أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خالد إبراهيم المحجوبي - إشكالية الانتماء عند سكان المغرب العربي: نظرة في المرجعية العرقية ومترتبات التعدد















المزيد.....



إشكالية الانتماء عند سكان المغرب العربي: نظرة في المرجعية العرقية ومترتبات التعدد


خالد إبراهيم المحجوبي

الحوار المتمدن-العدد: 2932 - 2010 / 3 / 2 - 19:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، مشرف العرب بالقرآن المبين ، وبمحمد النبي الأمين .وناشرهم في الأرض مشرقاً ، ومغرباً.
يهدف هذا البحث إلى ملامسة إشكالية مهمة ومؤثرة ، لها امتدادات نفسية ، وسياسية،وأمنية ، واجتماعية. تلك الإشكالية هي التي أسميتها بالتعدد الانتمائي ، وذلك على مستوى النسيج السكاني لدول المغرب العربي.
كما سيهتم هذا البحث بملامسة التأثيرات التي انجرّت عن إشكالية التعدد الانتمائي .
يتركب البحث من : مقدمة ، ومدخل ، ومبحثين ،وخاتمة.
المقدمة: سنورد فيها دواعي اختيار هذا الموضوع ، وأهميته في الساحتين النظرية ، والعملية .
المدخل: سنركز فيه على التحديد الجغرافي للمجال الحيوي الذي يملؤه سكان المغرب العربي .
المبحث الأول ( الانتمائية الدينية ، وإشكالية التعددً).
يتناول هذا المبحث موضوع التعدد الانتمائي في مجاله الديني ، على مستوى الديانات ، ثم على مستوى المذاهب . حيث سنتعرض للنقاط التالية:
1-بواعث إشكالية الانتماء
2- الانتماء الديني قبل الإسلام في المغرب العربي.
3- الانتماء المذهبي بعد الإسلام.
المبحث الثاني:
الانتماء العرقي ، وإشكالية التعدد
هنا سنتعرض للنظريات التي بحثت الأصول العرقية لسكان المغرب العربي . وهي الأربع التالية:
1- النظرية العروبية
2- النظرية الأوربية
3- النظريةالحامية
4- النظرية الأنثروبولوجية.
- مترتبات الاختلاف التأصيلي.
الخاتمة: ستنطوي على ما يتوصل إليه البحث من نتائج .
ا
[email protected]
هـ0926116786














مدخل
بسم الله الرحمان الرحيم
شاء الله أن يكون التعدد من آياته في خلق ، تعدداً على مستوى الأجناس ،والأعراق ،والألوان ، واللغات ،والميول ،والطبائع .
إننا هنا في المغرب العربي أمام نوعين من التعدد:
الأول: تعدد حقيقي واقعي ،وهو تعدد المرجعيات ا لدينية على صعيد الأديان (إسلام -ويهودية)،وعلى مستوى المذاهب (سنة ،وإباضية ،وشيعة) .
الثاني : تعدد وهمي مغلوط : وهو التعدد العرقي السلالي ، حيث يتبنى كثيرون فكرة أن سكان المغرب العرب جنسان متباينان عرقياً ، الأول هم البربر الأمازيغ، والآخر هم العرب.
أما النوع الأول من التعدد فهو محل تسليم وتوافق بين العوام والخواص ،ولا خلاف في واقعيته. وأما الثاني : فهو محل لخلاف تليد عميق متطاول .
الأصل أن التعدد الانتمائي هو ظاهرة اجتماعية وحالة مجتمعية موجودة في كل بلاد العالم . لكن الذي حدث في بلاد لمغرب العربي أن التعدد الانتمائي تطور إلى أن صار أزمة مجتمعة وإشكالية دولية لا سيما بعد الحقبة الإمبريالية وترسيم الحدود بين الدول ، لقد تأثرت المجتمعات المغاربية بهاته الانتمائية المشؤومة ، أعني انتقال التعدد من كونه ظاهرة اجتماعية ، إلى كونه أزمة ومشكلة ، انجرّ عنها عوائد ضارة على المستوى الاجتماعي والأمني والنفسي
ورغم كل شيء لا يقع الريب في أن الهوية المرجعية لساكنةِ المغرب العربي ، هي الماثلة في ثنائية العروبة والإسلام، هذه حقيقة يفرضها الواقع قبل كل شئ ، بحيث لايتاح مجال لغمطها.

