أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاضل الخطيب - غزوة قلم الحبر الناشف...















المزيد.....

غزوة قلم الحبر الناشف...


فاضل الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 3011 - 2010 / 5 / 21 - 22:54
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كتبتُ قبل بضع سنوات استعراضاً بسيطاً عن "العبقرية المجرية" منذ بداية القرن الماضي، وأشرت إلى امتلاك أكثر من 15 جائزة نوبل للعلوم المختلفة لأمة لا يزيد عدد أفرادها عن 15 مليون نسمة، ويعتبر هذا مركزاً مميزاً بين دول وأمم العالم. وأريدُ اليوم تناول إحدى غزوات العقل المجري الفريدة..
تجدر الإشارة إلى أنه يعيش داخل حدود دولة المجر عشر ملايين إنسان، ويعيش حوالي ثلاثة ملايين في الدول المحيطة إضافة إلى قرابة مليوني فرد يعيشون في الشتات أو المهجر، (كانت مساحة المجر ثلاثة أضعاف مساحتها حالياً، وكانت آخر "عقوبة" لحقت بالدولة المجرية بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، حيث صاغ المنتصرون وقتئذ حدودها الحالية، وضُمت ترانسلفانيا الواسعة والغنية بالموارد الطبيعية وذات الجبال الخلابة -ضُمت إلى رومانيا، وجزء أُلحق بتشيكوسلوفاكيا، وآخر إلى أوكرانيا، وقسم صغير إلى النمسا).. والحقيقة أن أكثر الذين حصلوا على جوائز نوبل كانوا يقيمون خارج البلد وحملوا جنسيات أجنبية أيضاً، ويُقال أن بعضهم كان من أصول يهودية –سبب الإشارة إلى المعلومتين الأخيرتين هي أنه قد يكون اعتبار جنسية حملة نوبل فيها شيء من التعقيد، ونستشهد هنا بقول لاينشتاين قبل حصوله على جائزة نوبل في محاضرة ألقاها في جامعة السوربون عام 1922 حيث قال "إذا تبين أن النظرية النسبية صحيحة فستعتبرني ألمانيا بأنني ألمانياً بينما فرنسا التي عشت فيها فستقول بأنني إنسان عالمي، وإذا تبين بطلان نظريتي هذه فستقول فرنسا أنني ألماني وستقول ألمانيا بأنني يهودي.."، وعندما أبلغوا اينشتاين على عنوانه في برلين عن منحه الجائزة كان حينها في اليابان واستلم الجائزة نيابة عنه سفير ألمانيا في السويد، بينما كان اينشتاين يحمل الجنسية السويسرية منذ سنوات عديدة، وطلب وقتها سفير سويسرا استيضاحاً حول هذا الموضوع، وأنه هو الذي كان عليه استلام الجائزة نيابة عن اينشتاين، واستمر النقاش حول هذا الموضوع حتى بعد أن حصل اينشتاين على الجنسية الأمريكية عام 1940. وإذا جمعنا كل الأسماء التي حصلت على جوائز نوبل على أساس السجلات الرسمية العديدة للدول والقوميات والأديان لوجدنا أن عددها يفوق كثيراً العدد الحقيقي!
وعودة للعبقرية المجرية نجد فيها علماء ساهموا في وضع فرضيات لعلوم الكوانتوم الفيزيائية واستند اينشتاين على بعضها في نظرياته، وهناك مخترع الميكروسكوب ومكتشف فيتامين سي، وعلماء في الكيمياء والطب –التعقيم الجراحي، وأسس علوم الكومبيوتر، وعلوم الذرة –مخترع القنبلة الهيدروجينية أدى تيللر- وفي علوم الميكانيك والهيدروليك... حوالي مائة وخمسون ألف اختراع، منها مثلاً مكعب روبيك والذي غزا العالم في العقدين الأخيرين من القرن الماضي..إلخ.
ولا يخفى على المهتمين بتاريخ الموسيقى والفن أن المجر كانت "قوة عظمى" في الإبداع الموسيقي منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وما زالت تعتبر بودابست "عاصمة للثقافة والفن" في أوربا..

بعد تلك المقدمة الطويلة أريد الإشارة وباستعراض قصير لاختراع قلم الحبر الجاف (الناشف) والذي يُعتبر حالة فريدة من حيث اتساع استخدامه في كل مكان، ويعود هذا الاختراع لشخصٍ مجري كان اسمه لاسلو بيرو.

