أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - اللذة الجسدية والدين















المزيد.....

اللذة الجسدية والدين


محمد شرينة

الحوار المتمدن-العدد: 2940 - 2010 / 3 / 10 - 10:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يمكن إنكار الوضع غير الطبيعي الذي أصاب الفكر البشري بانتشار ما يسمى بالأديان الكبرى ومنها المسماة بالديانات السماوية. قبل تلك الحقبة التي تقع بين القرنين الثاني والسادس الميلاديين تقريبا، تقدمت المعرفة والثقافة البشرية أشواطا كبيرة ولكن فجأة مع انتشار المسيحية والزردشتية ثم الإسلام توقف تقدم المعارف البشرية تماما. لا بل هي سارت في طريق عكسي، فكثير من المعارف التي كانت معارف معلومة للجميع نسيت واندثرت. ولا أدل على ذلك من كروية الأرض. فبعد أن كانت هذه الحقيقة من المسلمات بل إن هناك قياسات دقيقة إلى حد مقبول لقطر الأرض، نجد أننا الآن وبعد حوالي 1400 سنة أو أكثر، يدور عندنا الجدل حول كون الأرض كروية أو منبسطة.

بالرجوع إلى الفترة التي سبقت انتشار هذه الأفكار الدينية الشمولية نجد أن العالم كان قد دخل مرحلة إرهاق حقيقي نتيجة الامتداد الكبير للإمبراطورية الرومانية زمانا ومكانا. إن الإغراق المادي الكبير لهذه الإمبراطورية أرهق إلى حد كبير الروح البشرية في أنحاء هذه الإمبراطورية العملاقة التي شكلت معظم العالم الغربي (غرب الهند) في تلك الأيام، ولم تكن الإمبراطورية الفارسية التي تقع على الحدود الشرقية للرومان وتتقاسم معهم غرب العالم القديم بأحسن حالا. من الملاحظ أن الصين التي كانت بعيدة عن سيطرت هذه الأديان ظلت تمتلك حيوية معرفية، لزمن طويل بعد ذلك.
وحتى لا ندور في نفس الحلقة التاريخية ونكرر نفس الأخطاء، أعتقد أنه لابد لنا من التركيز على ناحيتين:
في البداية لا بوجد أمامنا مخرج سوى التحرر من أفكار ما يسمى بالديانات الكبرى عن العالم بمعنى التحرير التام للفكر البشري من الخرافات البدائية التي نقلتها إلينا هذه الأديان من موروث أساطير الحضارات القديمة وبالأخص في وادي النيل وما بين النهرين، نحن نعلم اليوم بشكل يقيني أن نظريات خلق العالم وخلق الإنسان والجحيم والحياة الثانية والنصر الذي يعتمد على تأييد القوى العلوية، تعود إلى تلك الفترة.
لقد لجأ إليها إنسان ذلك الزمان كونها الوسيلة الوحيدة التي توفرت له في ذلك الوقت للتماسك النفسي في عالم واسع، مضطرب وغير رحيم، في وقت كانت معلومات الإنسان عن هذا العالم قليلة للغاية، وهذا تصرف مبرر بل ضروري ولكنه ليس كذلك الآن. بل هو تصرف سلبي بكل المعايير في ضوء تقدم معارفنا الحالي.
من المهم أن نذكر أن قضايا كقضايا تفوق الرجل على المرأة ومنع الاتصال بين جنسي البشر، كذلك منع بمعنى تحريم بعض الأطعمة، تعود إلى هذه المجموعة من الأفكار التي فرضتها الثقافة البشرية في مرحلة لاحقة لتلك المرحلة. ولأسباب مادية معروفة فقد ذكرت في مقال سابق أن تقييد حرية المرأة الجنسية كانت الحل الوحيد المتوفر آنذاك لحمايتها من مخاطر الإنجاب المتكرر من جهة، ولإيجاد شريك يساعدها في رعاية المواليد الجديدة التي تنتج عن عملية ممارسة الأنثى للجنس. وبزوال جميع أو معظم تلك المبررات لابد من أن تزول التابوات( الممنوعات أو المحرمات) التي بنيت عليها.
هذا كله يقود إلى أنه في مجال العلم والاجتماع والاقتصاد والسياسة لابد من التخلي عن جميع التدخلات الدينية لجميع الأديان. وبدون ذلك نكون ببساطة، عالقين في ثقافة تعود إلى نحو ثلاثة آلاف سنة خلت. مما يعني أننا نجمد أنفسنا في الإطار المعرفي لتلك الحقبة السحيقة من الزمن، ولا بد من التأكيد أننا لا يمكن أن نكون أمة حديثة فاعلة بتلك الأطر المعرفية التي عفا عليها الزمان، وواقعنا كأمة هو أكبر دليل على ذلك.
الناحية الثانية هي أنه مهما بلغ الإنسان من تطور فانه سيظل يشعر بضياع في هذا العالم الهائل القاسي، هذا الشعور هو الذي يجعل التعاسة تخيم على حياة الكثير من البشر مع أن جزء كبير منهم يمتلك أقصى الإمكانيات المادية التي توفرها الحياة الحديثة، وهو شعور مفهوم فمهما بلغ الإنسان من تقدم سيظل يشعر بحيرة وخوف في هذا العالم الهائل القاسي.
في الواقع لا يوجد الكثير الذي يمكن عمله حيال ذلك، في كل يوم ينتحر عدد كبير من البشر وجزء كبير من هؤلاء الذين يقتلون أنفسهم هم على درجة عالية من الثقافة والإمكانيات المادية. ولمعالجة هذه المشكلة اخترع أسلافنا الدين بمعناه الروحي وليس المادي فالدين ليس له معنى مادي في الواقع. بالطبع الدين وبأي شكل من أشكاله غير قادر على حل المشكلة حلا جذريا، ولكنه أفضل المتوفر للتعامل مع هذه المشكلة.
