أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسقيل قوجمان - العلاقات التنظيمية بين اعضاء حزب شيوعي















المزيد.....


العلاقات التنظيمية بين اعضاء حزب شيوعي


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 3040 - 2010 / 6 / 21 - 13:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العلاقات التنظيمية بين اعضاء حزب شيوعي

في رسالة الكترونية من قارئ عزيز تلقيت بعض الاسئلة ومنها السؤال التالي:
"هل يمكن لشيوعي ومهما كانت الظروف والمبررات ان يقســو على رفيقه فيضطهده أو يحاربه ليسلبه حريته او حياته؟"
عزيزي القارئ ان سؤالك سؤال مهم جدا وسأحاول في الاسطر التالية الاجابة عليه بما اعتقده صحيحا.
لكي استطيع مناقشة هذا الموضوع علي اولا ان اتحدث عن طبيعة الحزب الشيوعي خصوصا والاحزاب السياسية عموما. الحزب الشيوعي ككل حزب سياسي منظمة اختيارية تضم اشخاصا يحملون نفس الاراء ويناضلون من اجل تحقيق نفس الاهداف. فمن آمن بنفس الاراء ويعمل من اجل تحقيق نفس الاهداف هو شخص صالح للانضمام الى الحزب. ولا اريد هنا ان اتحدث عن اراء الاحزاب الشيوعية وعن الاهداف التي تناضل من اجل تحقيقها لان ذلك خارج موضوعنا.
على هذا الاساس ليس هناك فرق بين عضو واخر في الحزب. فجميع اعضاء الحزب لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات وهي الالتزام باراء الحزب والنضال في سبيل تحقيق الاهداف التي يناضل من اجلها. ورغم ذلك توجد فروق بين اعضاء الاحزاب الشيوعية كأن يكون بعض الاعضاء اعضاء قياديين في الحزب ويكون اعضاء اخرون اعضاء قواعديين في الحزب. يتعين ذلك بالظروف الشخصية لكل عضو مثل قدمه في الحزب ونشاطه وثقافته الحزبية واتقانه للنظريات التي يؤمن بها الحزب وكفاءته في توجيه وقيادة منظمات الحزب في الاتجاه الصحيح وسرعة بديهته عند وجود الحزب في موقف يتطلب سرعة القرار لتحقيق الاهداف التي يناضل الحزب من اجل تحقيقها. التفاوت هو في تفوق كفاءات عضو على كفاءات عضو اخر في الحزب. الا ان هذا التفاوت لا يؤدي الى تغيير واقع ان جميع اعضاء الحزب متساوون من حيث الحقوق والواجبات.
الحزب الشيوعي منظمة سياسية تهدف كما يهدف كل حزب سياسي الى الاستيلاء على السلطة وبناء المجتمع الذي يعتبره مجتمعا عادلا او ضروريا حسب نظرياته وارائه. والحزب الشيوعي يهدف استراتيجيا كما نعلم الى الثورة على النظام الراسمالي وتحقيق نظام اشتراكي. وعلى كل عضو في حزب شيوعي او حزب ماركسي ان يؤمن بهذا الهدف وان يعمل من اجل تحقيقه.
