أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسقيل قوجمان - ذكريات شخصية 2















المزيد.....

ذكريات شخصية 2


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 2985 - 2010 / 4 / 24 - 12:07
المحور: سيرة ذاتية
    


ذكريات شخصية ٢

نقل سجناء من بعقوبة الى نقرة السلمان
في اواخر ١٩٥٤ على ما اتذكر نقلوا عددا كبيرا من السجناء من بعقوبة الى نقرة السلمان فاصبحت منظمتنا الشيوعية كبيرة مرة اخرى. مباشرة بعد مجيء السجناء من بعقوبة الى نقرة السلمان سحبوا جريدة صوت السجين الثوري ولم يسمحوا لاحد عدا القيادة بقراءتها. وصدرت بعض الانتقادات غير المباشرة عن مواضيع الجريدة. فقد نشر زكي خيري بيانا بتوقيعه الشخصي من صفحة واحدة علقه على شباك احدى غرف السجن عن انكار لبعض ما كتبته عن موقف الاتحاد السوفييتي من الحرب ضد النازية بدون ان يشير الى جريدة صوت السجين الثوري او الى كاتبها. ولم تكن كتابة اعلان كهذا بتوقيع شخصي مألوفة في منظمة السجن بل كانت هذه الحادثة الوحيدة من نوعها طيلة حياتنا السجنية.
بعد اسبوع او اسبوعين شكلت محكمة لمحاكمتنا على اخطائنا قبل قدوم السجناء من بعقوبة ودعتنا للمحاكمة او المحاسبة عن الاخطاء التي اقترفناها في فترة وجودنا السابقة. تألفت المحكمة من مهدي حميد المسؤول الاول رئيسا وعضوية زكي خيري وعزيز الحاج والسجين الذي كان مدمنا على الكنين ونسيت اسمه واسميه للسهولة (المنسي). حاسبونا على الاخطاء كما تصوروها فأجبنا على بعض منها واعترفنا ببعضها الاخر. ومن الغريب ان بهاء وصادق جعفر تصرفا كما لو كانا في التحقيقات الجنائية وليس في محكمة شيوعية اذ انكرا كل شيء يخصهما ويعرفان انه حقيقة كما نفعل عادة في التحقيقات الجنائية.
كنت احد المتعرضين لاشد الاتهامات وانصب الاتهام على التثقيف والجريدة والاضراب. فاعتبروا الجريدة تثقيفا خاطئا وانا المسؤول عن هذا الخطأ. وعند طلبي منهم احضار الجريدة واعطاء امثلة على التثقيف الخاطئ فيها قالوا انهم احرقوها وكان هذا كذبا لان الذين كتبوا عن الحزب لاحقا من المقربين الى التحقيقات الجنائية وجدوا المجلة وكتبوا عنها وحتى زعم بعضهم انه وجد مذكرات حسقيل قوجمان. وقد اشار الى جريدة صوت السجين الثوري عزيز سباهي في كتابه عن تاريخ الحزب على انها صدرت باسم صوت السجين الثوري في بعقوبة وليس في نقرة السلمان. وهذا كذب مقصود. فلم تكن ظروف سجن بعقوبة تسمح باصدار جريدة اذ حتى الورق والاقلام كانت ممنوعة في هذا السجن الاميركي التصميم. ولو كان بامكان اي من هؤلاء اصدار جريدة بالمستوى الثقافي لجريدتنا لواصلوا نشرها بدون اخطاء حسقيل قوجمان بدلا من منعها واخفائها وايقاف اصدارها.