مدخل جغرافي : ( )
استعمل الباحثون مصطلحات لنعت هذه الرقعة الجغرافية الضامة دول المغرب العربي الكبير. فقيل المغرب ،وهو استعمال قديم ، وقيل الغرب الإسلامي وهو مصطلح سكّه الفرنسيون ، وقيل الجناح الغربي لعالم الإسلام . وهو مقابل للجناح الشرقي من العراق شرقه .
المعتمد في التاريخ والجغرافيا أن مصطلح المغرب يطلق على كل ما يلي مصر غرباً من بلاد الشمال الأفريقي حتى المحيط الأطلسي ، وقليل يدخلون مصر في مسمى المغرب . منهم علي بن سعيد المغربي في كتابه (فلك الأرب المحيط على لغة العرب ) والأكثرون يبدؤون ببرقة في شرق ليبيا إلى الأندلس .
كان المغرب العربي معروفاً عند الأمم القديمة باسم ليبيا يطلقون هذا الاسم على كل أجزائه ، كما عرف باسم أفريقيا الصغرى ، و السلسلة الأطلنطية .
وقد قسم المسلون في مصر والشام المغرب العربي الكبير بحسب قربه أو بعده عنهم إلى المغرب الأدنى ،والمغرب الأوسط ، والمغرب الأقصى .
المغرب الأدنى يشمل الأقاليم الأربعة التالية : برقة ، و طرابلس ، وتونس ،وشرق الجزائر . أما المغرب الأوسط فيشمل وسط الجزائروغربه ، وجزءً من شرق القطر المغربي . أما المغرب الأقصى فيشمل بقية المغرب من وادي ملوية إلى المحيط الطلسي.
قام سنة 17-2-1989م تكتل سياسي جمع ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا سمي باتحاد المغرب العربي مساحته 6000000كلم . بين خط العرض 15-37 شمالاً . وخطي الطول 17- 25 شرقا يبلغ عديد سكانه نحو تسعين مليون إنسان. هذا التكتل السياسي هو الذي صار يقصد عند إطلاق اسم المغرب العربي ، وكذا الدول المغاربية .
ونحن في هذا البحث حين نذكر المغرب العربي سنعني كلاً من ليبيا ،وتونس ، والجزائر ،والملكة المغربية .















المبحث الأول :
الانتماء الديني ، وإشكالية التعدد.

