أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين تملالي - عن قانون جزائري افتراضي -يجرم- الاستعمار















المزيد.....

عن قانون جزائري افتراضي -يجرم- الاستعمار


ياسين تملالي

الحوار المتمدن-العدد: 2962 - 2010 / 4 / 1 - 21:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مطلع هذه العشرية، وعقب نشر شهادات جديدة لضحايا التعذيب من مناضلي الثورة الجزائرية، اندلع في فرنسا نقاش حام عن ضرورة الاعتراف الرسمي بمجازر الاحتلال الفرنسي للجزائر. و ما لبث هذا النقاش أن تحول إلى جدل مستعر بين قدامى مساندي الحركة الوطنية الجزائرية وخصومهم في اليمين وأقصى اليمين، بين المؤمنين بشرعية لجوء هذه الحركة إلى السلاح والداعين إلى مرااجعة تاريخ الاستعمار على ضوء إخفاقات النظام الجزائري وما توجها من حرب أهلية طاحنة. وكان ذلك دليلا ساطعا على أن الزمن لم يمح من الذاكرة الفرنسية شبح "الأقدام السوداء" (أي أوروبيي الجزائر المستعمَرة) ولم يمح من ذاكرة هؤلاء صورة ما يعدونه وطنهم "السليب" لا وطن الجزائريين المغتصب في 1830.

وبلغت رغبة بعض النخب اليسارية في تخفيف وطأة الوحشية الاستعمارية على "ضمير" الجمهورية الفرنسية حد مطالبة الإليزيه بالاعتذار للشعوب المستعمَرة عما عاشته من مآس لا تزال تجتر آثارها إلى اليوم. ولم يقنع رفعُ هذا المطلب الجنرالات الجلادين بإعلان ندمهم على جرائمهم، ناهيك عن طلب الصفح عنها من ضحاياهم. عكس ذلك، زادهم الاهتمام الإعلامي بهم فخرا بما اقترفت أياديهم. وكان مثال هذا الفخر المقيت كتابا عنوانه "الأجهزة الخاصة : الجزائر من 1955-1957" (« Services spéciaux : Algérie 1955-1957) زها فيه صاحبه، سيء الذكر بول أوساريس، بأنه هو شخصيا من أعدم أحد قادة الثورة الجزائرية، عربي بن مهيدي، في زنزانته في مارس 1957، ما كان أول اعتراف بأن الرواية الرسمية عن وفاة هذا المناضل منتحرا كانت محض هراء.

واستغل غلاة "أوروبيي الجزائر" المرحلين عنها في 1962 تزامن طفو هذا "الماضي غير الجمهوري" إلى سطح الذاكرة الفرنسية مع تجدد الجدل حول مكانة أحفاد "الأنديجان" في المجتمع الفرنسي (انتفاضة الضواحي الباريسية في خريف 2005)، فضاعفوا الضغوط على اليمين الحاكم لإقناعه بتصليب موقفه في هذا النقاش إذا ما أراد الفوز بأصواتهم في الانتخابات. وكعادته منذ ازدياد الوزن الانتخابي للجبهة الوطنية بقيادة جان-ماري لوبان، لم يقاوم اليمين هذه الضغوط طويلا. تزاوجت لديه الرغبة في كسب أصوات "المرحلين" وأبنائهم باستعادة شوفينية "لعظمة" فرنسا وأفضالها الجمة على المستعمرات، ما كان نتاجه قانون 23 فبراير 2005 الذي خلد مساعي المعمرين "التحضيرية" وراء البحار.

وبرهن التصويت على هذا القانون على أن ميزان القوى في إحدى أعرق الديمقراطيات الغربية يميل ميلا واضحا إلى اليمين وأن رفع مطلب "الاعتذار عن جرائم الاستعمار"، في سياق تجدد الخطابات التي تصور السود والمغاربيين على أنهم سبب الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني المزعوم، كانت له نتائج عكسية : تدعيم صفوف أقصى اليمين وزيادة رغبة اليمين، لأسباب انتخابية، في تبني مطالبه العنصرية.