هناك الكثير، الكثير من المتدينين الحداثيين الذين يستطيعون الجمع بين المسألتين سالفتي الذكر: أن يكونوا دنيويين بالكامل فيما يخص العلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع وجميع نواحي الحياة العملية، وبنفس الوقت متدينين بمعنى روحانيين عندما يتعلق الأمر بالإيمان. إن مثل هذه العملية أثبتت أن لها فائدة كبيرة في كثير من الحالات. كما أن الطقوس التي غالبا ما ترافق الكثير من أنواع التدين سواء كانت طقوس بحتة كالصلاة والدعاء أو طقوس ذات طابع عملي كالصوم والحج والامتناع عن بعض اللذات المتوفرة(كمنع بعض أنواع الطعام أو تقييد حرية الاتصال الجنسي) تظل مقبولة مادامت تساعد الناس على الوصول إلى حالة إيمان يحقق لهم راحة نفسية معينة، ما لم ينتج عن هذه الطقوس ضرر يلحق بالبشر الآخرين، ومادامت مسائل شخصية يعتنقها من يرغب ويتركها بمحض إرادته دون أن تُفرض عليه أو أن يفرضها على غيره.
بالطبع ليس كل الناس هم كذلك فهناك الكثير من الناس الذين يشعرون أنهم ليسوا بحاجة لأن يكونوا متدينين، فهم قادرون على أن يكونوا سعداء ومتزنين نفسيا دون أن يكونوا مؤمنين، وهذا أمر طبيعي ومبرر لأننا ننطلق من مبدأ أن كل شيء هو في خدمة الإنسان وليس العكس. كما أن هناك الكثير من الناس الذين يشعرون بحاجة شديدة للراحة والتوازن النفسي خارج الثقافة المادية للعالم، ومع ذلك لا يجدون أن الدين أو الإيمان يحقق لهم ذلك؛ بعضهم يجد هذا التوازن في نواحي أخرى كاللذة الجسدية أو المادية، وبعضهم يجدها في الفن أو الأدب، البعض يجد هذا التوازن في العمل والنجاح، كما أن بعضهم الآخر لا يجدها في أي مكان. وهذا أيضا كله طبيعي ومبرر ضمن قاعدة عدم إلحاق الضرر بالآخرين. وأنا هنا أعني بوضوح أن اللذة المادية كطريقة لتحرير حياة البشر من الآلام والمخاوف يجب أن تكون وسيلة مقبولة تماما كالدين والفن، طالما أن ضررا لا يلحق بالغير نتيجة لهذه المتعة المادية. فمهمتنا النهائية في أعمق أعماق الثقافة البشرية هي تخفيف آلام البشر إلى الحد الأقصى الممكن، مع علمنا المحتم أن هذه الآلام لا يمكن التخلص منها بالكلية. بتعبير آخر إن أهم مهماتنا هو تقليل عدد هؤلاء البشر الذين لا يجدون راحتهم(ربما سعادتهم) وتوازنهم النفسي في أي مجال، تقليل عددهم إلى الحد الأدنى الممكن. كل هذا سيبدو مفهوما بوضوح ومقبولا بالكامل طالما انطلقنا من المبدأ الإنساني الذي يعتبر أن كل شيء في خدمة الإنسان وأن سعادة الإنسان هي الغاية الحقيقية للعمل والثقافة البشريان.
من الغريب فعلا أن معظم الأديان الكبرى بما فيها الإسلام كانت تحوي في جوهرها وبشكل واضح هذا المبدأ، ثم وبفعل رجال الدين الذين طالما اتخذوا الدين مطية لاستعباد الناس وتأليه أنفسهم انحل هذا المبدأ تدريجيا إلى درجة انه اختفى منذ زمن طويل. أنا لا أستطيع أن أرى في إباحة تعدد الزوجات والرق إلا دعما لهذه الفكرة فرغم أن الفكرة الثانية (الرق) تتناقض بشكل صريح مع مبدأ المساواة في الإسلام إلا إنها لما كانت إحدى الحاجات الاجتماعية والاقتصادية لذلك الزمان، لم يقم الإسلام بتحريم الرق. ومثال ثاني ففي عملية إثبات واقعة الزنا فرض الإسلام شهادة أربعة شهود يرون الفعل الجنسي بوضوح(عملية إيلاج الذكر في الفرج) وهو أمر مستحيل عمليا، مما لا يترك مجالا للشك بأن العقوبة كانت موجهة لمنع ممارسة الجنس بشكل علني لا لشيء آخر، وذلك مراعاة للحرية الجنسية الصارخة التي اعتادها العرب قبل الإسلام. وهذا هو السبب نفسه الذي جعل الإسلام يبيح تعدد الزوجات وملك اليمين رغم أن هذا خلق المشكلة الأكبر التي واجهت العالم الإسلامي بعد ذلك وهذا موضوع آخر.
تمثل الولايات المتحدة أنجح مجتمع في العالم منذ أكثر من قرن ويبدو أنها ستستمر في احتلال هذا الموقع في المستقبل، في نفس الحين تعتبر أكثر المتجمعات المتطورة تدينا مما قد يكون مؤشرا صالحا للتدليل على أن التدين بطريقة حضارية كما أسلفت له دور ايجابي في حياة البشر، وأنا هنا لا أنطلق من نظرة أيديولوجية بل من نظرة عملية فقد أكون أنا نفسي لست ممن يتبنون مثل ذلك التوجه، ولكنني اشعر أنه إذا كان من حق المثقف المتحرر أن يطرح المسائل بالطريقة التي يراها هو بها، فان من واجبه أن يعترف بالطرق التي تثبت قدرتها على حل مشاكل البشرية على أرض الواقع حتى لو لم تكن منسجمة مع نظرته الشخصية كليا، وإلا ما معنى ادعاؤنا بأننا نفكر بطريقة علمية؟



