وحدة الوجود التي دان لها كثير منهم [1]فإذا ما توحد الوجود كله خالقًا ومخلوقًا ، عُلويهُ وسُفليهُ ، وانعدمت (الكثرة) أفلا يكون توحد الأديان واستواؤها أولى ؟ .ذلك ما أقلَّتْ إليه فلسفة التصوف ؛ حينما صارت نظرية وحدة الوجود أُماً صريحة لنظرية وحدة الأديان ، أو ما سميتهُ بالتسوية الأديانية .
إذًا ظهر التوجه إلى انتباذ تعدد الأديان ، ونفي خلافاتها ، لصالح تبني ما أسماه ابن عربي (دين الحب) الذي تنضوي تحته كل عقيدة ، وكل فكرة في نُدحة عن الحسّاسية الاختلافية ، التي استعيض عنها بالتلاقيات الائتلافية .
قال ابن عربي في تعبير صريح شامل :
((لقد صار قلبي قابلاً كل صورة ** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائـفٍ ** وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهـتْ ** ركائبه فالحب ديني وإيماني)) [2]
ونحو ذلك ما قاله قبله الحسين الحلاج:
تفكرت في الأديان جداً محققاً ** فألفيتها أصلاً له شعب جماً
فلا تطلبن ْ للمرء ديناً فإنه ** يصدُّ عن الوصل الوثيق وإنما...
في هذا المسار زالت كل الفروق لدى بعضهم ؛ حتى صار لإبليس حظوة لديهم ، وغرب عن أنظارهم ما لابسه من كفر وعصيان ؛ من ثم لا نستعجب حين نقرأ قول الحلاج ((ما كان في السماء موحِّد مثل إبليس)) [3]
و لم يلبث أن خمل ظهور هذه النظرية ، لاسيما مع استقواء المعارضة الفقهية للتصوف الفلسفي ، وبخاصة في القرن الثامن الهجري ، عند ظهور مدرسة واتجاه ابن تيمية الحراني ، وعندما عارض ابن تيمية هاته الدعوى ، عارضها بوصفها دعوى نصرانية وأفرد للرد عليها فصلاً تحت عنوان : (فصل في إدعاء النصارى أن الله سوى بين الأديان) [4] . إلى أن أطلّت تلك (الدعوة ، الدعوى) في طلعة كريهة من طرف الطائفة البابيّة القائمة على ادعاءات الميرزا علي محمد الشيرازي ، الذي أعلن التقاء كل الرسالات السماوية في دعوته من غير افتراق ، كما أكد على المساواة بين الأجناس والأديان [5] بل زاد على ذلك ادعاء أن كل الأديان هي ديانات عالمية شاملة سواء الأديان السماوية أو الأرضية [6].
ويكثر في هذا الوقت الدعوة إلى حوار الأديان وهي دعوة تفترق عن الدعوة إلى الوحدة والتسوية الأديانية؛ لأن الأولى-أي دعوة حوار الأديان- تسعى إلى تحديد وإيضاح القواسم المشتركة بين الأديان لأجل إحداث نوع من التقارب بين أصحابها ، في ظل تسامح يسمح بالتفاعل المثمر البناء بين البشر أصحاب الأديان المتخالفة ، وقد عُقدت عدة من المؤتمرات تحت اسم حوار الأديان ، وكان القاسم المشترك بينها جميعا أنها تنتهي من غير جدوى ، ولا نتيجة مثمرة ، مقارنة بما يعقد عليها من آمال. من ذلك-مثلاً- ما عقد في تونس سنة 1974، وكذا سنة 1979، وكذلك في ليبيا ، وبعض دول الخليج في السنوات الأخيرة القريبة. ومن أشهر من دعا إلى نحو هذه الحوارات في هذا العصر (روجيه غارودي ) الذي دعا إلى مؤتمر دولي في قرطبة سنة 1987تحت اسم (الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية) [7] .
الأديان والتحديات الحديثة:
لقي ذاك التماهي اللاحدودي ، محلاً له في قلوب وعقول كثير من المفكرين الحُدثاء؛ لأجل ذلك اضمحلت أمامهم الحواجز الفاصلة بين الأديان ، وتطور هذا إلى سعي لتوحيدها ، وتوكيد استوائها، وهذا ما نراه بوضوح في كتابات: روجيه غارودي ، وصادق النيهوم ، ومحمد شحرور ، وغيرهم من الباحثين والمفكرين الذين وضُحتْ في كتاباتهم انزياحات واسعة ، وشروخ جلية عن التعاليم المستقرة في النصوص الأساسية للإسلام ، وواضحِ شريعته. وعلى كلٍ فذاك مسعىً –أي تسوية الأديان-لا أرى فيه أي بارقة أمل ؛ لأن فطرة البشر في هذا العصر أميل للتنابذ ، والتخاصم ، والتفارق ، على نحو لا يبشر بوفاق ، ولا يقرب التلاق .
كل هذا ينضمُّ إلى ما تعانيه الأديان في عصرنا من تحديات، بدأت بوضوح منذ أوائل القرن العشرين حين شاع قول كثير من الباحثين والفلاسفة شرقيين وغربيين بأن الأديان دخلت مرحلة الخمود والضعف وأن لا مستقبل لها، وأن المستقبل حكر للعلم ومنتجاته وللعقل ومخرجاته . أما الذي تحقق فهو أن نبوءاتهم كذبت ،وتوقعاتهم خسرت، ولكن ظل أمام الأديان تحديات أراها متركزة في مركزين:
الأول : مركز التحديات الداخلية: وهو الماثل في التشظيات الداخلية وسط كل دين ، والتنازع المتطاول المتداول ، بين طوائف وفرق كل دين ، ففي المسيحية -مثلاً -لا تزال الخصومات الدامية ساطعة بين الكاثوليك والبروتستانت ، وفي الإسلام لم تزل خصومات وصدامات فرقتي السنة والشيعة شديدة الجسأة ، ثقيلة الوقع ، دامية الآثار ، وكذلك الأمر مع طوائف اليهودية مع فارق نسبي في شدة الصدام وآثاره.
الثاني : مركز التحديات الخارجية : هو المتمثل في الهجمات ، الإلحادية ، والنقودات العلمانية، للأديان من حيث هي موضوعات ربانية، ذات مصدر علوي مفارق. وقد توزعت هاته الهجمات بين اللين والهدوء كما هو الأمر-مثلاً- عند فرويد ، وإيريك فروم ، وبين الغلظة والوقاحة كما هو شأن ريتشارد داوكنـز ، وبعض الملحدين العرب .
لقد عجز المسلمون عن تسوية خلافاتهم وتوحيد مذاهبهم، وتجميع طوائفهم ، كما عجز النصارى عن ذلك ، وكذا الأمر اليهود . فكيف يمكنهم الالتقاء والتوحد والاستواء والتصالح مع أديان أخرى ؟. إن مبلغ ما نطمح إليه أن يشيع نوع من التعايش، والتسامح بين الجميع ، في ظل تعاليم الأديان الموجبة للسلام والمودة المتبادلة ، في ظل انعدام الاعتداء ،والإِضرار، من جهة كل طرف على الآخر. وما دام كلٌ لم يقتنع بما عند غيره، فلنكتفِ بالدعوة بالحكمة، واللين، والحسنى، وليحتفظ كلٌ بما لديه، إلى يوم الفصل، حيث يتولى الله تعالى المهمة ، فهو الذي قال{إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد }
--------------------- د.خالد إبراهيم المحجوبي-----