بواعث الإشكالية الانتمائية-
لا يمكننا إنكار وجود إشكالية انتمائية ، مكتنفة للساحة المغاربية التي يملؤها سكان المغرب العربي ، وقد تولدت هاته الإشكالية من بواعث ثلاثة اراها في النقاط التالية:التعدد ، والتدخل الخارجي ، وسوء إدارة الحكومات للأزمة.
أولاً التعدد:
بمعنى أن الانتماء عند المغاربييين لم يكن موحدا على مستوى المرجعية بل تــو زع إلى جهتين .
الأولى : الانتماء الديني: الذي جاء متعدداعلى مستوى الأديان ، ومستوى المذاهب . فوجد الدين اليهودي ، ثم المسيحي ثم الإسلامي، ثم تعدد الانتماء إلى هذا الأخير متوزعاً إلى بعض مذاهبه ، كالمذهب الخارجي (الصفرية ،والإباضية) ، والمذهب الشيعي (الإمامي ،والإسماعيلي ) ، ثم المذهب السني ،وتحديداً المذهب المالكي الذي طغا على غيره حتى هذا الوقت.
الجهة الثانية: الانتماء العرقي السلالي:
إن هذا التعدد لا يعدو كونه تعددا موهوماً ، تقَوّى وتغذى منذ قرون بحوافز غرضية مصدرها الأساس هو الدول الاستعمارية التي طمعت في المجال المغاربي ورامت السيطرة عليه ؛ فكان من استراتيجياتها بث القول بالاختلاف العرقي بين البربر ، وبين العرب .
إن اتهام الاستعمار بهاته التهمة لا نسوقه جزافاً بل هو مبني على شواهد وبراهين ،من أهمها اعترافات وتصريحات من داخل تلكم الجهات الاستعمارية ، سواء من سياسييين أو باحثين وعلماء ( ) .
ثانياً الباعث الثاني: التدخلات الخارجية :
هي التي مثلتها السياسيات الاستعمارية ، لاسيما من طرف فرنسا ، فس سياق عملها إلى تطويع السكان واحتلال بلادهم ، وهذا ما شكل باعثاً قوياً في خلق تلك الإشكالية الانتمائية وصيررتها أزمة ضارة بدلاً من بقائها مجرد ظاهرة اجتماعية تحت اسم التعدد الانتمائي
ثالثاً الباعث الثالث: سوء إدارة الحكومات لواقع التعدد الانتمائي .
لقد كان للحكومات التي سيطرت على المغرب العربي دور باذخ في تعميق وتأصيل إشكالية الانتماء ، حيث تعاملت مع التعدد – سواء الواقعي دينياً ، أو الوهمي عرقياً – تعاملاً حكَمَته النزعة العنصرية الفالتة عن ضوابط الإسلام وطرائقه الحُكْمية . ذلك واقع رأينا بوادره من لدن المملكة الأموية التي أرسخت مبدأ التمييز والتفاضل العنصري بين العرب ،والبربر؛ جهلاً بواقع تحادهما السلالي ،واستهانةً بواقع توحدهما الإسلامي . فلا وحدة السلالة والدين استطاعت كبت النزع العنصري الذي نصبّ على سكان المغرب العربي الأوائل طوال أكثر الأزمان وأغلب الحكومات التي حكمت هاته المنطقةوأهلها ؛ مما ولّد أوازم اجتماعية وأمنية بدأت بوضوح سنة 122هـ بانتفاضة بربرية موجهة لظلم الحاكم العربي وقتها، وليس إلى جنسه ولا دينه كما توهم الكثيرون وموّهوا.
لقد أكد لنا التاريخ أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية وسياسة التمييز العنصري هي التي ولّدت انتفاضات البربر على حكم إخوانهم العرب ، إن القضية ليست ((قضية عنصرية بربرية ضد عرب دخلاء كما يزعم البعض بل تعبر عن معارضة لسياسة مالية واجتماعية معينة ، قاومها خوارج منطقة الخليج بالسلاح قبل خوارج المغرب بفترة تربو عن نصف قرن))( ).
إن انحراف السياسة الحُكْْمية أمر طفحت به صفحات التاريخ . من ذلك مثلاً ما يورده ابن عذارى ، قال(( إن عمر بن عبد الله المرادي ، عامل طنجة وما والاها أساء السيرة وتعدى الصدقات والعشر ،وأراد تخميس البربر ،وزعم أنهم فئ المسلمين ؛ فكان فعله الذميم هذا سبباً لنقض البلاد ووقوع الفتن العظيمة)) ( ).وكذلك الأمر في بعض أفعال عقبة بن نافع بعد عزل أبي المهاجر دينار.
الانتماء الديني قبل الإسلام
كان الوجود النصراني واليهودي قبل دخول الإسلام فاشياّ مستشرياً في بعض مناطق بلاد المغرب العربي ، فقد ذكر ابن أبي زرع هذا النص في حكايته تاريخ إدريس الأكبر قال إنه سار((إلى بلاد تادلة ؛ ففتح معاقلها وحصونها وكان أكثر هذه البلاد على دين النصرانية ودين اليهودية ،والإسلام بها قليل ؛ فأسلموا على يديه)) .وقد انتشرت المسيحية في الساحل الشمالي للمغرب الكبير ابتداء من القرن الثاني الميلادي بدءً بإقليم برقة ، ثم في أفريقية (تونس ).
ويبالغ مؤرخو المسيحية والدولة البيزنطية في تصوير مدى انتشارها بين أهل البلاد المغاربية، ولم يكن يخضع أهل المغرب لأي حكومة قبل الفتح الإسلامي باستثناء الحكم البيزنطي لإقليم أفريقية وتحديداً الجزء الشمالي من تونس( ).
الانتماء المذهبي بعد الإسلام:
دخل الإسلام إلى المغرب العربي كاملاً تحت المذهب السني الذي تبنته المملكة الأُموية ،وقبلها دخل جزءً من المغرب الكبير بدءً بعمرو بن العاص وفتحه لبرقة وفزان وطرابلس سنة 23هـ في عهد ابن الخطاب ، ثم في عهد عثمان توغل عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة 27هـ ليدخل تونس ، ثم جاء معاوية بين حديج في حكم معاوية بن ابي سفيان سنة 45هـ الذي عزله وولى عقبة بن نافع الفهري الذي تولى سنة 50هـ ولاية الشمال الأفريقي منفصلاً عن مصر ، ثم عزله معاوية ما بين 55هـ- 62هـ وأرجعه يزيد بن معاوية للقيروان ،وتوغل في فتوحه غرباً حتى فتح المغرب الأقصى سنة 62هـ ( ).
وبهذا صار للإسلام الغلبة والهيمنة على التوجه التديني والعقائدي .على مستوى الأديان ، أما على مستوى المذاهب فقد كان البدء بدخول المذهب الخارجي بفرقتيه الصفرية ،والإباضية.
((ليس من المستبعد أن يكون دخول مذهب الخوارج بفرقتيه الإباضية الصفرية إلى أرض المغرب قد بدأ في نهاية القرن الأول للهجرة ، ولكن النص الذي نقله الرواة عن دخول دعاة المذهب لنشر مبادئ الفرقتين ...يعود إلى مطلع القرن الثاني للهجرة ))( ). وهو نص أورده أحمد الدرجيني في كتاب (طبقات المشائخ)( ). وقد بدأ نشر أفكار الفرقتين في القيروان ثم سادت سائر مناطق المغرب ،وتسربت الدعوة الصفرية خاصة بين قبائل المغرب الأقصى ، وتزعم قائدهم ميسرة المدغري أول انتفاضة مسلحة على الوالي الأموي بالقيروان سنة 122هـ( ).
بعد قيام دولة الأدارسة في المغرب الأقصى تقلص نفوذ الخوارج وأطبقت السنة من الجانبين على مراكز الخوارج في المغرب الأوسط وشمالي المغرب ،وانتهى الأمر بتحول المغرب كله إلى قاعدة لمذهب السنةوالجماعة( ). وقبل ذلك أورد بعض المؤرخين قدوم جماعات من العلويين الشيعة لاجئة إلى الرستميين ؛فأكرمتهم الحكومة والرعية ( ). واشتُهر أن أول من نشر أفكار المذهب الشيعي بالجزائر هو منيب بن سليمان المكناسي ، وتلاه السفياني ،والحلواني ، وكان قد نزل الحسن بن القاسم السفياني سنة145هـ شمال غرب تونس وبث الفقه الجعفري ، ورافقه الحلواني بالناظور في نواحي قسنطينة ؛ فاستجابت لهما قبائل كتامة ،ونفزاوة ، وسماتة التي دعمت بعد 135 عاماً أباعبد الله الشيعي في قيام الدولة الفاطمية. وكذا كان لمولاي إدريس الأكبر دور في بث الروح التشيعية لأهل البيت ،ولا أعني هنا المذهب الشيعي بمفهومه الاصطلاحي . ثم كان دور مهم لابن المفتش أبي حيون الذي استقبل أبا عبد الله الشيعي وأخبره بوجود عبيد الله المهدي في سجلماسة ، ، ثم أقامت الدولة الفاطمية بعد ذلك سلطانها الشيعي الإسماعيلي.( )،
حين سيطر العباسيون بدأ مذهب أبي حنيفة ينتشر ، ثم المذهب الظاهري حتى كانت الغلبة لمذهب مالك الذي فرضه المعز بن باديس في المغرب ( ).
صور لنا ابن العربي المعافري هيمنة مذهب مالك ، قائلاً عن بعض الأمويين إنهم((ألزموا الناس بمذهب مالك والقراءة على قراءة نافع ولم يمكنوهم من النظر والتخير في مقتضى الأدلة ،وكلما جاء أحد من الشرق بعلم دفعوا صدره وحقروا أمره ، إلا أن يستتر عندهم بالمالكية))( ).
وقد صار المذهب المالكي مذهب الدولة رسمياً منذ عهد هشام بن عبد الرحمان ، وحين قامت الدولة المرابطية تبنت المذهب الأشعري في العقيدة ، والمالكي في الفقه .ثم حاول يعقوب المنصور الموحدي إزالة المذهب المالكي عن المغرب الأقصى ؛ فلم يفلح .وإلى جانب المذهب المالكي ، وجدت بخفوتٍ غير مؤثر آثار للمذهب الحنفي ،والشافعي ،والظاهري ،ومذهب الأوزاعي.
وفيما يتصل بالمذهب الأشعري فقد كان بروزه في الشمال الأفريقي في القرن الرابع الهجري ، قيل أدخله إبراهيم الزبيدي القلانسي المتفى سنة 359هـ وأخذه عن تلاميذ الأشعري في حياته ، ثم أدخله تونس ، وقيل في شبه إجماع أن القابسي (403هـ )كان رائدا ً في إدخال المذهب الأشعري لبلاد المغرب( ).
لن أوغل هنا في السرد التاريخي ، حيث يكفينا التوكيد على أن بلاد المغرب العرب قد حضنت منوَّعاتٍ من التوجهات العقدية ، التي كوّنت مادة للتعدد الانتمائي ؛ فأرسخته إلى أن صار إلى أزمة مشكلة ، لم يخفَّ تأثيرها إلا باستقرار الأمر لفرقة أهل السنة،ومذهب مالك بن أنس ، حيث شاعا، وعمّا في بلاد المغرب العربي في غلبة كان لها دور مهدئ وصارف لكثير من المحتملات التي منها التنازع والتخالف والتصارع المذهبي الذي خفّ أثره والحمد لله ،فقد تم جمع وترويض التعددية الدينية في مذهب واحد سائد غالب ، ارتضته القيادات السياسة لبلاد المغرب العربي بوصفه من ضمانات الاستقرار والأمان في المجتمعات المغاربية .
لكن بقيت الوجهة الأخرى لإشكالية الانتماء ، وهي وجهة الانتماء العرقي السلالي ، مكونةً مصدراً مهماً من مصادر الفتنة وانعدام الاستقرار في بعض دول المغرب العربي ؛ وتحديدا في الجزائر ، والمملكة المغربية.