هو نفس القلم الذي كتب فيه العقيد الأكبر "الكتاب الأخضر" –مُلهِم البشرية لغدها الأنضر. الغد الذي يُبشّر فيه فحول منظمة "محامون -الجهل- بلا حدود" المصرية، والتي تسعى لاختراع محاكم تفتيش على الفكر والكتب، وربما مشكلة المتهمة "ألف ليلة وليلى" أنها انتصرت على ذكورية عقلهم المعلّق. ونسأل "عقولهم" هل يسري هذا التفتيش على تعابير "الأروتيكا" في المقدسات؟ مثل المفاخذة وتمسيح الإرب والنكاح والوطء والحرث والحوريات دائمات العذرية رغم النكاح الأوتوماتيكي...إلخ. أليسَ في ذلك استخفافاً بالعقل ورفعة المقدس؟
في هذه العجالة لا يمكننا سوى القول أن الجهل لا حدود له والعقل جداً محدود.. محدووودٌ يا ولدي!
وهذا القلم الساحر استخدمه السيد خدام للتوقيع على "فرمان" تتويج الوريث في مزرعة الشام، ذلك التوقيع الذي يُدّفعنا ثمنه مع كل "الغلابة" حتى الآن، وحتى بعد أن صدّقنا بسذاجة صحوته الوطنية "النزيهةِ"مع الأخوان. هو القلم الذي يكتب فيه الملك أبو متعب فصيح اللسان، والبيك غير المُتعَب والمُتعِب في لبنان. وهو القلم الذي كتب فيه الـ"سالم" غزل وعشق "نحن" و"تعليق معارضته" وكل صكوك الغفران!. الـ"نحن" وزهير يُذكّران بتوقيعات طلاس (جيّاب العرب) على بطاقات المحبة والعمر الطويل للإخوان!
وربما يكون هو نفس القلم الذي مَهَرَ به "سيد وابن العلم والقلم" وثيقة العرفان، مع قراءة الفاتحة على روح اسكندرون لبني عثمان، و"بالروح والدم" -والحزام يُحرر العراق وفلسطين الآن، وفي الوقت المناسب والشكل المناسب يأتي دور الجولان!. وهو القلم الذي استخدمه القاضي النوري في محكمة أمن الدولة "المباركة" بحق الذين أضعفوا وهن أمة العُربان، وربما يكون نفس القلم الذي أبدع فيه مثقفي "ثورة الثامن من آذار ووليدها المدلل 5 حزيران"، وهو القلم الذي كتب فيه الأب سيمفونية حماه وتدمر وتل الزعتر في لبنان! القلم الذي كان رمز "اللي خطهم حلو" من الزعران، في جمهورية التوريث الواحدة، ذات الرسالة الخالدة، صانعة الوحدة والحرية والاشتراكية على الجدران..

لكن كيف اخترع ذلك القلم الذي يستخدمه الجميع، ومنهم بعض المعارضة السورية، وخطاب بعضها مع أوربا هو الدفاع -المنافق تحت اسم حقوق الإنسان- عن نقاب وجلباب شبح طالبان؟!..

كتبت مجلة إيطالية ما يلي: "في يوم من الأيام كان بيرو يجلس على الفيراندا في بيته في بودابست، وكان ينظر إلى أطفال يلعبون بالكرات الزجاجية (الدحل) أمام المنزل، وخلال ذلك تدحرجت إحدى الكرات وسقطت في حفرة صغيرة ملآنة بالماء ثم خرجت منها وتدحرجت على الإسفلت الجاف تاركة وراءها آثار الماء الذي علق فيها على أرض الشارع، وفي هذه اللحظة وُلدت فكرة قلم الحبر الجاف.. وفي كتاب "قصة السيرة الذاتية – الثورة الهادئة" يقول المخترع بيرو: "لا شك أنها قصة جميلة، لكنها لا تمت للحقيقة بشيء"..
وقصة أخرى تقول أنه عندما كان يعمل لاسلو بيرو كمحرر في مجلة "هنغاريا" وبعدها في صحيفة "إلى الأمام" كان ينزل كثيراً إلى المطبعة ويراقب عملية الطباعة، وجاءته فكرة القلم الناشف من عملية الأسطوانات التي كانت تغطي سطحها طبقة من الحبر بشكل منتظم من أجل عملية الطباعة.
وهناك أسطورة تقول أنه سقطت مرة محبرة من على طاولته وسال الحبر وبنفس الوقت تدحرجت كرات فولاذية مرت على الحبر وتركت خلفها أثر الحبر على أرض المكتب..