كان ممكنا، بطبيعة الحال، أن يبقى هذا الجدل "فرنسيا-فرنسيا"، لكنه تحول بسرعة إلى أحد مواضيع النقاش السياسي الجزائري. أدلت الصحف بدلوها فيه وفتحت صفحاتها لشهادات ضحايا التعذيب إبان الفترة الاستعمارية ولتحليلات المحللين لما أثاره مطلب "اعتذار فرنسا عن جرائم الاستعمار" من تنافس انتخابي فج بين اليمين وأقصى اليمين.

وشكك الكثير من مناضلي الثورة الجزائرية في وجاهة مطلب الاعتذار هذا (ما حاجة المنتصر إلى سماع توبة المهزوم عن جرائمه ؟)، غير أن النظام (من خلال دوائر غير الرسمية ثم، مباشرة، من خلال بعض ممثليه) سرعان ما حول هذا المطلب إلى محور من محاور التعبئة الشعبية حول سياسته، ما تجلى بخاصة إبان حملات الرئيس بوتفليقة الانتخابية في 2004. وبعد أن كان "اعتذار فرنسا" مطلبا يساريا فرنسيا، أصبح بقدرة قادر أحد مطالب الدولة الجزائرية، صاغه رئيس الجمهورية شخصيا في خطاب ألقاه في 20 سبتمبر 2005 وتطرق إليه مرات عديدة عبد العزيز بلخادم، أحد أقرب المقربين إليه.

ولم يثمر تبني هذا المطلب جزائريا أي تنازل من قبل الإليزيه. فبالرغم من الانتقادات الداخلية والخارجية، تمسك اليمين الفرنسي بقانون 23 فبراير 2005 لأن كل تراجع عنه كان يهدد بضرب قواعده وتحول قسم منها إلى الجبهة الوطنية. وإرضاءً "للأصدقاء الجزائريين"، اكتفى نيكولا ساركوزي خلال زيارة له للجزائر في ديسمبر 2007 بالقول إن "النظام الاستعماري كان بالغ الجور"، ولم يردف هدا الكلام الغائم بما يشبه ولو شبها بعيدا الندمَ أو طلب الصفح.

وكشف تبني مطلبَ "اعتذار فرنسا" في الجزائر عن شيئين اثنين، أولهما صعوبة تأصيله لدى شعب عانى تبعات "الشرعية الثورية" قمعا وفقرا وتهميشا، وثانيهما تذبذب التموقع الرسمي حياله لأسباب عديدة، أهمها أنه لا يحظى بإجماع أجنحة النظام التي يرفض بعضها إقحام "ذاكرة الثورة" في العلاقات الجزائرية الفرنسية ويعتبر أن الاقتصاد يجب أن يظل عصب هذه العلاقات الوحيد.

فشل النظام الجزائري في إقناع السلطات الفرنسية بإجهاض التصويت على قانون 23 فبراير 2005 وفشل في أن ينتزع منها كلمة واحدة تشبه الاعتذار، لكن هذين الإخفاقين لم يمنعا معارضى عقيدة "الطابع الأولوي للعلاقات الجزائرية الفرنسية" من أن يقترحوا، مطلع 2010، نص "قانون يجرم الاستعمار"، وقع عليه 120 نائبا ينتمون إلى الحزبين الحكوميين، جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، وإلى حزب "معارض" ولد من رحمهما، هو الجبهة الوطنية الجزائرية.

وأُطلقت هذه المبادرة في مرحلة تعرف فيها العلاقات الجزائرية الفرنسية فتورا كبيرا أدى إلى تأجيل قدوم عدة وزراء فرنسيين إلى الجزائر، فضلا عن إلغاء زيارة مقررة للرئيس بوتفليقة إلى باريس، وبدا واضحا أن السلطات الجزائرية شجعتها سرا وإن سعت إلى تشذيب مشروع القانون المذكور بما يجعله أقل راديكالية.