المبحث الثاني:
الانتماء العرقي ، وإشكالية التعدد
نظريات الأصل البربري الأمازيغي:
لم يتفق الباحثون عرباً وعجماً على نظرية محددة ، ولا رأي موحد يضبط المرجعية العرقية للبربر ، فقد ظهرت أربع نظريات أساسية في هذه القضية ، سأعرضها في إيجاز ، لأهميتها في موضوع هذا البحث .
الأولى: النظرية العُروبية :
لم تنحصر في جانب العرب ومثقفيهم ، بل تبناها كثير من علماء ومثقفي البربر، لاسيما بعد صدور الظهير البربري يوم 16-5-1930م .( )
كان أشهر من تبنى هذه النظرية عثمان سعدي ، وقبله المناضل القبائلي (ديدوش مراد) الذي رفع شعار (البربر عرب )، والشاعر (عيسى حمّو النوري) المفتخر بالأصل العربي ،والقائل:
ودم العروبة في العروق مراجل *** تغلي وتومض تحتها الأنساب
وقال شاعر عربي :
ألا أيها الساعي لفرقة بيننا ** توقف هداك الله سبل الأطايب
فاقسم أنّا والبرابر إخــــوة ** نمانا وهم جد كريم المناصب
أبونا أبوهم قيس عيلان في الذرى ** وفي حومة يسقي غليل المحارب
فنحن وهم ركن منيع وإخــوة ** على رغم أعداء لئام المعاقب.
مما تقوم عليه هذه النظرية وتستشهد به إعلان كثير من قواد وأعلام البربر ومؤسسي ممالكهم أنهم عرب ،منتمون لسلالة النبي محمد عليه السلام . منهم مثلاً بنو عبد الواد ،وبنو زيان ،وبنو مرين ، والموحدون ، والمهدي بن تومرت ،وأبو الفتح المنصور الصنهاجي ( ).
ومما يستشهد به في توكيد عروبة البربر ، عدم ظهور النـزعة الشعوبية بينهم على النحو الذي كانته عند الفرس . وكذا –من الشواهد- التفاف البربر القوي ، وتمسكهم الشديد بحكومات وقيادات عربية حكمتهم في المغرب العربي ، منها دولة الأدارسة ،ودولة الفاطميين ( ).
وفي السياق نفسه كشفت العلوم الأثرية ، والأجناسية أن البربر جاؤوا بهجرات على مراحل ودفعات من الشرق ، وتحديدا من شبه الجزيرة العربية الموطن الأصلي للعرب ( )
كما ثبتت كثيرات من المشتركات اللغوية ، واللسانية التي تربط بين الطرفين ، فضلاً عن المشتركات الاجتماعية والأنثروبولوجية الموكدة لوحدة العنصر العرقي