النضال في الاحزاب الشيوعية يتضمن اخطارا جسيمة كالاعدام والقتل والتظاهر والاضراب والعصيان والسجون ولذلك فان بعض الاعضاء لا يستطيعون الاستمرار في النضال في مثل هذه الظروف. وتنص انظمة الاحزاب الشيوعية على مواد تعالج مثل هذه الحالات. وفي حالة وجود اشخاص لا يستطيعون الاستمرار في هذا النضال او يتخاذلون في تنفيذ الواجبات التي تفرضها عليهم عضويتهم في الحزب او يحملون نظريات واراء تختلف عن اراء ونظريات الحزب فعلى الحزب ان يتخذ الاجراءات المناسبة في مثل هذه الحالات. فاذا كان بالامكان تثقيف وتدريب العضو بصورة تؤدي الى اقتناعه واستعداده في النضال تتخذ بحقه اجراءات معينة كوضعه تحت التجربة او التثقيف او تجميد عضويته لمدة معينة. وفي الحالات التي يرى الحزب فيها ان عضوا او مجموعة من الاعضاء يسلكون سلوكا مخالفا لمتطلبات الحزب او يحملون اراء مناقضة او مخالفة لاراء الحزب ونظرياته او انهم يتهاونون في تنفيذ قرارات الحزب فالاجراء الاشد في مثل هذه الحالات هو فصل هذا العضو او هؤلاء الاعضاء من الحزب. وقد احتوت جميع الانظمة الداخلية للاحزاب الشيوعية مادة تشير الى ضرورة ما يسمى تطهير الحزب من الانتهازية على اعتبار ان الحزب يحتاج في فترات معينة من النضال ان يطهر نفسه من الاعضاء غير الجادين في تادية واجباتهم الحزبية لاي سبب من الاسباب. فالتطهير او الفصل من الحزب هو اقسى اجراء يحق للحزب ان يتخذه.
الحزب الشيوعي كما الاحزاب السياسية الاخرى ليس حكومة او دولة او مؤسسة قضائية او غير ذلك. انه مجرد حزب سياسي يضم اعضاء انضموا اليه باختيارهم. ولذلك لن يحق لاي حزب او لاي عضو من اعضاء الحزب ان يصدر احكاما بحق اي عضو خلاف الاجراءات المقررة في الانظمة الداخلية واقساها الفصل من الحزب. ومن هذا نستنتج ان اية عملية تختلف عن هذه الاجراءات هي عملية لا علاقة لها بالاحزاب الشيوعية ولا بالنظرية الشيوعية. هنا استطيع الاجابة عن سؤالك المذكور اعلاه بانه لا "يمكن لشيوعي ومهما كانت الظروف والمبررات ان يقســو على رفيقه فيضطهده أو يحاربه ليسلبه حريته او حياته؟"
لم تلتزم جميع الاحزاب الشيوعية بهذا المبدأ الاساسي في حياة الاحزاب الشيوعية وعرفت مخالفات كثيرة لهذا المبدأ وليس قليلا ما عرف في تاريخ الحركة الشيوعية العراقية. وهناك اشخاص ما زالوا على قيد الحياة يتحدثون عن تجارب شخصية في هذا الخصوص. ولا اريد الدخول في هذا المقال في سرد بعض الحوادث التاريخية التي تتضمن خرقا للقواعد التنظيمية الحزبية والقيام باعمال لا علاقة لها بالسلوك الطبيعي للاحزاب الشيوعية. فالاشخاص الذين عانوا من مثل هذا السلوك غير الشيوعي احق مني في الحديث عن تجربتهم في هذا الخصوص.
والامر يختلف حين يصبح الحزب الشيوعي حزبا حاكما يقود شعبه في طريق بناء المجتمع الاشتراكي والسير قدما سيرا وئيدا نحو تحقيق المجتمع الشيوعي. ففي هذه الحالات يصبح الامر معقدا نظرا الى ان الحزب هو حزب شيوعي من جهة والحزب هو حزب حاكم في الوقت ذاته من جهة اخرى. فمهام الحزب كحزب سياسي تختلف عن مهامه كحزب حاكم. كحزب سياسي تبقى مهام الحزب الاساسية نفس مهامه حين كان حزبا معارضا. مهمته الاساسية هي تحقيق وحدة العمال والفلاحين حول الحزب وتثقيفهم بالنظرية الماركسية ورفع مستواهم الثقافي والنظري وتطوير امكانياتهم للنضال في تحقيق اهداف الحزب وغير ذلك. اما كحزب حاكم فمهامه هي ادارة الدولة وتنظيم الانتاج الاجتماعي وتحويله من انتاج يقوم على اساس النظام الراسمالي الى انتاج يقوم على اساس النظام الاشتراكي. وفي هذه المهمة ينبغي على الحزب ان ينظم مؤسسات الدولة وجيشها ومصانعها ومواصلاتها ومؤسساتها المالية واستيراداتها وصادراتها واكتشاف كنوزها وكل ما تتطلبه الدولة من المؤسسات والاعمال.