والانتقاد الثاني غير المنطقي هو اعتبارهم اياي المسؤول عن خطأ الاضراب الطويل عن الطعام. ورغم انني شرحت لهم انني رغم اني لم اكن من اللجنة القيادية ابطلت ستة اضرابات ولم استطع ابطال الاضراب الاخير نظرا الى ادعاء بهاء الدين نوري كذبا بان الاضراب جاء تلبية لامر الحزب، كان جوابهم انك المثقف وكان عليك مع ذلك ان تعرف ان الاضراب خاطئ. ولم يوجهوا كلمة عتاب او اتهام واحدة الى بهاء الدين نوري حول كذبته وادعائه بان الاضراب كان امرا من الحزب. وحين سالتهم ماذا كان يحدث لو ابطلت الاضراب وكان حقيقة بامر الحزب وكيف كان بامكاني ابطاله مع اصرار بهاء على الاستمرار فيه لم يستطيعوا الجواب. كان قرار المحكمة حرمان الاربعة من مراكزهم الحزبية القيادية واعتبار تثقيف حسقيل قوجمان خاطئا ومضرا للمنظمة وحرمانه من التثقيف اذ لم يكن له مركز حزبي يحرمونه منه.
كانت في تلك الفترة علاقة صداقة وثيقة بين ارا خاجادور وموشي قوجمان وشعر ارا بان المحكمة كانت اقسى على اليهود منها على غير اليهود فسأل زكي خيري لماذا كنتم اقسى على اليهود؟ فاجابه حسبما سمعته من موشي "هؤلاء على الاقل ابناء الحزب" اي ان اليهود ليسوا ابناء الحزب. واذا لم يكونوا ابناء الحزب ينبغي ان يقسوا عليهم اكثر من ابنائه. وفي مناسبة كنت اتناقش مع عزيز الحاج نقاشا وديا وفجأة قال "باي حق تكتب باسم الحزب؟" فقلت له اولا انا لم اكتب شيئا بدون علم المسؤولين او بطلب منهم. ثانيا ان من حق كل عضو في الحزب ان يكتب باسم الحزب والمقياس هو محتوى الكتابة وصحة او خطأ الافكار الواردة في الكتابة وان الانتقاد يجب ان ينصب على هذا المحتوى وتركته غاضبا. وبعد يومين دعيت الى اجتماع حضره جميع افراد اللجنة القيادية عدا عزيز الحاج واعتذروا واظهروا اسفهم على ما قاله عزيز الحاج. فشكرتهم على اعتذارهم وقلت لهم ان هذا الاعتذار لا يسوى فلسا لانه اعتذار بالنيابة والاعتذار الصحيح هو ان يقوم المخطئ بالاعتذار. فيما عدا ذلك لم نشعر بسياسة عامة ضد اليهود الا باشارات خفيفة في تلك الفترة.
بعد اسبوعين او ثلاثة اسابيع من المحاكمة جاءني مهدي حميد المسؤول الاول وطلب مني البدء بدورة اقتصاد سياسي لكافة السجناء. يبدو ان انتقادات واسعة النطاق كانت تجري في المنظمة حول سياسة الحزب خارج السجن كانت مزعجة لقيادة المنظمة ففكروا بالهاء السجناء بشيء ما. وقد كان ذلك واضحا في طلب مهدي حميد الشديد الغرابة. فقد علل طلب البدء بدورة اقتصاد سياسي بانتشار الانتقادات في المنظمة وانه يريد من دورة الاقتصاد السياسي الهاء السجناء عن الانتقادات. اذن فالهدف ليس تثقيف السجناء ورفع مستواهم الثقافي والنظري بل الهاؤهم عن الانتقادات. وطبيعي اني رفضت البدء بدورة كهذه نظرا الى ان تثقيفي حسب قرار المحكمة خاطئ ومضر بالمنظمة. وقلت له لديكم مثقفون يجيدون التثقيف تثقيفا صحيحا فليقوموا هم بالتثقيف. ولكنه اصر على اني انا الذي ينبغي ان اقوم بالمهمة. فقلت له اعترفوا بخطأ قراركم والغوا منعي من التثقيف. فاصر على ابقاء قرار المنع ومع ذلك علي ان اثقف. فرفضت. وقد تناوب اعضاء اللجنة القيادية بمحاولة اقناعي فلم اوافق. وصادف ان سجينا جاء حديثا وانضم راسا الى اللجنة القيادية جاءني لاقناعي بضرورة البدء بالدورة. فسألته هل تعلم ان هناك قرار من المحكمة بان تثقيفي مضر للمنظمة ومنعي من التثقيف؟ واذا كان تثقيفي خاطئا فكيف توافقون على ان اقوم انا بالتثقيف؟ فاجابني هذا المسكين "احنا نراقبك". فقلت له اذا كنت تستطيع مراقبتي ومنعي من التثقيف الخاطئ فلماذا لا تقوم انت بالتثقيف؟ وقلت له لو اردت تثقيف السجناء تثقيفا خاطئا فلا انت ولا ربك يستطيع مراقبتي. ولكني بعد يوم او يومين فكرت بان التثقيف هو لمصلحة السجناء ورفع مستواهم وان امتناعي عن التثقيف مضر ولا نفع فيه. فبدأت وواصلت التثقيف رغم وجود مثقفين مزعومين مثل زكي خيري وعزيز الحاج، ورغم ان حكم المحكمة بحرماني من التثقيف بقي قائما حتى ثورة تموز.