لهما ( ).
:



النظرية الثانية :الأوربية
روج لها الفرنسيون منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، وهي حاوية لآراء هي :1- إن البربر من أصل هندي أوروبي من جماعات جاءت من الهند إلى فارس مروراً بالقوقاز ، ثم انتشرت لأوربا ومنها لشمال أفريقيا ، عبر إسبانيا . ويستدل أهل هذا الرأي باثريرت منها المقابر الميغالية المعتمدة على حجارة ضخمة ، والمقابر المستديرة التي وجدت طوال خط الهجرة المذكورة . وكذا بتشابه أسماء قبائل من فنلندا والسويد مثلا قبائل الكيماريين، يقولون هي تشبه لفظاً قبيلة خمير في تونس وبني عمارة بالمغرب .
2- وجد رأي يقصر الأصل الأوربي على البربر ذوي الشعر الأشقر والبشرة البيضاء والعيون الرزق ، ويرجعونهم لنسل الغاليين ، أو الجرمانيين ، أو القوقازيين ، لكن من المعروف أن العنصر الأبيض وُجد ببرقة وأن عددا كبيرا من جنود الليبيين بمصر في عهد البطالمة كان من هذا العنصر . كذلك وجدت مجموعة التمحو بالجنوب الغربي لمصر في الألف الثالثة ق م . وذُكرت في نص هيروغليفي من عهد بيبي الأول من ملوك الأسرة السادسة 2423-2263 ق م وهو نص كتبه أوني حاكم الجنوب في مقبرة أبيدوس وقد رسمهم المصريون في بعض معابدهم وهم عنصر لا صلة له بأوربا تاريخياً وثقافياً وكانوا أرقى من أوربا على كل صعيد( ).
3- الرأي الثالث أن أصلهم أوربي لاتيني ؛ انبنى هذا الرأي على وجود تشابه بين نقوش بربرية ونقوش وجدت على أوانٍ خزفية في إيطاليا ، ولوجود بعض الكلمات البربرية المشابهة لبعض الكلمات اللاتينية . وهذه شواهد لا ترقى لمرتبة البراهين والأدلة على النظرية الأوربية. إن أقدم تواصل أوربي أفريقي كان في النصف الثاني من الألف الثاني ق م ، بهجوم مجموعات من أوربا عبر البحر واتصلت بالليبيين وشاركت بقيادة ليبية في هجمات على الدلتا بمصر في عصر مرنبتاح حوالى 1227 ق م. وعهد رع مسيس الثالث 1198-1166ق م.
وقد ظهرت نظرية معاكسة للنظرية الأوربية قالت إن أصول الأوربيين أفريقية ، حيث هاجرت جماعات من أفريقيا لأوربا عبر إيطاليا ،وإسبانيا ، وتبنى هذه النظرية ريفاس ، والأب براي ( )
النظرية الثالثة: الحاميّة :
نشأت هذه النظرية في ألمانيا ثم تبناها فرنسيون وبريطانيون ، وكان مصدرها الألماني (س. ماينهوف ) في كتاب صدر سنة 1912م . فحواها وجود عرق حاميٍّ جاء من شبه الجزيرة واستقر بالسودان ، وله عدة لغات لها سمات مشتركة سمّاها ماينهوف بالأسرة الحامية ، ثم تركها العلماء الألمان هذا النظرية وتلقاها الفرنسيون مثل (دولافوس) الذي وضع تصنيفاً أفريقياً لغوياً فيه الحاميّة وتشمل حسب رأيه المصرية ،والبربرية والكوشية المنتشرة في أثيوبيا والصومال . وتجاهلت هذه النظرية ماوقع كشفه من قرابة بين مجموعة اللغات السامية والحامية ، ثم جعلها البعض فصيلة واحدة أسموها (السامية الحامية)
هذه النظرية تقوي النظرية العروبية حيث إن سكان شبه الجزيرة هم العرب كما أكد جواد علي ، وأحمد سوسة ، وكثير غيرهما
النظرية الرابعة (الأنثروبولوجية):
مفادها أن البربر من جنس اسمه (جنس البحر الأبيض المتوسط ) عرف به منذ ما قبل التاريخ وله خصائص هيكلية كطول الجمجمة والأسنان ، وإلى هذا الجنس ينتمي من وجدوا فيما قبل عهد الأسرات قبل الألف الثالث قبل الميلاد بمصر . فقيل إنهم يكونون 33% من الشعب المصري وقتها . واستقرت مجموعة منها في حدود الألف الخامسة قبل الميلاد في تل العبيد ، وأريدو جنوب العراق .
هذه نظرية واهية لا أسس قوية لها ، ولا ضوابط تضبطها .