في موضوع هذا المقال لابد ان نبحث دور الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي لانه اول حزب شيوعي يحقق مجتمعا اشتراكيا في التاريخ. وقد احاقت بهذا الحزب اتهامات بكونه استعمل العنف في حق خيرة اعضائه واتهام ستالين بقتل هؤلاء الاعضاء. لذا علينا ان نتطرق الى حق عضو شيوعي في اضطهاد عضو اخر او حق الحزب في اضطهاد عضو من اعضائه حتى حين يصبح حزبا حاكما كالحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي في فترة قيادة لينين وستالين. والجواب هو نفسه لا "يمكن لشيوعي ومهما كانت الظروف والمبررات ان يقســو على رفيقه فيضطهده أو يحاربه ليسلبه حريته او حياته؟" اما في حالة كون الحزب حزبا حاكما فان من مهامه مكافحة الجريمة والقضاء على البغاء واستخدام القضاء في معاقبة المجرمين وتكوين جيش وتسليحه واعداده للدفاع عن الوطن الاشتراكي وغير ذلك من مهام الدولة كوضع برامج السنوات الخمس وتحقيق الزراعة التعاونية وانشاء قطر متعدد القوميات بصورة غير معروفة سابقا كما حصل في الاتحاد السوفييتي. وانجز الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي جميع هذه المهام بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية. وراى العالم نتائج ذلك بالتقدم الذي حول الاتحاد السوفييتي من افقر بلد في اوروبا زراعيا وصناعيا الى اكثر بلد في اوروبا تقدما صناعيا وزراعيا وفي هبته هبة رجل واحد في الدفاع عن وطن الاشتراكية الاول في تاريخ البشرية. كان ستالين بعد لينين هو القائد الاول لجميع هذه الانجازات.
ولكننا منذ استيلاء خروشوف والخروشوفيين على الحكم في الاتحاد السوفييتي وعلى قيادة الحزب بدأنا نسمع عن الملايين الذين قتلهم ستالين خلال الفترة التي قاد فيها الحزب الشيوعي والشعوب السوفييتية في تحقيق المجتمع الاشتراكي والسير باتجاه المجتمع الشيوعي. تختلف تقديرات عدد الملايين الذين قتلهم ستالين في هذه الفترة. هناك من يتواضع فيحدد عددهم بعشرين مليونا بينما يقدرهم اخرون باكثر من ذلك وما زال العدد يتضاعف كلما ابتعد تاريخ وفاة ستالين وكأنه ما زال يفتك بشعوب الاتحاد السوفييتي حتى بعد وفاته. فبلغ العدد ثلاثين مليونا واربعين مليونا وحتى فدرهم مجرم الحرب بوش بمائة مليون.
السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو هل قام ستالين بقتل هذه الملايين اثناء ممارسة مهمته كقائد للحزب الشيوعي ام قام بقتلهم اثناء مهمته كقائد للدولة السوفييتية؟ للجواب على هذا السؤال تبرز امامنا الصفة الازدواجية للحزب الشيوعي التي نشأت بعد ثورة اكتوبر. فلاول مرة في التاريخ اصبح الحزب الشيوعي فيها منظمة قائدة للدولة اضافة الى كونه منظمة سياسية. ولكي نجيب على السؤال علينا ان نراجع دور الحزب الشيوعي البولشفي كمنظمة سياسية اولا وكمنظمة قيادية للدولة ثانيا.