في تلك الفترة كانت محكومية موشي قوجمان على وشك الانتهاء فقرروا البدء بدورة ليلية ثقافية خاصة بهذه المناسبة تضم مهدي حميد وارا خاجادور وموشي قوجمان فقط. لم تدم هذه الدورة طويلا اذ بدأ الهجوم علينا وايداعنا جميعا تقريبا في الرياضة اي الحجز الانفرادي.

فترة السجن في بعقوبة
في ١٩٥٦ نقل جميع السجناء غير اليهود الى سجن بعقوبة. وقبل النقل شنت الادارة علينا هجوما قاسيا فعزلت اغلبية السجناء عن بعضهم وربطت بعضهم بالحديد في شبابيك قاعات السجن ونقلت البعض الاخر الى سجن القلعة القديم وعزلتهم. ولم يتركوا من السجناء مطلقي السراح غير العدد اللازم لاعداد الطعام والخبز. كنت بين السجناء الذين نقلوا الى سجن القلعة القديم وادخلت الى قلعة صغيرة كالسرداب في وسط السجن مع ثلاثة سجناء اخرين هم المنسي ونافع يونس واكرم حسين. بقينا نحن الاربعة في هذا الوكر طيلة مدة الرياضة لم يسمح لنا خلالها بالاستحمام او تغيير ملابسنا او النوم في فراش. كانوا فقط يسمحون لنا صباحا بالخروج لقضاء الحاجة نصف ساعة او ما يقرب من ذلك.
في صباح احد الايام ونحن نتناوب الدخول الى المراحيض جاء المنسي الذي كان المسؤول عنا في هذه الرياضة واخبرني ان الحزب قد نجح في توحيد كافة المنظمات الشيوعية مثل منظمة عزيز شريف ومنظمة عزيز محمد وجمال الحيدري. فقلت له من السهل على الحزب ابتلاع مثل هذه الوجبة الكبيرة ولكن المشكلة كيف سيهضمها. فاثار هذا الجواب المنسي واخذ يرعد ويزبد الى درجة الهذيان. ومن جملة ما قاله هو "اذا تريد تعرف ان اللجنة المركزية الحالية لحزبنا هي اكفأ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي." ثم قال "ان درس الديالكتيك الذي جرى مؤخرا لم يجر مثله ولن يجري مثله".
ومسألة دورة الديالكتيك هذه هي ان محمد عبد اللطيف اجرى دورة للديالكتيك يساعده يعقوب ابراهامي الذي ترجم كراس ماوتسي تونغ "حول التناقض" كوثيقة مساعدة للدورة. ولدى الانتهاء من الدورة جرى الاحتفال بختمتها في اجتماع عام وقدمت لمحمد عبد اللطيف جائزة فخرية. انا قمت بعشرات الدورات ولم يجر في اي منها احتفال بختمتها. كان واضحا ان الهدف من الدورة كان البرهان على انني لست الوحيد الذي يستطيع التثقيف وان في المنظمة من هو ابرع مني في تثقيف الديالكتيك. ولكني لم اعر اهتماما لهذا وقد القيت في نفس هذا الاجتماع العام كلمة بينت فيها ان هذه الدورة تبرهن على ان الحزب بحاجة الى المزيد والمزيد من المثقفين الماركسيين. وبعد فترة وجيزة سفر محمد عبد اللطيف الى الديوانية للمعالجة وهناك وقع وثيقة نبذ الشيوعية واطلق سراحه. وقد اشار المنسي الى هذه الدورة للتنديد بالدورات التي اجريتها في هذا الموضوع. فقلت للمنسي افتهمنا انه لم يجر في السابق دورة مماثلة اخرى للديالكتيك. ولكن كيف تقرر انه لن تكون دورة اخرى مماثلة؟ ان محمد عبد اللطيف قد نبذ الشيوعية فهل تعتقد بان الحزب لن ينجب شخصا يعرف الديالكتيك بعد هذا؟ وكان هذا اللقاء اخر لقاء بيني وبين المنسي. ولكني اعلم كما ذكرت سابقا انه اصبح رئيسا للجمعيات الفلاحية في لواء العمارة بعد ثورة تموز.