مترتبات الاختلاف التأصيلي:

لقد تولد عن الاختلاف في تأصيل مرجعية البربر فتنة عظيمة ، ذات رؤوس طالت المجال الاجتماعي ، ، فضلاً عن المجال النفسي للأفراد ، والمجال الأمني.
1- أما المجال الاجتماعي :
فقد شهد الحساسيات الأسرية كرفض التزوج مع العرب , كان من بوادر هذا السلوك الغالي ماعررف عن أتباع الأزارقة والصفرية في المغرب العربي ، وكذا عند الدولة البرغواطيةمنذ122هـ التي أسسها طريف أبو صالح وولده صالح
ولا يزال هذا المسلك سارياً حتى هذه الأيام في كثير من مناطق بلدان المغرب العربي .
2- وأما المجال النفسي
:
وهو الشعورات الذاتية الخاصة عند الأفراد . هو أمر أقام حواجز نفسية أعاقت التواصل ، والتواشج بين عامة الأفراد من البربر ، ومن العرب ، حين يعتمل في نفس كل منهما أنه الأفضل ، والأسمى . وهو أمر حالٌّ في الأوساط الآكاديمية ، والشعبية على حد سواء .
3- و أما المجال الأمني :
فهو مجال خطره متعدٍ وواسع ، تمثل في زعزعة الاستقرار داخل إطار الدول الحاوية لثنائية العرب والبربر. فقد ظهرت نزعات انفصالية تطالب بقسمة الدولة بين الطرفين ، أو منح الطرف البربري حكماً مستقلاً سيادياً عن القسم العربي ، وظهرت حركات وأحزاب ومؤسسات تعمل إلى تحقيق الأهداف الانفصالية وهي جهات وجدت زادها ودعمها جاهزاً باذخاً من الدول الاستعمارية كفرنسا وإنجلترا اللتين تمارسان نشاطات لا تبرأ عن الفتنة والغرضية ، تحت غطاء الفرانكفونية ،والأنجلوسكسوية. وتحت شعارات مثل(حق المغايرة الثقافية).و(حقوق الأقليات). ونحو ذلك من الحق الذي يراد به باطل.
لقد اتُّخذت وسائل الإعلام الإلكتروني خاصة واسطة لنشر النزوع الانفصالي والفرقة والفتنة بين العرب والبربر ،متهمين الداعين لوحدة العرب والبربر بأنهم طامسون للهوية الحضارية والتاريخية للسكان الأصليين ،ويسميهم البعض بالأعراب الدخلاء. ويصور هؤلاء هجرات بني هلال وبني سليم بأنها هجرات همجية مشؤومة .كل هذا الكلام يكشف مدى ما تمور به النفوس من ضغائن أفلح الخصوم في إيداعها قلوب الإخوة ذوي الأصل الواحد والتاريخ المشترك والحضارة المتآصرة ، كل ذلك لم يعكره إلا أنهم وصولهم كان سابقاً لوصول العرب ..



