الحزب الشيوعي كمنظمة سياسية بعد استلامه للسلطة لا يختلف عن اي حزب شيوعي اخر. فهو حزب اختياري طوعي يضم اشخاصا يؤمنون باراء الحزب وباهدافه وبنظرياته الى اخر ذلك من صفات الحزب السياسي. والحزب البولشفي بقي منظمة سياسية طوعية حتى بعد استيلائه على السلطة. وما ينطبق على الحزب حين كان خارج السلطة ينطبق عليه بعد استلام السلطة. وقد راينا ان الحزب كمنظمة ليس له الحق في سلوك اية مهمة من مهمات الدولة كالمحاكمة والسجن او الاعتقال او اية عملية اضطهاد او قسوة تجاه عضو من اعضائه. فهل سلك الحزب الشيوعي البولشفي هذا السلوك وتمسك به خلال قيادة لينين ثم ستالين؟
معروف تاريخيا ان الحزب البولشفي منذ انتصار ثورة اكتوبر كان يضم كتلا سياسية تختلف في بعض مواقفها وارائها مع القيادة الرسمية للحزب. ففي ١٩١٨ مثلا كانت في الحزب ثلاث كتل معروفة تمارس نشاطها علنا وتنشر ادبياتها واراءها وتروج لافكارها وتناقش في هذا الاتجاه في مؤتمرات الحزب وفي اللجنة المركزية والمكتب السياسي. كانت هذه المنظمات الثلاث منظمة تروتسكي ومنظمة بخارين ومنظمة زينوفييف كامينيف. وقد كانت قوة هذه المنظمات واسعة في داخل الحزب الى درجة انها، كما تنص شهادة بخارين في محاكمته، كانت تتصور انها تحوز على الاغلبية في المؤتمر وتحدث انقلابا في السياسة، اي العودة الى الراسمالية. وحين لم تحصل هذه الكتل على اغلبية في المؤتمر، كما اشار بخارين، كانت الكتل الثلاث بالاتفاق مع الاشتراكيين الثوريين تفكر في اعتقال او التخلص من لينين وستالين وسفيردلوف لتحقيق الانقلاب.
مارست هذه الكتل الثلاث نشاطها داخل الحزب حتى ١٩٢٨ ومع ذلك استمر انتماؤها الى الحزب وتسنم مناصب قيادية فيه. والاساس في ابقاء هذه الكتل في الحزب رغم مخالفتها للسياسة العامة للحزب هو ان اختلافها مع الحزب لم يؤثر على تنفيذها ولو ظاهريا لقرارات الاغلبية. ولكن الامور في ١٩٢٨ اختلفت نوعما عند اتخاذ قرار القضاء على الكولاك كطبقة. فلم تلتزم هذه الكتل بالقرار وجرى طرد قادتها من الحزب وفقا لقاعدة تطهير الحزب. ولم يعتقل اي من هؤلاء القادة او يحاكم او يسجن او يعدم او يقتل. بل بالعكس حين اعلنوا جميعهم او اغلبهم اعترافهم بصحة اراء الحزب وصحة قراراته ووعدوا بتنفيذ قرارات الحزب المتخذة بالاغلبية اعيدوا الى الحزب لان الحزب لا يفرط باعضاء لهم تاريخ سياسي مثل هؤلاء. من هذا نرى ان الحزب البولشفي لم يتغير من هذه الناحية عما كان قبل استلام السلطة بل بقي حزبا سياسيا وبقي نظامه الداخلي كما كان قبل استلام السلطة. فالحزب لم يمارس اية وسائل من وسائل السلطة السياسية في معاملة هؤلاء الاعضاء.
ولكن الامر الجديد هو ان الحزب استولى على السلطة السياسية واخذ يقود شعوب الاتحاد السوفييتي في الاتجاه الذي تحدده اهداف الحزب البولشفي، اي بناء المجتمع الاشتراكي والسير نحو بناء المجتمع الشيوعي. اصبح الحزب الشيوعي مالكا لكافة سلطات ومؤسسات الدولة كالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية والتطور الاقتصادي واعداد الجيش للدفاع عن سلطته السياسية. ولم يكن في الاتحاد السوفييتي فصل للسلطات كما هو الحال في الدول الراسمالية بل كانت السلطة التشريعية هي المسيطرة على كافة السلطات الاخرى وليس هذا بحثنا في هذا المقال.