هل سيتحول هذا النص يوما إلى قانون ساري المفعول ؟ لنا أن نشك في ذلك ونحن نسمع رئيس المجلس الشعبي الوطني (غرفة البرلمان الأولى)، عبد العزيز زياري، يصرح مؤخرا إن "سحبه ليس مستبعدا". وقد كشف تصريحه عن أن أصحاب هذه المبادرة لم يأخذوا بعين الاعتبار استحالة دعم أصحاب القرار لها لسبب واضح هو ارتباط جزء منهم بدوائر باريسية، سياسية واقتصادية، بالغة التأثير.

أما ما برهن عليه كلام عبد العزيز زياري أبلغ برهان فتحولُ استرجاع ذاكرة الحقبة الاستعمارية إلى وسيلة ضغط على فرنسا لتليين موقفها في مسائل كمصير الصحراء الغربية والحضور العسكري والاستخباراتي الأجنبي في دول ساحل الصحراء المتاخمة لحدود الجزائر الجنوبية. من هذا المنطلق، ليس من المبالغة القول إن بعض من يدعون صادقين إلى "تجريم الاستعمار" بنص القانون هم أداة في أيدي دوائر رسمية وغير رسمية تفاوض فرنسا على ملفات جيوسياسية لا علاقة لها مطلقا بالتاريخ.

ماذا نالت الجزائر من انخراطها في هذا الجدل عن ماضي فرنسا الاستعماري ؟ لم تنل شيئا. أضافت إلى قائمة إخفاقاتها السياسية والديبلوماسية إخفاقا جديدا عمق اقتناع الجزائريين بأن حكامهم عاجزون عن الفوز في معركة رمزية لهم فيها كل الأفضلية المعنوية، فما بالك بالانتصار على "الغريم الفرنسي" في معترك السياسة والاقتصاد ؟

ياسين تملالي



#ياسين_تملالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتب وتمثاله : حديث عن -تصنيم- كاتب ياسين
- مسيحيو البلدان الإسلامية : حوار مع القرضاوي وهويدي عن المساو ...
- عن مكافحة الفساد في الجزائر أو «الأيادي النظيفة» الوسخة
- الجزائر و مصر : بعد كرة القدم، ماذا عن الاقتصاد ؟
- عن الجزائر ومصر يوسف زيدان أو صورة الكاتب عنصريا
- الإعلام الشوفيني : 1 - مصر والجزائر : 0
- الجزائر : -تأسلم- السلطة و-تسلطن- الإسلاميين
- هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟
- بين «ولاية» الشيعة و«ولاية» الإخوان»
- اغتيال مروة الشربيني والحرية الدينية لدى المتزمتين
- عدم الانحياز بين الأمس واليوم
- 1964-2009 : -عدم الانحياز- من القاهرة عاصمة حركات التحرر إلى ...
- باراك أوباما ووهم -العالم الإسلامي-
- ساركوزي وإيران وعصر «ازدواجية الخطاب»
- السودان على ضوء البترول
- أسطورة -المغرب العربي الكبير- وواقع الحدود
- نيكولا ساركوزي والدين كبضاعة سياسية
- مغالطات عن التبشير المسيحي في الجزائر
- المهاجرون الأفارقة ضحايا «المصالحة الإيطاليّة الليبيّة»


المزيد.....




- نتنياهو يعلق على قبول حماس وقف إطلاق النار والسيطرة على الجا ...
- لوكاشينكو: العالم أقرب إلى حرب نووية من أي وقت مضى
- غالانت: عملية رفح ستستمر حتى يتم التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح ...
- الرئيس الجزائري: لا تنازل ولا مساومة في ملف الذاكرة مع فرنسا ...
- معبر رفح.. الدبابات تسيطر على المعبر من الجانب الفلسطيني مع ...
- حرب غزة: هل يمضي نتنياهو قدما في اجتياح رفح أم يلتزم بالهدنة ...
- اتحاد القبائل العربية في سيناء.. بيان الاتحاد حول رفح يثير ج ...
- كاميرا مثبتة على رأس الحكم لأول مرة في مباراة الدوري الإنكلي ...
- بين الأمل والخوف... كيف مرّت الـ24 ساعة الماضية على سكان قطا ...
- وفود إسرائيل وحماس والوسطاء إلى القاهرة بهدف هدنة شاملة بغزة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين تملالي - عن قانون جزائري افتراضي -يجرم- الاستعمار