الحواشي والتعاليق:
[1] – لمعرفة أوسع بهاته النظرية ينظر (شفاء السائل لتهذيب المسائل) ابن خلدون .
تحقيق أبي يعرب المرزوقي الدار العربية . تونس . 1991 ص 214 وبعدها . و(من السهروردي إلى الشيرازي) موسى الموسوي . دار المسيرة . بيروت ط 1 . 1979 . ص 135 . و(تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون) عمر فروخ . دار العلم للملايين . بيروت . 1966 . ص 60 ، 72- 73 . و(تاريخ الفكر الأندلسي ) انخيل بالنسيا . ترجمة : حسين مؤنس . دار ص 380 .
[2] (1) – ديوان (ترجمان الأشواق) محي الدين بن عربي. دار الأرقم .بيروت .ط1 . 1997. ص149-150.
[3] (2) – ( الطواسين ) أبو مغيث الحلاج .تحقيق : سعدي ضناوي. دار صادر .بيروت. ط1 . ص156. وهذا الكتاب مطبوع مع ديوانه.
[4] عندما عارض ابن تيمية ها ته الدعوى ، عارضها بوصفها دعوى نصرانية وأفرد للرد عليها فصلا سماه (فصل في ادعاء النصارى أن الله سوى بين الأديان) ينظر ذلك في كتاب (دقائق التفسير ، الجامع لتفسير ابن تيمية) تحقيق: محمد السيد الجليند. مؤسسة علوم القرآن. دمشق .ط2 . 1404ه 2/ 65. و 2/71. وما تلاها.
[5] - ينظر بشأن ادعاءات الباب (تاريخ المذاهب الإسلامية ) محمد أبوزهرة .1/258
[6] (2) – (المدخل إلى الدراسات الإسلامية والمنهج الأصولي الإسلامي في الرد على البابية والبهائيةوالقاديانية) محمد عزيز نظمي .مؤسسة شباب الجامعة . الإسكندرية.ص25
[7] (3) - انظر (حوار ساخن مع داعيةالعصر أحمد ديدات) ص32



#خالد_إبراهيم_المحجوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسلامات مع الإسلام
- تفسير القرآن بين التجديد والاجترار
- الدين والدولة بين التواصل والتفاصل
- الخصومة الفارغة للاستشراق
- النشاط العسكري في العهد النبوي
- رسالة مسيحي إلى المسلمين
- الترجمة: بين تصور القيمة ، ومسؤولية الإتقان
- تجديد الفكر الديني
- الأدب عند الإغريق
- خصومة الفقه والتصوف
- المجاز عند الزركشي
- تأصيل حق الأمان في منظومة حقوق الإنسان
- (إشكالية الوضع التاريخي والتأريخي للدولة الفاطمية)
- الإعلام والتنمية : نظرة في الترابطية والتفاعلية
- إشكالية الانتماء عند سكان المغرب العربي: نظرة في المرجعية ال ...
- السيميائيات ، بين غياب الريادة وإشكالية التصنيف
- الإبداع بين قيد التوظيف، وفضاء التحرر
- الفكر الجماهيري :نظرة نقدية
- العوائق التنموية في القارة الأفريقية : تشخيص وعلاج
- شعوبية أم عروبية: دراسة في ظاهرة العصبية السلالية


المزيد.....




- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خالد إبراهيم المحجوبي - وحدة الأديان ، وتسويتها