من حق الدولة السوفييتية كما هو من حق اية سلطة سياسية في العالم ان تعمل على صيانة امنها وسلطتها بكل الوسائل المتوفرة لديها. ومن جملة هذه الحقوق ان تحاكم من يقوم بحركات تهدف الى اضعاف النظام القائم او تقويضه. في هذا المجال كانت المحاكمات الشهيرة في ١٩٣٦ و١٩٣٧ و١٩٣٨. ففي هذه المحاكمات مارست الدولة السوفييتية حقا من حقوقها لصيانة نظامها. والنقاش ينبغي ان لا يدور حول حق الدولة السوفييتية باجراء مثل هذه المحاكمات ام لا. فهذا حق تمارسه كل دولة ولا يمكن حرمان الدولة السوفييتية منه لانها سلطة يقودها حزب شيوعي. والنقاش يجب ان يدور حول ما اذا كانت هذه المحاكمات صحيحة وعادلة ام لا. وفعلا تختلف الاراء حول احقية تلك المحاكمات او عدم احقيتها حتى يومنا هذا.
جرت المحاكمات من قبل محكمة دستورية تتألف من عدة قضاة ومدع عام وهيئة محامي دفاع لمن يطلب توكيل محامي دفاع ولو ان اغلب المتهمين فضلوا الدفاع عن انفسهم بانفسهم. وجرت المحاكمات بصورة علنية دعي لحضورها كافة سفراء الدول التي لها علاقات دبلوماسية وسفراء في الاتحاد السوفييتي بمن في ذلك سفراء المانيا واليابان وحضر المحاكمات صحفيون من ارجاء العالم. ان التاريخ لم يعرف محاكمة سياسية حصلت بمثل هذه العلنية الواسعة. فقد الفنا محاكمات تجري في جلسة واحدة وبدون حضور اي انسان عدا رجال الشرطة ويجري الحكم فيها على عشرات المتهمين خلال ساعة او ساعتين. واننا نألف في ايامنا هذه الاعتقالات بالالاف في سجون علنية او سرية مع ابشع انواع التعذيب التي ابتكرها مجرمو الحرب بدون محاكمة وبدون تهمة ولسنوات عديدة كما يحدث امام اعيننا في العراق وفي ارجاء العالم. اما المحاكمات في الاتحاد السوفييتي فقد جرت امام اعين حتى سفراء الدول الذين كانوا موضع اتهام في المحاكمات. وقد حضرها اول سفير للولايات المتحدة في الاتحاد السوفييتي ولم يتغيب حتى عن جلسة واحدة وكانت له ولعائلته علاقات صداقة شخصية مع عدد من المتهمين وعوائلهم. وكتب هذا السفير كتابا عن تجربته في الاتحاد السوفييتي بعنوان Mission to Moscow تحدث فيه عن كامل تجربته في الاتحاد السوفييتي ومن جملة ذلك المحاكمات. وكان هذا الشخص راسماليا وصديقا للرئيس روزفلت ومحاميا وقاضيا فلا يمكن اتهامه بالتحيز للشيوعية. وقامت هوليوود بانتاج فلم بنفس العنوان استنادا الى الكتاب اثناء الحرب العالمية الثانية. وقد اعتبر هذا السفير المحاكمات عادلة واعتبرها القضاء على الرتل الخامس السوفييتي.
مع ذلك يعتقد الكثيرون ان هذه المحاكمات كانت طريقة لتخلص ستالين من منافسيه السياسيين وخصوصا من بخارين الذي يعتبرونه اشد المنافسين لستالين او اكثر من ستالين في ثقافته الماركسية او غير ذلك. ورغم ان المحاكمات كانت علنية بحضور كل هؤلاء السفراء والصحفيين من كل العالم يدعي الكثيرون ان اعترافات المتهمين في تلك المحاكمات جرت نتيجة التعذيب او نتيجة التهديد باضطهاد او قتل عوائلهم او اعترفوا من اجل انقاذ حياتهم.
اننا نعرف عن اعترافات جرت تحت التعذيب في حياتنا السياسية وتعرف عن محاكمات جرت في حقنا خلال ساعة او ساعتين من قبل النعساني خائف الله الذي كان يؤجل اصدار قرار الحكم حتى يكمل صلاته الى الله طالبا غفرانه على اصدار احكام مكتوبة ومقررة قبل المحاكمة. ففي تجربتي مثلا اعلن ضابط الشرطة الذي القى علينا القبض في بيتنا فرحه بصيد حبيبة وزوجها وقال بالحرف الواحد "هي راح تروح خمس سنين وهو بالسجن المؤبد". اي ان قرار الحكم صدر علي وعلى زوجتي لحظة اعتقالنا ولم تكن المحاكمة سوى عملية روتينية لا قيمة لها. ومع ذلك كنا نعلن صراحة حتى في جو مثل هذه المحاكمات عن تعذيبنا وعن اخذ الاعترافات منا بالتعذيب.