بعد ذلك بايام قليلة سفروا السجناء غير اليهود الى سجن بعقوبة ونقلونا نحن اليهود الى سجن القلعة القديم لان عددنا كان قليلا. وبقينا وحدنا في نقرة السلمان مدة وجيزة ربما اسبوعين او ثلاثة اسابيع ثم نقلونا الى سجن بعقوبة حيث وضعونا كل اربعة في غرفة من غرف الجناح المغلق. وفي مقالي السابق عن حميد عثمان ذكرت تفاصيل الاحداث في هذه الفترة حتى ثورة تموز ولا ارى فائدة من تكرارها. هناك حادث واحد لابد من ذكره هو ان نفس السجين الذي كان يعاني من اكزيما في يده اليمنى والذي ذكرته في مقال سابق عاد الى السجن بعد اطلاق سراحه وجاء يوما ليسلم علي في ساعة التمشي في الممر. وقد فاجأني هذا الشخص بقوله "ان كنت مخلصا حقا في حبك للحزب لازم تفرح لانه يطردك لان ذلك في مصلحة الحزب". فتركته بدون ان اسلم عليه.
في فترة وجودنا في بعقوبة نجح الاتحاد السوفييتي باطلاق سبوتنيك. وكان هذا مفاجأة لكل العالم وكذلك بالنسبة لنا في سجن بعقوبة. وقصة الاقمار الصناعية لها تاريخ في حياتي السجنية. حينما اصبحت منظمتنا السجنية في نقرة السلمان كبيرة بعد مجيء السجناء من بعقوبة اصبح بامكان المنظمة ان تقدم بعض المساعدات وان تعمل على حل المشاكل التي يعاني منها السجناء الاخرون مثل السجناء المحكومين على الشيوعية ولم يعيشوا في المنظمة والسجناء الصهاينة. وقد كلفتني المنظمة بان اكون حلقة الوصل بينهم وبين المنظمة وان اعمل على حل مشاكلهم وتوفير المساعدة لهم عند الحاجة. كان بين السجناء الصهاينة شخص اسرائيلي كان مبعوثا الى العراق من اجل تنظيم الهجرة الى اسرائيل قبض عليه بجواز ايراني باسم صالحون واسمه الحقيقي يهودا تاجر. وكان من الطبيعي ان يحصل اتصال بيني وبينه لدى تنفيذ المهمة التي كلفت بها. وقد تكونت علاقة ودية بين هذا الشخص وبين المنظمة الى درجة دعوته الى احدى الحفلات العامة في احد الاعياد الثورية. نحج اهل هذا السجين في تسجيل اشتراك له في مجلتي نيوز ويك وتايمز الاميركيتين ووافقت ادارة السجون على ادخالهما له في نقرة السلمان. كنت استعير هاتين المجلتين منه واقرأ المقالات العلمية فيهما. كان العالم انذاك يتهيأ لما سمي السنة الجيؤوفيزيكية. وكانت اهم المواضيع في هاتين المجلتين حول الاستعدادات لاطلاق الاقمار الصناعية. كانت الابحاث كما لو ان الولايات المتحدة كانت مستعدة لاطلاق الاقمار الصناعية وهي تؤجل ذلك الى بداية السنة الجيؤوفيزيكية. وقد تعلمت الكثير من هذه المقالات عن الاقمار الصناعية. لذلك عند اطلاق سبوتنيك لم يكن لدى السجناء من يسألونه عنها غيري. فجاء القادة الاربعة من غرفة