#محمد_شرينة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس والأنبياء
- حرية بلا ثمن
- المرأة والدهقان
- عفوا يا رب، أنا لست جميلة
- لقد أفقت من جديد
- حول نشوء الإسلام
- نحن نعاني لأننا نتطور ( وحدة الوجود)
- العلم والدين تحت مظلة المصلحة البشرية
- حول تقرير التنمية البشرية العربي الخامس
- يا بُني
- الحاجة إلى تحديث العلمانية والإسلام العربيين
- هل البيض أم السود هم أهل النار؟
- الإيمان والوهم
- العوامل الحاسمة في تقدم الغرب والثورة الصناعية
- العرب والطيران
- تحرير جسد المرأة بل أجساد النساء والرجال
- حيرني البوذي
- أنا والله
- الضمير والشبق؟
- المسلمون والغنائم


المزيد.....




- “وفري الفرحة والتسلية لأطفالك مع طيور الجنة” تردد قناة طيور ...
- “أهلا أهلا بالعيد” كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024 .. أهم ال ...
- المفكر الفرنسي أوليفييه روا: علمانية فرنسا سيئة وأوروبا لم ت ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف ميناء عسقلان المحتل
- المقاومة الإسلامية بالعراق تقصف قاعدة -نيفاتيم- الصهيونية+في ...
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- لولو صارت شرطيه ياولاد .. تردد قناة طيور الجنة 2024 الجديد ع ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا ميناء عسقلان النفطي ...
- بن غفير يعلن تأسيس أول سرية من اليهود الحريديم في شرطة حرس ا ...
- “ابسطي طفلك” تردد قناة طيور الجنة الجديد على نايل سات وعرب س ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد شرينة - اللذة الجسدية والدين