ولكن الامر يختلف في المحاكمات السوفييتية موضوع البحث. فبين جميع المتهمين، وبينهم العديد ممن كانوا يمارسون مناصب قيادية في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب وكانوا يمارسون مناصب حكومية عالية في الدولة، لم يجرؤ اي من هؤلاء المتهمين على الاعلان عن ان اعترافاته قد اخذت تحت التعذيب. ورغم ان المدعي العام سال بعض المتهمين ان كانوا قد اعترفوا تحت التعذيب او انهم تعرضوا للتعذيب اصلا فانكروا ذلك انكارا تاما وحتى قال بعضهم انهم في الواقع هم الذين مارسوا التعذيب بانكارهم التهم الموجهة اليهم مددا طويلة. فهل من صفات القائد الماركسي العريق في النضال والمنافس لستالين ان يخشى الاعلان عن انه اجرى اعترافاته تحت التعذيب او حتى الى القول بان اعترافاته كانت غير حقيقية؟
والسؤال الهام في هذا الموضوع "ماهي التهم الموجهة الى المتهمين. هل حوكم المتهمون عن ارائهم السياسية او الفكرية او النظرية ام حوكموا عن جرائم اخرى لا علاقة لها بالاراء والنظريات؟" . نشرت في حينه جميع تفاصيل هذه المحاكمات وكل كلمة قيلت فيها من قبل القضاة او المدعي العام او من الشهود او المتهمين. ومن يقرأ الكتب الثلاثة حول تفاصيل المحاكمات من الفها الى يائها لا يجد كلمة واحدة تتعلق بالاراء السياسية والفكرية والنظرية للمتهمين. كانت الاتهامات كلها حول جرائم ضد الدولة من تخريب وقتل وتآمر واتفاقات مع دول اجنبية ضد الدولة السوفييتية. فقد جرت مثلا محاكمة الطبيب الخاص لمكسيم غوركي الذي اعترف بانه قتل مكسيم غوركي عن طريق علاجه علاجا معاكسا لمتطلبات العلاج الحقيقية. وقد شرح بالتفصيل كيف اجرى قتل مكسيم غوركي عن طريق العلاج المدمر لصحته. ولكي لا يخطئ القضاة في اخذ القرار الخاطئ في مثل هذه الحالة دعي خمسة من اعظم اطباء الاتحاد السوفييتي لكي يسمعوا اعترافات هذا الطبيب ويقرروا ما اذا كان ذلك يؤدي فعلا الى وفاة مكسيم غوركي ام لا. وقد قرر الاطباء بعد دراسة اعترافات هذا الطبيب بالاجماع بان علاجات هذا الطبيب تؤدي الى وفاة المريض. فهل يعتبر الحكم على مثل هذا الطبيب الذي اعترف كذلك بقتل ابن مكسيم غوركي ايضا حكما سياسيا او نظريا او فكريا او منافسا لستالين؟ وهل يمكن اعتبار الحكم على مثل هذا الطبيب القاتل قتلا سياسيا؟ يستطيع المرء ان يناقش قساوة الحكم على هذا الطبيب بالاعدام ويعتبر انه كان من الرحمة ان يخفف حكمه الى اقل من الاعدام. ولكن ليس بامكان اي شخص ان يشمل اعدام هذا الطبيب القاتل لمرضاه عن سبق اصرار وترصد بالملايين الذين قتلهم ستالين.