القيادة كل على حدة حسب الترتيب الحزبي. وحاولت ان اشرح لهم ما اعرفه عن الاقمار الصناعية وعن مشاكلها. وحين جاء دور بهاء الدين نوري في اليوم الرابع بدأت في شرح ما استطيع شرحه في الموضوع. وحين قلت له عن موضوع فقدان الوزن وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لذلك عند ارسال الانسان الى الفضاء اعترض وقال هذا خطأ وغير ممكن. فقلت له ان العلماء في العالم كله اثبتوا ذلك وحتى اوجدوا على الارض ظروفا شبيهة بالظروف في الاقمار الصناعية من اجل تدريب رواد الفضاء على ذلك. قال ان هذا مستحيل وغير صحيح. فسألته هل تستطيع ان تخطئ جميع العلماء في العالم وانت هنا في سجن بعقوبة؟ اجاب "الشيوعي يگدر". وبهذا انتهى حديثنا معه عن الاقمار الصناعية ولم يواصل سماع ما اقوله له.
في غرفتنا الانفرادية كنا اربعة هم مئير كوهين ومنشي يعقوب وحسقيل درويش وانا. وكان السجناء من الغرف الاخرى يسألوننا عن انسجامنا والمنازعات او المشاحنات التي تحدث اثناء وجودنا في الغرفة المغلقة. كانوا يعجبون حين نقول لهم لم يحدث اي نزاع او مشاحنة بيننا. وسر الانسجام في غرفتنا كان اقتراحي على السجناء الثلاثة ان يوجهوا لي اسئلة سياسية او نظرية نكتبها بالملعقة على الجدار واقوم انا بالاجابة عليها الواحد بعد الاخر. وكنا بهذه الطريقة نقضي كل يوم عدة ساعات في مناقشة تلك الاسئلة ولم يكن لدينا من الوقت ما يسمح لنا بالنزاع او المشاحنة. وكان اثنان من السجناء يقومان بالحراسة من باب الغرفة ومن الشباك اثناء كتابتي للاجابة على الاسئلة التي كان عزيز الحاج يوجهها من الجناح الثاني للسجن.
في اليوم الثاني بعد الثورة فتحت الابواب وازيلت السلاسل عنا واجتمعنا ثانية بملابسنا المدنية. وقد ارسل السجناء جميعا رسالة تهنئة وتأييد لحكومة الثورة وقعناها جميعنا بالطبع. ولكن القيادة شطبت جميع تواقيع السجناء اليهود بدون ان يخبرونا بذلك رغم انهم ابقوا تواقيع سجناء اشتركوا مع الحكومة في اهانتهم وتعذيبهم قبل الثورة. ولكننا علمنا بعد فترة ان القيادة حذفت تواقيعنا بدون ان تخبرنا. وفي المرحمة الاولى التي اعلنتها الحكومة بعد الثورة باعفاء جميع السجناء من نصف محكومياتهم اي بعد ايام قليلة من الثورة خرج جميع السجناء اليهود الذين كانت محكومياتهم من عشر سنوات وما دون. وكانت نصيحة المسؤولين القياديين في المنظمة لهم بان لا يعترضوا على تسفيرهم الى اسرائيل لكي لا يحرجوا حكومة الثورة. وفي هذه الايام القليلة لاحظنا ان سجناء قضوا سنوات عديدة معنا وشاركناهم في كل شيء اخذوا يرفضون الاكل في سفرة اذا كان فيها يهودي.