وبأي شكل حدثت الشرارة التي أوحت بفكرة قلم الحبر الناشف للمخترع المجري لاسلو بيرو ما عادت مهمة، المهم أنه في عام 1931 وفي معرض بودابست الدولي عرض بيرو اختراعه الجديد، وكان قلم كبير الحجم وبنوعية رديئة ولم يكن من السهل الكتابة به، لكنه قام بعد ذلك بتطوير اختراعه ليصبح مقبولاً وعملياً أكثر.
ومبدأ عمل قلم الحبر الناشف هو، وضع كرة صغيرة من الفولاذ وذات سطح أملس وناعم جداً – وضعها في نهاية أنبوب ضيّق وتكون متوضعة في داخل الأنبوب وملاصقة للسطح الداخلي بشكل يقفل نهاية الأنبوب بشكل مُحكمٍ تقريباً، ونضع حبراً فوق الكرة في داخل الأنبوب، ثم بعدها نحرّك القلم"الكرة" مما يجعلها تتدحرج في مكانها داخل نهاية الأنبوب مغلفة (مشكّلة) في هذه الحركة طبقة رقيقة من الحبر على سطحها، وبالتالي عند تحريك الكرة على الورق تترك خلفها أثر الحبر.. وبعد سلسلة من التجارب توصل بعدها بيرو إلى صناعة "وسيلة" تعتبر أكثر شعبية للكتابة في العالم مازالت قائمة حتى الآن..
وفي عام 1939 اضطر لاسلو بيرو للهجرة إلى باريس ومنها سافر إلى الأرجنتين حيث استقر هناك.. وخلال ذلك كان النفوذ الألماني يزداد في المجر، وقاموا بتصنيع قلم الحبر الناشف بغياب بيرو وبدون موافقته.. لكن بيرو استطاع تطوير صناعة القلم في الأرجنتين وفي عام 1943 حصل على براءة اختراع هناك، لتقوم بعدها الحكومة البريطانية بشراء حقوق التصنيع، وكان الهدف هو تقديمه للوحدات البريطانية الجوية بعد أن صار فعلاً ابتكاراً مقبولاً وعملياً، حتى سُمي في انكلترا قلم بيرو"بيرو بن" وسمي في فرنسا في وقت لاحق "بيرون"..
بعد ذلك وفي عام 1945 اشترت شركة أرجنتينية رخصة تصنيعه وحدها، وبعد أقل من شهر يقوم رجل أعمال من شيكاغو بزيارة بوينوس آيروس ويشاهد في أحد المحلات القلم، ويرى فيه فرصة تجارية كبيرة، ويشتري بضعة أقلام وعند عودته لأمريكا يقوم بتصنيع القلم ضارباً عرض الحائط حقوق التأليف أو حق ملكية التصنيع، ويصبح القلم المقلّد هذا أفضل نوعية من القلم الأصلي.. وتتسابق عدة شركات على استغلال الفرصة هذه لتقوم بإنتاجه وتوزيعه. وساهمت المقالات التي كُتبت عن القلم بخلق دعاية له أعطته هي أيضاً دوراً ومكانة خاصة، فمثلاً وصفته نيويورك تايمز بأنه "قلم سحري فانتازيّ"..
وبعدها مباشرة غزا قلم بيرو أسواق العالم، وما زلنا نعيش بركات تلك الغزوة الحضارية. -وتعبير "غزوة" لابد أن يذكرنا اليوم بغزوات الحزام الناسف للمخترع بن لادن وشركاءه، وشتان بين غزوات وغزوات..

قلم الحبر الناشف العادي يستطيع أن يكتب كلاماً بطول قرابة 8 كيلومتراً قبل أن يفرغ حبره.
ومنذ اختراع قلم لاسلو بيرو كَتب بهذا القلم آلاف العلماء والأدباء والمفكرين ملايين "التحف" العلمية والأدبية والفنية، والتي تذكرنا كم هو بسيطٌ هذا القلم، وكم أدمت قلوباً تلك الرسائل التي كتبت في قلم بيرو، إنه بكل بساطة عظيم، إنه إحدى روائع تحف العبقرية المجرية...

ملاحظة: مسودة هذا الموضوع –باستثناء بعض الملحقات- كُتبت قبل حوالي سنة ونصف لبرنامج اغتصب قبل ولادته في قناة زنوبيا المغتصبة ضمن فصل "اغتصاب المحارم"!.

بودابست، 21 / 5 / 2010. فاضل الخطيب.



#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة السباحة والتسبيح...
- الطبقة العاملة عائدة من الجنة!..
- شطارة ملء الفراغات بفراغات أكثر!...
- بانتظار الجلاء.!..
- وارسو توّدع ونحن نبتهل!..
- خبز الرئيس وملح النائب!..
- الماضي والمستقبل وعِلم جهاد بينهما.!.
- أن تذهب متأخراً خيرٌ من ألاّ تذهب.!.
- هل يعتذر الوليد من الوالد بلا -تخلّ-؟!..
- متى يعتذر الأكراد؟!..
- وجوه المرأة: الحُبّ ثم الحُبّ ثم الحُبّ.!.
- المأساة والملهاة والكامخ بينهما.!.
- وفاء -الاصدقاء-.!.
- مقاربة للوطن والمواطنة.!.
- الجولان بين الأسد وليبرمان.!.
- بصراحة واضحة. حوار ساخن مع الأمل.!.
- 3 جي في1(جبهة الجهاد الجديدة للحزب).!.
- همزة الوصل والقطع وقواعد النصب والرفع.!.
- قبل أن تتكسر مرايا الشام.!.
- من شبّ على شيءٍ شابَ عليه؟ وَلَوْ صبغ شَعره؟.!


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاضل الخطيب - غزوة قلم الحبر الناشف...