الخاتمة
نقف هنا لنوصد باب البحث في قضية شائكة ، لم تزل منذ ظهرت محلاً للجدال والحوار الهائ حيناً ، والهائج أحياناً .إنها قضية الانتماء بما يحمله من إشكال وحساسية ، متولدة عن بعده المعرفي ، والنفسي ، والاجتماعي .
خلال هذا البحث طرقنا القضية-بإيجاز- من زوايا تاريخية ، ودينية ، واجتماعية ، وعلمية. وسنح لنا عد من النتئج أهمها ما يلي:
إن التعددية الانتمائية ظاهرة مجتمعية عالمية لا تخلو منها بلاد من بلدانالعالم الحديث.1-
2-ظاهرة التعددية الانتمائية في المغرب العربي تحولت إلى أزمة وإشكالية طالت المجال النفسي للأفراد ، والمجال الاجتماعي للمجتمعات ،والمجال الأمني للدول.3-
4-تعددت النظريات التي درست المرجعيةالعرقية البربر المغرب العربي ، وكان اقواها وأرجحها النظرية العروبية التي ترجع البربر إلى أصولهم العربية ، التي صدر عنها إخوانهم العرب .
5-كانت نظرية الأصل الأوربي للبربر أداة ضممن استراتيجية استعمارية وظفها الفرنسيون منذ القرن التاسع عشر ؛ لتكون عونا لهم في السيطرة على أهل وأرض المغرب العربي ، تطبيقاً لمبدأ (فرّق ؛تسدْ)
5-إن شيوع وتبني النظرية العروبية، فيه ضمان لقدر مطمئن من الاستقرار العام للنسيج الاجتماعي ، والحالة الأمنية ، والشعور النفسي .بقدر ما فيه من قصف للأطماع الخارجية ، والمساعي الغرضية التي ترومها بعض الدول الغربية، غير الغبية
6-لعل الفرق الوحيد بين العرب والبربر ، أن البربر وصلوا قبل العرب ..
وهذا آخره والحمد له الذي بنعمته تتم الصالحات.



















المراجع
-أقطار المغرب العربي وتحديات الغزو الثقافي – عبد الباسط دردور. كلية الدعوة الإسلامية .طرابلس . ط1. 2002
- الأنيس المطرب . علي بن أبي زرع. دار المنصور. تحقيق : محمد الهاشمي الفيلالي .1973دط
- البربر عرب قدامى . محمد المختار العرباري. المجلس القومي للثقافة العربية. الرباط . ط1. 1993.
-تاريخ المغرب وحضارته . حسين مؤنس . العصر الحديث للنشر والتوزيع .بيروت.ط1. 1992
-البيان المغرب في ذكر أخبار الأندلس والمغرب . ابن عذارى المراكشي. تحقيق: بروفنسال . وكولان. دار الثقافة . بيروت . ط3-1983 .
- المجتمع العربي الإسلامي: الحياة الاقتصادية والاجتماعية . الحبيب الجنحاني. سلسلة عالم المعرفية . مطابع السياسة . الكويت 2005



#خالد_إبراهيم_المحجوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيميائيات ، بين غياب الريادة وإشكالية التصنيف
- الإبداع بين قيد التوظيف، وفضاء التحرر
- الفكر الجماهيري :نظرة نقدية
- العوائق التنموية في القارة الأفريقية : تشخيص وعلاج
- شعوبية أم عروبية: دراسة في ظاهرة العصبية السلالية
- الأمن المغاربي بين الإسلام السياسي والإسلام العسكري
- الخطاب الصوفي بين الفتنة والاغتراب
- بلاغة اللغة ولغة البلاغة
- العولمة وإشكاليةالخصوصية الثقافية للأقليات
- جدلية المثقف والسلطة بين االإقصاء والإخصاء
- آلية التأويل في منهج الصادق النيهوم
- بعيدا عن الحضارة الورقية
- الجمال : بين خلل المعايير ، وخفاء التجليات
- جدلية الفلسفة والدين
- ملامح التأثير الحداثي في الفكر الديني


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خالد إبراهيم المحجوبي - إشكالية الانتماء عند سكان المغرب العربي: نظرة في المرجعية العرقية ومترتبات التعدد