ليس بالامكان ايراد امثلة كثيرة عن هذه المحاكمات في مقال كهذا. لذا اقتصر على ايراد محاكمة ابرز هؤلاء المتهمين، بخارين الذي يعتبره البعض المنافس الاول في قيادة الحزب لستالين ويعتبرون ان ستالين قتله للتخلص من منافسته. ما هي التهم التي حوكم بخارين عليها في المحكمة؟ اورد هنا تهمتين فقط من التهم الكثيرة التي وجهت اليه واعترف بها. التهمة الاولى هي مؤامرة الانقلاب على الدولة السوفييتية في سنة ١٩١٨. فقد اعترف بخارين بان كتلته وكتلة تروتسكي وكتلة زيونفييف كامينيف اتفقوا مع الاشتراكيين الثوريين باجراء انقلاب يعيد الراسمالية الى الاتحاد السوفييتي. واعترف بان الخطة كانت اعتقال لينين وستالين وسفيردلوف وتحقيق الانقلاب السياسي. ولم يكن بخارين جبانا او خائفا من النقاش والاعتراض على اقوال المدعي العام والدفاع عما يعتبره غير صحيح في اقوال المدعي العام او الشهود. فقد كان يناقش المدعي العام نقاشا حادا طويلا حول اية جملة لا يوافق على نصها الى ان يحقق وضعها بالصورة التي يعتبرها صحيحة. وفي هذه الحالة لم ينكر بخارين حقيقة المؤامرة وانما ناقش الشاهدة على موعدها. فهي كانت تصر على ان المؤامرة كانت قبل المؤتمر الحزبي وهو كان يصر على ان المؤامرة كانت بعد المؤتمر الحزبي. وكانت الشاهدة تصر على ان اعتقال القادة الثلاثة كان يعني التخلص منهم جسديا وهو كان يصر على ان الاعتقال كان فقط لحجزهم واجراء الانقلاب. ولكنه اعترف اعترافا تاما بوجود المؤامرة.
والتهمة الثانية التي اود ادراجها هنا هي تهمة الاتفاق مع المانيا على الهجوم على الاتحاد السوفييتي لقاء اهدائهم اكرانيا ثمنا لذلك. فلم ينكر بخارين وجود مثل هذا الاتفاق ولكنه بين انه لم يشترك في التفاوض حول هذا الاتفاق. وبين رغم ذلك انه مسؤول أدبيا وسياسيا عن هذا الاتفاق لانه احد قادة منظمة تروتسكي بخارين الرئيسيين. ولم ينكر مسؤوليته عن الاتفاق رغم انه لم يشترك مع تروتسكي في التفاوض عليه.
هنا ايضا يمكن للمرء ان يناقش قساوة المحكمة على بخارين بالحكم عليه بالاعدام رغم ان الاتفاق مع دولة اجنبية للهجوم على دولته هو الخيانة العظمى في عرف كل دول العالم. وليس غريبا عنا مثلا اعدام العالمين الذريين الزوجين روزنفيلط بهذه التهمة على اساس انهما افشيا بعض اسرار القنبلة الذرية الى الاتحاد السوفييتي. ولكن لا يمكن للمرء ان يشمل اعدام بخارين بملايين البشر الذين قتلهم ستالين خوفا من منافستهم له.
انتقل الان الى تهمة قتل عشرين مليونا او اكثر من ذلك. ليس من ينكر ان قيادة شعوب الاتحاد السوفييتي في بناء المجتمع الاشتراكي جرى بقيادة ستالين بعد وفاة لينين. وليس ثمة من ينكر ان ستالين كان قائد الشعوب السوفييتية في الحرب ضد النازية. ومع ذلك يتهمون ستالين بقتل عشرين مليونا اضافة الى المهام العظيمة الهائلة التي قام بها لدى قيادته للحزب والدولة والتي يعجز عن تحقيق اي منها رجل مهما كانت كفاءاته. ولكن قتل الملايين عملية كبيرة تحتاج الى جيوش وقوات جبارة وسجون ومعتقلات وافران غاز وغير ذلك من متطلبات القتل الجماعي. فهل كانت لدى ستالين مثل هذه القوى التي تستطيع قتل الملايين بالاضافة الى قوى الشعوب السوفييتية المنهمكة في تطوير مجتمعها الاشتراكي والسير به نحو المجتمع الشيوعي تحت قيادته؟