بقينا في هذه الفترة ثلاثة شيوعيين ورابع كان عضوا في الحزب الشيوعي قبل سجنه ولكنه لم يعش في المنظمة طيلة فترة السجن لاسباب لا اعرفها. شعرنا بهذه المواقف ضدنا فطلبنا عقد اجتماع مع اللجنة القيادية لبحث الموضوع. انعقدت اللجنة برئاسة هادي هاشم المسؤول الاول وعضوية مهدي حميد وزكي خيري وبهاء الدين نوري وربما عزيز الحاج ايضا. وكنا نحن الثلاثة يعقوب مصري ومئير كوهين وانا. فشكونا من المواقف المعادية لنا. فاعترفوا بان الحزب يتحيز ضد اليهود رغم انهم ضد ذلك. وفي هذا الاجتماع كنت المتحدث الرئيسي فقلت لهم اذا شئتم نلبس عمامة ونذهب الى النجف لكي نبقى في الحزب فاجابني هادي هاشم انذاك لا نقبلكم في الحزب. وقلت لهم اننا سنواجه وضعا نحاول فيه الاتصال بالحزب فلا نستطيع ذلك. فاجابني هادي هاشم بانه يتعهد شخصيا في توصيل اي شيء نرغب في توصبله للحزب. وانتهى الاجتماع بهذا القدر.
رغم اني يهودي لا يمكن ان اكون شيوعيا جاءني بعض السجناء قبل اطلاق سراحهم لاستشارتي حول السياسة التي ينبغي ان يسلكوها لدى خروجهم. اتذكر منهم اثنين مهمين هما هادي هاشم وعزيز الحاج. انا اعرف ان من اهم المهام التي سيكلف بها هادي هاشم هي مهمة العمل النقابي. ولذلك كانت نصيحتي له "لا تحتكروا العمل النقابي لان احتكار العمل النقابي يحطم النقابات ويضر بسياسة الحزب." فما الذي حدث بعد الثورة؟ كان احتكار الحزب للعمل النقابي اسوأ احتكار في تاريخ الحركة النقابية. فقد كان ما سمي اتحاد نقابات العمال عبارة عن لجنة حزبية لا علاقة لها بالعمال. وهذا يفسر عدم اهتمام العمال بالغاء اتحادهم بعد المؤتمر الذي انعقد بعد انتخابهم لاعضائه باغلبية ٩٠ % او اكثر من اصوات العمال والذي افتتحه عبد الكريم قاسم بخطاب رائع. الغت حكومة عبد الكريم قاسم اتحاد العمال بعد تشكيله بعدة ايام واعتقلت كافة اعضاء الاتحاد وربما صادرت ممتلكاته ووثائقه فلم يعر العمال ذلك اي اهتمام.
اما عزيز الحاج فقد كان شيئا اخر. كان دوره محصورا في العمل السياسي وفي الكتابة. وكان موضوع الوحدة او الاتحاد مع وحدة مصر وسوريا الموضوع اللاهب انذاك وقد استشارني فعلا في هذا الموضوع. فقلت له ان الوحدة يجب ان تكون بين قطرين متكافئين من الناحية الاقتصادية والا فان ما يسمى وحدة لا يكون الا استغلالا. ولذلك اعتبر ان شعار الحزب يجب ان يكون ضد الوحدة المباشرة الان.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات شخصية 1
- شكرا يعقوب ابراهامي
- رأي على تعليق
- الديالكتيك الالهي والديالكتيك المادي
- حميد عثمان والديالكتيك وحسقيل قوجمان
- مجزرة الكوت كما اتذكرها
- الطبابة او العناية الصحية في السجون السياسية
- الانشاد والغناء في السجون السياسية
- رسالة شكر للاخ وصفي يوسف
- هل ستالين ام تروتسكي احد قائدي ثورة اكتوبر؟
- دولة العدالة الاجتماعية 2
- دعوة موجهة الى شيوعيي وتقدميي العالم
- دولة العدالة الاجتماعية
- قانون الانتخابات وموضة دولة القانون
- ذكرى ثورة اكتوبر بمفهوم فالح عبد الدجبار 2-2
- ذكرى ثورة اكتوبر بمفهوم فالح عبد الجبار 1-2
- حوار مع د, وسام جواد
- ملاحظة حول مقال -التناقض بين المادية والديالكتيكية-
- ملاحظة حول قانون فناء الضدين
- ملاحظة حول مقال د. صباح الشاهر -ليس اليسار يسار القاعة-


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسقيل قوجمان - ذكريات شخصية 2