لكي يقوم هتلر بقتل الملايين ليس من شعبه انما من شعوب اخرى ومن اليهود المنتمين لشعبه كانت لديه معسكرات الاعتقال وافران الغاز ومعسكرات الابادة الجماعية وكل ما يتطلبه ذلك من كوادر الاس اس والقتلة المحترفين لتنفيذ ذلك. ومع ذلك لم ينجح هتلر بقتل عشرين مليونا اذا استثنينا الجنود الذين قتلوا في الحرب ضد العالم كله. ولم تستطع الولايات المتحدة خلال سبع سنوات من احتلال العراق واستخدام الطائرات لتدمير مدن بكاملها على سكانها واستخدام قنابل اليورانيوم المنضب والفوسفور الابيض والقنابل العنقودية والاسلحة الكيمياوية وكافة اسلحة الدمار الشامل واستخدام جيش اميركي قوامه مائة وخمسين الف جندي واستخدام جيوش المرتزقة المدربين على قتل البشر وانشاء فرق الموت واستخدام السجون العلنية والسرية مع ابشع اعمال التعذيب الجسدي والنفسي واستخدام عملائها ومليشياتهم ان تقتل سوى اكثر من مليون عراقي خلال هذه السنوات السبع. فكيف استطاع ستالين ان يقتل عشرين مليونا وهو منهمك في قيادة الشعوب السوفييتية في البناء وفي الدفاع عن وطن الاشتراكية في اوقات فراغه؟
كان عدد سكان الاتحاد السوفييتي في الثلاثينات يقدر بحوالى مائة وثمانين مليونا. واذا قام ستالين بقتل عشرين مليونا منهم، وفرضنا ان لكل قتيل اربعة اشخاص من اقربائه كزوجته واولاده واخوانه وابائهم وامهاتهم يصبح عدد المنكوبين من جراء قتل عشرين مليونا مائة مليون انسان. فكيف هبت شعوب الاتحاد السوفييتي للدفاع عن الوطن الاشتراكي تحت قيادة ستالين هبة رجل واحد بعد كل هذه النكبات التي سببها لهم؟ وكيف لم يقم ااكثر من نصف سكان الاتحاد السوفييتي الذين يتمهم ورملهم ستالين بالانتقام منه بل كانوا يموتون هاتفين يحياته؟
كل الاتهامات والافتراءات حول ستالين لم تغير من حب الشعوب السوفييتية لقائدهم ستالين العظيم. واكبر برهان على ذلك اختيار الشعب الروسي في ٢٠٠٩ ستالين كاعظم قائد في تاريخ روسيا حتى قبل لينين وبعد التلاعب في طريقة اجراء الاستفتاء اصبح ثاني اعظم قائد في تاريخ روسيا رغم كل الدعايات المتواصلة اكثر من خمسين سنة بعد وفاته في ارجاء العالم وفي بلدان الاتحاد السوفييتيتي السابق. ان اظهار ستالين كقاتل وجاهل وغير ذلك من الاتهامات لم يكن سوى ستار لاخفاء اكبر جريمة سياسية في تاريخ البشرية، جريمة تحطيم النظام الاشتراكي وتحويل الدولة الاشتراكية الى دولة راسمالية.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبيعة النقابات الاقتصادية والسياسية
- ذكريات شخصية (اخيرة)
- ذكريات شخصية 3
- ذكريات شخصية 2
- ذكريات شخصية 1
- شكرا يعقوب ابراهامي
- رأي على تعليق
- الديالكتيك الالهي والديالكتيك المادي
- حميد عثمان والديالكتيك وحسقيل قوجمان
- مجزرة الكوت كما اتذكرها
- الطبابة او العناية الصحية في السجون السياسية
- الانشاد والغناء في السجون السياسية
- رسالة شكر للاخ وصفي يوسف
- هل ستالين ام تروتسكي احد قائدي ثورة اكتوبر؟
- دولة العدالة الاجتماعية 2
- دعوة موجهة الى شيوعيي وتقدميي العالم
- دولة العدالة الاجتماعية
- قانون الانتخابات وموضة دولة القانون
- ذكرى ثورة اكتوبر بمفهوم فالح عبد الدجبار 2-2
- ذكرى ثورة اكتوبر بمفهوم فالح عبد الجبار 1-2


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسقيل قوجمان - العلاقات التنظيمية بين اعضاء حزب شيوعي